الوقت_ بالتزامن مع تمادي قوات الاحتلال الإسرائيليّ بجرائمها ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، حيث ترتكب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي تتزايد فيها دعوات تفعيل كل وسائل المقاومة والمواجهة، بسبب مواصلة قوات العدو لجرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين ما يُظهر بشكل أكبر العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن، أقرّت تل أبيب مؤخراً بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة معترفة أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، حيث يشير الإعلام العبريّ إلى أنّ هذا الخطر تجسّد خلال “انتفاضة الأقصى” أو ما يُطلق عليها الانتفاضة الفلسطينيّة الثانيةّ، التي اندلعت بعد قيام رئيس وزراء العدو الأسبق، أرئيل شارون، بزيارة المسجد الأقصى أواخر عام 2000، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون وقتها تدنيساً لأرض المسجد الطاهر، ما أدى لقيام شباب فلسطين بالتصدي لتلك الزيارة رغم أنّه كان بحماية 3 آلاف جنديّ صهيونيّ، ناهيك عن فتراتٍ قصيرةٍ لاحقةٍ اتسمّت بعمليات فرديّة، وذلك في العام 2014 وفي الربيع المنصرم.
انتفاضة عارمة
يمكن القول، إنّ هناك إجماع على أنّ الضفة الغربية المحتلة على موعد مع انفجار “انتفاضة عارمة” ستغير الواقع الحاليّ، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967، وستكون وفقاً لمراقبين ومحللين كُثر ومنهم إسرائيليون رداً حقيقياً وعملياً على الاحتلال الصهيوني، كما أنَّ خيار عودة المقاومة المسلحة إلى هذه المنطقة ممكنٌ جداً، ويمكن أن يكون أقرب مما يتخيل البعض، في ظل مواصلة سياسة الاستيطان والقتل المروعين التي تنتهجهما الحكومة الإسرائيليّة بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، ما يشي باحتماليّة كبيرة لأن تفتح أبواب جهنم على “إسرائيل” التي اختارت تسخين الأحداث ورفع مستوى الإجرام.
ويوماً بعد آخر، تزداد احتمالات أن تنفجر الأوضاع في الضفة الغربية أي لحظة بسبب التمادي الإسرائيليّ الذي بات ملموساً لأبعد حد وعلى كل المستويات، وقد أشار مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة “هاآرتس” العبريّة، عاموس هارئيل نقلاً عن مصادر بالمؤسسة الأمنيّة قولها: “إنّ الصعوبة المفصليّة التي تُواجهها الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة تتعلّق بعدم القدرة على وقف عبور منفذي عمليات من خلال ثغرات في جدار الفصل العنصريّ، أوْ بين طرفيْ ما يُطلَق عليه بالخّط الأخضر”، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه قوّات الاحتلال بحملات تنفيذ اعتقالاتٍ في قلب المنطقة، وعلى نحوٍ خاصٍّ في مدينتيْ نابلس وجنين ومحيطيهما، والتي تترافق عادةً باشتباكاتٍ مسلحةٍ مع فدائيين فلسطينيين.
وفي الوقت الذي يؤكّد فيه الإعلام الإسرائيليّ أنّ عمليات إطلاق النار باتجاه أهداف إسرائيليّة في أنحاء الضفّة الغربيّة ازدادت بشكلٍ كبيرٍ، وذلك خلال العام الحاليّ، تُجمع فصائل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن الضفة الغربية، ولن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، وهي واضحة من الفصائل التي حذرت تل أبيب مراراً من استمرار عدوانها على مدن الضفة، وهي تدعو بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.
وبشكل متكرر ومع كل عدوان جديد تنفذه قوات العدو، يُحذر مراقبون من اقتراب تحول الضفة الغربيّة إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أن أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ مطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ.
إخفاق وخيبة إسرائيليّة
في ظل ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة، تستمر حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة نتائجها ستظهر في وقت قريب حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكرين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار الأوضاع، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، حيث نسب الاحتلال إخفاقاته المتكررة إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة، معتبراً أنّه يتحتّم على أجهزة الأمن الفلسطينيّة العمل على لجم ما أسماها “العمليات المسلحة” ضد قوّات العدو ومستوطنيه، والذين بلغ تعدادهم حوالي 700 ألف مستوطنٍ.
لكنّ “إسرائيل” لم تفهم الواقع بشكل جيد، حيث إنّ عودة المقاومة المسلحة إلى الضفة الغربية بدأت بالتصاعد بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ شعبنا يمكن أن يرفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير برهان على صحة ذلك.
وعلى الرغم من أنّ السلطة الفلسطينيّة مسؤولة بشكل كبير عن الجرائم التي يرتكبها العدو، في الوقت الذي تمنع فيه إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، إلا أنّ تل أبيب لا تكل ولا تمل من اتهام السلطة بالضعف، حيث زعمت قبل بضعة أشهر أنّ قوّات الأمن التابعة للسلطة في رام الله لا تجرؤ على اقتحام مخيم اللاجئين في منطقة جنين، وأكّدت أنّه عمليًا بات تحت سيطرة مَنْ أسمتهم “المُسلحين”، وهذا ما تكرر مجدداً حيث اتهمت السلطة التي يرأسها محمود عباس بـ “العجز”.
ومع تأكيد الإعلام العبريّ فشل سياسية حكومات الاحتلال الإسرائيليّ في التعامل مع الساحة الفلسطينية منذ عام 2009، إضافة إلى القلق الأمني المتزايد في حكومة العدو من ضعف السلطة الفلسطينية، لا يخفون أنّ أبطال المقاومة الفلسطينيّة لا يتوقفون عن تنفيذ عمليات إطلاق نار تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، وإنّ تكبيرات الأهالي فرحًا وابتهاجًا بعمليات إطلاق النار في بلداتهم، تدلل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال.
لن نسكت على اعتداءاتكم
لا يكف الفلسطينيون أبداً عن تكرار عبارة “سنشعل كل نقطة يتواجد فيها جنود الاحتلال ومستوطنوه”، ويشدّدون على أنّهم لن يسكتوا على الاعتداءات الإسرائيليّة الجبانة مضيفين إنّ “دماء شهدائهم ستبث الروح والحياة في الشعب الفلسطينيّ العظيم ولن تذهب هدراً”، فيما يدرك أبناء الضفة الغربيّة كما غيرهم من الفلسطينيين، أنّ العصابات الصهيونيّة لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتوقف عن إجرامها وعنصريّتها وقضمها لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم، وأكبر دليل على ذلك نص إعلان الدولة المزعومة الذي يدعي أنّ أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهوديّ، وفيها تكونت شخصيته الروحيّة والدينيّة والسياسيّة، وهناك أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيماً حضاريّة ذات مغزى قوميّ وإنسانيّ جامع، وأعطى للعالم كتاب الكتب الخالد، ويزعم الإعلان أنّ اليهود نُفيوا عنوة من “بلادهم”، ويعتبرون أنّ الفلسطينيين هم ضيوف في “إسرائيل” وأنّ الجرائم التي يرتكبونها بحقهم بمثابة استعادة لحرياتهم السياسية في فلسطين.
وباعتبار أنّ السلطة الفلسطينيّة منعت بقوّة إطلاق يد المقاومة لتقوم بدورها في لجم العدوان الصهيونيّ على الشعب الفلسطينيّ، يتصاعد الرد الفرديّ حاليّاً على هذه الجرائم التي يرتكبها الصهاينة لكن من الواضح أنّه سيتحول إلى ردّ جماعيّ في أيّ لحظة، وخاصة أنّ الضفة المحتلة ترسل رسائل دائمة مفادها بأنّها ستكون على الدوام وقوداً لثورة الشعب الفلسطينيّ التي لن تتوقف إلا برحيل المحتل عن كامل الأراضي الفلسطينيّة، وبيّنت بالفعل أنّ رد الشعب الفلسطينيّ على هذه الجرائم سيكون مقاومة جديدة وانتفاضة متواصلة.
رعبٌ حقيقيّ
بالتزامن مع ما يتعرض له الشعب الفلسطينيّ من جرائم وحشية إسرائيلية، تشهد الضفة الغربية حالة ليست طارئة أبداً، بل صورة غُيبت لعدة سنوات، رغم أنها يجب أن تسود بين قوة احتلالية وشعب يتعرض للاحتلال، وإنّ عمليات إطلاق النار التي تستهدف القوات الصهيونيّة التي تقتحم المدن بشكل مستمر ومتصاعد، كما يجري في جنين ونابلس شمال الضفة على سبيل المثال لا الحصر، تدب الرعب الحقيقيّ في قلوب القيادات الصهيونيّة، في وقت يروجون فيه عبر بعض وسائل إعلامهم أنّ عمليات إطلاق النار سوف تبقى قليلة الأثر، لكن في حال حدوث “ثورة ثالثة” ستدفق العمليات إلى الشوارع الاستيطانية، أو تستهدف تجمعات الجنود والمستوطنين المنتشرين على مفترقات الطرق، لتصبح بالفعل قوية إلى الحد المطلوب، بدلاً من استهداف آليات مصفحة، أو نقاط عسكرية اسمنتيّة، وهذا بالضبط ما يرعب الصهاينة.
ومع ازدياد عمليات إطلاق نار واستهداف قوات الاحتلال، إلى جانب إلقاء عبوات متفجرة وحارقة نحو العصابات الصهيونيّة، يبدو أنّ الذعر الذي يصيب أركان كيان الاحتلال الغاشم في مكانه، لأنّه ومن غير المعقول أن يسلم الفلسطينيون أرضهم للمحتل الأرعن على طبق من ذهب، رغم التخاذل العربي الفاضح تجاه قضية فلسطين وشعبها المقهور، ليبقى مصير هذه المنطقة مرهوناً بمدى التصعيد الإسرائيليّ.
بناءً على كل ما ذُكر، إنّ شرارات انتفاضة فلسطينيّة جديدة في الضفة الغربية باتت أمراً واقعاً، وإنّ حدوث ذلك سيغير بالفعل من طبيعة الوضع في فلسطين لمصلحة المقاومة والشعب الرازح تحت نير المُحتل السفاح، ويقود إلى جولة مختلفة من الحرب، قد تدهور الأوضاع بأكملها، وإنّ الفلسطينيين وفصائل المقاومة باستثناء السلطة الفلسطينيّة يدركون بالكامل أنّ التحرر من استعباد وطغيان المحتل الأرعن لا يكون إلا بالمقاومة ولو بأبسط الوسائل، فما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها، وهذا الخيار هو السبيل الأوحد للتصدي لهجمات المستوطنين وعربدتهم المتصاعدة، بما يقطع الطريق أمام قوات الاحتلال والمستوطنين ويوقف عربدتهم وتغولهم في أراضي الفلسطينيين، لمحاولة إنهاء الوجود الفلسطينيّ عبر كل الوسائل.