يجب الانتباه على أن الكدر ينشأ من تقصير الطرفين عادة.
وهذا لا يعني ان المقصر هو المرأة وحدها أو الرجل وحده، بل الباعث هو حب النفس وضيق الصدر.
فلو أن جماعة اتسع صدرها، وتخلت عن الأثرة، لولى النزاع، وارتفع الكدر.
فلو كان الحديث مع الزوجة التي تجاسرت أو ما فتئت تتطاول عليه في حديث لا يليق لكان من الأنسب أن يذكر لها ما روي في المرأة التي ترد على زوجها بما لا ينسجم والحياة الزوجية وكيف أن لسانها أصبح طويلاً على حدٍ كان الناس معه يسحقونه تحت أقدامهم، أو تلك الرواية التي تتطرق إلى أن الرسول (ص) في ليلة المعراج رأى بأم عينه كيف أن عدة من النساء قد شددن من ألسنتهن إلى عالٍ حينها سأل الرسول (ص) جبريل عن سبب هذه الحالة فأجاب أن هؤلاء النسوة من النساء اللاتي يرددن القول على أزواجهن بما لا يليق وكن السبب في تعاسة الأسرة الواحدة.
طبيعي أن بيان مثل الأحاديث التي تحمل في جنباتها العظة والنصح ينبغي أن تسدى بشكل تشوبه الرحمة والمودة واسباغ العاطفة والتلطف أثناء سردها والابتعاد عن الحدة والإساءة إلى الشخص الذي يراد نصحه خوفاً من الوقوع في الآثار السلبية التي سوف تتسبب في نتائج لا تحمد عقباها.
منشأ الخلاف بين الرجل والمرأة
من الجدير بالذكر أن أكثر الخلافات التي يمكن أن تحصل بين الرجل والمرأة يرجع سببها إلى الطرفين. وكذا لا يمكن أن نعتبر المرأة فقط السبب الأساسي في الخلافات المنزلية ولا الرجل لوحده هو المخطئ، ويمكن أن نعزو السبب إلى عدم رحابة الصدور إلى حب الذات والتنكر للطرف المقابل وهذا قد يشمل الطرفين [الزوج والزوجة] على السواء.
ومن بديهيات الحياة أنه لا يوجد اثنان يتفقان اتفاقاً فكرياً وأخلاقياً، ومن الجملة الرجل وزوجه، لأن هذا التوافق يحصل بين الأنبياء والأولياء فقط لما لأرواحهم من اتحاد وتسليم محض لأمر الباري تعالى.
ومن هنا لا يتوقع أن يتفق الزوج والزوجة على كل الجزئيات فالاختلاف هو أحد الأمور الطبيعية التي لا ينبغي ان تؤثر في الأسرة تأثيراً سيئاً وتزلزل استقرارها.
إن الحل لمسألة الاختلاف في الأسرة هو التحمل وتقبل ما يقال برحابة صدر، فالزوج أو الزوجة يجب أن يضعا في ذهنيهما الابتعاد عن الحدة والصراخ أو الانتقاد الهدام، ويسعيا للتفاهم بكل هدوء ورحابة صدر وبالوعي وضبط النفس، يمكن أن تتضح الأمور ويزول الخلاف بسرور فإذا صفا الجو يشهدان الله ـ تعالى ـ على ما كان السبب الأساسي في بروز ذلك الخلاف.
ميل الرجل
من الرجولة وكمال الشهامة أن يعتذر الزوج لزوجته حينما يتبين له أنه كان السبب في بروز الخلاف. ولو اتضح للرجل تقصيره وظهر أنه هو السبب الأساسي في الخلاف لتعذر عليه أن ينصح لزوجته إذا قصرت بعدئذٍ، وما كان لمواعظه ونصائحه من أثر مستقبلاً. لأنه هو الأولى بالنصح.
وبصدد هذه القضية تفضل استاذنا الكبير القائد العظيم للثورة قائلاً: إن المثل الشائع: “كلمة الرجل واحدة” ليس صحيحاً، فالرجل الذي يشتبه في ارتكاب قضية خلافاً للعرف أو الشرع يجب أن يعترف بذلك، لأننا لسنا معصومين، ومن المسلم به أن نقع في الخطأ.
فعلينا أن نقر بأخطائنا، فذاك من القوة لا من الضعف، ومن الكمال لا من النقص.
والشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون موفقاً في حياته هو ذلك الشخص الذي يتمتع بأخلاق كريمة تساعده على تقبل الحقائق برحابة صدر.
وبغير هذا سوف يكون إنساناً مستبداً وغير مقبولاً في المجتمع.
ومن علامات المروءة والشهامة إعطاء الحق لأصحابه إذا علم بأنه ليس بصاحب لذلك الحق.
وقد ينزغ الشيطان للرجل في أن الاعتراف للزوجة بالحق يجعلها امرأة جسوراً لا توقر زوجها ولا تسمع له.
غير أن منطق الإيمان لا يزن بهذا الميزان، فالإمام الحسن (ع) في معرض حديثه لجنادة قال: “من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطنة فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاته”.
(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً) سورة مريم، الآية: 96.
التغاضي عما مضى:
من الصفات الأخرى التي ينبغي أن يتصف بها كل من الرجل والمرأة التغاضي عن الأخطاء السابقة لحفظ مركزية توجيه الأسرة هذه الخصلة الحسنة تتجلى في سيرة الأئمة المعصومين وأنبياء الله (ع) هؤلاء العظام الذين طالما تجاوزوا عن أخطاء الناس وتناسوا ما سلف.
وفي أحد الأيام دخل المدينة رجل من أهل الشام، وقع نظره على الإمام الحسن (ع) وكان لا يعرفه، ولكن بعد أن تجلت له هوية الإمام التي سبقتها أسئلته عن شخص الإمام الحسن، امتعض هذا الرجل الواقع تحت تأثير إعلام السوء الذي كان يتبناه أعداء بيت العصمة آنذاك، وبدأ يكيل السباب والشتائم إلى الإمام (قربة إلى الله)؛ وبعد أن أخلى ما في جعبته من الكلام البذيء الذي لا يليق عرفاً ولا شرعاً، التفت إليه الإمام الحسن (ع) من دون أن يظهر عليه شيء من الغضب أو عدم الارتياح، ونظر إليه نظرة ملؤها العطف والرحمة تالياً من القرآن المجيد ما يخص الأخلاق الحسنة، مضيفاً إليها نحن مستعدون لكل مساعدة تريد.
ثم سأله: “هل أنت من أهل الشام؟”.
فأجاب “نعم”.
بعدها تفضل الإمام قائلاً “أنا لي معرفة سابقة بهذا التعامل والأخلاق وأعلم منبع تلك الأخلاق الفاضلة؛ يا رجل إنك غريب في هذا البلد وقد تكون لك حاجة يمكن أن أقضيها لك فانزل علينا نكرمك: نكسوك وننقذك”.
وقف الرجل الشامي إزاء الإمام (ع) مذهولاً، متعجباً لأنه كان يتوقع عكس ذلك، ولم يكن ليتصور أن الإمام يمتلك عفواً على هذه الشاكلة، وقال: ليت الأرض انشقت وابتلعتني قبل أن أفعل ما فعلت، فوالله ما كان أبغض إلي من الحسن وأبيه قبل قليل، وليس أحد أحب إلي الآن منهما سلام الله عليهما.
مثال آخر من الروايات:
جاء عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
“العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين”.
وكذا قال أمير المؤمنين علي (ع) بصدد العفو:
“إذا قدرت على ظلم الناس تذكر قدرة الله عليك” و”العفو عند المقدرة”(2).
وقال لهم: أنتم الذين جعلتم مني أن أكون عزيز مصر؛ وبعد ملاقاته لأبيه مروراً بسني الهجرة التي جاوزت الأربعين سنة قال لأبيه: “إن الشيطان نزغ بيني وبين أخوتي”.
وتجاوز كذلك عن ظلم زليخا التي أدت به على أن يمضي تسع سنين في غياهب السجون.
فليكن التجاوز عن الأخطاء الذي فعله الأنبياء وأولياؤهم ومن سار على نهجهم درساً وعبرةً؛ وهو ما تفصح به هذه الآية الشريفة:
(وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم) سورة النور: الآية: 22.
تأثيرات الماضي
إذا ما تغاضى الإنسان في محيط الأسرة أو المجتمع بشكل عام عن الأخطاء الصغيرة كان لذلك أثر حسن، وأثمر التصافي والتحابب.
المهم في هذا التصرف أنه مدعاة لعفو الله ـ تعالى ـ في الآخرة عن الأخطاء والذنوب التي أقترفها هذا الإنسان المتجاوز عن أخطاء الآخرين.
فوجود العفو وغض النظر عن بعض الأخطاء داخل الأسرة يحفظ سلامة الأسرة، ويبعث على الفوز بغفران الله سبحانه وتعالى.
فما أطيب أن تنيروا مشاعل الرأفة والعفو لتحرقوا بها الأخطاء فيما بينكم من أجل نثر بذور المحبة داخل أسركم لتتمكنوا من العيش بسلام في ظلم العفو والرحمة.