الرئيسية / زاد الاخرة / وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين

أو فقل:  إن هذه العلوم معبرٌ نحو الهدف وليست الهدف بحد ذاتها، فكما أن الدنيا مرزعة الآخرة، فإن العلوم المتعارفة مزرعةٌ للوصول إلى المقصود، تماماً كما أن العبادات معبرٌ نحو الله جل وعلا، فالصلاة -هي أسمى العبادات- معراج المؤمن والكل منه وإليه تعالى.

وإن شئت فقل: إن المعروف بجميع أنواعه درجات في سلم الوصول إلى الله تعالى، وجميع المنكرات موانع في طريق الوصول، والعالم بأسره يبحث عنه تعالى، ويحوم كالفراش باحثاً عن جماله الجميل. ويا ليتنا نصحو من نومتنا ونلج أول منزل وهو اليقظة! وياليته جل وعلا يأخذ بأيدينا- بألطافه وعناياته الخفية- فيرشدنا إلى جماله الجميل، وياليت فرس النفس الجموح تهدأ قليلا، فتنزل عن مقام الإنكار، وياليتنا نُلقي هذا العبء الثقيل من على كواهلنا إلى الأرض، فننطلق مخفّين نحوه تعالى! ياليتنا نحترق كالفراش حول شمع جماله دون أن نتكلم! وياليتنا نخطو خطوة واحدة بقدم الفطرة ولا نبتعد عن طريقها بهذا القدر، و…و.. وآلاف التمنيات والأماني الأخرى التي تزدحم في ذاكرتي، وأنا على شفير الموت في شيخوختي هذه، ولكن دون أن تصل يدي إلى أي مكان.

وأنت يابني:

إستفد من شبابك وعش طوال عمرك بذكر الله ومحبته (جل وعلا)، والرجوع إلى فطرة الله. فذكر المحبوب لا يتنافى مع الفعالية السياسية والاجتماعية في خدمة دينه وعباده، بل إنهُ سيعينك، وأنت تسلك الطريق إليه. ولكن إعلم بأن خدع النفس الأمارة والشيطان الداخلي والخارجي كثيرة، فما أكثر ما تبعد الإنسان عن الله بإسم الله وإسم الخدمة لخلق الله وتسوقه نحو نفسه وآمالها: لذا كانت مراقبة النفس ومحاسبتها في تشخيص طريق الأنانية عن طريق الله من جملة منازل السالكين، وفقنا الله وإياكم لبلوغ ذلك.

وما أكثر ما يخدعنا شيطان النفس -نحن الشيّب وأنتم الشبان- بوسائل مختلفة، فنحن الشيوخ يواجهنا بسلاح اليأس من الحضور وذكر الحاضر فينادي: لقد فاتكم العمر، وتصرّم وقت الإصلاح ومضت أيام الشباب التي كان ممكنا فيها الإستعداد والإصلاح، ولا قدرة لكم في أيام ضعف الشيخوخة هذه على الإصلاح، فقد استحكمت جذور شجرة الأهواء والمعاصي في جميع أركان وجودكم وتشعّبت فروعها، فأبعدتكم عن اللياقة لمحضره جل وعلا، وضاع كلُّ شيء! فما أحرى أن تستفيدوا من هذه الأيام الباقية من أعماركم أقصى ما يمكن من

الاستفادة من الدنيا.

وقد يتصرف معنا أحيانا بنفس الطريقة التي يتصرف بها معكم أيها الشبان، فهو يقول لكم: أنتم شبان، ووقت الشباب هذا هو وقت التمتع والحصول على الذات، فاسعوا الآن بما يساهم في إشباع شهواتكم، ثم توبوا إن شاء الله في أواخر أعماركم فإن باب رحمة الله مفتوح والله أرحم الراحمين، وكلما زادت ذنوبكم، فإن الندم والرغبة في الرجوع إلى الحق سيزداد، وسيكون التوجه إلى الله تعالى أكبر والاتصال به جل وعلا أشد، فما أكثر أولئك الذين تمتعوا في شبابهم، ثم أمضوا آخر أيامهم بالعبادة والذكر والدعاء وزيارة الأئمة عليهم السلام والتوسل بشفاعتهم، فرحلوا عن هذه الدنيا وهم سعداء! تماما هكذا يتصرف معنا نحن الشيوخ، فيأتينا بأمثال هذه الوساوس فيقول لنا: ليس معلوما أن تموتوا بهذه السرعة، بالفرصة ما زالت موجودة وأجلوا التوبة إلى آخر العمر، فضلا عن أن باب شفاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (27- روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  “الصلاة معراج المؤمن” الاعتقادات للمجلسي ص 29.) وأهل بيته مفتوح، وإن أمير المؤمنين عليه السلام لن يتخلى عن محبيه ويتركهم يتعذبون، فسوف ترونه عند الموت، وسوف يأخذ بأيديكم. وأمثال هذه الوساوس الكثيرة التي يلقى بها في سمع الإنسان.

شاهد أيضاً

انكسار معنوي وهزيمة في أعماق الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني – فتحي الذاري

القوات المسلحة في الجمهورية اليمنية توجه صفعة جديدة في وجه محور الشر الثلاثي أمريكاوبريطانيا والاحتلال ...