الوقت- الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية، والذين اعتادوا محاربة الصهاينة بالحجارة والسهام والأقواس، اتخذوا الآن طريقًا جديدًا للنضال.
الحركة المسلحة التي تشكلت في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة وأرعبت سلطات الكيان الصهيوني والمستوطنين، غيرت مجرى التطورات لصالح الفلسطينيين.
إن تسليح الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية، بهدف تشديد الحصار على الكيان الصهيوني، هو استمرار لاستراتيجيات المقاومة التي اقترحها المرشد الأعلى للثورة في إيران قبل سنوات قليلة.
في آب 2014، قال المرشد الأعلى الإيراني في خطاب أشار فيه إلى عدوان الصهاينة على مدينة القدس المحتلة، إن “الصهاينة يتصرفون ضد المسجد الأقصى بناءً على مخطط معدّ مسبقًا. إنهم يريدون تدمير هذا المسجد وبناء هيكل خيالي لسليمان هناك. ومظاهرات وتحركات الشعب الفلسطيني ضد عدوان الصهاينة، هي شرارات الانتفاضة الثالثة لهذا الشعب، أي انتفاضة المسجد الأقصى.”
وشدد المرشد الأعلى للثورة في إيران آنذاك على ضرورة تسليح الضفة الغربية مثل غزة، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتعامل مع الصهاينة. والآن، بعد ثماني سنوات من هذه التصريحات، نرى كيف تم تجهيز الضفة الغربية بأسلحة خفيفة وتمكنت من إلحاق خسائر فادحة بالکيان الإسرائيلي.
وذكّر قائد الثورة في إيران بهذا الموضوع مرات عديدة في لقاءات مختلفة مع قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واعتبر أن التخطيط لانضمام الضفة الغربية إلی مواجهة الكيان الصهيوني من ضرورات المقاومة، وهذه التوصيات هي الآن حقيقة واقعة.
نصيحة ذكية تحققت
المرشد الأعلى للثورة في إيران، والذي لديه معرفة كاملة بالتطورات في المنطقة، يراقب بعناية ما يحدث في فلسطين المحتلة ويوصي بأفضل الحلول التي يمكن أن تنقذ الفلسطينيين من هذا الوضع، وتسليح الأراضي المحتلة كان من بين هذه الحلول التي تحققت الآن.
بعد قطاع غزة الذي أوقع خسائر فادحة في صفوف الکيان الصهيوني في حروب متتالية، حان الآن دور المقاتلين الفلسطينيين في الضفة الغربية لأخذ زمام المبادرة. وبالرغم من احتلال الصهاينة للضفة الغربية، إلا أن الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة يزدادون قوةً يومًا بعد يوم عبر التزود بالسلاح.
وفي هذا الإطار، نفذ المقاتلون الفلسطينيون بقيادة جماعة “عرين الأسود” المقاومة في الأشهر الأخيرة، مئات العمليات الاستشهادية ضد المستوطنين الصهاينة في مناطق متفرقة من الضفة الغربية. وحسب وسائل الإعلام الصهيونية، قُتل في عام 2022 أكثر من 30 صهيونيًا وجُرح العشرات، وهي إحصائية لم يسبق لها مثيل منذ إنشاء الکيان، وتُظهر مدى فاعلية تسليح الضفة الغربية في التوازن الميداني.
لقد حذرت المقاومة في الضفة الغربية من أن الصهاينة لن يناموا جيداً بعد الآن، وسيحرقون الأراضي المحتلة، والعمليات اليومية دليل على ذلك. والجيش الصهيوني في حالة تأهب قصوى منذ ستة أشهر بعد أن أعلنت عرين الأسود عن وجودها.
وعلى الرغم من عدة عمليات واسعة النطاق لتدمير هذه المجموعة، إلا أنها لم تنجح، وينضم إلى هذه المجموعة كل يوم عدد كبير من الفلسطينيين، كما اعترفت السلطات الأمنية في تل أبيب بأنها لا تملك قوة التعامل مع هذه الجماعات.
الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية، باتوا يعتقدون أن السبيل الوحيد لتحرير الأراضي المحتلة هو الكفاح المسلح، ويعتبرون أي تسوية مع المحتل لتوفير الأمن قد عفا عليها الزمن.
وقد شهد سكان الضفة انتصارات متتالية في غزة ضد الکيان الصهيوني، وكيف انهزم المحتلون من إخوانهم، وعلى الرغم من السلاح المتقدم بحوزتهم استسلموا في النهاية لمطالب الفلسطينيين، واضطروا إلى وقف إطلاق النار.
همسات انهيار الكيان الصهيوني
تتجلى أهمية تسليح الضفة، التي أثارها زعيم الثورة في إيران قبل بضع سنوات، بوضوح في إنجازات المقاومة.
إن تجهيز الضفة الغربية بالسلاح بجانب غزة، يمكن أن يكون خطيرًا جدًا على الكيان الصهيوني، وفي حال اندلاع حرب واسعة النطاق بين المقاومة والکيان الإسرائيلي، فسيستهدفه الفلسطينيون من جبهتين.
ويعود سبب ارتباك سلطات تل أبيب وفقدانها لزمام المبادرة منذ فترة، وعدم وجود حل لديها للتعامل مع مقاومة الضفة الغربية، إلى خوفها من تداعيات الاشتباك. لأن القادة الفلسطينيين في غزة يحذرون كل يوم، من أنه إذا ارتكب المحتلون أخطاءً فسوف يقصفون الأراضي المحتلة، وسيكون المدى أوسع بكثير من الحروب السابقة.
من الواضح أنه كلما زادت قوة ومستوى ردع الفلسطينيين ضد الكيان الصهيوني، فلن يجازف المحتلون في مواجهة المقاومة. لأنهم يعرفون أن لدى الطرف الآخر قدرات يمكنها، في حال نشوب صراع، إلحاق أضرار جسيمة بالبنية التحتية، ونتيجةً لذلك، الاقتصاد والأمن الداخلي للکيان الإسرائيلي.
المقاومة الفلسطينية وصلت الآن إلى مرحلة تتبنی فيها استراتيجية “العين بالعين” ضد المحتلين، ولا تخشى مواجهة الکيان. وشجاعة هؤلاء مثالية، وهذا يقوي إرادتهم في ضرب الکيان، والعمليات الاستشهادية مثال واضح على هذه الأعمال التي تزايدت في الأشهر الأخيرة.
إن الشبان الفلسطينيين يضربون قلب عدوهم، ويقتلون عدداً من المستوطنين بهدوء، وهذا الأمر هو نتيجة نفس البرامج التي ذكرها قادة المقاومة، وعلى رأسهم المرشد الأعلى للثورة في إيران، مرات عديدة.
ورغم أن مجموعة عرين الأسود تتخذ من نابلس مقراً لها، إلا أن الجيش الصهيوني لا يملك القوة اللازمة للتعامل معها. لأن هذه المجموعة تستخدم أساليب مختلفة في ضرب الکيان، وهذه المسألة أربكت القوات العسكرية الإسرائيلية.
من ناحية أخرى، لم يشعر الکيان الصهيوني بتهديد كبير من الفصائل الفلسطينية خلال العقود السبعة الماضية، وبفضل أسلحته القوية، کان يواجه الفلسطينيين بسهولة. لكنه الآن يخشى مواجهة الفلسطينيين، لأن نوعاً من الردع قد نشأ بين الجانبين، حيث إن أسلحة تل أبيب المتطورة لا تستطيع أن تفعل شيئاً.
إن المقاومة المسلحة للفلسطينيين في الضفة الغربية وإمكانية امتدادها إلى أراضي عام 1948، إضافة إلى أزمات الکيان الداخلية التي ظهرت في الإطاحة السريعة بعدة حكومات وإجراء انتخابات غير حاسمة، حولت الحلم الصهيوني بتشكيل دولة يهودية موحدة تستمر لمئات السنين، إلى سراب، حيث يتشكك العديد من الصهاينة وحتى قادتهم فيما إذا كانت “إسرائيل” ستحتفل بالذكرى الثمانين لتأسيسها أم لا.
وكلما زادت قوة المقاومة الفلسطينية ازدادت هذه المخاوف، وبعد تسليح الضفة الغربية يشعر الصهاينة بالتهديد الشديد من هذه القضية، والاعتراف بتدمير الکيان الصهيوني في السنوات القليلة المقبلة، يوضح سبب إصرار زعيم الثورة في إيران على تسليح الضفة الغربية. وتشير التقارير التي تنشر كل يوم عن أزمة الجيش الصهيوني، إلى أن الصهاينة لا حول لهم ولا قوة أمام المقاومة.
مع تقوية المقاومة في الضفة الغربية التي قذفت الخوف والرعب في الأراضي المحتلة، ربما يتحقق انهيار الکيان الصهيوني الذي تنبأ به المرشد الأعلی في إيران قبل مهلة الـ 25 عاماً، وسيكون تسليح الضفة الغربية بداية نهاية سبعة عقود من الاحتلال الصهيوني، وتحرير الأراضي المحتلة.