في ختام هذه المقدّمة أودّ الاشارة إلى بعض كلمات أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، بالاخص إمام المتّقين عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «أوصيكم عباد الله بتقوى الله، التي هي الزاد وبها المعاذ، زاد مُبلغ ومعاذ منجح، دعا إليها أسمع داع، ووعاها خير واع، فأسمع واعيها، وفاز داعيها.
عباد الله إنّ تقوى الله حمت أولياء الله محارمه، وألزَمَتْ قلوبهم مخافته، حتى أسهرتْ لياليهم، وأظمأت هواجرهم، فأخذوا الراحة بالنَصَب، والرَيّ بالظمأ، واستقربوا الاجل، فبادروا العمل وكذّبوا الامل، فلاحظوا الاجل»( [47]).
«اعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمّة الخطايا، وباليقين تُدرك الغاية القصوى.
عباد الله، الله الله في أعزّ الانفس عليكم، وأحبّها إليكم، فإنّ الله قد أوضحَ لكم سبيل الحقّ وأنار طرقه، فشقوة لازمة، أو سعادة دائمة، فتزوّدوا في أيّام الفناء لايّام البقاء، قد دُللتم على الزاد، وأمرتم بالظعن، وحُثثتم على المسير، فإنّما أنتم كركب وقوف، لا يدرون متى يؤمرون بالسير، ألا فما يصنع بالدنيا مَنْ خُلق للآخرة، وما يصنع بالمال مَنْ عمّا قليل يُسلبُه، وتبقى عليه تبعته وحسابه»( [48]).
«وأوصاكم بالتقوى، وجعلها منتهى رضاه، وحاجته من خلقه، فاتّقوا الله الذي أنتم بعينه، ونواصيكم بيده، وتقلّبكم في قبضته، إن أسررتم عَلِمَه، وإن أعلنتم كتَبَه، قد وكّل بذلك حَفَظة كراماً لا يسقطون حقّاً، ولا يثبتون باطلاً.
واعلموا أنّه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن ونوراً من الظلم، ويخلّده فيما اشتهت نفسه وينزله منزل الكرامة عنده، في دار اصطنعها لنفسه، ظلّها عرشه، ونورها بهجته، وزوّارها ملائكته، ورفقاؤها رسله، فبادروا المعاد وسابقوا الآجال. فإنّ الناس يوشك أن ينقطع بهم الامل، ويرهقهم الاجل، ويُسدّ عنهم باب التوبة.
فقد أصبحتم في مثل ما سأل إليه الرجعة من كان قبلكم، وأنتم بنو سبيل على سفر من دار ليست بداركم. وقد أوذنتم منها بالارتحال، وأمرتم فيها بالزاد.
واعلموا أن ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار، فارحموا نفوسكم، فإنّكم جرّبتموها في مصائب الدنيا. أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تُدميه، والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كانبين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان؟
أعلمتم أنّ مالكاً إذا غضب على النّار، حطّم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثّبت بين أبوابها جزعاً من زجرته»( [49]).
«معاشر الناس، اتّقوا الله، فكم من مؤمل ما لا يبلغه، وبان ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه، ولعلّه من باطل جمعه، ومن حقٍّ منعه، أصابه حراماً، واحتمل به آثاماً، فباء بوزره، وقدِم على ربّه آسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين»( [50]).
«تجهّزوا رحمكم الله! فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقِلّوا العُرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد، فإنّ أمامكم عقبةً كؤوداً، ومنازل مخوفة مهولة، لابدّ من الورود عليها، والوقوف عندها، واعلموا أنّ ملاحظ المنيّة نحوكم دانية، وكأنّكم بمخالبها وقد نشبت فيكم، وقد دهمتكم فيها مفظعات الامور، ومعضلات المحذور، فقطِّعوا علائق الدنيا، واستظهِروا بزاد التقوى»( [51]).
عن مفضل بن عمر قال: كنت عند أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) فذكرنا الاعمال، فقلت أنا: ما أضعف عملي، فقال: مه، استغفر الله، ثمّ قال لي: إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى. قلت: كيف يكون كثير بلا تقوى؟ قال: نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطئ رحله ] كناية عن كثرة الضيافة وقضاء حوائج المؤمنين، بكثرة الواردين إلى منزله [فإذا ارتفع له الباب من الحرام دخل فيه، فهذا العمل بلا تقوى. ويكون الآخر ليس عنده، فإذا ارتفع له الباب من الحرام لم يدخل فيه»( [52]).
ومن قصار الكلمات في هذا الباب; قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
«التقى رئيس الاخلاق»( [53]).
«ألا وإنّ من صحّة البدن تقوى القلب»( [54]).
«ولا عزّ أعزّ من التقوى، ولا معقل أحسن من الورع»( [55]).
«لا يقلّ عمل مع تقوى، وكيف يقلّ ما يتقبّل»( [56]).
وعن الامام الصادق (عليه السلام) : «ما نقل الله عزّوجلّ عبداً من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى، إلاّ أغناه من غير مال، وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر»( [57]).
شاهد أيضاً
التقوى في القرآن الكريم – طبقات الناس
لكن ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، فإنّنا إذا نظرنا نظر التدبّرإلى خصوصيات الشريعة ...