الرئيسية / كلامكم نور / دراسات في نهج البلاغة

دراسات في نهج البلاغة

عصمة الإمام عليّ عليه السلام

من المسائل الأساس في العقائد الإماميّة عصمة الإمام ونزاهته عن الخطأ
________________________________________
6- كنز العمال، المتّقي الهنديّ، ج13، ص124، وكذا ذكر ابن الأثير في أسد الغابة أنّ عليّاً عليه السلام أوّل الناس إسلاماً، ج4، ص 16.
7- السيرة الحلبيّة، ج1، ص 434.

والنسيان والسهو والذنب، بحيث إنّ أفعاله وسكناته وإشاراته وتنبيهاته لا تحيد عن رضى الله سبحانه، والدليل على ذلك عقليّ ونقليّ، فالعقل الّذي يحكم بنزاهة النبيّ يحكم أيضاً ولنفس العلّة والسبب بنزاهة وعصمة الإمام عن كلّ قبيح وذلك لغرض هداية الناس، فكيف يهدي من لا يمتلك الهداية ولا يتّصف بها.

يقول تعالى:﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾8.

وفي علّة العصمة نقل عن ابن أبي عمير قوله: “ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم 9في طول صحبتي له شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام فإنّي سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم؟ فقال نعم، قلت له فما صفة العصمة فيه وبأيّ شيء تُعرف؟

فقال إنّ جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة فهذه منفيّة عنه.

لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحت خاتمه لأنّه خازن المسلمين فعلى ماذا يحرص؟!

ولا يجوز أن يكون حسوداً لأنّ الإنسان إنّما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد فكيف يحسد من هو دونه؟!

ولا يجوز أن يغضب لشيء من أمور الدنيا إلّا أن يكون غضبه لله عزّ وجلّ فإنّ الله فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لايم، ولا رأفة في دينه حتّى يُقيم حدود الله.

________________________________________
8- سورة يونس، الآية: 35.
9- هشام بن الحكم من خواص الإمامين الصادق والكاظم عليهم السلام، وقد عدّه المفيد رحمه الله, في رسالته العدديّة، من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم.

ولا يجوز له أن يتّبع الشهوات ويؤثر الدنيا على الآخرة لأنّ الله عزّ وجلّ قد حبّب إليه الآخرة كما حبّب إلينا الدنيا، فهو ينظر إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا. فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح، وطعاماً طيّباً لطعام مرّ، وثوباً ليّناً لثوب خشن، ونعمة دائمة باقية لدنيا زائلة فانية؟”10.

وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام نبراس هداية وحجّة لله عزّ وجلّ على الناس، عارفون بالله وبكتابه ومبلّغون لشرائعه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام:”واعذروا من لا حجّة لكم عليه. وأنا هو. ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر ( أي القرآن ) وأترك فيكم الثقل الأصغر(أي الحسن والحسين عليهما السلام). وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام”11.

وعنه صلوات الله عليه قال: “إنّ الله تبارك وتعالى طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجّته في أرضه، و جعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نُفارقه ولا يُفارقنا”12.

علم الإمام عليه السلام وقضاؤه وحسن رأيه

من أبرز العلوم، علم الفقه، والإمام عليه السلام أصله وأساسه، وكلّ من أراد الفقه في الإسلام رجع إليه، واستفاد من فقهه، وقد عُرف رجوع عمر بن الخطّاب إليه في كثير من المسائل الّتي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة، وقوله غير مرّة: “لولا عليّ لهلك عمر”، وقوله: “لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن”. وقوله: “لا يُفتينّ أحد في المسجد وعليّ حاضر”. وقد روت العامّة والخاصّة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “أقضاكم عليّ”، والقضاء هو الفقه، فهو إذاً أفقههم13 .

________________________________________
10- علل الشرائع، الصدوق، ج4، ص 204.
11- نهج البلاغة, ج 1, ص 154.
12- الكافي, الشيخ الكليني, ج 1, ص 191.
13- راجع شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج 1, ص 18.

وقد عُرف في الإمام أجوبته المسكتة وردوده السريعة، من قبيل سؤال بعضهم له عليه السلام عن المسافة ما بين المشرق والمغرب فقال عليه السلام: “مسيرة يوم للشمس”14.

وقيل له عليه السلام لو سدّ على رجل باب بيته وترك فيه من أين كان يأتيه رزقه؟ فقال عليه السلام: “من حيث يأتيه أجله”15.

وسُئل عليه السلام: كم بين السماء والأرض؟ فقال: “دعوة مستجابة”16.

والنماذج على ذلك كثيرة، وهذا ليس غريباً على أمير الكلام عليه السلام وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب”17 ، وشبيه هذا الحديث عن لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثير.

وقد نقل عنه عليه السلام قوله:”وليس كلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان يسأله ويستفهمه حتّى أنّهم كانوا ليحبّون أن يجيئ الأعرابي والطارئ فيسأله عليه السلام حتّى يسمعوا. وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلّا سألته عنه وحفظته”18.

وقد أخبر أكثر من مرّة عن بعض المغيّبات والأحداث المستقبليّة والفتن الّتي ستكون بعده وخاصّة فتنة بني أميّة، فقال عليه السلام فيها:”حتّى يظنّ الظانّ أنّ الدنيا معقولة على بني أميّة تمنحهم درّها. وتوردهم صفوها. ولا يرفع عن هذه الأمّة سوطها ولا سيفها. وكذب الظانّ لذلك، بل هي مجّة من لذيذ العيش يتطعّمونها برهة ثُمَّ يلفظونها جملة”19 وكأنّه يُنبئ بزوال الدولة الأمويّة سريعاً.

وقال عليه السلام مخاطباً أهل البصرة:”كأنّي بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد
________________________________________
14- نهج البلاغة, ج 4, ص 71.
15- م. ن, ج 4, ص 83.
16- بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج 10, ص 84.
17- الفصول المختارة، السيد المرتضى، ص 220.
18- شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج 11, ص 39.
19- نهج البلاغة, ج 1, ص 155.

بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها”20.

وقد قال له بعض أصحابه: لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين عليه السلام علم الغيب، فضحك عليه السلام، وقال: “ليس هو بعلم غيب، وإنّما هو تعلّم من ذي علم. وإنّما علم الغيب علم الساعة وما عدّد الله سبحانه بقوله ﴿إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾21، فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، وقبيح أو جميل، وسخيّ أو بخيل، وشقيّ أو سعيد، ومن يكون في النار حطباً، أو في الجنان للنبيّين مرافقاً. فهذا علم الغيب الّذي لا يعلمه أحد إلّا الله، وما سوى ذلك فعلم علمه الله نبيّه فعلّمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطمّ22 عليه جوانحي”23.

وقد ثبت أنّه عليه السلام قال: “فاسألوني قبل أن تفقدوني. فوالّذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مائة وتضلّ مائة إلّا أنبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها، ومناخ ركابها ومحطّ رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً، ويموت منهم موتاً. ولو قد فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب24 لأطرق كثير من السائلين وفشل كثير من المسؤولين. وذلك إذا قلصت25 حربكم وشمّرت عن ساق، وضاقت الدنيا عليكم ضيقاً تستطيلون معه أيّام البلاء عليكم حتّى يفتح الله لبقيّة الأبرار منكم”26.

ومن يُراجع سِيَر التاريخ يجد أنّ ما من أحد حاول مشابهته في هذه المقولة إلّا فضحه الله”.
________________________________________
20- نهج البلاغة, ج 1, ص 45.
21- سورة السجدة، الآية: 34.
22- تضطمّ: أي تنضم عليه جوانحي.
23- نهج البلاغة, ج 2, ص 10, 11.
24- الخطب: الأمر الشديد.
25- تمادت.
26- م. ن, ج 1, ص 182, 183.

يقول ابن أبي الحديد: “واعلم أنّه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الّذي نفسه بيده، أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلّا أخبرهم به، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدى بها مائة وتضلّ بها مائة، إلّا وهو مخبر لهم – إن سألوه – برعاتها، وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها، ومن يُقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً، وهذه الدعوى ليست منه عليه السلام ادعاء الربوبيّة، ولا ادعاء النبوّة، ولكنّه كان يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك، ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة، كإخباره عن الضربة الّتي يُضرب بها في رأسه فتُخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجّاج، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب، وإخباره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه السلام إلى البصرة لحرب أهلها….”27.

شاهد أيضاً

مركز السيدة زينب الطبي يستخدم احدث الاجهزة المختصة في مجال فحص العيون

استخدم مركز السيدة زينب (عليها السلام) الطبي التابع لقسم الشؤون الطبية في العتبة الحسينية المقدسة ...