الرئيسية / القرآن الكريم / القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

القرآن في الاسلام – الأستاذ العلامة السيد الطباطبائي

وثالثا – بناء على هذا القول لا تتم حجية القرآن الكريم ، لأنه حسب احتجاج الآية
الكريمة ( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) ،
احدى الدلائل على أن القرآن ليس من كلام البشر عدم وجود اختلاف معنوي ومدلولي بين
الآيات – مع بعد أزمان نزولها وتباين ظروف
النزول وأسبابه – وما يظهر من الاختلاف بين بعض الآيات في بادئ النظر يرتفع
بالتفكر والتدبر في الآيات .
ولو فرضنا أن كمية كبيرة من الآيات المسماة بالمتشابهات تختلف مع كمية أخرى تسمى
بالمحكمات ونرفع الاختلاف بينها بأن نذهب إلى أن ظاهرها غير مراد وما يراد منها
معان لا يعلمها الا الله تعالى . . هكذا رفع الاختلاف لا يدل على أن القرآن ليس من كلام
البشر .
وهكذا لو رفعنا الاختلاف بصرف ظاهر كل آية يخالف مضمونها أو يناقض الآيات المحكمة ،
فأولناها – حسب اصطلاح المتأخرين بأن حملناها على معنى خلاف الظاهر .
ورابعا – لا دليل اطلاقا على أن المراد من التأويل في آية المحكم والمتشابه هو
المعنى خلاف الظاهر ، كما لم يقصد مثل هذا المعنى في الآيات التي ذكرت فيها لفظة
التأويل ، فمثلا :
في قصة يوسف عليه السلام عبر في ثلاثة مواضع ( 1 ) عن
تعبير الرؤيا بكلمة التأويل ، وظاهر أن تعبير الرؤيا ليس معنى خلاف الظاهر للرؤيا
بل هو حقيقة خارجية ترى في النوم بشكل مخصوص ، كأن رأى يوسف تعظيم أبيه وأمه واخوته
بشكل سجدة الشمس والقمر والنجوم له ، ورأى ملك مصر سنوات القحط في صورة سبع بقرات
عجاف يأكلن سبعا سمانا ، ورأى صاحبا يوسف في السجن الصلب وخدمة الملك في صورة عصر
الخمر وحمل الخبز على الرأس تأكل الطير منه .
وفي قصة موسى والخضر ، بعد أن يخرق السفينة ويقتل الغلام ويقيم الجدار ، يحتج عليه
موسى في كل مرة فيذكر له السر الكامن وراء أعماله ويسميه التأويل . ومعلوم أن حقيقة
الاعمال والنظر الحقيقي في انجازها كالروح لها سميت بالتأويل ، وليست هي المعنى خلاف
الظاهر لها .
ويقول تعالى بشأن الوزن والوكيل : ( وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم
ذلك خيرا وأحسن تأويلا ) ( 1 ) .
وواضح أنه يريد من التأويل في الكيل والوزن وضعا اقتصاديا خاصا يوجد في السوق
بواسطة البيع والشراء والنقل والانتقال . والتأويل بهذا المعنى ليس معنى خلاف الظاهر
من الكيل والوزن ، بل هو حقيقة خارجية ، وروح أوجدت في الكيل والوزن تقوى وتضعف
بواسطة استقامة المعاملة وعدم استقامتها .
ويقول تعالى في موضع آخر : ( فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول . . . ذلك خير
وأحسن تأويلا ) ( 2 ) . من الواضح أن المراد من التأويل في هذه الآية هو ثبات الوحدة
وإقامة علاقات روحية في المجتمع ، وهذه حقيقة خارجية وليست معنى خلاف الظاهر لردع
النزاع .
وهكذا المواضع الأخرى من القرآن الكريم الواردة فيها لفظة التأويل ، وهي مع ما سبق
ستة عشر موضعا . ففي كل هذه المواضع لا يمكن أخذ التأويل بمعنى المدلول خلاف
الظاهر ، بل هو معنى آخر يلائم أيضا مع التأويل الواردة في آية المحكم والمتشابه
كما سنذكره في الفصل الآتي . ولهذا لا موجب لتفسير التأويل في الآية المذكورة بمعنى
المدلول خلاف الظاهر .

شاهد أيضاً

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

النمط من إدراك المصالح والمفاسد البشرية والأخلاق الاجتماعية على العالم أجمع، وعلى الجميع أن يذعنوا ...