مصباح 25
إن المصابيح السالفة رفعت الظلام عن وجه قلبك ،
وعلمتك مالم تكن تعلم من كيفية عينية الذات والصفات والأسماء . وعلمت أن الصفات لم
تكن من قبيل الحالات والعوراض الزائدة عليها ؛ بل هي عبارة عن تجليها بفيضها الأقدس في
الحضرة “الواحدية” وظهورها في الكسوة الأسمائية والصفاتية ؛ وحقيقة الأسماء بباطن ذاتها هي
الحقيقة المطلقة الغيبية . فبالمراجعة إليها تعرف ما في كلام هذا العارف الجليل ، رضوان الله عليه
، من أن برهانه يرجع إلى المناقشة اللفظية والمباحثة اللغوية التي هي من وظيفة علماء اللغة
والإشتقاق ؛ وليس للعارف الكامل شأن معها ، ولا من جبلته أن يحوم حولها ؛ فإنها الحجاب
عن معرفة الله والقاطع طريق السلوك إليه ؛ مع أن هذا العارف السالك كر على ما فر منه .
فلقائل أن يقول : أيها الشيخ العارف ، جعلك الله في أعلى درجات النعيم ، أنت الذي فررت
من الإشتراك المعنوى بين الحق والخلق ، وجعلت التنزية ملاذ التشبيه ، ما الذي دعاك إلى
الذهاب ألى أن الصفة ما معه الشئ بحال في أي موطن من المواطن حصل وفي أي موجود من
الموجودات وجد ؟ بمجرد أن الصفة في الخلق ، لا مطلقاً ؛ بل في عالم المادة والهيولى كذلك .
هل هذا إلاّ التشبيه الذي وردت الأخبار الصحيحة من أهل بيت العصمة والطهارة ، صلوات
الله عليهم ، بل الكتاب العزيز ، على نفيه ؟ وفررت منه حتى وقعت من نفي الصفات التي قال
الله تعالى شأنة في حقها : (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه
سيجزون ماكانوا يعملون . ) وقال تعالى شأنه : (قل ادعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا
فله الأسماء الحسنى ). وهل زعمت أن من قال من الحكماء العظام والأولياء الكرام ، رضوان
الله [ 26 ] عليهم ، بعينية الصفات للذات المقدسة أنها بما ذكرت عينها ؟ وهل المراد إلا أن
الوجود الحقيقي بأحدية جمعه يصلح فيه المتغائرات ويجمع فيه الكثرات بالهوية الوحدانية الجمعية
المنزهة عن شائبة الكثرة ؟ فنطق لسان الحكماء المتألهين لإفادة ذلك الأمر العظيم الذي كان
العلم به من أجل المعارف الإلهية بأن بسيط الحقيقة كل الأشياء بالوحدة الجمعية الإلهية. وقالت
العرفاء الكاملون إن الذات الأحدية تجلى بالفيض الأقدس، أي الخليفة الكبرى، في الحضرة
الواحدية، وظهرفي كسوة الصفات والأسماء؛ وليس بين الظاهر والمظهر اختلاف إلاّ بالإعتبار.
هذا؛ وليس هيهنا موضع البحث عن هذه الحقائق فإن هذه الرسالة موضوعة لبيان غيرها؛
فلنرجع إلى المقصود .