الدرس العشرون: مفاهيم قرآنيّة
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أهمّية الخشوع في العبادة.
2- يشرح الخطوات العملية في تحضير القلب في الصلاة.
3- يفهم العبر المستفادة من قصة طالوت.
المفهوم الأول: الخشوع في الصلاة
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[1].
1- أهمية الخشوع:
إنّ لكل عبادة جسداً وروحاً، وروح العبادة الإخلاص وهو ما لا يتحقّق دون حضور القلب وخشوعه حيث إنّ المدار عليه وهو الرئيس في هذه المملكة وسائر الجوارح تابعة له خاضعة لأوامره لذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه”[2] حينما رأى رجلاً يعبث في صلاته وما من شك أنّ هذا الظاهر غير المقبول هو انعكاس للباطن وحاكٍ عنه بما يتضمّن من آفّات ومشكلات وهذا مراد الحديث المتقدّم في الربط والتأثير بين القلب والجوارح وتبعيّتها له، وبإمكاننا القول إنّ الصلاة التي لا تُرفع هي من هذا القبيل حيث يكون المصلّي في حركاته الظاهرية قائماً بين يدي اللَّه تعالى لكنّه في قلبه مشغول بسواه يُفكّر في تجارته أو ممتلكاته أو زوجته أو سائر أمور دنياه، أو أنّه قد شطّت أفكاره إلى حيث قاده طائر الخيال بعيداً عن كعبة مقصوده ليفرغ من صلاته وهو غير ملتفت في أي وقت بدأها، غير متذكّر لشيء قام بأدائه من أركانها أو أجزائها، يقول الإمام الخميني قدس سره: “اعلم أنّ التفرّغ للعبادة يحصل من تكريس الوقت والقلب لها والعبادة من دون حضور القلب غير مجدية وما يبعث على حضور القلب أمران: أحدهما تفريغ القلب والوقت للعبادة وثانيهما: إفهام القلب أهمّية العبادة”[3].
ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها وأفعالها فإنّه لا يحسب للعبد من صلاته إلا ما أقبل عليه ومعناه الالتفات التام إليها وإلى ما يقول فيها والتوجّه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله واستشعار عظمته وجلال هيبته وتفريغ قلبه عمّا عداه[4].
2- كيف نحضر القلب؟
عرفنا أنّ إحضار القلب في العبادة يُمثّل روحها وهو أمر لا غنى عنه لكن ما هو الطريق إلى ذلك؟
يذكر علماء الأخلاق ثلاثة أمور تُساعد على ذلك وهي:
الأول: أن يُفرّغ نفسه قبل الدخول في الصلاة من الأفكار والهموم الدنيوية أو المعضلات العلمية وسائر ما يُشغله عن التوجّه إلى المقصود الحقيقي حتى وإن كانت المسألة المطلوب حلّها أخروية كما لو كان يبحث عن دليل شرعي على مسألة ما وبقي البحث يُشغل ذهنه إلى أن دخل في صلاته وانتهى وهو يُفكّر ويعمل جهده في طلب الحلّ، فإنّ هذا ممّا لا يجتمع قطعاً مع حضور القلب وإنّما الواجب هو الانتهاء من حلّ تلك المسألة قبل الدخول في الصلاة حتى لا يكون في قلبه سوى اللَّه تعالى.
الثاني: إفهام القلب أهمّية العبادة في ظاهرها وباطنها وشكلها ومضمونها بما تُمثّله من صلة بين الخالق والمخلوق وغاية في الخلق والبعث وذلك كمقدّمة لحضور القلب قبل الابتداء بالصلاة.
الثالث: وهو وظيفة مختلفة عن الأمرين الأولين حيث هما مطلوبان قبل الشروع بالعبادة بينما هنا المطلوب هو أثناءها بأن يتأمّل في معاني ما يقوله في صلاته وأن يُتابعها بتأنٍّ وإمعان لا لقلقة لسان دون معرفة المعاني كالذي يلهج بذكر: سبحان ربي الأعلى وبحمده وفي نفس الوقت يكون ذهنه منشغلاً في حساب الأرباح اليومية لمبيعات متجره. ويشير إلى ضرورة التأمّل والتفكّر في معانيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم في وصاياه لأبي ذر رضي الله عنه: “يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكّر خير من قيام ليلة والقلب ساهٍ”[5].
3- صلاة الخاشعين:
إنّ هناك فرقاً شاسعاً بين صلاة الخاشعين وغيرهم نفهمه من خلال القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾[6] فإنّ من يُصلّي بهدف التخلّص من مسؤولية الوجوب وليس بدافع خشوعه القلبي للَّه واستغراقه في ذاته سبحانه، يحسّ بثقل الصلاة وكأنّها مشكلة له ويتمنّى في أثناء صلاته بين آونة وأخرى أن تنتهي بسرعة كي لا تُشغله عن متابعة أعماله ويرى بأنّها قد زاحمت أشغاله واعترضت سيره، فيأتي بها باعتقاد وجوبها مع الإحساس بمشقّتها كأنّه يغفل عن مرور الزمن عليه حال الصلاة، فلا نتصوّر أن تكون الصلاة الموصوفة بهذا الوصف أي أنّها كبيرة إلا على الخاشعين عبارة عن صلواتنا التي قد تكون نقراً كنقر الغراب ولذلك كان الجزاء كبيراً لمن قدر على حدود الصلاة كما حدّثنا عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: “من صلّى ركعتين لم يُحدّث فيها نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدّم من ذنبه”[7] وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: “إذا قام العبد إلى صلاته وكان هواه وقلبه إلى الله انصرف كيوم ولدته أمّه”[8].
4- خشوع أهل البيت عليهم السلام:
إنّ الحالات التي وصل إليها أهل العصمة والطهارة عليهم السلام بدءً من جدّهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وختماً بالوصي القائم عليه السلام لم يصل إليها نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب كما جاء صريحاً عنهم فكيف كان خشوعهم في الصلاة؟!
أ- خشوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
في الحديث: “كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة تربّد وجهه خوفاً من الله تعالى”[9].
ب- خشوع أمير المؤمنين عليه السلام:
عن مولانا الصادق عليه السلام: “كان علي إذا قام إلى الصلاة فقال: وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض تغيّر لونه حتى يعرف ذلك في وجهه”[10].
ج- خشوع الصديقة الزهراء عليها السلام:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.. متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ حلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض يقول الله عزّ وجلّ لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي”[11].
5- كيف نعلم بقبول صلاتنا؟
ربما يبدو وللوهلة الأولى أنّ الجواب صعب لكنّه على العكس تماماً فإنّ الحصول عليه ممكن قبل يوم الحساب ووضع الأعمال في الميزان وذلك ما أشار إليه مولانا الصادق عليه السلام قائلاً: “من أحبّ أن يعلم أقُبلت صلاته أم لم تُقبل فلينظر هل منعت صلاته عن الفحشاء والمنكر فبقدر ما منعته قُبلت منه”[12].
فالصلاة التي تحمل هذا الأثر تُكتب وتُرفع وأمّا الفاقدة له فتردّ ويضرب بها وجه صاحبها.
6- حقّ الصلاة:
في رسالة الحقوق لسيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام: “وحقّ الصلاة أن تعلم أنّها وفادة إلى الله تعالى، فإذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب والراهب الراجي الخائف المسكين المتضرّع لمن كان بين يديه بالسكون والوقار، وتُقبل عليها بقلبك وتُقيمها بحدودها وحقوقها مع الإطراق وخشوع الأطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والرغبة إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك واستهلكتها ذنوبك”[13].
المفهوم الثاني: قصة طالوت والقائد الصالح
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[14].
القصة
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام : “إنّ بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيّروا دين الله وعتوا عن أمر ربّهم، وكان فيهم نبيّ يأمرهم وينهاهم فلم يُطيعوه، فسلّط الله عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلّهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيّهم وقالوا: سل الله أن يبعث لنا ملكاً نُقاتل في سبيل الله، وكانت النبوّة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر، لم يجمع الله لهم النبوّة والملك في بيت واحد، فمن ذلك قالوا: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ فقال لهم نبيّهم: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ
وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا﴾ وكان كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ﴾[15]، فقال لهم نبيّهم: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ فغضبوا من ذلك وقالوا: ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ﴾ وكانت النبوّة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه، لم يكن من بيت النبوّة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيّهم: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وكان أعظمهم جسماً، وكان شجاعاً قوياً، وكان أعلمهم، إلا أنه كان فقيراً فعابوه بالفقر، فقال لهم نبيّهم: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ تبركون به، فلمّا حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفّوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلمّا عملوا بالمعاصي واستخفّوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلمّا سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكاً يُقاتل معهم ردّ الله عليهم التابوت، كما قال الله: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ والبقية: ذرية الأنبياء، وقوله: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان”[16].
الدروس المستفادة من هذه القصة
صفات القائد بين الاختيار الإلهي والاختيار البشري
تحكي لنا هذه القصة التي جرت مع بني إسرائيل عن تلك الصفات التي ينبغي أن يتمتّع بها القائد، والتي تكون معياراً يؤهّله لأن يكون له أمر قيادة الناس إلى ما فيه صلاحهم
وخيرهم، كما تحكي عن الصفات والموازين التي يراها الإنسان المادّي معياراً لذلك وتبيّن خطأ تلك المعايير البشرية.
أـ المعايير الإلهية:
ورد في هذه الآية ذكر صفتين من الصفات التي لا بدّ وأن تتوفّر في الإنسان الذي يُراد له أن يكون قائداً يسير الناس خلفه في المطالبة بحقوقهم والدفاع عن وجودهم وكيانهم، وهما:
أولاً: العلم
إنّ الصفات التي تؤهّل الشخص للقيادة – في تعاليم الإسلام – لها علاقة بالصفات الشخصية التي يتمتع بها، وعلى رأسها العلم، وهي الصفة التي تؤهل الإنسان لأن يكون قائداً وأميراً على القوم.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما ولّت أمة قطّ أمرها رجلاً وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا”[17]. ونحن نلاحظ أن الله تعالى وصف طالوت بأنّه زاده بسطة في العلم، أي إنه كان يفضل عليهم بالعلم، لا أنّه كان يساويهم.
ثانياً: صفات وقدرات جسميّة
لا يكفي في القائد أن يكون عالماً بل ينبغي أن يكون ذا صفات وقدرات جسمية تؤهّله للقيادة بحسب ما يفترضه هذا المقام، وما تقتضيه المهام الملقاة على عاتقه، وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: “يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحقّ صؤول”[18].
فلا بدّ وأن يكون القائد قويّ القلب يتمكّن من اتخاذ قرارات حاسمة في بعض المواطن التي قد يتردّد فيها الإنسان العادي.
كما ورد عن الإمام علي عليه السلام : “إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل”[19].
ويصف الإمام علي عليه السلام مالك الأشتر في كتابه لأهل مصر لمّا ولّاه مصر يقول: “أمّا بعد، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشدّ على الكفّار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحقّ، فإنّه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة. فإنْ أمركم أن تنفروا فانفروا، وإنْ أمركم أنْ تُقيموا فأقيموا”[20].
ب ـ المعايير البشرية:
أولاً: النسب والحسب
فإنّ الكثير من الناس يظنّ أنّه إذا كان صاحب نسب بأن كان من سلالة كان لها الحكم والسلطة والإمرة والقيادة فإنّ هذا يؤهّله لأن يكون أحقّ من غيره لهذا المنصب والمقام. كمااحتجّت قريش على أنّ الخلافة لا بدّ وأن تكون فيها لأنّها أقرب إلى رسول الله، فهي افتخرت بنسبها مع أنّ النسب ليس معياراً لمقام الإمامة والقيادة.
ثانياً: سعة المال
يرى بعض الناس أنّ من لا يكون صاحب حسب ونسب فلا بدّ وأن يكون صاحب مال يجبر فيه ما ينقصه من الحسب والنسب، وهذا المنطق هو منطق أهل الشرك والضلال.
ومن هنا نجد أن الناس تميل إلى احترام صاحب المال لما يملكه من مال، وهذا الاحترام احترام مؤقّت فإذا زال ما عنده من المال ترك الناس ذلك الاحترام، ولهذا لا يصحّ أن يكون امتلاك المال معياراً في القيادة، بل لا بدّ وأن تكون الصفة التي تجعل الشخص أهلاً للقيادة من الصفات التي لا تقبل الزوال كالعلم.
الابتلاء والاختبار الإلهي
هل يكفي إعلان الناس عن استعدادهم للقتال والجهاد لكي يمشي القائد بهم إلى الحرب والقتال؟ لا، بل لا بدّ له من أن يمتحنهم ليعرف منهم الطاعة والالتزام بأوامره ونواهيه وهذا ما حصل مع طالوت عليه السلام فقد أراد الله أن يختبر هؤلاء الذين أرادوا قتال عدوّهم قبل أن
يقع القتال، وفي هذا الاختبار تمكّن القائد طالوت من معرفة من أخلص النية في الجهاد والقتال ممن مشى معه لمصالح آنية أو لأنّه رأى الناس تمشي فمشى بمشيهم.
وهكذا تظهر أهمّية الطاعة للقائد، وأنّه ما لم تُعلم الطاعة فإنّ على القائد أن لا يُقدم على الحرب والقتال فإنّ ذلك قد يترتّب عليه الهزيمة والخسران.
لقد كانت نتيجة هذا الاختبار أن لا تثبت سوى الفئة القليلة ولكن هذه الفئة القليلة تمتاز بأنّها مؤمنة ومخلصة ولذلك فإنّ النصر سوف يكون حليفها بإذن الله تعالى.
وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال: “يحقّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقٌّ على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويُجيبوه إذا دعا”[21].
المفاهيم الرئيسة
– الخشوع هو روح العبادة التي ترفعها إلى مقام القبول والفوز بالفلاح والنجاح.
– إنّ لإحضار القلب ثلاثة أمور: تفريغ النفس قبل الصلاة، وإفهام القلب أهمّيتها، والتأمّل في معانيها.
– لم يصل أحد من الأنبياء المرسلين والملائكة المقرّبين إلى مرتبة خشوع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام.
– إنّ من حقّ الصلاة أن تُقبِل عليها بقلبك مع خشوع الأطراف ولين الجناح.
– تتضمّن قصة طالوت مفاهيم تربوية تتعلّق بمسألة صفات القائد ولزوم طاعته.
– في صفات القائد معايير إلهية ومعايير بشرية. أمّا المعايير الإلهية فهي ترجع إلى صفتين في القائد: العلم، وقوّة الجسم والشجاعة. وأمّا المعايير البشرية فهي ترجع إلى صفتين: النسب والحسب، المال والثروة.
– الدليل على كون المعيار الصحيح هو العلم وقوّة الجسم أنّ هاتين الصفتين بهما يتمكّن القائد من تحقيق النصر وأمّا الحسب والثروة مع الجهل والضعف فنتيجته الهزيمة.
– إنّ امتحان الناس واختبارهم لازم وضروري قبل إقحامهم في الحرب والقتال، لأنّ كثيراً من الناس قد يتراجعون عند أول مواجهة.
[1] سورة المؤمنون، الآيتان 1 و 2.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج48، ص239.
[3] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، ص54.
[4] الإمام الخميني، تحرير الوسيلة، ج1، ص155.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج77، ص82.
[6] سورة البقرة، الآية 45.
[7] الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج1، ص349.
[8] م.ن، ص382.
[9] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص93..
[10] م. ن.
[11] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص400.
[12] م.ن، ج16، ص204.
[13] الإمام السجاد عليه السلام، رسالة الحقوق (حق الصلاة).
[14] سورة البقرة، الآيات 247 – 251.
[15] سورة البقرة، الآية 246.
[16] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج13، ص440.
[17] بحار الأنوار، ج31، ص418.
[18] الليثي، عيون الكم والمواعظ، ص556.
[19] نهج البلاغة، ص247.
[20] نهج البلاغة، الكتاب38، من كتاب له إلى أهل مصر لما ولى الأشتر مصر.
[21] المتقي الهندي، كنز العمال، ج5، ص764.