البحث عن أمة الحق بقلم سالم الصباغ
يقتضى اللطف الألهي أن يظل علماَ للحق خفاقاَ لمن أراد الهداية والنجاة ، ومهما كان حجم الظلمات في هذا العصر ، وحجم الفتن ، والتباس الأمور ، ظلمات بعضها فوق بعض . إلا أن نور الهداية الألهية لاينقطع أبداَ …ولابد من وجود أمة تهدى إلى الحق إلى يوم القيامة يحتج الله بها على الخلائق .. أمة الحق
فهل توجد هذه الأمة الهادية ؟
وهل يوجد دليل قرأني عليها ؟
وهل لها علامات واضحة ؟
أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ
في كتاب الله عز وجل اَيات واضحة على وجود هذه الأمة :
يقول الله تعالى :
وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) الأعراف
لاحظ تعبير ( ممن خلقنا ) ألا يدل على إصطفاء هذه الأمة من بين الخلق ..؟
وبالتأكيد ليس المقصود الأمة الإسلامية بالكامل ، فليس من المعقول أن تكون أمة بكاملها هادية مهدية ؟ !!
وفي القرأن تم أستعمال كلمة ( أمة ) بمعنى أئمة ،
كما قال عز وجل : ( إن إبراهيم كان أمه ) أي كان إماما ..
وقوله تعالى :
( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ) (22) الزخرف
وقوله تعالى :
( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) 23 الزخرف
أمة هنا بمعني أئمة لأن الإهتداء والإقتداء يكون بالأئمة ..
( أي المجموعة من الناس الذين يتميزون بخاصية الهداية إلى الحق ، فيطلق عليها أمة )
ففي كتاب الله إشارات واضحة بعبارات أكثر وضوحاَ بأن وظيفة مقام الإمامة هو الهداية ،
يقول الله تعالى :
( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )(73) سورة طه
ولمن يهتمون بدلالات الأرقام نلاحظ أن رقم الأية 73 ، وهو عدد الفرق التي تنقسم إليها الأمة في حديث الفرقة الناجية …!
وقوله تعالى :
( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (24) سورة الشورى
لاحظ في الأيتين أرتباط الإمامة بالهداية وليست الهداية التشريعية فقط ، ولكنها الهداية التكوينية ، وهذا معنى يهدون بأمرنا ، أي بالأمر الإلهي ..
وماهو الأمر الإلهي …؟
( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (82) يس
ولكن هل هذا خاص بهذه الأمة أم أيضاَ بالأمم السابقة وخاصة بني إسرائيل :
يقول الله تعالى عن قوم موسى :
( وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ )
ولقد أشار القرأن في إشارته إلى هذه الأمة في حديثه عن قوم موسى ، يقول تعالى :
وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ( 159 ) ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ) أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ (اثْنَتَا عَشْرَةَ ) عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ( 160 ) الأعراف
إرتباط الأمة الهادية بالحق بالإثني عشر
لاحظ أنه من العلامات الهامة إرتباط هذه الأمة التي تهدي بالحق بالإثنى عشر أسباطا ، وارتباطها بالإثني عشر عينا .. قد علم كل إناس مشربهم .. أي إمامهم الذي ينهلون منه العلم :
( قل إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين )
في تفسيرات أهل البيت ـ وهم أدرى بما في البيت ـ إشارة للإمام الغائب
( أي إن اصبح إمامكم غائباَ )..
فالأمة التي تهدي بالحق في بنى إسرائيل هم الإثنا عشر نقيبا
والأمة التي تهدي بالحق في المسلمين هم أيضا إثنا عشر إمام ..
فالحديث الشريف في البخارى ومسلم وغيرهم أنا ( الإئمة من بعدى إثنا عشر ) وفي رواية إبن مسعود إثنا عشر على عدة نقباء بني إسرائيل .
حديث شريف
بقي أن نبحث عن دليل روائى على أن المقصود بالأمة التي تهدي بالحق هم الأئمة من اهل البيت عليهم السلام :
أخرج الحسكاني من كتاب فهم القرآن عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في معنى قوله {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: هذه الآية لآل محمد (صلى الله عليه وآله). إنتهى
وتوجد روايات كثيرة في هذا المعني لم أذكرها خشية الإطالة ويكفي حديث التمسك بالثقلين .. ويكفي من القرأن أية التطهير وأية المودة وأية الصلاة على النبى صلوات الله عليه وأله
وهل توجد هداية أعظم من أهل بيت النبي صلوات الله عليهم أحق بالإتباع ..
يقول الله عز وجل :
( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.) يونس
ولاحظ أن الهداية هنا ذاتية ، وليست من نوع : ( أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ).
فالهداية هنا هدايتان :
1 ـ ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ )
2 ـ ( أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ ۖ )
المقابلة بين الأيتين يدل على أن الهداية الأولى هداية ذاتية بإذن الله ، وليس بتعليم سابق من سبب بشرى ، وهي هداية الإمامة الإلهية التكوينية كما في مدرسة أهل البيت عليهم السلام …
وأن الهداية الثانية هي هداية بالتحصيل والتعلم من الغير ، وهي هداية عامة المؤمنين