الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

الثورة الحسينية: خصائص ومرتكزات‏

العوام والخواص في المجتمع‏

هنا يأمر القران بالاعتبار ويقول: »قل سيروا في الأرض« انظروا ما الذي وقع، والتزموا جانب الحذر. ولأجل أن يسري هذا المعنى إن شاء اللَّه في الثقافة الحالية على يد المفكرين والباحثين وأصحاب الرأي، أتحدث إليكم اليوم باقتضاب عن هذا الموضوع.

إذا نظرتم إلى المجتمع البشري؛ أي مجتمع كان، وفي أية مدينة أو بلد، تجدون الناس فيه يقسمون  من وجهة نظر معيَّنة  إلى فئتين:

أ  فئة تسير على فكر وفهم ووعي وإرادة، وهي تعرف طريقها وتسلكه  ولا يهمنا في المقام أن هذه الفئة على صواب في مسلكها أو أنه مسلك خاطى‏ء  هذه الفئة يمكن تسميتها بالخواص.

ب  وفئة أخرى لا تنظر لترى ما هو الطريق الصحيح، وما هو الموقف الصائب، ولا يهمها أن تفهم وتحلل وتقيس وتدرك، بل تتبع الجو السائد والهوى العام، ولنسم هذه الفئة بالعوام، إذن فالمجتمع يمكن تصنيفه إلى خواص وعوام. دققوا النظر، أريد الإشارة إلى نقطة بشأن العوام والخواص ويجب أن لا يقع فيها أي التباس.

من هم الخواص؟ هل هم طبقة خاصة؟ كلا لأن هذه الفئة التي نسميها بالخواص تضم بين أفرادها أشخاصاً متعلمين واخرين غير متعلمين، فقد يكون أحياناً بين الخواص شخص غير متعلم لكنه يفهم ما ينبغي عليه فعله، وهو يعمل وفقاً لتخطيط وإرادة حتى وإن لم يكن قد دخل المدرسة أو لديه شهادة أو يرتدي زي العلماء، لكنه متفهم لحقيقة الأمور.

فحينما نقول الخواص، فلا يعني ذلك أنهم فئة ترتدي زياً بعينه؛ فقد يكون رجلاً وقد يكون امرأة، وقد يكون ثرياً وقد يكون فقيراً، وقد يكون من العاملين في الأجهزة الحكومية، وقد يكون من المعارضين لأجهزة الحكومة الطاغوتية. وكلمة الخواص نقصد بها طبعاً الصالح والطالح منهم، ثم أننا سنصنف الخواص إلى أقسام أخرى أيضاً.

الخواص هم الذين عندما يؤدون عملاً يتخذون موقفاً، والنهج الذي يختارونه، يختارونه عن فكر وتحليل، أي أنهم يفهمون ويقررون ويعملون. والذين يقفون في الجانب المقابل لهم هم العوام.

ج  العوام هم الذين يسيرون مع مسير الماء، ليس لديهم تحليل للمواقف، حينما يشاهدون الناس يهتفون »يعيش« يهتفون معهم، وحينما يهتف الناس »الموت ل…« يرددون نفس الهتاف. عندما تكون الأجواء في وضع معين يأتون هنا، وحينما تكون على منوال اخر يذهبون هناك!

فحينما دخل مسلم بن عقيل إلى الكوفة، تراهم يقولون: لقد وفد ابن عم الإمام الحسين، لقد جاء مبعوث بني هاشم، وهو عازم على الثورة والنهوض، فيستثارون ويلتفون حوله ويبايعونه؛ بايعه ثمانية عشر ألفاً. وبعد خمس أو ست ساعات دخل رؤساء القبائل إلى الكوفة وقالوا للناس: لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ عمن تريدون الدفاع؟ وضد من؟ إنكم ستدفعون الثمن غالياً! انسحب أولاً زعماء القبائل كلٌ إلى داره. وبعدما حاصر جنود ابن زياد دار طوعة للقبض على مسلم، انبرى أولئك الناس أنفسهم لمحاربة مسلم! هؤلاء هم العوام. سلوكهم لا ينطلق عن تفكير، ولا ينبثق عن تشخيص، ولا هو قائم على تحليل صائب، بل يتحركون وفقاً لما يمليه الجو العام.

إذن في كل مجتمع هناك خواص وهناك عوام. لنترك قضية العوام جانباً، ونبحث في وضع الخواص.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...