تابع : الباب الرابع من كتاب إمامة أهل البيت ( ع )
رابعا : أولي الأمر هم أهل البيت عليهم السلام:
يقول تعالى في الآية 59 من سورة النساء : “ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ”
ويقول تعالي في الآية 83 من سورة النساء ” وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ “
أ- طاعة أولي الأمر ( الفريضة الغائبة ) :
إن الآيات المذكورة تدل دلالة واضحة على وجود ( فئة ) أو ( جماعة ) أو( أمة ) تسمى (أُوْلِي الأَمْرِ) طاعتها واجبه كطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيث أن طاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي طاعة الله ، فطاعة أولى الأمر هي طاعة الله سبحانه وتعالى
يقول تعالي : ” مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ” فكذلك طاعة أولى الأمر هي طاعة الرسول هي طاعة الله سبحانه وتعالى .. وعلى ذلك فطاعة أولى الأمر فريضة قرآنية ولكنها غائبة عن أكثر المسلمين أليست هذه آيات من كتاب الله سوف نسأل عنها يوم القيامة ؟ ” وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ” فإذا سُأل المسلم يوم القيامة هذا السؤال : هل أطعت الله ؟ فالإجابة واضحة نعم إن كان آمن بالله وأطاعه ، ولا .. إن كان لم يؤمن أو لم يطيع .. فإذا سُأل هل أطعت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ أيضاً فالإجابة واضحة : نعم إن كان أمن بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأطاعه ، ولا … إن لم يؤمن به ولم يطعه ..
أما إذا جئنا للسؤال الثالث والمتعلق بالآية الشريفة هل أطعت أولي الأمر ؟ فستجد أن أغلب المسلمين لا يعرفون من هم أولى الأمر ؟ هل هم الحكام ، مطلق الحكام براً كان أو فاجراً ؟!
هل هم العلماء … ؟ وأي علماء … ؟ علماء السنة أم علماء الشيعة ؟
وإذا كان علماء السنة فأي مذهب .. المالكي أم الشافعي أم الحنبلي أم الحنفي.. أم الظاهري .. أم الاباضي .. أم السلفي .. أو الوهابي .. الخ ؟
وإذا كان من علماء الشيعة ، فأي مذهب : الأمامية .. الإسماعيلية .. الزيدية ..
وإذا افترضنا أن الأمة لم تكن افترقت إلى فرق وطوائف وكانت أمة واحدة مجتمعة … فما الذي يضمن أن يكون علماؤها على حق .. وان ما استنبطوه من الشريعة هو مراد الله ورسوله ؟!
وإذا افترضنا أن رأي العلماء اختلف مع الأمراء والحكام فأي الرأيين نتبع ..؟
الحل لكل هذه الإشكالات يأتي في شئ واحد وهو انه لابد أن يكون ( أولى الأمر) معينين بالنص الصريح الواضح من قبل الله ورسوله .. وأن يكونوا هم الأمراء والعلماء في وقت واحد ..
وأن يكونوا معصومين … لأنهم إن لم يكونوا كذلك أضلوا الناس عن الحق ، وهذه الصفات هي :
أن يكونوا معينين بالنص الصريح الواضح من قبل الله ورسوله .
أن يكونوا هم العلماء والأمراء في نفس الوقت .
أن يكونوا معصومين .
هذه الصفات هي التي قالت بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام . .
ولنأت برواية من مرويات أهل البيت عليهم السلام ثم نبحثها في إطار القرآن الكريم وفي مرويات أهل السنة .
ب – رواية أهل البيت (عليه السلام) في تعريف من هم أولي الأمر ؟ :
الحديث الأول
في كتاب الإكمال عن جابر بن عبد الله الأنصاري ( رضي الله عنه ) قال : لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولى الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ؟ فقال : هم خلفائي يا جابر وائمة المسلمين من بعدى .
أولهم على بن أبي طالب
ثم الحسن
ثم الحسين
ثم على بن الحسين
ثم محمد بن على صلوات الله عليهم المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه منى السلام .
ثم الصادق جعفر بن محمد
ثم موسى بن جعفر
ثم علي بن موسي
ثم محمد بن على
ثم علي بن محمد
ثم الحسن بن على
ثم سميي محمد وكنيي … حجة الله في أرضه ، وبقيته في عباده ابن الحسن بن على صلوات الله عليهم ، ذاك الذي يفتح الله علي يديه مشارق الأرض ومغاربها ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامة إلا من امتحن الله قلبه بالإيمان قال جابر : فقلت له يا رسول الله فهل لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقال أي والذي بعثني بالنبوة إنهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب يا جابر إن هذا مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله .( تفسير الصافي جـ1 ص 464 ).
الحديث الثاني
في كتاب العلل عن أمير المؤمنين على (عليه السلام) لا طاعة لمن عصى الله وإنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر إنما أمر الله بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر لا يأمر بمعصية وإنما أمر بطاعة أولى الأمر لأنهم معصومون مطهرون لا يأمرون بمعصية فإن تنازعتم في شي من أمور الدين فردوه ( أي ) فأرجعوا فيه إلى الله إلى محكم كتابه ، والرسول بالسؤال عنه في زمانه وبالأخذ بسنته وبالمراجعة إلى من أمر ( أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم) بالمراجعة إليه فإنها رد إليه .( تفسير الصافي ص465 جـ 1 ).
الحديث الثالث
في كتاب الاحتجاج عن الحسين بن على (عليه السلام) في خطبته : وأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله وطاعة رسوله مقرونة ، قال الله تعالي ” أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ” وقال : وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ” فإن الأيمان يوجب ذلك ، أي الرد خير وأحسن تأويلاً من تأويلكم بلا رد . ( الصافي ص 465 جـ1)
الحديث الرابع
في قوله تعالى ” وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ” 83 النساء في الجوامع عن الباقر (عليه السلام) هم الأئمة المعصومون عليهم السلام والعياشى عن الرضا (عليه السلام) يعني آل محمد صلوات الله عليهم وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلفه.
بالتأمل في الحديث الأول فهو يدل على أن الأئمة معينين بالنص.
وبالتأمل في الحديث الثاني فهو يدل علي عصمة الأئمة
وبالتأمل في الحديث الثالث والرابع فهما يدلان علي أن أولياء الأمر هم العلماء والأمراء في نفس الوقت .
ج- أولي الأمر في أحاديث أهل السنة (عددهم ومن هم ) :
أولاً : عدد الأئمة :
1- عن جابر بن سمرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي ما قال ؟ فقال : كلهم من قريش ) صحيح مسلم باب الخلافة في قريش .
2- وفي رواية أخري : ( لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ) المصدر السابق
3- عن أبي هريرة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبعٌ لكافرهم) صحيح مسلم كتاب الإمارة
4- وفي رواية عن جابر بن عبد الله : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الناس تبعٌ لقريش في الخير والشر( صحيح مسلم كتاب الامارة )
5- عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كانت بنو إسرائيل تسوسوهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا ؟ قال : وفوا بيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ( صحيح مسلم وجوب الوفاء ببيعة الخليفة )
6- صحيح مسلم باب خيار الأئمة وشرارهم : عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم .
7- صحيح مسلم باب وجوب الطاعة: ( عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) .
8- ابن ماجه: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجز )
الشرح والتحليل
المتأمل في الأحاديث المذكورة يجد أنها تتفق مع مذهب أهل البيت عليهم السلام في موضوع أولى الأمر من حيث الأسس الآتية :-
الأساس الأول : أن أولي الأمر يجب إن يكون منصوص عليهم وأن يكونوا معينين من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) وليسوا باختيار الناس ..
وهذا ما دلت عليه الأحاديث المذكورة من حيث :
– عدد الأئمة
– تحديد قبيلتهم
1- فمن حيث عدد الأئمة فلقد صرحت الأحاديث المذكورة بأنهم أثني عشر خليفة ، وهل هناك معنى للعدد إلا النص عليهم ؟!
لأنه لو كان المقصود الأخبار بما هو كائن بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلفاء يتولون الحكم ؛ فالعدد أكبر من ذلك بكثير ..
وإن كان المقصود عدد الخلفاء الصالحين، فلا معنى لتحديد العدد إذا لم يعرفوا بأسمائهم وذواتهم ، حيث أن الناس تختلف في تقييم الأشخاص والحكم عليهم خاصة وهم في موضوع الخلافة وكرسي الحكم … حيث أن الأغلب الحكم عليهم وتقسمهم بحسب استفادة كل مجموعة من الناس، وبحسب مصالحهم ، ولذلك فقد ذكر البعض الخلفاء الأربعة الأوائل .. ثم أضاف إليهم عمر بن عبد العزيز ، وسماه الخليفة الراشد الخامس ، والبعض الآخر أضاف الإمام الحسن (عليه السلام) وهكذا..
إذن فالعدد لا معنى له ولا فائدة إلا إذا تم تحديد هويات هؤلاء الأئمة وأسمائهم وصفاتهم وتحديدهم تحديداً واضحاً لا لبس فيه وحاشا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتحدث بكلام لا معنى له في قضية من أخطر القضايا التي واجهتها الأمة .. أو تواجها أي أمة وهي قضية الخلافة، وبالذات خلافته (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو خاتم الأنبياء .. ورسالته خاتمة الرسالات .. وأمته خاتمة الأمم .
2- أما من حيث تحديد قبيلتهم ، وأنهم من قريش .. فهذا دليل أخر علي ( النص عليهم ) وليس اختيارهم من قبل الناس فليست قريش معصومة كلها وخيرٌ كلها بحيث لو اخترنا قرشياً لكان خليفة صالحاً راشداً هادياً مهدياً، بل بنص الحديثين (3) ، (4) .. في قريش الخير والشر والإسلام والكفر ، وهل عانى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته مثل ما عانى من قريش ؟! وهل طرده أحدٌ من مسقط رأسه ؛ ومن جوار بيت الله ؛ إلا قريش ؟!!
فإذا كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حدد الخلفاء بأنهم من قريش، فلا معنى لهذا التحديد إلا أن يحدد أي قبيلة من قريش، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين على (عليه السلام) في نهج البلاغة حينما قال : ” الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم “.. بل ليس كل بني هاشم يَصلحُ للخلافة الراشدة الهادية المهدية .. بل لابد من تحديد من هم هؤلاء الاثني عشر الراشديين المهديين حتى نعض على سنتهم بالنواجز كما ورد في الحديث رقم (8).
وهذا ما قال به مذهب أهل البيت عليهم السلام في الروايات التي رويت عنهم والتي ذكرناها في أول هذا الفصل والتي حددتهم تحديداً واضحاً لا لَبْس فيه ..
ومن دلائل نبوته عليه وآله الصلاة والسلام تحقق هذا في الواقع بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .. حينما بايع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) اثني عشر إماماً من أهل بيت النبوة .. من بن هاشم من قريش، ادعوا لأنفسهم الإمامة صادقين ..
وأجمعت الأمة على فضلهم وطهارتهم وسمو أخلاقهم ، وتميزهم وتفردهم ورشدهم ، وإن لم تجمع على إمامتهم السياسية وخلافتهم .
2- الأساس الثاني هو عصمة أولى الأمر:
نعود ونذكر بالآيه الكريمة ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
هل هناك من دليل أقوى من هذا الدليل على وجوب عصمة أولي الأمر الذين اقترنت طاعتهم بطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .. بل بطاعة الله سبحانه وتعالى ؟.
وهل يأمرنا الله بطاعة من يجوز أن تصدر منه المعصية ؟
من هم أصحاب هذه المنزلة العظيمة حتى تقترن طاعتهم بطاعة الله ورسوله ..؟ وينزل بها الوحي وتصبح قرآنا يتلى ؟
لما أمرنا الله بطاعته عرفنا من هو، وأرسل الرسل لذلك، وأنزل معهم الكتب والرسالات السماوية.
ولما أمرنا بطاعة رسوله ، حدده لنا ، وقال: محمد رسول الله ، تحديداً واضحاً لا لبس فيه .
فهل إذا أمرنا على نفس السياق بطاعة أولى الأمر لا يحددهم لنا ويترك الأمر بهم؟!
يطمع فيه كل بر وفاجر، وتقتتل الأمة من بعده بسبب هذا الأمر، وتتفرق إلى أحزاب، كل حزب بما لديهم فرحون ..
ومع ذلك فلقد خرج من وسط الفتن التى اجتاحت المسلمين بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .. واستطاع أن يفلت من دائرة التعتيم .. هذا الحديث الشريف المشهور الذى ورد في كتب السنة .. وهو الحديث رقم (8)
“عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .. عضوا عليها بالنواجز “.
فهذا الحديث يدل علي الآتي:
أنه بعد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هناك خلفاء ( راشدين ) ، ( مهديين ) فهل هاتين الكلمتين إلا تعبير عن العصمة ..
ثم أمرنا باتباع سنتهم .. أليس هذا دليلاً آخر على العصمة ..
ثم التأكيد بعضوا عليها بالنواجز ..
إذن هناك خلفاء بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) راشدين مهديين لهم سنة يجب اتباعها .. وأن عددهم اثني عشر .. وأنهم من قريش ..
أليس هذا هو ما يقوله شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ؟ الفرق الوحيد أن الشيعة عرفت من هم هؤلاء الأئمة الاثني عشر وبايعتهم .. واتبعت سنتهم كاتباعهم لسنة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ويبقي السؤال :
ما الدليل علي أن هؤلاء الخلفاء الاثني عشر هم من أهل البيت عليهم السلام ؟
وأنهم أولي الأمر الذين أمرنا الله بطاعتهم ؟
إذا أثبتنا فيما سبق أن أولى الأمر الذين أمرنا الله بطاعتهم وجعل طاعتهم كطاعة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكطاعته سبحانه وتعالى وفي نفس السياق .. أثبتنا أنهم يجب أن يكونوا معصومين فهذا لم يثبت إلا لأهل البيت عليهم السلام ..
ففي القرآن الكريم – آية التطهير :
” إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ” . أليست هذه الآية دليل على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) ؟.
لماذا هذه العصمة ؟ هل لمجرد أنهم أهل بيت النبي وذريته ؟
أم لأن لهم دوراً مهماً في قيادة الأمة قيادة إلهية دينية سياسية تقتضي عصمتهم وتطهيرهم كعصمة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم).
ولعل إدخالهم في حديث الكساء الذي جاء تفسيراً للآية المباركة؛ هو لبيان اشتراكهم مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في موضوع العصمة، وهي اللازمة لقيادة الأمة دينيا وسياسياً ، فكما أن النبوة تحتاج إلى عصمة في التبليغ للشريعة، فالإمامة تحتاج إلى عصمة للهداية إلى أحكام الشريعة ومعرفة مصاديقها في زمن كل إمام، حيث تتغير الظروف من زمن إلى زمن ومن بلد إلى بلد .
وإذا أضَفْت إلى ذلك ما سبق أن أثبتناه من أن المقصود ببعض الآيات القرآنية هم أهل البيت (عليهم السلام ) ذرية إبراهيم وإسماعيل ..
مثل : الأمة المسلمة في دعوة إبراهيم وإسماعيل، والشهداء على الناس، والأمة الوسط، وخير أمه أخرجت للناس، والمؤمنون حقاً، والمؤمنون الذين تعرض عليهم الأعمال …
وحيث أثبتنا أن كلمة أمة في هذه المصطلحات القرآنية تعني أئمة ..
إذن فأهل البيت عليهم السلام هم أولي الأمر في هذه الآية، والذين أمرنا الله بطاعتهم ..
وإن كانت هذه الآية كافية … شافية … ولكن لابد من ضم حديث الثقلين لها .. لتصبح الآية والحديث كافيين لمن أراد الله له الهداية في معرفة أولي أمر هذه الأمة .
حديث الثقلين
1) في صحيح الترمذي … قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
” يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ” صحيح الترمذي ج5 ص 328 ح 3874 طـ دار الفكر بيروت
2) وفي رواية أحمد من حديث زيد بن ثابت بطريقين صحيحين – الجزء الخامس ص182 ، 189 ” إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علىَّ الحوض .
3) صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال : ” أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال : وأهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي ..
أذكركم الله في أهل بيتي .
وحديث الثقلين حديث صحيح رواه خمسة وثلاثون صحابياً
وهو حديث متواتر بألفاظ مختلفة .
فالحديث واضح الدلالة على عصمة أهل البيت عليهم السلام لاقترانهم بالقرآن ، وكذلك واضح الدلالة على وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم، “ما إن أخذتم به” أو “ما إن تمسكتم به” في رواية أخرى .
فالأخذ والتمسك يدل على الإتباع ، كذلك قوله ( لن تضلوا ) فيدل على ضلال من لم يتمسك بأهل البيت ( عليهم السلام ) كضلال من لم يتمسك بالقرآن .
وهاتين الإشارتين في الحديث يدلان على وجوب الإتباع وبالتالي يدل هذا الحديث على أن أهل البيت (عليهم السلام ) هم أولياء أمر هذه الأمة؛ لأنه لو كان غيرهم، وأمر بأمر مخالف لهَدي أهل البيت ( عليهم السلام ) لوقع التناقض بين آية طاعة أولى الأمر، وحديث التمسك بأهل البيت ( عليهم السلام ).
هذا باختصار شديد؛ وإن كان البحث فيه يطول.. ولكن يبقى السؤال الأتي :
إذا كان الأئمة كلهم من قريش .. وأنهم من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فما الدليل على أنهم الأثني عشر المذكورين عند الشيعة الأمامية أي الذين أولهم على بن أبي طالب (عليه السلام) .. وأخرهم المهدي “عجل الله فرجه” ؟
بالنسبة لأن آخرهم المهدي وأنه من أهل البيت ( عليهم السلام ) فالأحاديث متواترة في ذلك “المهدي منا أهل البيت “..
فإذا كان الإمام الثاني عشر وهو المهدي من أهل البيت ( عليهم السلام ) فهذا دليل على أن كل الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت ( عليهم السلام ) لقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الاثني عشر خليفة كلمة “ كلهم ” دليل على أنهم تجمعهم جميعاً صفة واحدة، فإذا عرفنا أحدهم فالذي ينطبق عليه ينطبق على باقي الأئمة، فإذا كان المهدي (عليه السلام ) من أهل البيت (عليهم السلام) فكلهم من أهل البيت (عليهم السلام ).
أما بالنسبة لأولهم .. فهو عليّ (عليه السلام) والآيات القرآنية كثيرة والأحاديث لا حصر لها … نكتفي بالإشارة إليها.
ففي القرآن الكريم آية الولاية: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } المائدة55
وكلمة وليكم أي ولي أمركم، والذي أدى الزكاة راكعاً هو الإمام علي ( عليه السلام ).
وفي السنة قول الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزلت الآية الشريفة: ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
قام الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبا بغدير خم وأخذ البيعة لعلي ( عليه السلام) وقال :
من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه وعادى من عاداه …..
وكذلك الحديث الصحيح ( صحيح مسلم ) قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
“على منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي “
ومنزلة هارون من موسى هي خلافته في قومه … لقوله تعالى على لسان موسى لهارون عليهما السلام ” اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي “
وفي الحقيقة أن الاستدلال الروائي كثير .. ومستفيض… وتعرضت له كتب كثيرة .. مثل كتاب المراجعات .. وغيرها، ولا أريد أن أعيد ما سبق وأن تكلم فيه الكثيرون، ولكن هذه تأملات وتدبر وقراءة للسطور وما بين السطور، والأمر لا يحتاج إلا إلى بعض التدبر والتفكر، والهداية من الله.
هل هناك أدله أخرى على أن الآئمة الآثنى عشر هم من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
نعم .. الحديث رقم (6) ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم) صحيح مسلم
من هم الأئمة الذين نحبهم ؟ بل أمرنا الله بمودتهم ؟
لقد أمرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) بحب أهل بيته عليهم السلام في أحاديث كثيرة .
أما في القرآن فيكفينا آية ( المودة في القربى ) يقول الله تعالي ” قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى “
لقد جعل القرآن الكريم أجر الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم) الواجب على الأمة مقابل الرسالة هو مودة أهل بيته عليهم السلام.
والمعروف أن الأجر يساوى العمل فكأنما مودة أهل البيت عليهم السلام تعادل تبليغ الرسالة ولعل هذا هو أحد معاني قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) والذى أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغه هو ولاية علي (عليه السلام) في غدير خم.
وهذه المودة والمَحَبّة المستفيد منها هو المسلم المحب يقول تعالي : ” قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ “
أي أنكم أنتم المستفيدون بحبكم ومودتكم ومعرفتكم وطاعتكم لأهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
اليس قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : “خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم” لا تنطبق إلا على الذين أمرنا الله بمودتهم وحبهم في كتابه الكريم وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أما .. “ويصلون عليكم وتصلون عليهم” .
فهذا أوضح فى الاستدلال عليهم .. فيكفى أن المسلم لا تصح صلاته إلا بالصلاة على محمد وآل محمد في كل صلاة في التشهد . ” اللهم صلّ على محمد وآل محمد “.
ويقول الشافعي في بيت له مخاطباً أهل البيت عليهم السلام فيما معناه :
يا آل بيت رسـول اللـه حبــكم فرض مـن اللـه في القـرآن أنـزله
كفـاكـم من عظيـم الفـخر أنكم من لم يصـل عليـكم لاصـــلاة له
وهذا تنفيذاً لقوله تعالى:
” إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ” .
لما نزلت هذه الآية الكريمة سأل الصحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف نصلي عليك قال: قولوا: ( اللهم صلى علي محمد وال محمد ) .
بعد هذا هل هناك غير محمد وآل محمد نزل فيهم مثل هذا القرآن الذي يأمرنا بحبهم ..والصلاة عليهم.
وهذا هو نص حديث صحيح مسلم ” تحبونهم ويحبونكم ” ” وتصلون عليهم ويصلون عليكم “
هؤلاء هم خيار الأئمة … وهم أهل البيت عليهم السلام.
خلاصة ما ذكرناه .. أن خلافة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) .. أو الإمامة هي منصب إلهي وليس اختيار بشري .
وأن الأئمة معصومون مطهرون .
وأنهم من قريش من بني هاشم .
وأنهم اثني عشر من أهل البيت عليهم السلام.
وأنهم أولى الأمر الذين أمرنا الله بطاعتهم كطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وأن من لم يعرفهم مات ميتة جاهلية .
ولنختم هذه النقطة من البحث بالحديث رقم (5) :
” كانت بنو إسرائيل تسوسوهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي .. وسيكون خلفاء”
فالحديث ينص على أنّ ” الخلفاء في هذه الأمة مثل الأنبياء في بني إسرائيل ” ، وحيث لا مجال للناس في اختيار أنبيائهم كذلك لا مجال للناس في اختيار خلفائهم الذين يسوسونهم ..
أي أن الخلفاء في هذه الآمة لهم نفس منزلة الأنبياء السابقين إلا منزلة النبوة .. بدلاله قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ” وأنه لا نبي بعدى “
وقارن هذه العبارة من الحديث الشريف بالعبارة التي جاءت في حديث أخر رواه البخاري ومسلم وغيره بما عرف بحديث المنزلة : ” على منى بمنزله هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى “
نفس العبارة التي وردت في حديث الخلفاء في هذه الآية كالأنبياء في بني إسرائيل ، ألا يعتبر هذا نص على خلافة على (عليه السلام ) بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مباشرة .. بدليل كلمة ” بعدي “
وهذا يجرنا إلى الحديث عن الأئمة في بني إسرائيل كما ذكرهم القرآن .. من ناحية عددهم .. وموقف بني إسرائيل منهم .. وهذا موضوع الفصل التالي .