الرئيسية / تقاريـــر / قراءة في جذور الجماعات التكفيرية المقال السادس الحاكمية الألهية بقلم سالم الصباغ

قراءة في جذور الجماعات التكفيرية المقال السادس الحاكمية الألهية بقلم سالم الصباغ

قراءة في جذور الجماعات التكفيرية المقال السادس الحاكمية الألهية بقلم سالم الصباغ

المقال السادس : الحاكمية الإلهية وتكفير المجتمع ؟

من أخطر القضايا الملتبسة والتي أدي الفهم المغلوط لها إلى نشأة جماعات دينية تكفيرية مستندة إلى اَيات قرآنية شريفة تصف صراحة من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق ، ولا يمكن رد هذه الأيات بأي حال من الأحوال ، أو تجاهلها بل نحاول أن نبحث عن المفهوم الصحيح لها الذي لا يتجاهل الأيات الشريفة الواضحة المباشرة ، ولكن الذي نرفضه وخاصة في هذا العصر ، هو ماترتبه هذه الجماعات المتطرفة من تطبيق ( حد الردة ) أي القتل بنفسها ، فتقتل وتذبح وتفجر وتحرق وتسبي باسم الاسلام ….! فإن تطبيق القانون يقع على مسئولية الحاكم أو القاضي ، وإلا تحول الامر إلى فوضي وعودة للجاهلية .

عندما نشأت هذه الجماعات وانتشرت في كل مكان في مصر في السبعينات ، ومنذ حوالي أربعين عاماَ وكانت تدور نقاشات كثيرة وجدية ومعمقة معهم ، كان أول ما يتم مواجهتنا به من هذه الجماعات هو قوله تعالي في سورة المائدة :
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) / المائدة
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) / المائدة
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) / المائدة

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ( فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة

( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ) وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) المائدة ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ ) يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة )

ولاحظ في الأية الأخيرة أن ننتبه إلى أن ( حكم الجاهلية ) هو مصطلح قرأني جاء في مقابل الحكم الإلهي ، وليس من مخترعات الجماعات الإرهابية ..

فما هو معنى الحكم الإلهي …؟


لاحظ أن القران عندما تحدث عن البيعة قال :
( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله )
وعندما تحدث عن الحكم ، قال :
( إن الحكم إلا لله )
وعندما تحدث عن الطاعة ، قال :
( من يطع الرسول فقد أطاع الله )
فمن هو هذا الشخص الذي حكمه هو حكم لله ، وبيعته هي بيعة لله ، وطاعته هى طاعة لله فهذا لا يمكن لأحد من الناس أن يعرفه إلا بالإختيار الإلهي والبلاغ من الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله للأمة ..

فالحكم الإلهي يعني عنصرين :

الأول : القانون والدستور الإلهي ( القرأن الكريم والسنة النبوية الصحيحة):
ودليله الأيات التى تتدعوا للحكم بما أنزل الله ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ )

الثاني : الحاكم المختار من الله لتطبيق القانون ، حيث أنه طالما ( إن الحكم إلا لله ) فإن الله سوف يبعث رسوله العالم بالقرأن ليحكم به ، لأن حكم الرسول هو حكم الله ، ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، ثم أن الرسول صلوات الله عليه سوف يبلغ الأمة بمن سيخلفه ويحكم بنفس حكمه ( بلغ ما أُنزل إليك من ربك )…مصداقا لقوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).
وهذا الأمر كان واضحاَ تماما في فترة النبوة وحياة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله ،

.

يقول الله تعالى :
(- فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء )
فلاحظ أن المقصود بالحاكمية لله هو تحكيم الرسول الأكرم صلوات الله عليه وأله ، وبالتالي هو سوف يحكم بالقران …
أما بعد رحيل الرسول صلوات الله عليه وأله فلن يتم تعطيل هذه الأية الكريمة بل ستنتقل الحاكمية إلى الإئمة المطهرين المختارين من أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم أجمعين .
وهذان العنصران هما المقصودان بالحديث الشريف المجمع على صحته عند الفريقين :
إني تارك فيكم الثقلين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما :
كتاب الله
وأهل بيتي ..


والمقصود بكتاب الله القانون والدستور الإلهي وهو القرأن والسنة النبوية الصحيحة
والمقصود بأهل البيت هو الحاكم والخليفة الإلهي المعصوم ، او ولي الأمر المفترض الطاعة ..
وهما ( أي الكتاب وأهل البيت ) يمثلان حاكمية الله عز وجل ، وإلا فلا يمكن لإنسان غير معصوم وغير مختار من الله عز وجل أن يصيب الحكم الواقعي المطابق لحكم الله مهما كانت درجة علمه وتقواه وإخلاصة ..

الحاكمية في العصر الحالي


السؤال الذي يتبادر إلى الذهن :
كيف نطبق حاكميه القران وأهل البيت ( عليهم السلام ) في هذا العصر وفي زمن غيبة الإمام طبقاَ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ؟
يقول الله تعالى في سورة المائدة :
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)المائدة )
نلاحظ في الأية الكريمة معني الحكم بما أنزل الله بأنه حكم :
1 ـ النبيون
2 ـ الربانيون
3 ـ الأحبار بما استحفظوا من كتاب الله )
والنبيون في هذه الأمة مصداقهم الأوحد هو الرسول صلوات الله عليه وأله
والربانيون في هذه الأمة مصداقهم الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وهذا مالم يقل به غير الشيعة .
والأحبار المستحفظون في هذه الأمة هم ( الفقهاء الحافظون لدينهم ) ولكنهم غير معصومين أي في حالة غيبة المعصوم ..والغريب أن رواية أهل البيت عليهم السلام تتحدث عن الفقيه الحاكم في عصر الغيبة فتصفه ( بالحافظ لدينه ) متطابقاَ مع الأية ( والأحبار بما استحفظوا )

روايات مدرسة أهل البيت عن الحاكمية في زمن الغيبة
و قضية ولاية الفقيه …؟


1 ـ قال الامام العسكري عليه السلام: «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه،
لاحظ عبارة ( حافظاَ لدينه ) وقارنها بالأية الكريمة ( والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله ).
معنى الربانيون والأحبار في مرويات أهل البيت عليهم السلام :
2 ــ العياشي عن الصادق عليه الصلاة والسلام : الربانيون هم الأئمة دون الأنبياء الذين يربون الناس بعلمهم والأحبار هم العلماء دون الربانيين قال ثم أخبر عنهم فقال بما استحفظوا من كتب الله وكانوا عليه شهداء ولم يقل بما حملوا منه .
3 ـ عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق(عليه السلام): (انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً؛ فإذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه، فإنّما بحكم الله استخفّ، وعلينا ردّ وهو رادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله, فإذا اختلفا فالحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما )
لاحظ في الرواية الشريفة الإشارة إلى العلماء بصفتين :
ـ أن يكون ممن يرووا أحاديث أهل البيت عليهم السلام .
ـ وأن يكون من الفقهاء الذين يعرفون الحلال والحرام في مذهب أهل البيت عليهم السلام .
ـ وأن يكون عالماَ بأحكام أهل البيت عليهم السلام .
ثم لاحظ العبارة :
ـ فارضوا به حكما .
ـ فإني قد جعلته عليكم حاكماَ .
ـ في حالة الإختلاف يكون الرجوع : لأعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما ، وأورعهما )
ـ لا يجوز الرد عليهم

الخلافة والغدير في كلمات الإمام الخميني

عيد الغدير في مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو اليوم الذي نصب فيه الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله علياَ عليه السلام خليفة من بعده وأخذ له البيعة على المسلمين ..

يقول الإمام الخميني في هذا الشأن :
( أن المقصود بالولاية في حادثة الغدير هي الحكم والحكومة وليس الولاية المطلقة للإمام التي طالما صرح بها الرسول صلوات الله عليه وأله في مواقف عديدة ..
ويقول أيضاَ :
( نحن نعتقد بالولاية، ونعتقد بلزوم تعيين النّبي – صلّى الله عليه وآله وسلّم – لخليفة، وأنه قد عين كذلك (لقد صرح نبي الإسلام – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بخلافة علي – عليه السّلام
– في موارد متعددة منها: حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وآية الولاية (عندما تصدق بخاتـمه لفقير ونزلت الآية الكريمة) وحديث غدير خم، وحديث الثقلين. راجع التفسير الكبير ج12 ص28 و53 ذيل الآيات 55 و67 لسورة الـمائدة. وسيرة ابن هاشم ج4 ص520، وتاريخ الطبري ج2 ص319 و322، وكتاب الغدير ج1 و2 و3) .
فهل تعيين الخليفة هو لأجل بيان الأحكام؟ فبيان الأحكام لا يحتاج لخليفة. إذ كان قد بَيّنَها الرّسول – صلّى الله عليه وآله وسلّم – بنفسه أو كتبها جميعاً في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا بـه، وكَوْنُ تعيين الخليفة لازماً عقلاً إنـما هو لأجل الحكومة، فنحن نحتاج إلى خليفة لكي ينفذ القوانين، إذ القانون يحتاج إلى مُجرٍ ومُنفِّذ. ففي جميع بلدان الدنيا الأمر بـهذا النحو، إذ وَضعْ القانون بمجرده لا فائدة فيه، ولا يؤمِّن سعادة البشر، فبعد تشريع القانون يجب إيجاد سلطة تنفيذية. ففي التشريع أو الحكومة إذا لم يكن ثمة سلطة تنفيذية يكون هناك نقص. ولذا فالإسلام قام بوضع القوانين وعيّن سلطـةً تنفيذيةً أيضاً، فولي الأمر هو المتصدي لتنفيذ القوانين أيضاً. لو لم يعين الرّسول الأكرم – صلّى الله عليه وآله وسلّم – خليفة لـما كان قد بلغ رسالته (اقتباس من الآية 67 من سورة الـمائدة) ولـما كان قد أكملها. ولقد كانت ضرورة تطبيق الأحكام، ووجود السلطة التنفيذية وأهميتها في تحقق الرسالة، وإيجاد النظام العادل – الذي هو منشأ لسعادة البشر وراء كون تعيين الخليفة مُرادفاً لإتمام الرسالة ) ( انتهى ).
وفي الختام أقول :
إن الفترة الزمنية التي يعيشها العالم الإسلامي في هذا العصر هي فترة استثنائية لغيبة الإمام والمفروض إلا تطول كثيراَ ، وهى أيضا فترة تمهيدية لظهورة ، ولعلنا نلاحظ صعود نجم مدرسة أهل البيت في هذا العصر ، رغم تكالب العالم الغربي والإستكباري والصهيوني والتكفيري عليها .

وأخيرا أقول :
أن هذا المقال ليس دعوة مذهبية ولكنها رؤية أطرحها للبحث ولمواجهة هذه الحملة التكفيرية التي دمرت الحجر والبشر وهدمت الدول والجيوش ، فهل كثير في مقابل هذا الشر أن ننفتح على المدارس الأخرى ولا نتجاهلها ..؟ نأخذ منها مانقتنع به ، وما ينفع الأمة ..ونترك مالا ينفعنا ..

ندعوا الله عز وجل أن يوحد الأمة الإسلامية ويجمع شملها على ولاية محمد وأل محمد صلوات الله عليهم جميعاَ ، وأن يعجل الفرج لمولانا المهدي عليه السلام ، الذي في فرجه الفرج للأمة كلها بل السعادة والسرور للبشرية كلها ، حيث يفرح به ساكن الأرض وساكن السماء

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...