تحدثنا في المقال الأول والثاني عن أن المقصود بالأميين في سورة الجمعة الذين بعث فيهم الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله هم (الأئمة من أهل البيت عليهم السلام )
ــــ بقى إشكالية قوله تعالي في نفس السورة :
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
فكيف يصف القرأن أهل البيت ( عليهم السلام ) لو كانوا هم المقصودين بالأميين المبعوث فيهم الرسول ( ص ) ، بأنهم كانوا من قبل لفي ( ضلال مبين ) …….؟!!
المعنى الأول : ضلال الناس عن معرفتهم
للإجابة علي السؤال المذكور نقول :
لقد تم وصف الرسول صلوات الله عليه وأله في سورة الضحي ، بقوله تعالي : ووجدك ( ضالا ) فهدي ،فلا يُستنكف أن نصف أهل البيت عليهم السلام بهذا الوصف ، ولكن بعد معرفة المعني الحقيقي المقصود للضلال في الأية الكريمة ؟ فالمعني المقصود بالضلال في سورة الضحي في وصف حال الرسول صلوات الله عليه وأله قبل البعثة ، هو نفسه المعني المقصود ( بالضلال المبين ) في وصف حال أهل البيت عليه السلام المعبر عنهم بالأميين ، أي ذرية إسماعيل وهاجر عليهما السلام ، أيضاَ قبل بعثته صلوات الله عليه وأله .
ومايليق بمقام الرسول صلوات الله عليه هو أن تكون معنى كلمة ( ضالا ) أي ضالا عن أمته أي أنه غير معروف لهم مقام نبوته ورسالته وولايته، فهداهم الله لمعرفته ،
كذلك الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كانوا ضالين ، أي (غير معروفين ) للناس ، فهدي الله الناس لمعرفتهم .. بل أن كثير من الناس حتى الأن لا يعرفون مقام إمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) …بل أن أكثر المسلمين لا يعرفون حتي أسمائهم ، رغم مقاماتهم المعنوية العالية ، ولعله لهذا إضيفت كلمة ( مبين ) لوصف ضلال من ضل عن معرفة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) لأن الأمة إبتليت وأختبرت بهم ، فهم الباب المبتلى به الناس … وهذا أيضاَ مانلاحظه في جملة ( لن تضلوا بعدي أبداَ ) في حديث التمسك بالثقلين ..! فالأغلبية لم تتمسك فضلت ضلالا مبين ..!
ففي الحديث المشهور بحديث الثقلين :
تركت فيكم ما إن أخذتم به لن ( تضلوا ) بعدي أبداَ :
كتاب الله وعترتي أهل بيتى
( الحيث رواه معظم صحاح ومسانيد جمهور المسلمين )
المعنى الثاني :
الضلال بمعني الإستغراق في الحب الألهي
وهناك معني أخر لكلمة ضال وهى التي وصف بها أبناء يعقوب عليه السلام أبيهم ، بقولهم عنه :
( إنك لفي ضلالك القديم ) أي حبك القديم ليوسف عليه السلام …
وحيث ان محمد وأل محمد صلوات الله عليهم كان لهم وجودا نورانيا قيل الخلق ، الهمهم الله تسبيحه وتهليلة وتحميده وتكبيرة ، فكانوا هائمين مستغرقين في حبه وعشقه وعبادته ، ضالين عمن سواه ، بل لم يكن يوجد سواه ..
أو انهم كانوا في حال سفر معنوي لله عز وجل ، وقطعوا مراحله كلها التي ذكرها الفلاسفة والعارفون ، وهي :
السفر الأول : من الخلق إلي الحق :
أي عن طريق التدبر في ( مخلوقات الله ) نصل إلي معرفة خالقها ومدبرها .
السفر الثاني :
ومن الحق المقيد إلي الحق المطلق : وهو عدم التوقف عند مرحلة معينه نظن أنها نهاية الحق ، بل يتم مواصلة السفر ، حتي يتبين أن كل مافي العالم من جمال هو جمال الواحد الاحد ، كما في الدعاء المعروف بدعاء البهاء :
( اللهم إنى أسألك من جمالك بأجمله
وكل جمالك جميل …
اللهم إنى أسألك بجمالك كله )
ثم العودة :
السفر الثالث :
من الحق إلي الخلق بالحق : وبعد أن يتزود السالك بانوار الحق ، يعود بها إلي الخلق ، وهذا مقام النبوة
السفر الرابع :
ثم من الخلق إلي الخلق بالحق : وهذا مقام ( الرسالة ) ومقام خاتم الأنبياء والمرسلين وأهل بيته صلوات الله عليهم ، ومقام الإنسان الكامل قلب هذا العالم ( عالم الإمكان ) كما يقول الفلاسفة .
فيكون السالك مستغرقاَ في سفره الاول والثاني في مشاهدة الجمال والجلال والكمال الألهي ، ومستغرقاَ في العشق الألهي ، حتى هداه الله للعودة للخلق بعد تزوده بالأنوار الإلهية ، ليسير فيهم بالهداية الألهية ، ويأخذ بيد الخلائق إلى كمالهم المعنوي اللائق بإستعداداتهم وقابليتهم ، بحيث لا يشغله النظر في هداية الخلق عن النظر إلي جمال الحق ، ولا يشغله النظر إلي الحق عن النظر إلي الخلق ، فهو تجلي للإسم الجامع ، وهو ذو العينين ، عين تنظر إلي الوحدة بعين الكثرة ، وعين تنظر إلي الكثرة في عين الوحدة
و معذرة لقد إسترسلت في الرد علي شبهة ، وصف الاميين بالضلال المبين ، بقوله تعالي :
( وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )
ونستكمل في المقال الرابع من هذا البحث بإذن الله ، عن مزيد من الأدلة القرأنية على أن المقصود بالأميين في سورة الجمعة ، هم ذرية إسماعيل عليه السلام ، ودعوة ابيه إبراهيم عليه السلام …
ونتشرف طبعاَ بتعليقاتكم فهي تثري البحث ، وتنير لنا الطريق …