مناظرة بين شيعي وسني
قال السنّي للشيعي : أنتم معشر الشيعة روافض ، والروافض في الدنيا يشملهم العار ، وفي الآخرة مقرهم النار وبئس القرار .
أجاب الشيعي بكل هدوء وسكون : عافاك الله يا أخي أليس من العدل والاِنصاف أن لا يحكم العاقل على غيره بدون دليل ولا برهان ، فما دليلك على أننا روافض ؟ وعلى تقدير صحة ما تقول ، ما هو برهانك على أن علينا في الدنيا العار ، ومصيرنا في الآخرة إلى النار وبئس القرار ؟
قال السني : أما كونكم معشرَ الشيعة روافض لاَنكم ترفضون خلافة خلفاء رسول الله الراشدين ، وهذا أمر لا يمكن لكل شيعي إنكاره، وهذا من أكبر العار عليكم .
وأما كونكم مقركم النار وبئس القرار ، لاَنه قد قام الاِجماع على أن كلّ من امتنع عن الاِقرار بخلفاء رسول الله الراشدين ، فهو بمثابة الخروج من الدين ، وهذا أيضاً لا يتمكن كل شيعي من إنكاره .
فقال الشيعي : عافاك الله يا أخي ، ها أنا شيعي وأنا أتبرؤ من كلّ من رفض خلفاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، وأنا أشهد على كل شيعي قد فهم حقيقة التشيع أنه أيضاً يتبرء مثلي من كل من رفض خلفاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، فدعواك هذه على الشيعة ظلم وافتراء ، وعار على أمثالك من أهل العلم والفضل أن يتصفوا بهذه الصفات الذميمة التي قد يتحاشاها أبسط الجهال والعوام ، وحينئذ لا يبقى لحكمك يا أخي على الشيعة بالنار وبئس القرار أدنى قيمة أو اعتبار .
فأين دليلك وبرهانك اللّذان قد اعتمدت عليهما في حكمك هذا الجائر الباطل ، وأرجو المسامحة فأنت أحوجتني لهذا المقال ؟!
قال السني ـ وقد استشاط غضباً وغيظاً ـ : ألستم معشر الشيعة ترفضون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وخلفائه الراشدين ، وكيف يمكنك أو يمكن لكل شيعي أن ينكر هذا الاَمر الذي هو أشهر من نور الشمس عند كل من عرف الشيعة حتى من غير المسلمين ، فما جوابك إن كنت من المنصفين ؟
فقال الشيعي : عافاك الله يا أخي ما ذكرت غير الذي به حكمت ، وبين الموضوعين بون بعيد وفارق عظيم قد كان حكمك السابق مستنداً إلى أن الشيعة ترفض خلفاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، والآن تثبت لهم رفضهم لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وهذا موضع آخر غير ما ذكرته سابقاً .
لاَن نفس هؤلاء الخلفاء الثلاثة وجميع أتباعهم وأشياعهم يستنكرون على كل من يقول : إن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، قد استخلف وعيّن له خليفة من بعده أو نصّ عليه وأخذ له على الناس الخلافة والولاية ، وكلّهم يشهدون ويجزمون على أن رسول الله قد مات ولم يعين له خليفة ، وهذا شيء كاد أن يكون من خصائص أبي بكر وعمر وعثمان وأشباههم في ذلك العصر ، والباقي أتباعٌ لهم وعنهم قد أخذوا بهذا القول والدعوة التي يدّعونها حتى عصرنا الحاضر .
فقولك : إن الشيعة ترفض أو رفضت خلفاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، هذا قد تسالم جميع السنّة على إنكاره ورفضه ، فمتى صار أبو بكر وعمر وعثمان خلفاء لرسول الله وهم أشد المنكرين على الشيعة الذين يدّعون أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، قد أوصى في حياته ونصّ على خليفته وعيّنه بشخصه وذاته وأخذ له من جميع المسلمين على مشهد مائة ألف أو يزيدون يوم غدير خمّ بعد رجوعه من حجة الوداع .
ولو نظرت يا أخي بعين الاِنصاف لكان عنوان الرافضة يصدق على جماعة السنّة بالخصوص دون سواهم ، لاَنهم هم رفضوا وصيّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وخالفوه مخالفة صريحة ، وهذه كتبهم وصحاحهم تشهد بذلك بأوضح ما يكون ، وإذا أردت فهم ذلك جليّاً فعليك بكتاب الغدير للشيخ النجفي حتى تعرف الحقيقة إذا كنت تجهلها ، وأبو بكر وعمر هما أوّل من بايع خليفة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في غدير خمّ وعمر هو الذي أعلنها صرخة مدوّية في ذلك المكان وهو يقول : بخ بخ لك يابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة(1)، حتى قام حسان بن ثابت وأنشد في ذلك الموقف أبياته التي قَلّ أن يخلو منها كتاب مؤرخ من محدثيهم وصحاحهم وإليك بها :
يُناديهمُ يوم الغدير نبيُّهم بِخُمٍّ وأسمع بالرسول مناديا
يقولُ فمن مولاكُمُ ووليّكم فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا
إلهك مولانا وأنت وليُّناولم تر منّا في الولاية عاصيا
فقال له : قم يا عليّ فإننيرضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليّهفكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا : الّلهم والِ وليّهوكن للذي عادى عليّاً معاديا(2) وقد أخرج الطبري محمد بن جرير فى كتاب الولاية عن زيد بن أرقم أن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ جعل يقول في ذلك الموقف الرهيب ويخاطب الجموع الغفيرة المتراصة حوله :
معاشر الناس قولوا أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا وميثاقاً بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى أولادنا وأهالينا ، لا نبغي بذلك بدلاً وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيداً ، قال زيد بن أرقم : فعند ذلك بادر الناس يقولون : نعم نعم سمعنا وأطعنا ، وكان أبو بكر وعمر أوّل من صافق وتداكوا على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعلى عليّ ـعليه السلام ـ .
وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من أئمة الحديث والتفسير ما يزيد على ستين محدثاً وراوياً ومؤرخاً وكاتباً راجع الغدير الجزء الاَول ص 272 ترى العجب العجيب .
وأما قولك الاَخير إن الشيعة ترفض خلافة أبي بكر وعمر وعثمان فهذا شيء صحيح لا ينكره ولا واحد من الشيعة وقوام الشيعة على هذا الاِنكار والاستنكار ، وهذا فخر وشرف للشيعة لاَن الذي دعاها لاِنكار ذلك هو نفس إطاعتها وإذعانها لاَمر نبيها محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ، والثبات على عهده الذي أعطوه إيّاه في غدير خمّ بأمر من الله تعالى حينما أنزل على نبيّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في ذلك الموضع وألزمه بالتبليغ وهدده إذا هو لم يبادر ويعلن خلافة عليّ ـ عليه السلام ـ من بعده قبل أن تتفرق الجموع الهائلة وتذهب جهوده أدراج الرياح ، فأنزل عليه قوله عزوجل : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(3)ط ، فلم يكتف بالتهديد حتى أخبره أنك إن لم تفعل فجميع جهادك وجهودك يذهب هباءً منثوراً ، ولا يترتب عليه أدنى أثر أو نفع ، ولذا تراه بعد قيامه بواجب التبليغ والاِعلان نزل قوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام ديناً )(4)شط فجعل النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ يقول : الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة من الله بولاية أخي وابن عمي وخليفتي من بعدي عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ(5).
وإذا الشيعة رفضت كلّ من خالف الله ورسوله لا خصوص أبي بكر وعمر وعثمان ، وتمسكتْ بأمر الله ورسوله تكون مذمومة ومستحقة لعذاب النار كيف يكون ذلك(4)؟!
____________
ه (1) راجع : ترجمة امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج2 ص75 ح 575 و 577 ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 94 ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 ص 158 ح 213 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 18 ح 24 ، فرائد السمطين ج1 ص 77 ح 44 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص30 و31 و 249 ط 1 اسلامبول و ص 33 و 34 و 297 ط الحيدرية ، تفسير الفخر الرازي الشافعي ج3 ص 63 ط الدار العامرة بمصر و ج 12 ص 50 ط مصر 1375 هـ ، احقاق الحق ج 6 ص256 ، الغدير للاَميني ج1 ص 276 ، بتفاوت .
ه(2) مناقب الخوارزمي ص135 ح152 ، فرائد السمطين الجويني ج1 ص73 ح39 وص 74 ح40 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 80 ، بحار الاَنوار ج37 ص 150 ، سفينة البحار ج2 ص306 ، وقد روي هذا الشعر في مصادر كثيرة جداً راجع : الغدير للاَميني ج2 ص34 ـ 39 .
ه(3) سورة المايدة: الآية 67
ه(4) سورة المالئده: الآية 3.
ه(5) شواهد التنزيل للحسكاني ج 1 ص 200 ح 210 و ما بعده مناقب أميرالمومنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1 ص 118 ح 66 و ص 137 ح 76
ه(6) ماذا في التاريخ للقبيسي ج 12 ص 61.