الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

القرآن كتاب دائم :
الفصل السابق يتكفل باثبات أن القرآن الكريم كتاب دائم ، وذلك لأن كلاما ما لو صح
وتم بصورة مطلقة لا يحد بوقت من الأوقات أو زمان من الأزمنة . والقرآن ينص على تمامية
كلامه وكماله ، فيقول : ( انه لقول فصل . وما هو بالهزل ) ( 1 ) .
وهكذا تكون المعارف الحقة ، حقيقة خالصة وواقع محض ، والأصول الأخلاقية والقوانين
العملية التي بينها القرآن هي نتيجة تلك الحقائق الثابتة ، ولا يتطرق إليها البطلان
ولا تنسخ بمضي الأعوام والقرون ، يقول تعالى : ( فماذا بعد الحق الا الضلال ) ( 3 ) .
ويقول : ( وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) ( 1 ) .
ولا يخفى أن أبحاثا كثيرة كتبت حول أحكام القرآن وأنها دائمة لا تختص بوقت من
الأوقات ، الا أنها خارجة عن موضوع بحثنا الذي نحاول فيه معرفة مكانة القرآن عند
المسلمين كما يدل عليها القرآن نفسه .
القرآن مستقل في دلالته :
القرآن الكريم كلام كسائر ما يتكلم به الناس ، ويدل دلالة واضحة على معانيه المقصودة
وليس فيه خفاء على المستمعين .
ولم نجد دليلا على أنه يقصد من كلماته غير المعاني التي ندركها من ألفاظه وجمله .
أما وضوحه في دلالته على معانيه فلأن أي انسان عارف باللغة العربية بامكانه أن يدرك
معنى الآيات الكريمة كما يدرك معنى كل قول عربي .
وبالإضافة إلى هذا نجد في كثير من الآيات يخاطب طائفة خاصة كبني إسرائيل والمؤمنين
والكفار ، وفي آيات منه يخاطب عامة الناس ( 2 ) ويحاججهم ويتحداهم ليأتوا بمثله لو
كانوا في شك
أنه من عند الله تعالى . وبديهي أنه لا يصح التكلم مع الناس بما لا مفهوم واضح له ، كما
لا يصح التحدي بما لا يفهم معناه .
وزيادة على هذا يقول تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) ( 1 ) .
ويقول : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا
كثيرا ) ( 2 ) .
تدل الآية على ضرورة التدبر في القرآن الذي هو بمعنى التفهم والتدبر يرفع ما يتراءى
بالنظرة الأولى من الاختلاف بين الآيات ومن البديهي الواضح أن الآيات لو لم تكن لها
دلالة ظاهرة على معانيها لما كان معنى للتدبر والتأمل ، كما لم يبق مجال لحل
الاختلافات الصورية بين الآيات بواسطة التدبر والتأمل .
* * * وأما ما ذكرنا من انه لا دليل خارجي على نفي حجية ظواهر القرآن ، فلأننا لم نجد هكذا
دليل لذلك الا ما ادعاه بعض من أننا في فهم مرادات القرآن يجب أن نرجع إلى ما أثر
عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو ما أثر عنه وعن أهل بيته المعصومين عليهم
السلام .
ولكن هذا ادعاء لا يمكن قبوله ، لأن حجية قول الرسول والأئمة عليهم السلام يجب أن
تفهم من القرآن الكريم ، فكيف
يتصور نوقف حجية ظواهره على أقوالهم عليهم السلام . بل نزيد على هذا ونقول : ان اثبات
أصل النبوة يجب أن نتشبث فيه بذيل القرآن الذي هو سند النبوة كما ذكرنا سابقا .
وهذا الذي ذكرناه لا ينافي كون الرسول والأئمة عليهم السلام عليهم بيان جزئيات
القوانين وتفاصيل أحكام الشريعة التي لم نجدها في ظواهر القرآن ، وأن يكونوا مرشدين
إلى معارف الكتاب الكريم كما يظهر من الآيات التالية :
( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) 1 .
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) 2 .
( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) 3 .
( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة ) 4 .
يفهم من هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وآله هو الذي يبين جزئيات وتفاصيل
الشريعة وهو المعلم الإلهي للقرآن المجيد وحسب ما جاء في حديث الثقلين الأئمة عليهم
السلام هم خلفاء الرسول في ذلك . وهذا لا ينافي أن يدرك مراد القرآن من ظواهر آياته
بعض من تتلمذ على المعلمين الحقيقيين وكان له ذوق في فهمه .
للقرآن ظاهر وباطن :
يقول الله تعالى في كلامه المجيد : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) ( 1 ) .
ظاهر هذه الآية الكريمة أنها تنهى عن عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى
( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) ( 2 ) ، ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر أن العلة في المنع
من عبادة الأصنام أنها خضوع لغير الله تعالى . وهذا لا يختص بعبادة الأصنام بل عبر عز
شأنه عن إطاعة الشيطان أيضا بالعبادة حيث قال : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن
لا تعبدوا الشيطان ) ( 3 ) .
ومن جهة أخرى يتبين أنه لا فرق في الطاعة الممقوتة بين أن تكون للغير أو للانسان
نفسه ، فان إطاعة شهوات النفس أيضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله :
( أفرأيت من اتخذ الهه هواه ) ( 4 ) .
وبتحليل أدق نرى أنه لا بد من عدم التوجه إلى غير الله جل وعلا ، لأن التوجه إلى غيره
معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له ، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها ، يقول
تعالى : ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس ) إلى قوله ( أولئك هم الغافلون ) ( 1 ) .
عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله ( ولا تشركوا به
شيئا ) أنه تعالى ينهي عن عبادة الأصنام وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة
غير الله من دون أذنه ، ولو توسعنا أكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الانسان نفسه
باتباع شهواتها ، أما لو ذهبنا إلى توسع أكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه
إلى غيره .
ان هذا التدرج – ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى أوسع وهكذا – جار
في كل من الآيات الكريمة بلا استثناء .
وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب
الحديث والتفسير من قوله : ( ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن ) ( 2 ) .
وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن أو ظهر وبطن ، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة ،
الا أنهما واقعا في الطول لا في العرض ، فان إرادة الظاهر لا تنفي إرادة الباطن
وإرادة الباطن لا تزاحم إرادة الظاهر .

شاهد أيضاً

ميزان الحكمة أخلاقي، عقائدي، اجتماعي سياسي، اقتصادي، أدبي – محمد الري شهري

المصلين (1). وقد عرف حقها من طرقها (2) وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم ...