مصباح 51
هل قرأت كتاب نفسك وتدبّرت في تلك الآية العظيمة التي
جعلها الله مرقاة لمعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته؟ فانظر ماذا ترى من إنباء حقيقتك الغيبية في
عقلك البسيط بالحضور البسيط الإجمالي، وفي عقلك التفصيلي بالحضور التفصيلي، وفي ملكوت
نفسك بالتجلّي المثالي والملكوتي؛ ثم يتنزل الأمر بتوسط الملائكة الأرضية إلىعالم الملك. وإن
شئت قلت : بظهور جبروتك في الملكوت، والملكوت في الملك، فتظهر بالصوت واللفظ في
النشأة الظاهرة الملكية. هل الإنباء في تلك النشآت والمراحل وهذه العوالم والمنازل بنهج واحد
وطريق فارد؟ مصباح 52 وبعد تلك القراءة وذاك التدبر، فارق إلى مشاهدة أهل العرفان
ومنزل أصحاب الإيمان من عرفان حقيقة الإنباء التي في عالم الأسماء التي كانت كلامنا هيهنا
فيها. فاعلم، أنّ الأنباء في تلك الحضرة هو إظهار الحقائق المستكنة في الهوية الغيبية على
المرائي المصيقلة المستعدة، لانعكاس الوجه العيني فيها حسب استعداداتها النازلة من حضرة
الغيب بهذا الفيض الأقدس. فالإسم “الله” الأعظم، أي مقام ظهور حضرة الفيض الأقدس
والخليفة الكبرى والولّي المطلق، هو النبي المطلق المتكلم على الأسماء والصفات بمقام تكلّمة
الذاتي في حضرة الواحدية، وإن لم يطلق علية اسم “النبي” ولا يجري على الله تعالى اسم غير
الأسماء التي وردت في لسان الشريعة فإنّ أسماء الله توقيفية .
مصباح 53
إنّ كلاً من الأسماء الإلهية في الحضرة الواحديّة يقتضي إظهار كماله الذاتي [41] المستكنّ فيه وفي مسماه
على الإطلاق؛ أي، وإن حجبت اقتضاءات سائر الأسماء تحت ظهوره: فالجمال يقتضي ظهور
الجمال المطلق، والحكم على الجلال واختفاءه فيه. والجلال يقتضي بطون الجمال تحت قهره.
وكذا سائر الأسماء الإلهية. والحكم الإلهي يقتضي العدل بينهما، وظهور كلّ واحد حسب
اقتضاء العدل فتجلى الإسم “الله” الأعظم الحاكم المطلق على الأسماء، كلّها، باسمى “الحكم
العدل” فحكم بالعدل بينها. فعدل الأمر الإلهي وجرت سنّة الله التي لا تبديل لها وتم الأمر
وقضى وأمضى. وهذا هو الحكم العدل؛ وذلك هو الإختصام في الملأ الأعلى الذي جرى في
لسان بعض العرفاء؛ وسيأتي إن شاء الله ذكره في مقامه .