الدرس الثاني
كيف أتمسك بالقرآن؟
“إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً”1.
أ- في كنف الآية:
إن كلمة (أقوم) صيغة تفضيل بمعنى الأكثر ثباتاً واستقامة واعتدالاً فالقران الكريم كذلك من جميع الجوانب أي في كل الوجود والحياة وكافة القضايا، لذلك هو من أعظم النعم على البشرية التي لو قضى الإنسان عمره كاملاً في سجدة واحدة ما أمكنه أن يؤدي حق هذه العطية الإلهية الخالدة، وهو الميزان الذي على وفاقه البشرى والجنة وعلى شقاقه الخسران والنار.
ب- عظمة القران الكريم:
إن القران هو الثقل الأكبر الذي أمرنا بالتمسك به والسير على هديه يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إني قد تركت فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأحدهما أكبر من الاخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي”2 وهو منار الحكمة وربيع القلوب وحبل اللَّه المتين ومنهج التعاليم الإلهية التي تصنع الإنسان
1- الإسراء:9.
وتربّيه يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفة القرآن: “جعله اللَّه ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاج لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء ونوراً ليس معه ظلمة”3 فإذا عرفنا عظمته وحقيقته وجب علينا تعظيمه وإجلاله واحترامه لأنه كلام الخالق العظيم، لا أن نعلّقه على جدار أو نضعه زينة في خزانة التحف، وقد غطّى الغبار دفتيه. بل إن نرتّله مع فهمنا لاياته وعملنا بمضمونه، ونصغي اذاننا له بكل شوق ولهفة. بما يجسّد العلاقة الوثيقة به والرجوع إليه في كل صغيرة وكبيرة، وبالخصوص في الفتن والمحن فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقران”4.
والرجوع إلى القران يكون عبر العلماء المنتهلين من منبع الثقل الاخر أهل بيت العصمة عليهم السلام ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: “إياك أن تفسِّر القران برأيك حتى تفقهه عن العلماء”5.
ج- العمل بالقرآن:
إن المرء قد يحترم بعض الناس كأبيه غير أنه يخالفه ولا يعمل بإرشاداته وما ذلك إلا لأن نفسه وهواه يأمرانه ويقودانه إلى مخالفته وهذا في واقع الأمر ليس احتراماً حقيقياً ولا تقديراً صادقاً وإنما الاحترام والإجلال الحقيقيان هما حين العمل بإرشادات الأب وإطاعته لا الاستهانة بأمره وهكذا بالنسبة إلى القران الكريم، فإن كما هو مطلوب من المسلم أن يقدّسه مطلوب منه أيضاً أن يكون عمله وحياته وسائر شؤونه خير أدلة وأمثلة لهذا الاحترام ولا يدعه وراء ظهره حين الابتلاء بمغريات الدنيا أو رغبات النفس الأمّارة بالسوء وإلا مع عدم العمل بتعاليم القران واتباعه لا يتحقق التعظيم والاحترام ولا يصدق التمسك به وحينما لا يكون المسلم متمسكاً به سيضل الطريق القويم إذ الواضح من حديث الثقلين أنه لا يمكن الأمن من الضلال إلا بالتمسك بالقران وأهل البيت عليهم السلام لا التخلي عنهما ولا الانفراد بأحدهما دون الاخر، فترك
2- بحار الأنوار، ج23، ص106.
3- نهج البلاغة، خطبة 198.
4- الكافي، ج2.
5- التوحيد.
العمل بالقران معناه الضلال والانحراف عن الخط الذي أرادنا اللَّه تعالى أن نكون عليه.
د- اداب القرآن:
1- تعلّمه وتعليمه:
عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: “خياركم من تعلم القران وعلّمه6 إن هذا القران مأدبة اللَّه فتعلّموا مأدبته ما استطعتم”7.
2- تعظيمه واحترامه:
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “القران أفضل من كل شيء دون اللَّه فمن وقّر القران فقد وقّر اللَّه. ومن لم يوقّر القران فقد استخف بحرمة اللَّه”8 لذلك حرم تنجيسه واستحب جعل مكان خاص له يوضع فيه.
3- تدبّره والاستفادة منه:
يقول تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”9.
وفي الحديث: “أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب اللَّه”10.
لذلك من الأفضل في التلاوة أن تكون بالشكل الأمثل وهو الذي يقترن مع التدبّر والتفكّر ويستتبع التأثر والتفاعل مع معاني الايات في وعدها ووعيدها كما عن أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً المتقين: “وإذا مروا باية فيها تخويف اصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول أذانهم وإذا مروا باية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت أنفسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم”11.
4- الطهارة عند تلاوته (أن يكون على وضوء).
5- عدم مس كلمات القرآن إلا بعد الوضوء وهو من الشروط اللازمة.
6- البحار، ج92، ص186.
7- ميزان الحكمة، ج6، ص2521.
8- جامع الأخبار.
9- محمد:24.
10- أمالي الصدوق.
6- استقبال القبلة عند القراءة.
7- ابتداء السور القرآنية بقول:
“أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم” أو “أعوذ باللَّه السميع العليم من الشيطان الرجيم” ثم البسملة.
8- أن تكون القراءة ترتيلاً كما ورد الأمر بذلك في القران: “وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا”12.
9- أن تكون القراءة في المصحف لا في غيره مما اشتمل على بعض الايات ككتب الأدعية التي يطبع عادة جزء من القران الكريم في أولها أو القراءة غيباً وظاهراً.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “القراءة في المصحف أفضل من القراءة ظاهراً”13.
وعن الصادق عليه السلام: “النظر في المصحف عبادة”14.
11- نهج البلاغة، خطبة المتقين.
12- المزمل:34
13- جامع الأخبار.
14- الكافي، ج2.
من فقه الإسلام
س: هل حرمة مس كتابه القران الكريم من دون طهارة مختصة بما إذا كانت في المصحف الشريف أو تشمل ما لو كانت في كتاب اخر، أو لوح، أو جدار، أو غير ذلك؟
ج: لا تختص بالمصحف الشريف، بل تعم الكلمات والايات القرانية ولو كانت في كتاب اخر، أو في جريدة، أو مجلة، أو لوح أو منقوشة في جدار وغير ذلك.
س: هل يجب على الأشخاص الذين يكتبون بواسطة الالة الكاتبة أسماء الجلالة، أو الايات القرانية وأسماء المعصومين عليه السلام أن يكونوا متوضئين حال كتابتها؟
ج: لا تشترط الطهارة إلا أنه لا يجوز لهم مس الكتابة بدون طهارة.
س: ما هو حكم رمي ما اشتمل على أسماء اللَّه تعالى في الأنهار وهل يعد ذلك إهانة؟
ج: لا مانع من رميه في الأنهار، أو في الجداول إذا لم يعد ذلك إهانة بنظر العرف.
س: ما هو حكم تقطيع الأسماء المباركة أو الايات القرانية تقطيعاً كثيراً بحيث لا يبقى حرفان منها متصلين وتصبح غير قابلة للقراءة وهل يكفي في محوها وإسقاط أحكامها تغيير صورتها الخطية بإضافة حروف عليها أو بحذف بعض حروفها؟
ج: لا يكفي التقطيع إذا لم يوجب محو كتابة لفظ الجلالة والايات القرانية، كما لا يكفي تغيير الصورة الخطية لزوال الحكم عن الحروف التي رسمت بقصد كتابة لفظ الجلالة نعم لا يبعد في تغيير صورة الحرف زوال الحكم إلحاقاً له بالإمحاء، وإن كان الأحوط التجنب15.
15- أجوبة الاستفتاءات ج1، ص50 46.
خلاصة الدرس
أ- إن معنى قوله سبحانه: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَم”16 أي هو أكثر استقامة وثباتاً واعتدالاً في كل شؤون الوجود والحياة.
ب- القران هو الثقل الأكبر، ومنار الحكمة، وحبل اللَّه المتين، وربيع القلوب، والمنهج الإلهي الذي يصنع الإنسان.
ج- المهم هو العمل بالقران لا معرفة الاسم والرسم حيث جاء في وصية أمير المؤمنين عليه السلام: “اللَّه اللَّه في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم”.
د- ينبغي مراعاة الاداب المتعلقة بالقران كتعظيمه وتدبره والاستعاذة قبل تلاوته وعدم تنجيسه وغير ذلك.
أسئلة حول الدرس
1- ما المراد من قوله تعالى: “يهدي للتي هي أقوم”؟
2- ماذا تعرف عن عظمة القران؟
3- كيف يتمسك الإنسان بالقران؟
4- ما هي اداب القران؟
للحفظ
“إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور”17.
في الحديث:”إذا أحب أحدكم أن يحدّث ربه فليقرأ القرآن”18.
16- الإسراء:9
17- فاطر:29.
18- ميزان الحكمة، الحديث 16497.
للمطالعة
ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقران؟!
يروي أحدهم يقول: انقطعت في البادية فوجدت امرأة فقلت لها: من أنتِ؟
فقالت: “وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُون”19.
فسلّمت عليها وقلت لها من أنتِ؟
قالت: “وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِل”20.
فقلت: أمن الجن أنتِ أم من الإنس؟
قالت: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُم”21.
فقلت: من أين أقبلتِ؟
قالت: “ينَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد”22.
فقلت: أين تقصدين؟
قالت: “وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت”23.
فقلت: متى انقطعت؟
قالت: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ”24.
فقلت: أتشتهين طعاماً؟
قالت: “وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ”25.
فأطعمتها ثم قلت: هرولي وتعجلي.
قالت: “لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا”26.
فقلت: أأردفكِ؟
قالت: “لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا”27.
فنزلت فأركبتها فقالت: “سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا”28.
فلما أدركنا القافلة قلت لها: ألكِ أحد فيها؟
19- الزخراف:89
20- الزمر:37
21- الأعراف:31
22- فصلت:44
23- ال عمران:97
24- ق:38
25- الأنبياء:8
26- البقرة:286
27- الأنبياء:22
28- الزخرف:13.
قالت: “يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْض”29، “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ”30، “يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ”31، “يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّه”32.
فصحتُ بهذه الأسماء، فإذا بأربعة شبان متوجهين نحوها فقلت: من هؤلاء منكِ؟
قالت: “الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”33.
فلما أتؤها قالت: “يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِين”34.
فكافؤوني بأشياء.
فقالت: “وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء”35.
فزادوا لي، فسألتهم عنها فقالوا: هذه أمنا فضة جارية الزهراء عليها السلام ما تكلمت منذ عشرين سنة إلا بالقرآن36.
29- ص:26
30- ال عمران:144
31- مريم:12
32- القصص:30
33- الكهف:46
34- القصص:26
35- البقرة:261
36- مناقب ال أبي طالب.