الرئيسية / شخصيات اسلامية / رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ

الهاشميون في الجاهلية والإسلام .

كان الرسول الأعظم على علم بحقيقة تلك المشاعر التي تعتمل بالنفوس ، وكان متيقنا
أن قريش تبغض التميز الهاشمي ، والمكانة الهاشمية ، وقد عبر عن هذه الحقائق
بقوله ذات يوم لأصحابه ، قياما بواجب البيان وسدا لنوافذ الشرك : ( إن أشد قومنا
بغضا لنا هم بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم ) ( 1 ) . فكل بطون قريش تبغض
الهاشميين ، ولكن أكثرها بغضا للهاشميين هي البطون التي ذكرها النبي ( ص ) .
وباختصار فإن نجاح النبوة الهاشمية ، وتكريس التميز الهاشمي ، والجراح التي
نتجت عن معركة بدر ، والغصات التي اعترضت حلقوم الذين اتبعوا محمدا من أبناء
قريش تركت بصماتها على التاريخ الإسلامي كله بعد موت النبي ( ص ) ، وظلت تعتمل في
النفوس ، وكانت أبرز الأسباب التي قوضت النظام السياسي الإسلامي ، وأفرغته من مضمونه
ومحتواه ، وحولته إلى ملك أو وسيلة للوصول إلى الملك ، مثلما كانت من أبرز الأسباب
التي أدت لإخراج المنظومة الحقوقية الإلهية عمليا من الخدمة ، للارتباط الوثيق بين
القيادة في الإسلام ، وبين فاعلية المنظومة الحقوقية ، وقد ساعد على ذلك كله ، أن
البطون القريشية التي اتخذت تحت راية الشرك ضد النبي ( ص ) ، قد اتحدت تحت راية
الإسلام ضد آل النبي ( ص ) ، وحالت بين الهاشميين وحقوقهم التي خصهم الله تعالى بها ،
وما ميزوا به من علم وسيرة وفضل على غيرهم من الناس .
دور الهاشميين في معركة أحد
رجع المشركون من بدر يجرون أذيال الخزي والهزيمة ، وصفوا صفوفهم ، ولم يطل الانتظار
حتى برز من صفوف المشركين طلحة بن أبي طلحة ، وصاح : من يبارز ؟ فبرز إليه علي بن أبي
طالب ( ع ) فقتله الإمام علي ( ع ) سريعا ، فلما قتل طلحة ، سر النبي ( ص ) وأظهر
التكبير ، وكبر المسلمون وهجموا على المشركين وقتل علي بن أبي طالب حملة لواء
المشركين وكانوا ثمانية ، كلما مات أحدهم أخذ اللواء غيره ، ثم حمل اللواء عبد لهم
فحمل عليه الإمام علي فقتله ( 2 ) . ومما زاد الطين بلة أن الأمويين قد أقروا بأن
قتل علي بن أبي طالب مستحيل ، لكن
قتل حمزة عم النبي ممكن ، فرتبوا مؤامرة للغدر بحمزة ، ونفذت المؤامرة وقتل
حمزة ، وأشيع بأن النبي ( ص ) قد قتل ، فزلزل المسلمون زلزالا شديدا .
دور علي ( ع ) في معركة الخندق .
لقد ثأرت قريش لقتلاها ، وانتصرت في معركة أحد – لأسباب ليس بوسعنا ذكرها – وكان من
الممكن أن تضع الحرب أوزارها ، وأن تستبدل قريش لغة القوة بلغة المنطق ، لكنها جادة
في عداوتها للنبي ( ص ) ولدعوته المباركة ولبني هاشم ، وأقل ما ترضى به هو القضاء على
محمد وعلى آله ( ص ) ، واستئصالهم من الوجود تماما ، فقد قال أبو سفيان مخاطبا وفد
يهود بني النظير : إن أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد ( 1 ) . وهكذا جمعت
قريش عشرة آلاف وسبعمئة وخمسين مقاتلا ، وقبل قيام هذا التجمع لم تشهد جزيرة
العرب مثله في تاريخها الطويل ، فقبائل العرب كانت تعبد الأصنام ، وتدين بالولاء
لشيوخها الذين لم يجتمعوا على أمر طول التاريخ ، حتى يوم غزا أبرهة الكعبة وهي أقدس
مقدساتهم ، بينما هم اجتمعوا هذه المرة على عداوة محمد وآل محمد ( ص ) ودعوته
الكريمة ، وكان القائد العام لتجمع الأحزاب ورأسهم ومدبر أمرهم ، ومؤقت ساعة
الصفر ، ومحدد مسؤولياتهم هو أبو سفيان ، أما أركان حربه فكانوا يتألفون من مشيخة
قريش ، وعلى رأسهم معاوية ، وابنه يزيد ، فكلاهما ذكي وذو حيلة ، وكلاهما موتور ،
وعكرمة بن أبي جهل وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وكلهم موتور ، وعمرو بن عبد ود
العامري أشجع رجالات قريش وأقواها ، فكان يحترق شوقا لملاقاة محمد ( ص ) ، بالإضافة
إلى مشيخة اليهود مثل حيي بن أحطب ، وكنانة بن الحقيق ، وأخيه هودة ، وأبي عامر
الراهب ، وكعب بن أسد عقيد بني قريظة ( 2 ) . فبرز عمرو بن عبد ود ، أقوى رجالات قريش ،
وأخذ يدعو للمبارزة ، فسكت جميع المسلمين كأن على رأسهم الطير ، ولما سمعه الإمام
علي استأذن النبي ثلاثا والرسول لا يأذن له ، وأخيرا أذن الرسول لعلي ( ع ) وأعطاه
سيفه ، والتقى الاثنان على مشهد من الجمعين ، وبعد برهة ثارت غبرة وسمع الناس
التكبير ، فأيقنوا بأن عليا قد قتل عمروا ، وصعقت الأحزاب من هول النبأ ، وازدادت
قريش حقدا على النبي وآله فقال النبي ( ص ) : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود
يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة ( 3 ) . وقال السيوطي في الدر
المنثور في تفسير قوله تعالى : ( ورد الله الذين كفروا
بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال ) ( 1 ) . قال :
وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : وكفى
الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب ( ع ) ، وجاء في ميزان الاعتدال حديث مسند عن
ابن مسعود أنه كان يقرأ : وكفى الله المؤمنين القتال بعلي ( 2 ) ، فرجع الأحزاب يجرون
أذيال الخيبة والخسران ، يقودهم رأس الشرك أبو سفيان ، وألقى كلمته قائلا : إنكم
والله لستم بدار مقام ، لقد هلك الخف والكراع ، وأجدب الجناب ، وأخلفنا بنو قريظة ،
وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقد لقينا من الريح والله ما ترون ، والله ما يثبت لنا
بناء ، ولا تطمئن لنا قدر ، فارتحلوا فإني مرتحل ، . . . إلخ ( 3 ) .
بعض المؤرخين يعطي نعيم بن مسعود دورا بارزا ، ويصورونه كأنه هو الذي فك تحالف
الأحزاب ، وأنه هو الذي أوقع بينهم مع أن جميع المسلمين والأحزاب كانوا يعرفون بأن
الرجل صياد مكافآت ، وإن مهمته التخذيل ، فطالما خذل المسلمين عن الخروج بعد معركة
أحد ، وأخذ على ذلك جمع مقداره عشرون ناقة ، رصدتها له قريش . . . ومن المؤكد أن رحمة
الله وعونه وعبقرية قيادة النبي ( ص ) ، ورجولة علي ( ع ) وصبر المسلمين تظافرت معا ،
وقادت إلى نصر الله وهزيمة الأحزاب ( 4 ) .
دور علي ( ع ) في معركة خيبر
كانت خيبر من أعظم وأكبر التجمعات اليهودية في الجزيرة ، ففيها المال وفيها الجاه ،
وفيها الرجال ، وبعد أن فتح الله للمسلمين في صلح الحديبية ذلك الفتح المبين ، وبعد
أقل من شهرين من رجوع الرسول ( ص ) من الحديبية ، أصدر أوامره بالتهيؤ لغزو خيبر ،
وبعد إتمام الاستعدادات وفي شهر صفر من السنة السابعة للهجرة : زحف النبي ( ص ) نحو
خيبر ، وقاتل اليهود بكفاءة ، وهجم الرسول على الحصون حصنا بعد حصن ، ثم أخذ يرسل
المسلمين على موجات ، موجة تذهب بالراية وأخرى ترجع ، فأعطى رايته إلى أبي بكر ، وخرج
أبو بكر ولكنه رجع ولم يفعل شيئا ، ثم أعطى الراية إلى عمر فخرج عمر ، ثم رجع ولم يفعل
شيئا ( 5 ) . وفي كنز العمال أن رسول الله بعث أبا بكر بالناس فانهزم حتى رجع ، وبعث عمر
فانهزم بالناس حتى رجع ، وقال : أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، وابن
ماجة
والبزار ، وابن جرير وصححه ، والطبراني في الأوسط ، والحاكم في المستدرك ، والبيهقي في
الدلائل ، والضياء المقدسي ( 1 ) . وإلى هذا أشار الهيثمي في مجمع الزوائد ( 2 ) .
أمام تراجعات المسلمين المتتالية – في دك حصون خيبر – تدفقت كتائب اليهود ورجحت
الكفة لصالحهم ، وحض رسول الله ( ص ) المؤمنين على القتال ، ولما اجتمع شمل المسلمين
وقف رسول الله ( ص ) وقال : لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله على
يديه ليس بفرار . . . ( 3 ) . وفي الصباح نادى علي بن أبي طالب ، وكان أرمد لا يرى ، فتفل
رسول الله ( ص ) في عينيه وأعطاه الراية ( 4 ) .
أخذ علي الراية ، واندفع كالإعصار بقوة ربانية ، كما يقول الفخر الرازي في تفسيره
لقوله تعالى : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف . . . ) ( 5 ) ، فتلقاه الحارث أخو
مرحبا في قلة من رجاله ، وهجموا على المسلمين . . . فتناول الإمام علي بابا من أبواب
الحصن وتترس به ، قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : إن ثمانية نفر عجزوا عن قلب
ذلك الباب في ما بعد ( 6 ) ، وروى الخطيب في تاريخ بغداد : إن الباب الذي تترس به
الإمام علي يوم خيبر لم يقو أربعون رجلا على حمله ( 7 ) .
معركة حنين .
فقد أبلى أهل بيت النبي الهاشمي ( ص ) بلاء حسنا ، بعد أن فر كل المسلمين من حول النبي
( ص ) وتركوه ومعه أهل بيته علي والعباس ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعتبة
ومعتبا ابنا أبي جهل ، ونفر قليل من الأنصار كسعد بن عبادة ، والحباب بن المنذر ،
وكان عدد جيش المسلمين في حنين اثني عشر ألفا ، ومن المؤكد أن أعدادا كبيرة من الجيش
لم تخرج للجهاد ، ولا طمعا بالشهادة ، ولا لنصرة دين الله أو لنصرة بنيه ، إنما خرجوا
طمعا بالغنيمة ممن تدور عليه الدائرة ، سواء أكان محمدا ( ص ) أو تجمع هوازن وثقيف و
حلفائهما ، فأبو سفيان بن حرب الذي تلفظ بالشهادتين قبل أيام ، خرج وأخرج معه الأزلام ،
وسار في
أثر محمد ( ص ) يلتقط ما يسقط منهم من متاع حتى أوقر ( 1 ) ، ومثله أولاده . . . فشيبة بن
عثمان بن أبي طلحة تعاهد هو وصفوان بن أمية على أنه إذا رأيا الدائرة ( تدور ) على
رسول الله ( ص ) أن يكونا عليه فيقتلانه ( 2 ) ، وقد عبرت جويرية بنت أبي جهل عن طبيعة
إسلام القوم ، يوم سمعت بلالا يؤذن على ظهر الكعبة بقولها : قد لعمري رفع لك ذكرك أما
الصلاة فسنصلي ، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا ( 3 ) ، ومع هذا فإنهم خرجوا
مع جيوش المسلمين المتوجهة إلى حنين كمسلمين ، وعيينة بن حصن أحد قادة الجيش
الإسلامي يستأذن من الرسول ( ص ) حتى يأتي حصن الطائف لإقناعهم بالاستسلام ، ومع هذا
يدخل الحصن ، ويقول للمشركين : فداكم أبي وأمي ، والله لقد سرني ما رأيت منكم . . .
والله ما لاقى محمد مثلكم قط ، ولقد مل محمد اللقاء فاثبتوا في حصنكم . . . ( 4 ) . ثم يعود
إلى الرسول ( ص ) ليزعم بأنه قد حاول إقناع أهل الطائف فأخفق ، والرسول ساكت ، وهو يعلم
أن عيينة كاذب ومنافق ! ! ، وعيينة نفسه يعبر عن حقيقة وجوده فيقول : والله ما جئت معكم

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...