الرئيسية / بحوث اسلامية / البعد الروحي للاحرام _ غسل الاحرام السيد عبد الستار الجابري 06

البعد الروحي للاحرام _ غسل الاحرام السيد عبد الستار الجابري 06

البعد الروحي للاحرام


السيد عبد الستار الجابري


التلبية – لبيك ذي المعارج لبيك
في هذا المقطع من التلببية يجيب الناسك نداء النبي ابراهيم (عليه السلام) مضمناً نداء تلبيته بيان الاعتقاد بمقام اخر من مقامات الربوبية وهو مقام الهيمنة الالهية على كل العوالم بما فيها من مدارج الكمال المعد لسكان تلك النشآت المختلفة.

ففي هذا المقطع يردد الناسك صفة من الصفات الالهية العليا وحقيقة من حقائق عالم ملكه وسلطانه، صفة ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز لبيان اهمية تلك الحقيقة في الهيمنة على والسطان المطلق على عالم الخلق والامر حيث قال تبارك وتعالى في كريم خطابه (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة)

معنى المعارج
ورد في كتب اللغة ان المعارج تعني المصاعد والطرق التي يرتقى فيها، وظاهر جملة من المفسرين في تفسير قوله تعالى :(من الله ذي المعارج) اي الافضال والنعم والمراتب العالية.

وعند الوقوف بتأن مع الآيات الكريمة نجد هناك عدة امور:
الاول: ان الله تبارك وتعالى وصف ذاته بانه ذو معارج.

الثاني: بينت الآيات الشريفة ان الملائكة والروح تعرج اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنة.

الثالث: وقع الوصف في الآيتين الكريمتين بين قوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع) وقوله تعالى: ( فاصبر صبرا جميلا انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل والجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما …) فالايات الشريفة الواقعة بين هذين الموردين تتحدث عن الصفة الالهية التي يظهر عنها نوع العذاب الذي ينتظر المذنبين وما سيكون في ذلك اليوم من اهوال عظيمة تشمل عالم التكوين، يوم تكون فيه السماء كالمعادن الذائبة وتكون الجبال كالقطن المنفوش، وهذا يكشف عن طبيعة اهوال تلك المرحلة الزمنية من التاريخ الكوني في المستقبل.

الرابع: بعد فراغ الآيات الشريفة من الحديث عن المعارج وموقعها الزمني يشير القران الكريم الى مسالة اخرى ( كلا انها لظى نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولى وجمع فاوعى ان الانسان خلق هلوعا اذا مسه الشر جزوعا واذا مسه الخير منوعا) وهذا عطف على اول السورة المباركة حول العذاب الذي سأل عنه السائل ليبين الله تعالى نوع العذاب الذي ينتظر من يدبر عن امر الله ويتولى عنه.

ومن هذا المجموع يمكن ان تستشف عدة امور:
أ – ان المعراج مرتبة كمالية عليا تختص بالملائكة والروح ولذا لم يرد ذكر بني البشر فيها، فاذا صح هذا الفهم للاية الكريمة فيكون لعالم الخلق مراتب كمالية خاصة ولموجودات عالم الروح وللملائكة مراتب كمالية اخرى.

ب – ان الدائرة الزمانية لذلك العروج هو يوم القيامة حيث حدد زمن عروج الروح والملائكة الى المقام الخاص بخمسين الف سنة، وهو مختار جملة من المفسرين.

ج – ان بلوغ تلك المرتبة الخاصة لمن في عالم الروح والملآئكة يستغرق من حيث الزمن بحساب العالم الارضي خمسين الف سنة.

د – ان الايات الكريمة التي تناولت المعارج بينت ان هناك عوالم غير العوالم التي يعيشها الانسان وان فيها درجات رقي وكمال، وان من في تلك العوالم يعيشون فترات زمنية يقع يحصل فيها تكاملهم، وهذا البعد الزمني يختلف عن البعد الزمني الذي يعيشه الانسان على الارض، ولو اريد حسابه بحساب اهل الدنيا لكان خمسين الف سنة من سني الدنيا.

ومن هنا نجد ان السير التكاملي للانسان بلحاظ فاعليته في السير لتحقق الكمال المنشود قصير نسبيا قياسا بخط السير التكاملي لمن هم في العوالم الاخرى، كموجودات عالم الامر (يسالونك عن الروح قل الروح من امر ربي) والموجودات الاخرى كالملائكة، فالمسير التكاملي الذي يكون فيه الانسان كادح في بذر ما يقدمه لغده ينحصر بين الولادة والوفاة، واطول فترة بينها القرآن الكريم في مسير الانسان هي الفترة التي امضاها المجتمع البشري الذي بعث اليه نوح (عليه السلام) في حال كون ذلك المجتمع قد عاش جميع الفترة التي عاشها نوح (عليه السلام)، اما اذا كان العمر الطويل مختص بنوح (عليه السلام) فتكون فترة المسير الى الله التي عاشها الناس هي تلك الفترة التي لا يتجاوز معدلها السبعين سنة والتي قد يصل بعض افراد المجتمع فيها الى ما يتجاوز المائة.

هـ – ذهب السيد الطباطبائي (قدس سره) في تفسير الميزان الى ان المراد من المعارج مقامات الملكوت حيث قال (قدس سره):(المعارج جمع معرج وفسروه بالمصاعد وهي الدرجات وهي مقامات الملكوت التي يعرج اليها الملائكة والروح عند رجوعهم الى الله تعالى على ما يفسره قوله بعد ( تعرج الملائكة والروح اليه في يوم) الخ، فله سبحانه معارج الملكوت ومقاماتها المترتبة علوا وشرفا اليت تعرج فيها الملائكة والروح بحسب قربهم من الله وليست مقامات وهمية اعتبارية).

الخلاصة
ان الناسك في هذا المقطع من التلبية يجيب دعوة الله تعالى مع تضمين الاجابة بالاضافة لما تقدم من الحقائق الغيبية بالايمان بالاحاطة الالهية بكل مدارج الكمال لما هو موجود في هذا العالم سواء ما كان منها في عالم الخلق او عالم الامر، وان كل ما هو موجود سائر اليه تباك اسمه لنيل مقامامت الكمال المعدة له كل حسب اهليته واستحقاقه والروح والملائكة كلها تسعى للنيل تلك المقامات العظيمة والدرجات الرفيعة وان المسير يختلف باختلاف الحقائق والوصول الى تلك المقامات والدرجات يختلف بحسب النشآت.

تنبيه


اورد الشيخ المجلسي (قدس سره) عن فقه الرضا (عليه السلام) بعد ذكر التلبيات ( واكثر من ذي المعارج) اي ان الناسك عليه الاكثار من ترديد (لبيك ذي المعارج لبيك) في اشارة للاهمية الخاصة لهذا الذكر وبيان عظمة هذا المقام وتلك المرتبة.

شاهد أيضاً

مفاجآت القرن الـ 21: ملحمة فلسطين وأسطورة إيران

ناصر قنديل يبدو القتال الأميركي الإسرائيلي والغربي عموماً لإنكار صعود العملاق الإيراني وإبهار الملحمة الفلسطينيّة ...