الرئيسية / الاسلام والحياة / تأملات في الطريق 14

تأملات في الطريق 14

4 – [ السقوط في الفتنة ]

حذر الأنبياء والرسل على امتداد المسيرة البشرية من إلقاءات الشيطان. وبينوا أن ما يلقيه الشيطان ما هو إلا فتنة تصيب الذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم. ليكونوا علامة سوء على امتداد الطريق كي يحذر الناس برامجهم وأطروحاتهم، والقرآن الكريم بشر الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ولم يتوبوا بعذاب جهنم، وفي عالم الفتن انطلقت المسيرة الإسرائيلية بعد عهد السبي تبشر بالمسيح المنتظر الذي يعيد مجد المملكة الداوودية، وتولى التلمود عملية التبشير، ولليهود تلمودان، الأول: التلمود الاورشاليمي. وقد وضعه أحبار اليهود في أورشاليم، والثاني: التلمود البابلي وقد وضعه أحبار اليهود في بابل، ويزعم كثير من اليهود أن موسى تسلم القانون المكتوب على ألواح الحجر، كما تسلم من الله تفسيرات وشروحا لهذا القانون. وهو ما يدعى بالقانون الشفهي (3)، وذكرت مصادر أخرى أن فرقة الفريسيين

____________

(1) المصدر السابق 11 / 8.

(2) المصدر السابق 11 / 12.

(3) الكنز المرصود في فضائح التلمود / د. محمد الشرقاوي ط مكتبة الوعي مصر ص 32.


الصفحة 102

اليهودية التي ظهرت قبل ميلاد المسيح ابن مريم عليه السلام بمائتي عام، هم الذين ابتدعوا القانون الشفهي. وهم الذين وضعوا التلمود (1).

ونظرا لما أنتجه التحريف من تناقض وما أنتجه التلمود من اختلافات. ارتقى الأحبار منزلة كبيرة بين الشعب، وكانت مهمتهم النزول على الشعب بتفسيراتهم للتلمود، وهي تفسيرات لا ينبغي أن يناقشها غيرهم، ومن أجل هذه المهمة رفعهم التفسير التلمودي إلى مكانة عالية، قال ” إن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها ولا تغييرها ” (2)، وقال ” من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت. وليس كذلك من احتقر أقوال التوراة. ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط ” (3)، وقال الحاخام روسكي: التفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى (4)، وجاء في كتاب كرافت المطبوع سنة 1590: إعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء (5)، وقال الحاخام في أقوال الحاخامات المناقض بعضها بعضا ” إنها كلام الله مهما وجد فيها من تناقض، فمن لم يؤمن بها أو قال إنها ليست أقوال الله. فقد أخطأ في حق الله ” (6).

ومن أقوال الحاخامات في شعب الله المختار: ” تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله كما أن الابن جزء من

____________

(1) المصدر السابق ص 32.

(2) التراث الإسرائيلي / صابر طعيمة ص 401.

(3) الكنز المرصود ص 14.

(4) المصدر السابق 169.

(5) المصدر السابق ص 170.

(6) المصدر السابق 171.


الصفحة 103

والده (1)، ولهذا اختار الله الجنس العبري ليكون منه شعب الله المختار، وأعطى الله ميثاقه لهذا العنصر، وهو ليس عقدا بل عهدا لأنه جاء من جانب واحد، وهو عهد أزلي لا ينقض، وأنه تنفيذا لهذا الميثاق أخرج الله العنصر العبري من مصر وأنقذه من فرعون، وأهلك أهل فلسطين من أجله وأسكنهم أرضهم وملكها لهم، وإذا كان هذا الملك قد أفلت في عصر من العصور وآل للأمم، إلا أن هذا الملك لله أولا وأخيرا، ولقد قضى الله منذ الأزل أنه من نصيب شعبه، ومن ثم فلا خوف من ضياعه، وهذا العنصر العبري المختار سيظل لذلك يتطلع إلى أن يعيد الله هذا الملك لهذا الشعب كما قضى في كتابه، وسيكون تطلع هذا الشعب لإعادة هذا الملك بكل عقله وقلبه، وإنه لا يشك للحظة إنه سيستعيده.

وهو لا بد مسترجعه (2).

واختلفوا في المسيح المنتظر الذي سيستعيد مملكة داوود وعاء عهد الله لإبراهيم، فزعم يهود السامرة أن المسيح سيكون من سبط يوسف عليه السلام، وزعم يهود أورشاليم أنه سيكون من سبط يهوذا من نسل داوود (3). واتفقوا في أحداث مجئ المسيح. وقالوا ” تطرح الأرض فطيرا وملابس من الصوف. وقمحا حبه بقدر كلاوي الثيران الكبيرة، وفي ذلك الزمان ترجع السلطة لليهود. وكل الأمم تخدم ذلك المسيح وتخضع له، وفي ذلك الوقت يكون لكل يهودي ألفان وثمانمائة عبد يخدمونه. وثلثمائة وعشرة أكوان تحت سلطته، ولكن لا يأتي المسيح إلا بعد القضاء على حكم الأشرار. ولذلك يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع امتلاك باقي الأمم في الأرض، كي تظل السلطة لليهود وحدهم، لأنه من الضروري أن تكون لهم السلطة أينما

____________

(1) الكنز المرصود ص 190.

(2) المصدر السابق ص 84.

(3) نقد التوراة / حجازي السقا ص 168.


الصفحة 104

حلوا، فإن لم يتيسر لهم ذلك اعتبروا منفيين وأسارى، وإذا تسلط غير اليهود على وطن اليهود. حق لهؤلاء أن يندبوا عليه ويقولون: يا للعار ويا للخراب ويستمر ضرب الذل والمسكنة على بني إسرائيل حتى ينتهي حكم الأجانب، وقبل أن يحكم اليهود نهائيا باقي الأمم يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم ويبقى اليهود سبع سنوات متواليات يحرقون الأسلحة التي كسبوها بعد النصر… ويعيش اليهود في حرب طاحنة مع باقي الشعوب في انتظار ذلك اليوم، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر المنتظر ويقبل المسيح إذ ذاك هدايا جميع الشعوب… وتكون الأمة اليهودية يومئذ في غاية الثراء.. وإن هذه الكنوز ستملأ بيوتا كثيرة لا يمكن حمل مفاتيحها وأقفالها إلا على ثلاثمائة حمار، وترى الناس كلهم حينئذ يدخلون في دين اليهود أفواجا.. ويتحقق أمل الأمة اليهودية بمجئ المسيح. وتكون هي الأمة المتسلطة على باقي الأمم عند مجئ المسيح ” (1).

وعلى امتداد المسيرة الإسرائيلية، اكتسب التلمود في نفوس الجماعات الإسرائيلية قداسة وأهمية تفوقان كل مقدس وكل تصور. يقول د. طعيمة: والتلمود من بين جملة المصادر الدينية الإسرائيلية قد أصبح التوراة المهمة في عواطف القوم ومعتقداتهم، وهو جملة من القواعد والوصايا والشرائع والتعاليم الدينية والأدبية. والشروح والتفاسير والروايات المتعلقة بدين وتاريخ وجنس إسرائيل على مدى التاريخ، وكانت هذه التعاليم والقواعد والشرائع تتناقل وتدرس مشافهة من حين إلى آخر، ولما تعاظم شأن هذه التعاليم في نفوس الجماعات الإسرائيلية. وكثرة هذه التعاليم. قرر كبار الحاخامات أن يسجلوا هذه التعاليم حتى تضاف إلى ما لديهم من نصوص أو مستندات، وبدأت عملية التسجيل والتدوين

____________

(1) الكنز المرصود ص 197.


الصفحة 105

على مراحل متعددة. وفي مواقع مختلفة (1).

والخلاصة: لقد ركبت المسيرة طريق الانحراف الذي سلكته الأمم الوثنية، ومن هذا الطريق اكتسبت المسيرة مجموعة من النصائح الانفعالية. طرحتها ثقافات لا تصيب أصحابها إلا بصدمات نفسية، أو تجعلهم دائما وأبدا في صراع نفسي غير محسوم، وكان بين يدي المسيرة دوائر تبشير ودوائر تحذير. بينها الأنبياء والرسل وهم يخبرون بالغيب عن ربهم، ومن دائرة التبشير بشروا بمسيح تلده عذراء الزهد علامة من علاماته، ومن دائرة التحذير حذروا من مسيح يخرج آخر الزمان فتنة للناس. معه ماء وطعام. وذهب وأهواء، ولكن دوائر التحذير اختلطت بدوائر التبشير. عندما بدأ القوم يحرفون النصوص. وعندما أنستهم مناهج المادة والحس حظا مما ذكروا به، فالتقطوا من بين الخليط ما يتفق مع القاسية قلوبهم. وعندما بعث النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أقام الحجة على المسيرة البشرية، وأخبر أهل الكتاب بما كانوا يختلفون فيه، ولكن الذين كفروا منهم تكبروا وجادلوا في آيات الله، قال تعالى:

(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) (2). قال ابن كثير:

نزلت الآية في اليهود، وذلك أنهم ادعوا أن المسيح منهم وأنهم يملكون به الأرض، فأمر الله نبيه. أن يستعذ من فتنة الدجال (3) وقال في الميزان:

أخبر سبحانه أن هؤلاء المجادلين لا ينالوا بغيتهم ولن ينالوا، وقال لرسوله. فلا يحزنك جدالهم، وحصر سبحانه السبب الموجب لمجادلتهم في الكبر، يريدون به إدحاض الحق الصريح، وأمره الله أن يستعذ منهم بما لهم من كبر. كما استعاذ موسى من كل متكبر مجادل.

 

____________

(1) التراث الإسرائيلي ص 395.

(2) سورة غافر آية 56.

(3) تفسير ابن كثير 84 / 4.


الصفحة 106

الصفحة 107

شاهد أيضاً

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ]

قصيدةُ [ ضَرَبَتْ إِيرانُ صُهْيُونَ اللَّعِينْ ] إقرأ المزيد .. الإمام الخامنئي: القضية الأساسية في ...