الرئيسية / الاسلام والحياة / الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 06

الحياة الآخرة – دروس في المعاد والآخرة 06

الدرس السادس:

علاقة الدنيا بالآخرة

 

 

أهداف الدرس:

على الطالب مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن أنّه لا تأثير للأمور المادية من غنى أو فقر على مصير الانسان الأخروي.

2- يشرح حقيقة تجسّم الأعمال الحسنة والسيئة يوم القيامة.

3- يبيّن أنّ الكفر يحبط الأعمال الحسنة، وأنّ الحسنات تمحو السيئات.

الرؤية الصحيحة لعلاقة الدنيا بالآخرة

ليس هناك رؤية واحدة في بيان العلاقة بين الدنيا والآخرة وكيفية الارتباط بينهما. حيث يرى البعض إنّ ما يصل إليه الإنسان في هذه الدنيا هو ما سيلاقيه في الآخرة، فإن وصل في هذه الدنيا إلى المال والثروة فهو ما سيجده في الآخرة. وحكى قول هؤلاء القرآن الكريم: ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا﴾[1].

 

ويعتقد البعض عكس ذلك، أي أنّ كل ما يصل للإنسان في هذه الدنيا من الثروة والنعم سوف يحرم منه في الآخرة، وأنه إن كان في الدنيا فقيراً فسوف يكون في الآخرة غنيّاً. وبالجملة، إنّ كل سرورٍ في الدنيا يقابله شقاءٌ في الآخرة[2].

 

تدلّنا الآيات والروايات على أنّ كلا نوعي الاعتقاد هذا هو خطأ، فكم من الناس يعانون الحرمان والاستضعاف في هذه الدنيا وفي الآخرة لهم عذابٌ أليمٌ لأتباعهم المستكبرين: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾[3].

 

ومن جهة أخرى، سيكون نصيب الكثير ممّن عاش متنعِّماً في هذه الدنيا النعيم في الآخرة والجنّة أيضاً. والمثال البارز لذلك هو النبي سليمان عليه السلام, حيث أعطاه الله عزّ وجلّ مُلكاً في هذه الدنيا لم يحصل لأحدٍ من بعده وفي نفس الوقت كان نبيّاً وخليفةً لله ومن الأفراد المقرّبين.

 

وقد روي أنّ شخصاً يهوديّاً تعرّض للحسن بن علي عليه السلام وهو في شظفٍ من حاله وكسوفٍ

 

من ماله بينما الحسن عليه السلام راكبٌ بغلةً فارهةً وعليه ثيابٌ حسنة، فقال: جدّك يقول: “إنّ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فأنا في السجن وأنت في الجنة‍؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ فقال عليه السلام: لو علمت ما لك وما يترتّب لك من العذاب لعلمت أنّك مع هذا الضرّ ههنا في الجنّة، ولو نظرت إلى ما أعدّ لي في الآخرة لعلمت أني معذّب في السجن هنا”[4].

 

وقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة في الكثير من آياته:

﴿بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[5].

 

﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾[6].

 

العلاقة بين العمل ونتيجته في الآخرة

هل الارتباط بين العمل الصالح في الدنيا، وبين السعادة في الآخرة، وبين العمل الطالح في الدنيا، وبين العذاب والشقاء في الآخرة حقيقي أم اعتباري؟ وبعبارة أخرى هل يوجد علاقة بين العمل ونتيجته الأخروية؟ أو أنّه لا يوجد علاقة ورابطة بينهما؟

 

إنّ المستفاد من الآيات والروايات هو أن الارتباط بين الدنيا والآخرة ارتباط حقيقي بمعنى أنّه ليس أمراً وهمياً بل هو أمر حقيقي وله تحقّق في الخارج. وأما ما يكون من أجرٍ زائدٍ ومضاعفٍ من قبل الله تعالى فهو محض التفضُّل والإحسان منه عز وجلّ. ورد في القرآن الكريم: ﴿وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ﴾[7].

 

وتخاطب الملائكة الظالمين بقولها:

 

﴿ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾[8].

 

وفي حديث لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾[9].

 

وفي الروايات أنّ المذنب يعذّب بنفس الحقوق التي يأكلها.

 

فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: “ما من عبد منع زكاة ماله إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نارٍ مطوَّقاً في عنقه”[10].

 

تجسّم الأعمال في الآخرة

إنّ آثار عمل الإنسان تمحى سريعاً بحسب الظاهر ولكنّها بحسب الواقع باقية غير زائلة، قال تعالى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾[11].

 

﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾[12].

 

ففي عالم الآخرة تتجسّم العقائد والأفكار، والصفات الحسنة والصفات السيّئة وجميع أعمال الإنسان بصورة خاصة، وتلازم الإنسان وترافقه. وقد بيّن القرآن وكتب التفاسير ذلك[13].

 

وكمثال على ذلك ما ورد من الروايات من أنّ من أدخل السرور على أخيه المؤمن أسرّه الله في قبره ويكون معه يوم القيامة ويبشّره ويؤمنه من الخوف إلى أن يدخل الجنة[14].

 

ومثالٌ آخر ما يرد في حديث المعراج وبيان مشاهدات النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

“ثم مضيت فإذا بقومٍ بين أيديهم موائد لحمٍ طيِّبٍ ولحمٍ خبيثٍ يأكلون الخبيثَ ويدعون الطيِّب، فقلت من هؤلاء يا جبرائيل؟ فقال: هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من أمّتك يا محمد، ثم مضيت فإذا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في أفواههم فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل فقال: هؤلاء الهمّازون اللمّازون”[15].

 

الحبط والتكفير

الحبط أو الإحباط بمعنى بطلان العمل وعدم ترتّب أثرٍ عليه. قال تعالى: ﴿لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[16].

 

فالكفر من الأمور الموجبة لإحباط الأعمال، لأنّ الذنب المترتّب على الكفر يفوق الثواب المترتّب على الأعمال الحسنة، قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾[17].

 

وأما “التكفير عن الذنوب” فهو محوها بواسطة الأعمال الحسنة.

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾[18].

ويقول تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[19].

 

وقال تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا﴾[20].

 

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “اتبع السيّئةَ الحسنة تمحُها”[21].

 

المفاهيم الرئيسة

1- إنّ ملاك السعادة والشقاء الأخرويّين هو الإيمان والتقوى. والغنى والفقر لا تأثير لهما في هذا المجال.

 

2- الآيات والروايات ترى أجر الآخرة بتبع العمل الصالح والإيمان سواء كان الإنسان غنيّاً أو فقيراً.

 

3- إنّ الارتباط بين أعمال الانسان في الدنيا والآخرة هو ارتباط تكويني لا اعتباري، أي أنّ عمل الإنسان في الدنيا له أثرٌ في سعادته أو شقائه في الآخرة، وسعادة الإنسان في الآخرة معلولةٌ لعمله الحسن في الدنيا.

 

4- إنّ كل قولٍ أو عملٍ يقوم به الإنسان له صورته المتناسبة معه في عالم ما بعد الموت، وهو سوف يتجسّم بهذه الصورة ويكون رفيقاً لهذا الشخص.

 

5- إنّ الشرك والكفر بل وسائر الصفات والأعمال المنهي عنها تُبطل عمل الإنسان الحسن. وفي مقابل ذلك فإن الخوف من الله والابتعاد عن كبائر الذنوب والقيام بالأعمال الحسنة موجبة للتكفير عن الأعمال السيئّة.

 

 

للمطالعة

 

خطر اللسان![22]

بنيتي! إنّ آفات الطريق كثيرة وإنّ لكل عضو ظاهر فينا أو باطن آفات، وكل واحد منه حجاب وإن لم نتجاوزه فإننا لا نستطيع أن نخطو الخطوة الأولى في السلوك إلى الله. إنّني أعاني وإنّ جسمي وروحي ألعوبتان بيد الشيطان وأود الإشارة إلى بعض آفات هذا العضو الصغير أي اللسان الذي إن خنته خانك وعندما يتحوّل إلى لعبة للشيطان ويصبح ألعوبة بيده فإنّه يفسد نفسه وروحه وفؤاده.

 

لا تغفلي عن عدو الإنسانية والمعنويات هذا، فعندما تجمعك مع صديقاتك مجالس الأنس اذكري الأخطاء الكبيرة لهذا العضو الصغير قدر الإمكان وانظري ماذا يصنع هذا العضو بساعة واحدة من عمرك التي يجب أن تنقضي لكسب رضا المحبوب، وما هي المصائب التي يسبِّبها للإنسان عند اغتياب الإخوة والأخوات! انظري ماذا تصنعين بسمعة بعض الأشخاص، وما هي أسرار المسلمين التي تفشينها وكيف تخدشين شخصيات الأفراد وتهدمينها. ثم اجعلي هذا الاجتماع الشيطاني مقياساً لتنظري ماذا صنعت في هذه السنة، وماذا سوف تصنعين في الخمسين أو الستين سنة القادمة وما هي المصائب التي ستخلقينها لنفسك ولكنّك في نفس الوقت تستصغرينها، وإنّ ذلك من مكائد إبليس التي أرجو أن يحفظنا الله منها.

 

بنيّتي! إنّ نظرة على ما ورد من كلام حول الغيبة وأذيّة المؤمنين والبحث عن عيوبهم وكشف أسرارهم واتهامهم تربك القلوب التي لم يختمها الشيطان وتحوّل طعم الحياة من الحلاوة إلى المرارة. وانطلاقاً من حبي لك ولأحمد أحذركما من الآفات الشيطانية وبخاصة آفات اللسان الكثيرة وحاولا صونه. إنّه يبدو صعباً في بداية الأمر ولكنه يهون بالعزيمة والتفكير في عواقبه.

 

 

اعتبري من التعبير القرآني المعبّر للغاية حيث قال: ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾. وهذا قد يكون إخباراً عن الصورة البرزخية لهذا العمل. وقد يكون في الحديث الذي روي عن سيد الموحّدين في مواعظه لنوف البكالي إشارة إلى هذا الأمر حسب أحد الاحتمالات، فقد جاء في الحديث أنّ نوفاً طلب منه وعظاً فقال له: “اجتنب الغيبة فإنّها إدام كلاب النار” ثم قال: “يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة” وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “وهل يُكَبّ الناس في النار يوم القيامة إلّا حصائد ألسنتهم؟”. فإنّنا نفهم من هذا الحديث وغيره من الأحاديث أنّ جهنم هي الصورة الباطنية لأعمالنا.

 

الإمام الخميني قدس سره

 

 

[1] سورة الكهف، الآية 36.

[2] مصباح اليزدي، الشيخ محمد تقي، معارف القرآن، ص 501.

[3] سورة سبأ، الآية 31.

[4] الحرّاني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول، تصحيح وتعليق علي أكبر غفاري، الطبعة الثانية، 1404هـ. ق، مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران، ص 54.

[5] سورة البقرة، الآيتان: 81 – 82.

[6] سورة النساء، الآية 124.

[7] سورة البقرة، الآية 110.

[8] سورة الزمر، الآية 24.

[9] سورة لقمان، الآية 16.

[10] العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، تصحيح وتعليق وتحقيق، الشيد هاشم الرسولي المحلاتي، طبع المكتبة العلمية الإسلامية، طهران، إيران، ج 1، ص 207.

[11] سورة الكهف، الآية 49.

[12] سورة الجاثية، الآية: 33.

[13] راجع، الآيات: البقرة، 275. الحجرات، 12. النساء، 10. الحديد، 12. التوبة، 35. بحار الأنوار، ج 7، ص 228، وسائل الشيعة: ج 4، أصول الكافي، ج 3، إدخال السرور على المؤمن.

[14] الكافي، ج 3، ص 289.

[15] القمي، علي بن ابراهيم، تفسير القمي، تحقيق وتعليق وتقديم السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، إيران، الطبعة الثالثة، 1404 هـ. ق، ج 2، ص 7.

[16] سورة الزمر، الآية 65.

[17] سورة آل عمران، الآيتان، 21 – 22.

[18] سورة هود، الآية 114.

[19] سورة الأنفال، الآية 29.

[20] سورة النساء، الآية 31.

[21] تفسير الميزان، ج 2، ص 269.

[22] صحيفة الإمام الخميني قدس سره، ج 18، ص 360.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...