الوقت- “شهر عسل العلاقات الإسرائيلية الصينية قد انتهى”. هذه هي كلمات أساف أوريون، الجنرال العسكري للنظام الصهيوني ومدير مكتب الصين بمعهد دراسات الأمن القومي (INSS)، والتي تم إطلاقها منذ فترة في اجتماع حضره السفيرة الصينية تساي رون، في بيان له بداية عملية قطع العلاقة بين هذا النظام والصين. وحسب هذا الباحث الصهيوني، منذ عام 2018، عندما وصلت العلاقات الاقتصادية إلى ذروتها، أخذت الاتجاهات في التراجع وجاءت سلسلة من المؤشرات تدل على تشكيل حقبة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
من ناحية أخرى، في استطلاع أجراه معهد بيو للأبحاث، ونشرت نتائجه في يونيو 2022، قال حوالي (48٪) من سكان الأراضي المحتلة إن لديهم موقفًا إيجابيًا تجاه الصين، لكن هذا يشير إلى أن هذا الرقم كان له اتجاه تنازلي، لأنه في الماضي، في الاستطلاع نفسه كان لدى حوالي 60٪ من الإسرائيليين موقف إيجابي تجاه الصين. ومن ناحية أخرى، لعب الضغط الأمريكي دورًا بارزًا للغاية في الاتجاه الهابط للعلاقات بين بكين وتل أبيب في العامين الماضيين. وفي عام 2017، أدرك الأمريكيون الخطر بشكل أكثر وضوحًا من ذي قبل، حيث رأوا استثمارات الصين الضخمة في البنية التحتية في جميع أنحاء إفريقيا، إضافة إلى تعزيز وجود بكين في دول أوروبا والشرق الأوسط.
وهذا العام، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا ولها 42٪ من الصادرات الإسرائيلية إلى الدول الآسيوية المتجهة إلى الصين، وبذلك استطاعت أن تحل محل أمريكا في التجارة الخارجية للصهاينة. وأيضا، قبل تفشي فيروس كورونا، كانت الطرق الجوية بين إسرائيل وخمس وجهات في الصين مفتوحة. وفي عام 2019، وصل عدد السائحين الصينيين الذين قدموا إلى إسرائيل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 156 ألف سائح في ذلك العام. وأيضًا، في أبريل من هذا العام، أضافت الحكومة الصهيونية اليوان الصيني إلى احتياطيات بنكها المركزي للمرة الأولى، مع خفض حيازاتها من الدولار الأمريكي واليورو في محاولة لتنويع احتياطياتها الأجنبية.
لكن مع تفعيل الشركات الصينية في قطاع السكك الحديدية والموانئ التابعة للنظام الصهيوني، والذي تم تنفيذه تماشيًا مع مبادرة الحزام والطريق، دق ناقوس الخطر للبيت الأبيض. وخلال هذا الوقت، تم توقيع “اتفاقية شراكة ابتكارية شاملة” بين بكين وتل أبيب، ونتيجة لهذه الاتفاقية، تم تسليم ميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط إلى Shanghai International Port Group ، المستثمر الصيني المدعوم من الدولة، في عام 2015، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة.
في واشنطن، كان يُنظر إلى الصفقة على أنها توسع لبصمة الصين في شرق البحر المتوسط وتهديدًا للبحرية الأمريكية. وكانت القضية الرئيسية هي الوجود المنتظم للأسطول السادس الأمريكي في حيفا، والذي سيتأثر إذا لم يغير الإسرائيليون نهجهم المتساهل تجاه نفوذ الصين المتزايد. ونتيجة لذلك، وبالنظر إلى أن البيت الأبيض كان يعلم جيدًا أن الاعتماد على الولايات المتحدة أمر أساسي لموقف النخب العسكرية والسياسية الإسرائيلية وأن النظام غير قادر على البقاء دون دعم الولايات المتحدة، فقد لجأ إلى الضغط على مجلس الوزراء الصهيوني بتقليص التعاون مع الصين. ونتيجة لهذه الضغوط، اضطر سياسيو النظام إلى اعتماد آلية فحص الاستثمار، ما أدى إلى انخفاض سريع في التعامل مع الصين.
وقالت مصادر أمريكية إن الولايات المتحدة تدرس بقلق العلاقات بين الصين وإسرائيل، وتعمل على دق إسفين فيها من خلال الضغط على تل أبيب. ونقلت وكالة “بلومبرغ” عن مصادر أمريكية لم تذكر هويتها، أن واشنطن تراقب المشاريع الأكاديمية بين البلدين، وخاصة في مجال تطوير التكنولوجيا. وأشارت هذه المصادر ذاتها إلى أنه حتى الآن لم يتم بحث الإجراءات التي يمكن للولايات اتخاذها ضد حليفتها في الشرق الأوسط إسرائيل للضغط عليه لوقف تعاونها مع الجامعات الصينية.
وحسب وكالة “بلومبرغ” فإن الولايات المتحدة ترى أنه يتعين على السلطات الإسرائيلية أخذ المصالح السياسية والعسكرية الأمريكية بعين الاعتبار في اي تعامل مع الصين. وأكدت الوكالة أن المسؤولين الأمريكيين أعربوا في وقت سابق عن مخاوفهم إزاء تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين وإسرائيل، وذلك قبل أن تدرج على جدول أعمال بكين وتل أبيب مسألة التعاون العلمي والتكنولوجي.
وفي أكتوبر 2019، أنشأت إسرائيل لجنة استشارية لفحص جوانب الأمن القومي للاستثمارات الأجنبية، برئاسة شيرا غرينبرغ، كبيرة اقتصاديي الخزانة لديها. وعلى الرغم من عدم إلغاء الاستثمارات الصينية بالكامل، إلا أن المشاريع الجديدة تأخرت. وبلغ عدد المصدرين الإسرائيليين الناشطين في تصدير البضائع إلى الصين 480 شركة، وفي السنوات الست الماضية، انخفض عدد الشركات الإسرائيلية النشطة في الصين بنسبة 15٪. كما انخفض تصدير البضائع الإسرائيلية إلى الصين خلال عامي 2019 و 2020. وحسب معطيات معهد التصدير، بلغ حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والصين لعام 2020، 15 مليار دولار. وعندما تضاف هونغ كونغ إلى هذه الحسابات، يصل الإجمالي إلى 18 مليار دولار.
كما أُجبرت إسرائيل على سحب بعض الأسلحة أو عقود التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج مع الصين تحت ضغط من الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، اقترحت واشنطن استراتيجية بديلة للصهاينة لتظهر نفسها على أنها ملزمة بحماية مصالح النظام. وهذه الاستراتيجية، التي تقوم على بداية عملية تطبيع العلاقات مع الدول العربية، يتم تنفيذها بحضور أربع دول هي الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل إبعاد الدول عن مدار الصين.
ويعد الاستثمار المالي الإماراتي البالغ 2 مليار دولار لإنشاء مزارع زراعية في جميع أنحاء الهند (استنادًا إلى التقنيات الإسرائيلية) جزءًا من هذه الاستراتيجية التي تم الإعلان عنها خلال الأشهر الماضية. ولدى الصين العديد من الخيارات في الشرق الأوسط لتوسيع نفوذها، ولا تحتاج إلى إهدار طاقتها للمساومة مع تل أبيب لتحقيق مكاسب ضئيلة تحت المراقبة المستمرة للولايات المتحدة. لذلك، من المتوقع أن تعود بكين إلى مواقعها الدبلوماسية السابقة لدعم فلسطين وشركائها التقليديين مثل إيران وسوريا.
إن تصريحات الساسة الإسرائيليين تخضع في السنوات الأخيرة للتدقيق الصيني عن كثب، ولاسيما زيارة الرئيس جو بايدن، وتم فحص نتائجها من قبل الصينيين ذهابا وإيابا، كما أنهم نظروا بعدائية واضحة لإطلاق منتدى I2U2 بين الدول الأربع: الهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وتل أبيب، لأنهم اعتبروه استمرارا للسياسة العدوانية للولايات المتحدة تجاههم، فضلا عن إنشاء مزارع زراعية في جميع أنحاء الهند اعتمادا على التقنيات الإسرائيلية بقيمة ملياري دولار.
واضح أن هناك تصاعدا للشكوك بين “إسرائيل” والصين، بعد مرور 30 عاما على إقامة علاقاتهما، وقفزت الصفقات التجارية من 15 مليون دولار في البداية إلى 22.8 مليار دولار في 2021، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأكبر في الشرق، والثانية في العالم لإسرائيل، وقبل كورونا، كانت الطرق الجوية مفتوحة بينهما، وفي 2019 وصل عدد السياح الصينيين الذين وصلوا إسرائيل 156 ألفا، وخلال 7 سنوات ارتفع عددهم بشكل مطرد سنوياً، وقفز 7 أضعاف خلال عقد من الزمن. وقد نشر معهد التصدير الإسرائيلي معطيات كشفت أن حجم التبادل التجاري مع الصين لعام 2020 بلغ 15 مليار دولار، ويبلغ عدد المصدرين الإسرائيليين النشطين في تصدير البضائع إلى الصين 480 شركة، لكن السنوات الست الماضية شهدت انخفاضًا بنسبة 15٪ في عددها، كما سجل تصدير البضائع الإسرائيلية للصين انخفاضًا خلال 2019-2020.