الوقت- دعت 14 منظمة حقوقية، السلطات السعودية بالكشف عن مصير الأكاديمي والحقوق البارز “محمد القحطاني”، ومكان تواجده بعد إخفائه قسرياً منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والإفراج الفوري عنه لانتهاء مدة سجنه.
و أرسلت المنظمات غير الحكومية، بهذه المطالب للعديد من سفارات الرياض في عدة دول أوربية وأجنبية منها واشنطن وباريس وبرلين وجنيف، وإلى هيئة حقوق الإنسان الأممية.
وأشارت الرسالة إلى القلق العميق تجاه مصير “القحطاني” الذي تعرض للإخفاء القسري في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحرمانه من التواصل بعائلته.
و ذكرت الرسالة إن السلطات السعودية لم تفصح عن أي معلومات متعلقة عن مصيره ومكان تواجده. و أشارت الرسالة إلى وجود حالات مماثلة أدت سابقاً إلى وفيات كان يمكن تجنبها بالكامل، مثلما حصل مع “موسى القرني” الذي قتل بشكل مروع على يد نزيلٍ، بسجن ذهبان في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
أوضح الموقعون على الرسالة، أن هناك توجه جديد، مثير للقلق، يمارسه النظام السعودي، حيث تواصل السلطات السعودية احتجاز بعض معتقلي الرأي، ممن أنتهت مدة عقوبتهم، وتعمد إلى إعادة محاكمتهم بمدة سجن جديدة.
و طالبت الرسالة السلطات السعودية بالكشف الفوري عن مصير “القحطاني”، دون أي قيود أو شروط، ريثما يتم ذلك، على السلطات أن تسمح له بالاتصال بأسرته دون أي تأخير.
يذكر أن مها القحطاني زوجة محمد القحطاني قد أكدت السبت على مرور 34 يوماً من الإخفاء القسري لزوجها الذي انتهت محكوميته يوم 22 نوفمبر. ولايزال النظام يخفي محمد القحطاني في معتقلاته، وسط حرمان ممنهج من التواصل مع ذويه وكشف أوضاعه داخل المعتقلات، وهو ما يزيد القلق على مصيره المجهول. وذكرت الرسالة أن زوجة القحطاني تواصلت مع السجن للاستفسار عن مكان وجوده وأخبرها حارس السجن أنه نُقل إلى سجن آخر، ورفض ضابط السجن الكشف عن مكان الدكتور القحطاني. وروت مها القحطاني أن زوجها البالغ58 عاما، المحبوس في سجن الحائر في الرياض شكا في اتصال معها في 10 تشرين الأول/أكتوبر من “ترصّد سجين” له “في كل مكان وكل وقت” وقيامه “بتحريض المرضى النفسيين” في السجن عليه. ونقلت عنه قوله أنّه أخبر مسؤولا في السجن عن الموضوع، محذرا من أن أي شيء يحدث له “هم مسؤولون لأن عندهم علما بالأمر”، في إشارة إلى المشرفين على السجن، قبل أن ينقطع الاتصال.
وأكدت المنظمات أن العائلة تشتبه في عدم سماح السلطات له بالاتصال بهم كعقوبة لتقديم شكوى حول الاعتداءات المتكررة التي تعرض لها في سجن الحائر من قبل سجناء يعانون من مشاكل نفسية، ووضعتهم السلطات في نفس الجناح.
وكان القحطاني قد تعرض في مايو 2022 للضرب على يد نزيل آخر في جناحه، وفي منتصف عام 2021 حاول أحد السجناء في الجناح إشعال حريق.
من هو المعتقل محمد القحطاني
“القحطاني” أستاذ الاقتصاد السابق (معهد الشؤون الدبلوماسية بوزارة الخارجية) و المدافع عن حقوق الإنسان وأحد مؤسسي “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية” (حسم) التي تُعد من بين منظمات حقوق الإنسان القليلة المستقلة في المملكة. وقضى “القحطاني” حكما بالسجن 10 سنوات، بسبب دعوته السلمية إلى الإصلاح، انتهت في 22 نوفمبر/تشرين الثاني.
و أكمل د.محمد بن فهد بن نومة العرجي العبيدي القحطاني محكوميته 10سنوات وكانت مليئة بانتهاكات عديده وقعت عليه وعلى أعضاء جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية ، حيث احتجزته السلطات الأمنية منتصف عام 2012 بسبب نشاطه الحقوقي، وحسب مراقبين، فإن من أسباب الحملة رفض كثير من هؤلاء توجيهات الديوان الملكي، ورغبة ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد الأمير “محمد بن سلمان. من أهم التهم الموجهة إلى محمد القحطاني المشاركة في خلق مجتمع مدني غير مرخص له، وانتقاد سياسة الحكومة والطريقة التي تدير بها الحكومة الشؤون الاقتصادية، وتحريض الرأي العام ضد السلطات، ووصف “المملكة العربية السعودية” بألقاب مثل: دولة بوليسية وحكم عسكري.
ويسلّط وضع القحطاني الضوء على وضع حقوق الإنسان في المملكة التي شهدت مؤخرا صدور أحكام بالسجن لسنوات طويلة بحق مواطنين عاديين لمجرد انتقادهم الحكومة على موقع “تويتر”.
الإخفاء القسري
تمارس المملكة العربية السعودية الإخفاء القسري، الذي تعرّفه الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بأنه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون”. هذه الممارسة في السعودية ليست عارضة أو فردية، إنما ممارسة ممنهجة ولأهداف عديدة.
يشكل الإخفاء القسري الذي تمارسه السعودية مقدمة للإعدام في بعض الحالات. فبحسب رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، حكم على عدد من المتهمين بالإعدام ونفذ الحكم بحقهم، على الرغم من تعرضهم لعدد من الإنتهاكات. فبحسب توثيق المنظمة شملت الإعدامات أفرادا كانوا قد أخفوا قسريا عند الإعتقال، تعرضوا خلال فترة إخفائهم إلى التعذيب وسوء المعاملة الذي أدى إلى الإدلاء باعترافات استخدمت لاحقا في المحاكمة وإصدار الأحكام.
على الرغم من محدودية المعلومات، بسبب القمع الشديد الذي يتعرض له المجتمع المدني والترهيب المكثف الذي تمارسه السعودية وخصوصا في الشبكات الإجتماعية، تؤكد المعلومات الموثقة لدى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، ومنظمات أخرى، أن الإختفاء القسري ممارسة ممنهجة في السعودية، وتمارس بشكل مستمر على نسبة كبيرة من المعتقلين السياسيين، وتتخذ فترات وأشكالاً مختلفة، كما أن هناك أفراداً تعرضوا للإخفاء القسري ولايزال مصيرهم غير مؤكد. كما إن هناك إخفاء قسرياً على مستوى الجثامين،حيث لايعرف الآهالي أماكن جثامين أبنائهم، ولاتزال الحكومة ترفض إرجاعهم على الرغم من مطالب أسرهم المستمرة بإستعادة الجثامين.
زيارة بايدن للسعودية أعطت حكومة بن سلمان الضوء الأخضر
عززت الزيارة الأخيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن ممارسة العلاقات الدولية القائمة على منح الأولوية للمصالح السياسية والاقتصادية عند التعامل مع الحكومات القمعية و غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان وذلك على حساب المدافعين عن حقوق الإنسان وسجناء الرأي.
في 9 يونيو/حزيران 2022، دعت أكثر من اثنتي عشرة منظمة حقوقية الرئيس بايدن إلى وضع شروط مسبقة صارمة قبل لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، منها الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، ورفع حظر السفر التعسفي عن المدافعين عن حقوق الإنسان، وإنهاء ممارسة المراقبة غير القانونية وعمليات خطف الرهائن على يد أجهزة الدولة.
كما اقترح عدد من منظمات حقوق الإنسان أن يلتقي بايدن بمجموعة من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان المستقلين في المنفى من أجل الوقوف على حالة الانتهاكات الجسيمة التي تتم في دول المنطقة والمساعدة في الحد منها. وكانت الأمال معلقة على أن يعقب الاجتماع بيان واضح وقوي من الرئيس بايدن يؤكد من خلاله دعمه لحقوق الإنسان ومطالبته بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي في المنطقة، لكن سرعان ما تلاشت كل تلك الآمال، حيث لم يتم التطرق لمسألة حقوق الإنسان بشكل ملائم خلال رحلته، لا بشكل علني ولا حتى خلف الأبواب المغلقة، حيث أفاد مصدر محلي موثوق به بأن الرئيس بايدن عاد من زيارته إلى المنطقة بخفي حنين فيما يتعلق بضمان حرية المدافعين عن حقوق الإنسان وباقي سجناء الرأي الآخرين. و على العكس فقد جاءت ردود أفعال الحكومة القمعية في السعودية عقب زيارة بايدن من خلال سلسلة من الانتهاكات المتتالية لحقوق الانسان و انتهازها الزيارة من اجل التستر على الانتهاكات الجسيمة للحقوق المدنية و حقوق الإنسان للمواطن السعودي. في نظر كبار المسؤولين السعوديين وفي مقدمتهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تعتبر الزيارة بمثابة ضوء أخضر لمواصلة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. في 9 أغسطس/آب صدر حكماً بالسجن لمدة 34 عاماً على المدافعة السعودية عن حقوق الإنسان سلمى الشهاب، ثم تلاه بعدها بثلاثة أسابيع حكماً بالسجن لمدة 45 عام على نورة بنت سعيد القحطاني. لقد تمت إدانتهما على خلفية نشاطهما على الإنترنت من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة بموجب نظام مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية. تلك الأحكام هي أطول أحكام تصدر بحق أي ناشط سلمي على الإطلاق في السعودية، وهي احدى النتائج المباشرة للزيارة ونشطاء حقوق الإنسان في المنطقة لا يراودهم شك أن الحكم المطول وثيق الصلة بالزيارة. الأمر الذي اعتبره مراقبون رسالة تهديد وترهيب، موجهة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى جميع نشطاء الإنترنت الذين يقومون بطريقة متحضرة وسلمية بالتعبير عن آراء داعمة لحقوق الإنسان في البلاد ويقومون بالدفاع عن سجناء الرأي الذين تعج بهم السجون، مفادها أن العواقب ستكون وخيمة.
ختام القول، على الرغم من الدعوات المستمرة من المنظمات الحقوقية الدولية للرياض لاحترام حقوق الإنسان، لا تزال البلاد تمارس أبشع الانتهاكات وتستمر في استخدام الاختفاء القسري لقمع معارضيها. على الرغم من جهود المملكة العربية السعودية لتعزيز الإصلاحات الاجتماعية، والتي ليس لها هدف حقيقي سوى محاولة تحسين صورتها أمام الرأي العام، فإن الملك سلمان ونجله هم أكثر المجرمين في مجال انتهاكات حقوق الإنسان.