أهداف الدرس
1- أن يتعرف الطالب إلى معنى التفسير.
2- أن يعدد شروط التفسير.
3- أن يميز بين المنهج التجزيئي والمنهج الموضوعي.
معنى التفسير
التفسير لغة: البيان والكشف (لسان العرب، مادّة (فسر)). فتفسير الكلام هو الكشف عن مدلوله وبيان معناه، وقد وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم بهذا المعنى أيضاً، في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾1.
وتفسير القرآن هو بيان معاني الآيات القرآنيّة والكشف عن مقاصدها ومداليلها، بالعقل والقرآن والروايات الشريفة.
شروط التفسير
نقصد بشروط التفسير الأسس والمباني الفكريّة والعقائديّة الّتي لا بدّ أن يقوم عليها التفسير من أجل أن يكون تفسيراً صحيحاً للقرآن الكريم.
وهنا عدّة مسائل:
الأولى: الذهنيّة الإسلاميّة:
لا بدّ للمفسّر الّذي يريد أن يفسّر القرآن الكريم أن يفسّره بـ (ذهنيّة إسلاميّة). ومعنى ذلك أن يكون لدى هذا المفسّر مجموعة من التصوّرات الأساسيّة يعتمد عليها الإسلام، وترتبط بالقرآن الكريم وتشكّل الإطار العامّ للتفسير, الّذي من خلاله
1-سورة الفرقان، الآية: 33.
يتمكّن المفسّر من الوصول إلى نتائج صحيحة في عمله التفسيريّ. فيكون تصوّره للقرآن أنّه وحي إلهيّ، وأنّ نسبته هي إلى الله سبحانه وتعالى، وأنّ القرآن ليس نتاجاً وجهداً بشريّاً، ومن خلال هذا وحده يتمكّن من الوصول إلى نتائج صحيحة في تفسيره للقرآن الكريم.
الثانية: التصوّر العامّ عن القرآن:
بأن يكون لدى المفسّر تصوّر عامّ عن كيفيّة نزول القرآن والأسلوب الّذي اتّبعه في (عمليّة التغيير) ومنهجه في طرح القضايا والأحداث من قبيل أن يعرف المفسّر (إجمالاً) أنّ في القرآن الكريم ناسخاً ومنسوخاً، فإنّ هذه الفكرة ذات أثر كبير في فهم القرآن وإمكانيّة تفسير بعضه ببعض.
وأن ينظر إلى القرآن الكريم على أنّه يمثّل وبمجموعه نصّاً واحداً، وأن بعضه يشكّل قرينة على بعضه الآخر، ففيه “المطلق والمقيّد” وفيه “المجمل والمبيّن” وفيه “المحكم والمتشابه”2 ، وأنّ القرآن الكريم وإن نزل بشكل تدريجيّ وخلال ثلاث وعشرين سنة، إلّا أنّ هناك قرائن عديدة تدلّ على أنّ هذا الشيء الّذي نزل بشكل تدريجيّ يشكّل وبمجموعه قضيّة واحدة وكلاماً واحداً، وأنّ بعضه يكمل الآخر ويوضحه. فقد أكّد أئمّة أهل البيت عليه السلام كثيراً على أهميّة هذا الموضوع في تفسير القرآن الكريم ووجّهوا انتقاداً شديداً لمجموعة من المفسّرين الّذين كانوا يتعاملون مع القرآن الكريم من دون الالتفات إلى هذه الرؤية العامّة للقرآن.
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث احتجاجه على الصوفية لمّا احتجّوا عليه بآيات من القرآن في الإيثار والزهد قال: “ألكم علم بناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه الّذي في مثله ضلّ من ضلّ، وهلك ومن هلك من هذه الأمّة؟ قالوا: أو بعضه فأمّا كلّه فلا. فقال لهم: فمن ههنا أُتيتم”3. وكذلك أحاديث
2-وتوضيح هذه المصطلحات وغيرها يأتي إن شاء الله في مباحث علوم القرآن.
3-(أُتيتم) بالبناء للمفعول أي دخل عليكم البلاء وأصابكم ما أصابكم .
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – إلى أن قال: – فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديثه الّتي يصدّقها الكتاب المنزل وردّكم إيّاها لجهالتكم وترككم النظر في غريب القرآن من التفسير والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي – إلى أن قال عليه السلام: – دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به، وردّوا العلم إلى أهله تُؤجروا وتُعذروا عند الله، وكونوا في طلب ناسخ القرآن من منسوخه، ومحكمه من متشابهه، وما أحلّ الله فيه ممّا حرّم، فإنّه أقرب لكم من الله، وأبعد لكم من الجهل، دعوا الجهالة لأهلها، فإنّ أهل الجهل كثير، وأهل العلم قليل، وقد قال الله: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾”4.
الثالثة: العقيدة الصحيحة:
بأن تكون المباني العقائديّة للمفسّر مبانٍ صحيحة. والمقصود من العقيدة الصحيحة هي تلك العقيدة الّتي تنتهي في سلسلة مراتبها وارتباطاتها واستنباطها إلى القرآن الكريم نفسه. فتصبح هذه العقيدة – والّتي هي قرينة على فهم المضامين القرآنيّة – نابعة من القرآن الكريم ذاته، ومن ثَمّ لا نخرج بالتفسير عن حدود نفس القرآن الكريم.
الرابعة: المعرفة باللغة العربيّة الفصحى وقواعدها:
يقول تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾5. وهذا أمر مفروغ منه إذ لا يمكن لمن يريد أن يخوض غمار تفسير آي القرآن أن يكون جاهلاً باللّغة العربية وفصاحتها وبلاغتها وقواعدها الإعرابيّة.
تطوّر علم التفسير
بدأ التفسير للآيات وبيان معاني ألفاظ القرآن الكريم منذ عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فكان هو أوّل من أوضح مقاصده. وبعد أن ارتحل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، رجعت الشيعة إلى أهل
4-سورة يوسف، الآية: 76، الكافي، ج5، ص70.
5- سورة يوسف، الآية: 2.
بيته لما مرّ من حجيّة أقوالهم ولم يركنوا إلى آراء الصحابة والتابعين الّذين اعتمد أقوالهم بقيّة المسلمين، إلّا ما ثبت أنّه حديث نبويّ.
فكانت أوائل التفاسير عبارة عن أحاديث مأثورة عن النبيّ وأهل بيته ثمّ تطوّرت إلى أن أصبحت التفاسير تحوي علوماً عديدة.
وما بأيدينا من تفاسير شاهد حيّ على اتّساع أنماط التفسير وتشعّب علومه.
مناهج التفسير
ظهرت مناهج متعدّدة في تفسير القرآن الكريم عند المسلمين عامّة, نتيجة التحوّلات الفكريّة الّتي شهدتها الأجيال اللاحقة ابتداءاً من القرن الثاني الهجريّ، وذلك مع شيوع المباحث الكلامية وانتشار الفلسفة وعلم التصوّف..
1- منهج التفسير التجزيئيّ:
“وهو المنهج الّذي يتناول المفسّر ضمن إطاره القرآن الكريم آية فآية وفقاً لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف، ويفسّره بما يؤمن به من أدوات ووسائل للتفسير من الظهور أو المأثور من الأحاديث أو بلحاظ الآيات الأخرى الّتي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم، وبالقدر الّذي يلقي ضوءاً على مدلول القطعة القرآنيّة الّتي يراد تفسيرها والكشف عن مدلولها اللفظيّ، مع أخذ السياق الّذي وقعت تلك القطعة ضمنه بعين الاعتبار في كلّ تلك الحالات. فالهدف في كلّ خطوة من هذا التفسير هو فهم مدلول هذا المقطع أو هذه الآية الّتي يواجهها المفسّر بكلّ الوسائل الممكنة، أي أنّ الهدف (هدف تجزيئيّ) لأنّه يقف دائماً عند حدود فهم هذا الجزء أو ذاك من النصّ القرآنيّ ولا يتجاوز ذلك غالباً”6.
2- منهج التفسير الموضوعيّ:
“وهو المنهج الّذي(…) يحاول (المفسّر)القيام بالدراسة القرآنيّة لموضوع
6-المدرسة القرآنيّة للسيّد الشهيد محمّد باقرالصدر رحمه الله ، المحاضرة الأولى: 9 – 11، طبعة بيروت.
من موضوعات القرآن العقائديّة أو الاجتماعيّة، كعقيدة التوحيد، أو النبوّة، أو سنن التأريخ في القرآن… ويستهدف التفسير الموضوعيّ من القيام بهذه الدراسات تحديد موقف نظريّ للقرآن الكريم، ومن ثمّ للرسالة الإسلاميّة من ذلك الموضوع”7.
معاني الموضوعيّة8:
ومن أجل أن يتّضح موضوع البحث ومركز الاختلاف لا بدّ أن نفهم مصطلح (الموضوعيّة) فإنّ هناك ثلاثة معان لمصطلح (الموضوعيّة) ذكرها الشهيد الصدررحمه الله، وهي:
أوّلاً: (الموضوعيّة) في مقابل (الذاتيّة) و (التحيّز). والموضوعيّة بهذا المعنى عبارة عن الأمانة والاستقامة في البحث والتمسّك بالأساليب العلميّة المعتمدة على الحقائق الواقعيّة في نفس الأمر والواقع، دون أن يتأثّر الباحث بأحاسيسه ومتبنّياته الذاتيّة ولا أن يكون متحيّزاً في الأحكام والنتائج الّتي يتوصّل إليها. وهذه (الموضوعيّة) أمر صحيح ومفترض في كلا المنهجين:(التجزيئيّ) و (الموضوعيّ) ولا اختصاص لأحدهما بها.
ثانياً: (الموضوعيّة) بمعنى أن يبدأ في البحث من (الموضوع)، الّذي هو (الواقع الخارجيّ) ويعود إلى (القرآن الكريم) لمعرفة الموقف تجاه الموضوع الخارجيّ. “فيركّز المفسّر – في منهج التفسير الموضوعيّ – نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائديّة أو الاجتماعيّة أو الكونيّة ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الإنسانيّ حول ذلك الموضوع من مشاكل، وما قدّمه الفكر الإنسانيّ من حلول وما طرحه التطبيق التأريخيّ من أسئلة ومن نقاط فراغ، ثمّ يأخذ النصّ القرآنيّ… ويبدأ معه حواراً، فالمفسّر يسأل والقرآن يجيب، وهو يستهدف من ذلك أن يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح”. “وقد يسمّى هذا المنهج أيضاً
7- تفسير سورة الحمد، السيد محمد باقر الحكيم، ص 92.
8-م.ن. ص 92 – 94.
بالمنهج (التوحيديّ) باعتبار أنّه يوحّد بين (التجربة البشريّة) و(القرآن الكريم) لا بمعنى أنّه يحمل التجربة البشريّة على القرآن، بل بمعنى أنّه يوحّد بينهما في سياق واحد، لكي يستخرج نتيجة هذا السياق المفهوم القرآنيّ الّذي يمكن أن يحدّد موقف الإسلام تجاه هذه التجربة أو المقولة الفكريّة”.
ثالثاً: وقد يراد من (الموضوعيّة) ما يُنسب إلى الموضوع، حيث يختار المفسّر موضوعاً معيّناً ثمّ يجمع الآيات الّتي تشترك في ذلك الموضوع فيفسّرها. “ويمكن أن يسمّى مثل هذا المنهج منهجاً توحيديّاً أيضاً باعتبار أنّه يوحّد بين هذه الآيات ضمن مركب نظريّ واحد”.
ولا شكّ أنّ المعنى الأوّل ليس موضوع البحث إذ لا يختلف التفسير الموضوعيّ عن التفسير التجزيئيّ في ضرورة توفّر هذا الوصف فيه، ويبقى عندنا المعنى الثاني والثالث.
خلاصة الدرس
التفسير لغة: البيان والكشف، وتفسير القرآن هو بيان معاني الآيات القرآنيّة والكشف عن مداليلها، بالعقل والقرآن والروايات الشريفة.
كلمة التأويل لا ترادف كلمة التفسير ولا تعني مجرّد الكشف والإبانة عن المعنى، بل تعني شيئاً آخر وهو ما يؤول إليه الشيء.
من شروط التفسير: الذهنيّة الإسلاميّة، التصوّر العامّ عن القرآن، العقيدة الصحيحة، المعرفة باللغة العربيّة.
كانت أوائل التفاسير عبارة عن أحاديث مأثورة عن النبيّ وأهل بيته ثمّ تطوّرت إلى أن أصبحت التفاسير تحوي علوماً عديدة.
أمّا مناهج التفسير، فمنها:
منهج التفسير التجزيئيّ: وهو المنهج الّذي يتناول المفسّر ضمن إطاره القرآن الكريم آية فآية وفقاً لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف.
منهج التفسير الموضوعيّ: وهو المنهج الّذي يحاول القيام بالدراسة القرآنيّة لموضوع من موضوعات القرآن العقائديّة أو الاجتماعيّة.
للمطالعة
بعض من كتب التفسير
1ـ تفسير القميّ، تأليف: عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ (متوفّى 307هـ)، وهو تفسير روائيّ.
2ـ التبيان في تفسير القرآن، تأليف: أبي جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ، المعروف بالشيخ الطوسيّ(متوفّى سنة 460هـ).
3ـ مجمع البيان في تفسير القرآن، تأليف: أبي عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي من أعلام القرن السادس الهجري.
4- تفسير القرآن الكريم، تأليف: صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم صدر الدين الشيرازيّ (متوفّى 1050هـ).
5- نور الثقلين، الشيخ عبد عليّ بن جمعة العروسيّ الحويزيّ (متوفّى 1112هـ)، وهو تفسير روائيّ.
6- الميزان في تفسير القرآن، تأليف: السيد محمّد حسين الطباطبائيّ (متوفّى 1402هـ)، ينهج منهجية تفسير القرآن بالقرآن.
7- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: تأليف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي تفسير يلاحظ منهجيّات التفسير عامّة ويركّز على العبر ليستفيد من الآيات الكريمة دروساً متعدّدة فكريّة واجتماعيّة.
8- مفاهيم قرآنيّة: تأليف الشيخ جعفر سبحاني (معاصر) يتبع أسلوب التفسير الموضوعيّ فيعالج تفسير الآيات المرتبطة بموضوع معيّن أينما كان محلّها في القرآن الكريم.
9- مواهب الرحمن في تفسير القرآن، تأليف: السيد عبد الأعلى الموسويّ السبزواريّ، اتّبع منهجيَّتَي التفسير الروائيّ وتفسير القرآن بالقرآن.
10- تفسير القرآن الكريم، السيّد مصطفى الخمينيّ قدس سره.
لا بدّ للمفسّر في استكشاف مراد الله تعالى من اتّباع ظواهر الكتاب أو ما حكم به العقل الفطريّ الصحيح، أو ما ثبت عن المعصوم من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السلام. وهذه الأمور الثلاثة هي أصول التفسير ومداركه.