الوقت_ بمجرد إعلان الإدارة الأمريكيّة عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، يسعى البيت الأبيض إلى محاولة محاربة أيّ تشويش على هذه الزيارة مهما يكن، وذلك لتمرير ما جاء به بايدن من أهداف بعضها واضح والآخر خفيّ، حيث نشر موقع “ميدل إيست آي” في لندن تقريرا حول محاولة الولايات المتحدة دفن تقرير حول مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة، وجاء في التقرير أن الولايات المتحدة اتُهمت بمحاولة دفن نتائج تحقيقها في مقتل أبو عاقلة، وتعرضت لانتقاد بسبب تصريحات بدا وكأنها تنقذ “إسرائيل” من مسؤولية مقتل الصحفية الفلسطينية – الأمريكية، في ظل اتهامات من الفلسطينين بأنّ الموقف الأمريكي من التحقيقات ومحاولتهم تبرئة جيش الاحتلال يفضح التواطؤ الأمريكي الدائم مع الاحتلال وجرائمه، على الرغم من أن الصحفيّة أُعدمت بنيران جنديّ إسرائيليّ من مسافة نحو 180 متراً وفقاً لتحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الشهر المنصرم.
جريمة استثنائيّة
لا يخفى على أحد أنّ أميركا لا يمكن أن تقدم للفلسطينيين إلا ما أثقبت به واشنطن مسامعنا فهي تدعم الاحتلال والآلة العسكرية للعدو، في وقت يواصل المجرمون الصهاينة قتل وطرد الفلسطينيين وقضم أراضيهم، وحتى لا يكون هناك أي تشويش يُذكر على زيارة الرئيس الأمريكيّ للمنطقة تسلمت واشنطن الطلقة التي اغتالت شيرين أبو عاقلة، في تأكيد على قذارة الموقف الأمريكيّ تجاه فلسطين السليبة وبالأخص حول هذه الجريمة التي نفذتها قوات العدو الإسرائيليّ بحق الصحفيّة الشهيرة التي كانت تعمل مراسلة في قناة الجزيرة القطريّة في جنين بالضفة الغربيّة المحتلة أثناء تغطيتها اقتحام العصابات الصهيونيّة لجنين قبل أشهر، والتي دفعت العالم بأسره للتنديد بالتصرفات الوحشيّة التي قامت بها القوات الإسرائيليّة، باعتبار أنّ أبو عاقلة عملت مع مجموعة كبيرة من وكالات الأنباء العربية والدولية لتغطية الأحداث الكبرى في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووثقت لسنوات طويلة اعتداءات قوات الاحتلال وجرائمهم.
وبمجرد حديث وزارة الخارجية الأمريكية قبل أيام، أن رصاصة انطلقت من موقع إسرائيلي “من المحتمل أنها المسؤولة عن مقتل أبو عاقلة” واستبعادها أن يكون القتل متعمدا، بل نتيجة ظروف زعمت أنّها “استثنائية”، اعتبر الفلسطينيون أنّها خطوات من السلطة الفلسطينيّة تُشكل جريمة وطنية وخطيئة كبرى وتواطؤاً تاماً مع الاحتلال المجرم، وتأتي المساعي الأمريكيّة للتستر على الجريمة الإسرائيليّة الشنيعة التي هزت العالم، على الرغم من أنّ الإعلام الأمريكيّ والغربيّ أكّد أن جنديًا تابعاً لقوات العدو الإسرائيليّ أطلق الرصاص عمداً على أبو عاقله، وهذا واضح من مقاطع الفيديو التي انتشرت عقب مقتل الصحفية، حيث أجمع العالم على شناعة الجريمة التي ارتكبتها العصابات الصهيونيّة بحق الصحفيّة الشهيرة، وحملوا القوات الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن الجريمة بحق أبو عاقلة التي قضت خلال قيامها بواجبها الصحفي لتوثيق الجرائم المروعة التي يرتكبها الاحتلال.
“منذ ارتكاب الجريمة الشنيعة بحق شيرين أبو عاقلة حاولت إسرائيل والإدارة الأمريكية دفن هذا الأمر”، عبارة انتشرت على لسان ناشطين حقوقيين كُثر أدركوا حقيقة النوايا الخبيثة للإدارة الأمريكيّة التي لا ترغب بتعكير أجواء زيارتها، ما أظهر من جديد حجم لا مبالاة الأمريكيين في موقفهم من حياة الفلسطينيين وكرامتهم، حيث إنّ تلك القضية أظهرت حقيقة إرهاب الاحتلال الإسرائيليّ الغاشم ووحشيته، وبينت كعين الشمس مدى استهتار تل أبيب بالإنسانيّة وبالرأي العام العالميّ وبالقيم والأعراف الدوليّة، وما تسببت به من إهانة للكرامة الوطنية للشعب الفلسطينيّ، في محاولة مستميتة للتملص من المسؤولية والتنصل من الجريمة البشعة والافشال المتعمد لجهود محاكمة العدو ومحاسبته على جريمته.
ويرى الفلسطينيون أنّه من الخطأ الفادح السماح للولايات المتحدة بالمشاركة في التحقيق نتيجة لتبعيّة الكيان لها، بعد التأكّد بشكل قاطع من قتل “إسرائيل” للصحفيّة، وخاصة أنّ واشنطن غضّت الطرف عن تحقيقات الصحافة الأمريكية التي أجرت تحليلات لأكثر من 60 مقطع فيديو ومنشورًا على وسائل التواصل الاجتماعي وصورًا لجريمة الاغتيال، إضافة إلى فحصين ميدانيين للمنطقة، ناهيك عن التحليلات الصوتية المستقلة لأصوات إطلاق النار، وجميعها التقت عند حقيقة أن التحليل الصوتي لإطلاق النار الذي أدى إلى مقتل الصحفية المعروفة يشير إلى أن شخصاً أطلق عليها الرصاص من مسافة تقريبيّة تطابق المسافة بين الصحفيين ودورية قوات الاحتلال الإسرائيلي التي كانت في المكان، وقد أظهر تحليل الصور المتوافرة ولقطات الفيديو وبيانات شهود العيان، بما لا شك فيه أن جنديا إسرائيلياً هو من أطلق رصاصة الإعدام الميداني.
وفي الوقت الذي تسرح فيه “إسرائيل” وتمرح على التراب الفلسطينيّ وترتكب أبشع الجنايات بحق هذا الشعب وغيره في المنطقة، تسعى واشنطن لغض الطرف عن كل التحقيقات والأصوات والأدلة التي تدين “إسرائيل” وتحاول كتم صوت القضية العالميّة لمصلحة ملفات أخرى على ما يبدو، في ظل البراهين والأدلة الكثيرة التي تدين تل أبيب وجنودها القتلة وتحميل الكثير من الدول والمنظمات الدوليّة المسؤوليّة لـ “إسرائيل” وعصاباتها الصهيونيّة في قضية إطلاق النار العمد وقتل أبو عاقلة التي كانت ترتدي زيّ الصحافة ودرعه، وذلك بالتزامن مع محاولات جيش العدو الغاصب تبرئة نفسه من دم أبو عاقلة.
زيارة كيان عنصريّ
بما أنّه من غير المناسب أمام العالم قيام رئيس الولايات المتحدة بزيارة دبلوماسية لدولة تمارس الفصل العنصريّ، وعقب قيام الإسرائيليين بقتل صحفية فلسطينية- أمريكية، يحاول الأمريكيون تحجيم أو إخفاء قضيّة أبو عاقلة كأنّها لم تكن، لإظهار الزيارة لدولة الاحتلال على أنّها “طبيعيّة”، في وقت تُقر فيه منظمات حقوقيّة مهمة حول العالم بأنّ الكيان الصهيوني هو “أبرتهايد” أيّ نظام فصل عنصريّ يرتكب جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدوليّ من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وواشنطن لا ترغب بفضيحة أكبر لها على الساحة الدوليّة التي تتهم فيها تل أبيب بانتهاج سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة الفلسطينيين والأقلية العربيّة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة.
وإنّ قيام الولايات المتحدة بتلك الخطوات الخبيثة والمكشوفة بالنسبة للقاصي والداني، تُعد شهادة دولية قويّة ومحقّة على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة المدعومة من أميركا والغرب، واعتراف صريح بجرائم الصهاينة ومن خلفهم بحق الشعب الفلسطينيّ، ما يُظهر مدى مساعدة الأمريكيين للكيان الذي بات يشتهر دوليّاً بالإجرام والعنصريّة.
خلاصة القول، من الطبيعيّ أن يكون موقف البيت الأبيض بهذه القذارة تجاه التحقيقات في مقتل الصحفية شيرين أبوعاقلة ومحاولته تبرئة الجناة، وهذا بالطبع يجعل من الولايات المتحدة شريكاً أساسيّاً في تلك الجريمة الشنيعة، وخاصة أنّ التاريخ الدمويّ للاحتلال الإسرائيليّ ضد الشعب الفلسطيني كُتب بدم الأبرياء وبمساعدة لا متناهية من أميركا، هذا إذا ما تغاضينا عن غطاء واشنطن السياسيّ الذي توفره للاستعمار الصهيونيّ في المؤسسات الدولية ومنع أيّ لجنة تحقيق من فضح جرائم الاحتلال، وتعطيل القرارات الدولية التي تدينها.