بعد أكثر من عقدين من الجهود الأمريكية لتأسيس وتعزيز نظام دولي أحادي القطب، نشهد علامات تدهور النظام الدولي المتمركز حول أمريكا وتشكيل نظام دولي جديد.
وكالة مهر للأنباء، سالار نامدار وندائي: ان “النظام الدولي” هو مجموعة من الترتيبات والأنظمة والعلاقات المكتوبة وغير المكتوبة بين الجهات الفاعلة الرئيسية التي تخلق وتدير السياسة الدولية. على مدار الفترات التاريخية المختلفة، ظهرت وانهارت العديد من الأنظمة الدولية وكانت “الحرب” العامل الأكثر أهمية في تغيير هندسة الأنظمة العالمية عبر التاريخ.
المرة الأخيرة التي تغير فيها النظام الدولي المتعدد الأقطاب بشكل أساسي بسبب الحرب العالمية الثانية وتداعياته. قسّم الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة، العالم إلى كتلتين شرقية وغربية وشكلوا نظامًا عالميًا ثنائي القطب. طوال سنوات الحرب الباردة، ساد نظام دولي ثنائي القطب على العالم وتم تحديد البلدان دون اي اختيار في أحد المعسكرين شرقًا أو غربًا. في هذا السياق، على الرغم من تشكيل حركات مثل “عدم الانحياز” أو دول خارج الكتل الشرقية والغربية، كانت الإدارة الدولية إلى حد كبير في أيدي الكتل الشرقية والغربية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة.
مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، رأت الولايات المتحدة الفرصة المناسبة لتأسيس نظام دولي أحادي القطب وتعزيز هيمنتها على جميع جوانب المجتمع الدولي. في هذه الفترة، نرى جهود الولايات المتحدة لإدارة الصراعات الدولية وظهور القيم الأمريكية مثل الديمقراطية الليبرالية في سياق مفاهيم مثل العولمة وإطلاق الحرب وحركات مصطنعة مثل الثورات الملونة للإطاحة بالأنظمة السياسية المعارضة وإنشاء حكومات تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.
ولكن الآن، وبعد أكثر من عقدين من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لإنشاء وتعزيز نظام دولي أحادي القطب، نشهد علامات تدهور النظام الدولي المتمركز حول أمريكا وتشكيل نظام دولي جديد. وهو موضوع تكرر في تصريحات قائد الثورة الإسلامية في عناوين ومفاهيم مثل ؛ “التغيير في هندسة النظام العالمي” ، “التطور التاريخي” ، “القدرة الذاتية” ، “العمق الاستراتيجي” ، إلخ. في هذا المقال، ستُبذل محاولة لفحص “سمات” النظام الدولي الجديد من خلال تحليل “علامات” التغير في النظام الدولي القائم.
** مؤشرات التغير في النظام الدولي القائم
هناك حقيقة أن الولايات المتحدة لم تكن قادرة أبدًا على إنشاء نظامها الدولي أحادي القطب المنشود، وأحد أسباب هذا الفشل هو تشكيل حركات مثل الثورة الإسلامية ، وبالتالي محور المقاومة. على سبيل المثال، في عام 2011 عندما سعت الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع حلفائه من دول المنطقة وحتى الغربيين للإطاحة بنظام السياسي السوري وإنشاء دولة تخدم المصالح الامريكية، واجهت عقبة قوية تسمى المقاومة الإسلامية بدعم من الجمهورية الاسلامية الايرانية وتفاجأة بقوة اقليمة مثل الجمهورية الاسلامية الايرانية. هذه الحقائق تقودنا إلى مؤشرات التغير في النظام الدولي القائم. في هذا السياق، يمكننا تصنيف مؤشرات ظهور نظام دولي جديد على النحو التالي:
- استنزافية النماذج الليبرالية الغربية
ان قضية استنزافية النماذج الليبرالية الغربية التي كان من المقرر أن يقوم عليها النظام العالمي لما بعد الحرب الباردة تطرح في المحافل الفكرية الغربية تحت عناوين مثل “نهاية العصر الأمريكي”. في هذا السياق، يتم عرض ظهور أنماط التحدي والمعارضة مثل الثورة الإسلامية في إيران. ما هو مؤكد هو أن النماذج الليبرالية الغربية لم تفقد جاذبيتها العالمية فحسب، ولكن فشل هذه النماذج شجعت بشكل متزايد البلدان المختلفة على إيجاد نماذج بديلة. لم تعد الولايات المتحدة مركز ثقل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والقوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الناشئة في الشرق، بما في ذلك دول مثل الصين والاتحادات الاقتصادية كان لها دورًا مهمًا في تشكيل المعادلات العالمية.
- حدوث اضرابات في معسكر المنتصرين في الحرب العالمية الثانية
ولوحظ أن أساس النظام الدولي الحالي بعد الحرب العالمية الثانية كان يقوم على تعاون البلدان المنتصرة، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق والاتحاد الروسي الحالي والمملكة المتحدة وفرنسا والصين. على الرغم من أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، حاولت الولايات المتحدة فرض نظامها أحادي القطب، والذي عارضته بطبيعة الحال دول مثل الصين وروسيا وحتى فرنسا، ولكن في العلاقات الدولية الأساسية حافظ البلدان على حد أدنى من التعاون فيما بينهم. لكن الحرب في أوكرانيا والمواجهة الشاملة بين روسيا والولايات المتحدة تسببت في حدوث اضطرابات غير مسبوق في معسكر المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. وهنا نستطيع ان نشير بدور الحرب على تغيير النظام الدولي كما انه من الممكن أن يكون الحرب في أوكرانيا له تأثير دائم وهام على تشكيل نظام دولي جديد.
- نقل مركز ثقل القوة من الغرب إلى الشرق
العملية التي بدأت منذ سنوات عديدة والتي أشار إليها المفكرون الغربيون مثل جوزيف ناي هي “نقل مركز ثقل القوة العالمية” من الغرب إلى الشرق. في هذا السياق، لم يعد الغرب وتحديداً الولايات المتحدة مركز ثقل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والقوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الناشئة في الشرق، بما في ذلك دول مثل الصين والاتحادات الاقتصادية لها دورًا مهمًا في تشكيل المعادلات العالمية.
كما لوحظ، فإن فشل الإرادة العسكرية والسياسية للولايات المتحدة في دول مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان في عدة مناسبات مؤشر أخر على نهاية حقبة تركيز القوة بقيادة الولايات المتحدة في العالم الغربي.
** سمات النظام الدولي الجديد
النظام الدولي الجديد الذي سيظهر ويتولد له سمات بارزة. هذه السمات تنشئ من العناصر الثابتة والمتغيرة للنظام الدولي. بعبارة أخرى، يحدث تغيير النظام الدولي في سياق النظام الدولي. ولهذا فإن أهم مميزات النظام الدولي الجديد هي: لم تعد الولايات المتحدة مركز ثقل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والقوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الناشئة في الشرق، بما في ذلك دول مثل الصين والاتحادات الاقتصادية لها دورًا مهمًا في تشكيل المعادلات العالمية.
1- بقاء الفوضى ومبدأ العون الذاتي
وتجدر الإشارة إلى أن التغير في النظام الدولي يعني، بشكل أكثر دقة التغير في هندسة النظام الحالي وإلا فإن السمات الأساسية للنظام الدولي، مثل “الدولة المركزية”، ستبقى كما هي. وبالتالي يمكن القول أن الفوضى، التي تعني “الافتقار إلى السلطة المركزية”، ستظل السمة الغالبة للنظام الدولي وستظل مسألة الاعتماد على الذات مصدر قلق كبير للبلدان في النظام الدولي الجديد. لم تعد الولايات المتحدة مركز ثقل القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والقوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية الناشئة في الشرق، بما في ذلك دول مثل الصين والاتحادات الاقتصادية كانت لهم دورًا مهمًا في تشكيل المعادلات العالمية.
2. التغيرات في توزيع القدرات
الاتجاهات مثل “تحول مركز ثقل القوة” من الغرب إلى الشرق سوف تؤدي بدورها إلى “التغير في توزيع القدرات” وفي النهاية “التغير في مكانة الدول”. في هذا السياق، واستنادًا إلى القدرات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، فإن دولًا مثل الولايات المتحدة في قمة الهرم تنخفض إلى مستويات أدنى وهي نقطة تحول لفشل الجهود الأمريكية في مدة أكثر من عقدين لاستقرار النظام الدولي الامريكي.
3.خلق الأدوار ولعب الأدوار للقوى الناشئة
من أهم سمات النظام الدولي الجديد الذي يظهر ويتطور هو خلق الادوارولعب الأدوار للفاعلين الناشئين الذين تمكنوا من اكتساب مكانة مهمة في المعادلات على المستويين الإقليمي والدولي. لا شك أن الجمهورية الإسلامية الايرانية هي إحدى هذه القوى التي استطاعت لعب دور فعال في تطوراتها ومعادلاتها من خلال إنشاء بنية تحتية سياسية واجتماعية وثقافية في منطقة غرب آسيا. على أي حال فان خلق الادوار ولعب الادوار للقوى الناشئة هو أحد حقائق النظام الدولي الجديد و البلدان المختلفة ستكون قادرة على الحصول على درجة عالية من التأثير حسب مكونات قوتها الوطنية.
أصبحت مؤشرات تدهور النظام الدولي أحادي القطب الذي سعت الولايات المتحدة لتأسيسه على مدى عقدين من الزمان أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. فقدت النماذج الليبرالية للديمقراطية الغربية جاذبيتها، وأصبحت نوايا الغرب التي تقود الولايات المتحدة لفرض الديمقراطية الغربية واضحة بشكل متزايد. إن سجل جهود الولايات المتحدة لتشكيل النظام الأمريكي مليء بالحالات الفاشلة مثل أفغانستان، والتي تظهر أن مشروع أحادية القطبية العالمية قد فشل حتماً.
في هذا الصدد يظهر نظام دولي جديد ويتطور مع تحديد الأدوارولعب الادوار مثل إيران. في النظام الدولي الجديد ستنخفض قوة دول مثل الولايات المتحدة التي كانت ذات يوم على قمة هرم القوة العالمية إلى مستويات أدنى وسنرى عالماً متعدد الأقطاب.