الرئيسية / الاسلام والحياة / موسوعة طبقات الفقهاء

موسوعة طبقات الفقهاء

53 عبد اللَّه بن عمر « 1 »
( 10 ، 11 ق ه – 73 ، 74 ه ) ابن الخطاب القرشي العدوي ، أبو عبد الرحمن .
أسلم بمكة مع إسلام أبيه ، وهاجر مع أبيه وأُمّه إلى المدينة ، وهو ابن عشر ، أو إحدى عشرة سنة ، وردّه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عن القتال يوم أُحد لصغر سنّه ، وأجازه يوم الخندق كما روي عنه ، وشهد فتح مكة .
ومولده ووفاته فيها .
قال الخطيب : خرج إلى العراق ، فشهد يوم القادسية ، ويوم جلولاء ، وما بينهما من وقائع الفرس ، وورد المدائن غير مرّة .
روى عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وعن : أبيه ، وأُخته حفصة أُمّ المؤمنين ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي بكر ، وآخرين .
روى عنه : الحسن البصري ، والسائب والد عطاء ، وسعيد بن المسيب ، ونافع ، وعروة بن الزبير ، وعمرو بن دينار ، وغيرهم .
وهو أحد أكثر الصحابة رواية عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وقد نقل عنه مالك بن أنس في « الموطأ » كثيراً من أحاديثه ، واعتمد عليه في أكثر أحكامه .
روي عن مالك أنّ أبا جعفر المنصور قال له : خذ بقوله يعني ابن عمر وإنْ خالف علياً وابن عباس ! ! وكان ابن عمر ممّن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين علي – عليه السّلام ، وكان رأيه كما يقول ابن حجر انّه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس « 1 » . . ثم بايع لمعاوية لما اصطلح مع الحسن بن علي ، وبايع لابنه يزيد بعد موت معاوية لاجتماع الناس « 2 » عليه .
لقد امتنع ابن عمر عن بيعة علي – عليه السّلام التي أجمع عليها المسلمون ، ( وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إياه أن ابتهج بها الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل نحوها العليل ، وحسرت إليها الكعاب ( « 3 » فأي اجماع حصل في التأريخ على خليفة كالذي حصل لعلي – عليه السّلام ، وهذا ابن حجر نفسه يقول : ( كانت بيعة علي
بالخلافة عقب قتل عثمان في أوائل ذي الحجة سنة خمس وثلاثين ، فبايعه المهاجرون والأنصار وكل من حضر وكتب ببيعته إلى الآفاق فأذعنوا كلهم إلَّا معاوية في أهل الشام ( « 1 » ثمّ ما الذي يبرر بيعته لمعاوية الذي شق عصا الطاعة ، ونازع الامام في أمر لا يحلّ له « 2 » ، وتسبب في حرب ضروس راح ضحيتها عدد كبير من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان « 3 » ثمّ أي إجماع وقع على بيعة يزيد المعروف بالخلاعة والمجون ، وقد نبذه صلحاء الأُمّة وبقية المهاجرين والأنصار ، ومنهم سيد شباب أهل الجنة الحسين – عليه السّلام ، وعبد اللَّه بن عباس ، وعبد اللَّه بن الزبير ، وكل من سار معهم ورأى رأيهم .
عُدّ ابن عمر في المكثرين من الفتيا من الصحابة .
ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف « 167 فتوى .
قال مروان بن الحكم لما طلب الخلافة وذكروا له ابن عمر : ليس ابن عمر
بأفقه منّي .
ولكنه أسنّ ، وكانت له صحبة .
وقال الشعبي : كان ابن عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه .
روى المحدّثون موارد عديدة من أوهام وأغلاط ابن عمر في الحديث ، حتى أنّ عائشة استدركت عليه عدة أحاديث ، كما عارضته في عدّة فتاوى .
قال ابن عمر : إنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مرّ بقبر فقال : إنّ هذا ليعذّب الآن ببكاء أهله عليه ، فقالت عائشة : غفر اللَّه لَابي عبد الرحمن إنّه وهل ، إنّ اللَّه تعالى يقول : « * ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) * » « 1 » إنّما قال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إنّ هذا ليعذّب الآن وأهله يبكون عليه .
وقال : قال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين ثمّ صفق الثالثة وقبض إبهامه .
فقالت عائشة : غفر اللَّه لَابي عبد الرحمن انّه وهل ، إنّما هجر رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم نساءه شهراً ، فنزل لتسع وعشرين ، فقالوا : يا رسول اللَّه نزلت لتسع وعشرين ؟ فقال : إنّ الشهر يكون تسعاً وعشرين « 2 » وأخرج مُسلم من طريق نافع انّ ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
وفي امارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من خلافة معاوية حتى بلغه في آخر خلافة معاوية انّ رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فدخل عليه وأنّا معه فسأله فقال : كان رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ينهى عن كراء المزارع .
فتركها ابن عمر بعد ، وكان إذا سئل عنها بعد قال : زعم رافع بن خديج إنّ رسول اللَّه نهى عنها « 3 » وكان ابن عمر يفتي النساء إذا أحرمن أن
يقطعن الخفّين حتى أخبرته عائشة [ بنت أبي عبيد ] عن عائشة إنّها تفتي النساء أن لا يقطعن فانتهى عنه « 1 » توفّي ابن عمر – سنة ثلاث أو أربع وسبعين .
وقيل في سبب موته أنّ عبد الملك لما أرسل إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شقّ عليه ذلك فأمر رجلًا معه حربة كانت مسمومة فلما دفع الناس من عرفة لصق ذلك الرجل به فأمرّ الحربة على قدمه فمرض منها ثم مات .
روي أنّه قال لمّا احتُضر : ما أجد في نفسي شيئاً إلَّا أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب .
وفي لفظ : ما آسى على شيء ، إلَّا أنّي لم أُقاتل الفئة الباغية « 2 »
54 عبد اللَّه بن عمرو بن العاص « 1 »
( . . – 65 ، 63 ه ) ابن وائل السهميّ القرشي ، أبو محمد ، وقيل : أبو عبد الرحمن .
أسلم قبل أبيه فيما ذُكر ، وهاجر إلى المدينة بعد سنة سبع ، ويقال : كان اسمه العاص فسمّاه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عبد اللَّه .
روى عن النبي ، وعن : معاذ بن جبل ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، وآخرين .
وروى عن أهل الكتاب ، وأدمن النظر في كتبهم ، واعتنى بذلك .
قال ابن حجر : إنّ عبد اللَّه بن عمرو كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب ، فكان ينظر فيها ويحدّث منها فتجنّب الاخذ عنه لذلك كثير من
أئمّة التابعين « 1 » وكان يكتب عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أقواله فنهته قريش عن ذلك .
روى أحمد بن حنبل عنه قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أُريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : إنّك تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ورسول الله – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بشر يتكلَّم في الغضب والرضا ، فأمسكتُ عن الكتابة ، فذكرت ذلك لرسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فقال : « اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلَّا حقّ « « 2 » وقد شهد عبد اللَّه مع أبيه فتح الشام ، وشهد معه وقعة صفّين ، فكان على ميمنة جيش معاوية .
عن حنظلة بن خويلد العنزي ، قال : بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار رضي اللَّه عنه ، فقال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال عبد اللَّه ابن عمرو : ليطب به أحدُكما نفساً لصاحبه ، فانّي سمعت رسول اللَّه يقول : « تقتله الفئة الباغية » فقال معاوية : يا عمرو ألا تغني عنّا مجنونك ، فما بالك معنا ؟ قال : إنّ أبي شكاني إلى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فقال : « أطع أباك ما دام حياً » فأنا معكم ولست أُقاتل .
وقد ذُكر أنّه ندم ندامة شديدة على قتاله مع معاوية وأنّه كان يقول : ما لي ولصفّين ؟ ما لي ولقتال المسلمين ؟ واللَّه لوددتُ أنّي متُّ قبل هذا بعشر سنين .
وجاء في : « أُسد الغابة » عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه أنّه كان في مسجد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص فمرّ الحسين بن عليّ فسلَّم ، فردّ القوم السلام ، فسكت عبد اللَّه حتى فرغوا فرفع صوته ، وقال : عليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته ثمّ أقبل على القوم فقال : ألا أُخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، قالوا : بلى ، قال : هو هذا
الماشي ، ما كلَّمني منذ ليالي صفّين ولَان يرضى عنّي أحب إليّ من أن يكون لي حمر النعم . . ، ثمّ قال : إنّ عبد اللَّه دخل على الحسين ليعتذر إليه فقال الحسين : أعلمت يا عبد اللَّه أنّي أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ؟ قال : أي وربّ الكعبة ، قال : فما حملك على أن قاتلتني وأبي يوم صفّين فو اللَّه لَابي كان خيراً منّي ، قال : أجل . . ثمّ ذكر بأنّه اعتذر بأنّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال له : أطع عمرواً .
أقول : ليت ابن عمرو التزم بكلمته هو ، وأخذ بما ينصح به الآخرين ، ذلك أنّ رجلًا سأله عن تكليفه تجاه معاوية وهو يخالف أحكام الكتاب ، فقال : أطعه في طاعة اللَّه واعصه في معصية اللَّه « 1 » وإذا كان يطيع رسول اللَّه في قوله : « أطع أباك » فلم لا يطيعه في قوله – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » .
عُدّ من فقهاء الصحابة .
وقيل : كان يفتي في الصحابة .
نقل عنه الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب « الخلاف » ثلاث عشرة فتوى ، منها : يجب الغسل على من غسّل ميتاً ، وبه قال الشافعي في البويطي ، وهو قول علي – عليه السّلام وأبي هريرة ، وذهب ابن عمرو وابن عباس و . . إلى أنّ ذلك مستحبّ .
توفّي عبد اللَّه في – سنة خمس وستين ، وقيل : – ثلاث وستين ، وقيل غير ذلك .
55 أبو موسى الأشعري « 1 »
( . . – 44 ه ) عبد اللَّه بن قيس بن سليم بن حضّار التميمي ، أبو موسى الأشعري . ولد في زبيد ( باليمن ) ، وقدم هو وأُناس من الأشعريين على رسول اللَّه بعد فتح خيبر ، ولم يكن من مهاجرة الحبشة على قول الأكثر ، وانّما وافق قدومهم قدوم جعفر الطيار وأصحابه من أرض الحبشة .
روى عن النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وعن : أبي بكر ، ومعاذ بن جبل ، وأُبيّ بن كعب ، وعمر ابن الخطاب ، وابن مسعود ، وآخرين .
روى عنه : بُريدة بن الحُصيب ، وأبو سعيد الخدري ، والأسود بن يزيد ، وأبو وائل شقيق بن سَلَمة ، وغيرهم .
وقد عُدّ في الفقهاء المقرءين .
ولَّاه عمر بن الخطاب البصرة ، وهو الذي فتح تُستَر ، ولما ولي عثمان أقرّه على البصرة ، ثمّ عزله ، فانتقل إلى الكوفة ، ثمّ ولَّاه عثمان الكوفة ، ولم يزل عليها إلى أن قُتل عثمان ، فأقرّه الإمام علي – عليه السّلام .
ولما كانت وقعة الجمل ، وأرسل علي – عليه السّلام إلى أهل الكوفة لينصروه ، كان أبو موسى يخذّل الناس عن نصرة أمير المؤمنين – عليه السّلام ، ويأمرهم بوضع السلاح والكفّ عن القتال ، فعزله الامام – عليه السّلام – ، فأقام بالكوفة إلى أن كان التحكيم ، وقصته في أمر التحكيم واجتماعه بعمرو بن العاص مشهورة .
روى الطبري أنّ عمرو بن العاص لما رأى أمر أهل العراق قد اشتد في وقعة صفّين ، وخاف في ذلك الهلاك ، قال : نرفع المصاحف ثمّ نقول ما فيها حكم بيننا . . فرفع أهل الشام المصاحف بالرماح ، فلما رأى الناس المصاحف قد رُفعت قالوا : نجيب إلى كتاب اللَّه عزّ وجلّ . . فقال علي [ عليه السّلام ] : عباد اللَّه امضوا على حقّكم وصدقكم في قتال عدوّكم ، فانّ معاوية وعمرو بن العاص ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، أنا أعرَفُ بهم منكم قد صحبتهم أطفالًا وصحبتهم رجالًا ، فكانوا شرّ أطفال وشر رجال . . فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة معهما من القرّاء الذين صاروا خوارج بعد ذلك : يا عليّ أجب إلى كتاب اللَّه عزّ وجلّ إذا دُعيت إليه . . ولما اختار أهل الشام عمرو بن العاص ، قال الأشعث بن قيس : قد رضينا بأبي موسى الأشعري .
فقال علي [ – عليه السّلام – ] : فانّكم قد عصيتموني في أوّل الامر فلا تعصوني الآن ، إنّي لا أرى أن أُوليه ، ولكن هذا ابن عباس ، فلم يقبلوا ، فقال : إنّي أجعل الأَشتر ، فرفضوا .
فقال – عليه السّلام – : اصنعوا ما أردتم ، فبعثوا إلى أبي موسى وقد اعتزل القتال « 1 » ولما اجتمع بعمرو بن العاص واتفقا ، تقدّم أبو موسى فقال : إنّي قد خلعت علياً ومعاوية ، فولَّوا من رأيتموه لهذا الامر أهلًا ، فقال عمرو : إنّ هذا خلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه كما خلعه ، وأثبت صاحبي معاوية . . فقال أبو موسى : ما لك لا وفقك اللَّه غدرتَ وفجرتَ إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ، فقال عمرو : إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً . . « 2 » وهرب أبو موسى بعد ذلك إلى مكة .
ولما رجع الإمام علي – عليه السّلام إلى الكوفة ، قام في الناس خطيباً حيث اجتمع الخوارج ونزلوا حروراء فقال : الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح والحدثان الجليل ، وأشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ، وأنّ محمّداً رسول اللَّه ، أمّا بعد فانّ المعصية تورث الحسرة وتعقب الندم ، وقد كنت أمرتكم في هذين الرجلين وفي هذه الحكومة أمري ونحلتكم رأيي لو كان لقصير أمر ، ولكن أبيتم إلَّا ما أردتم فكنت أنا وأنتم كما قال أخو هوازن :
أمرتهم أمري بمنعرج اللِّوى
فلم يستبينوا الرّشدَ إلَّا ضُحى الغَدِ
ألا إنّ هذين الرجليْن اللذَيْن اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما وأحيا ما أمات القرآن ، واتّبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من اللَّه ، فحكما بغير حجة بيّنة ، ولا سنّة ماضية ، واختلفا في حكمها ، وكلاهما لم يُرشد ، فبرئ اللَّه منهما ورسوله وصالح المؤمنين « 1 » أخرج الفسوي من طريق محمد بن عبد اللَّه بن نمير ، حدثني أبي ، عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : كنّا مع حذيفة جلوساً ، فدخل عبد اللَّه وأبو موسى المسجد فقال : أحدهما منافق ، ثمّ قال : إنّ أشبه الناس هدياً ودَلًا وسمتاً برسول اللَّه ص عبد اللَّه .
وذكره الذهبي في « سيره » أيضاً .
عُدّ أبو موسى من المتوسطين من الصحابة فيما رُوي عنه من الفتيا .
ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » ثلاث عشرة فتوى .
توفّي – سنة أربع وأربعين ، وقيل : – سنة اثنتين وأربعين ، وقيل : – سنة اثنتين وخمسين .
5 عبد اللَّه بن مسعود « 1 »
( . . – 32 ، 33 ه ) ابن غافل الهُذَلي المكي ، أبو عبد الرحمن ، حليف بني زُهرة .
كان أبوه مسعود قد حالف في الجاهلية عبد بن الحارث ابن زهرة .
أسلم ابن مسعود قديماً .
وهو أوّل من جهر بالقرآن بمكة فيما قيل .
هاجر إلى الحبشة الهجرة الأُولى ، وقدم إلى مكة على رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ثمّ هاجر إلى المدينة .
آخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين الزبير بن العوام بمكة في المؤاخاة الأُولى ، وآخى بينه وبين معاذ بن جبل بالمدينة بعد الهجرة في المؤاخاة الثانية .
شهد بدراً وأُحداً وبيعة الرضوان وسائر المشاهد مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وهو الذي أجهز على أبي جهل في وقعة بدر .
روى عن رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
روى عنه : أبو سعيد الخدري ، وعمران بن حُصين ، وأبو هريرة ، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري ، وزرّ بن حُبيش ، وآخرون .
وهو أحد رواة حديث الغدير من الصحابة ، وقد أخرج الحافظ ابن مردويه « 1 » بإسناده عنه نزول آية التبليغ في علي – عليه السّلام يوم الغدير « 2 » ورواه عنه السيوطي في « الدر المنثور » ج 2 ص 298 « 3 » روي أنّ ابن مسعود شهد الصلاة على فاطمة سيدة النساء – عليه السّلام ودفنها .
بعثه عمر بن الخطاب إلى الكوفة ليعلمهم أُمور دينهم وبعث عمار بن ياسر أميراً ، وكتب إليهم : انّهما من النجباء من أصحاب محمّد – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم من أهل بدر فاقتدوا بهما وأطيعوا واسمعوا قولهما .
روي انّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال : « من سرّه أن يقرأ القرآن غضّاً كما أُنزل فليقرأ على قراءة ابن أُمّ عبد » .
وكان ابن مسعود يُعرف باسم أُمّه أُمّ عبد بنت عبد ودّ .
أخرج الحاكم عن حَبّة العُرني أنّ ناساً أتوْا علياً فأثنوا على عبد اللَّه بن مسعود فقال : أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل : مَن قرأ القرآن ، وأحلّ حلاله وحرّم حرامه ، فقيه في الدين ، عالم بالسنّة .
وأخرج ابن سعد عن زيد بن وهب أنّ عمر بن الخطاب قال فيه : كُنَيف مُلئَ علماً « 1 » .
عن أبي وائل قال : خطبنا ابن مسعود ، فقال : كيف تأمروني أقرأ على قراءة زيد بن ثابت بعد ما قرأت من فيّ رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بضعاً وسبعين سورة ، وإنّ زيداً مع الغلمان له ذوَابتان ؟ ! وكان ابن مسعود من الناقمين على عثمان ، وقد امتنع أن يمنح للوليد بن عقبة من بيت مال الكوفة يوم كان عليه ، وألقى مفاتيح بيت المال ، وكان يتكلَّم بكلام لا يدعه وهو : إنّ أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي محمّد – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، وشرّ الأُمور محدثاتها وكل محدَث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
فكتب الوليد في حقه إلى عثمان ، فكتب إليه يأمره بإشخاصه ، فأخذه عثمان أخذاً شديداً وهجره ومنعه عطاءه ، وأَمر به فأُخرج من مسجد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إخراجاً عنيفاً « 2 »
وقد شهد ابن مسعود في رهط من أهل العراق عُمّاراً جنازة أبي ذر الغفاري بالربذة وكان عثمان قد نفاه إليها فاستهل عبد اللَّه يبكي ويقول : صدق رسول اللَّه : تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك « 1 » عُدّ من المكثرين من الصحابة فيما روي عنه من الفتيا .
ونقل عنه الشيخ الطوسي في « الخلاف » خمساً وأربعين ومائة فتوى .
وهو من القائلين ببقاء المتعة على إباحتها « 2 » وكان هو وعمر يوجبان الوضوء بمسّ المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمّم « 3 » روى ابن سعد بإسناده عن زرّ عن عبد اللَّه انّه كان يصوم الاثنين والخميس .
وعن ابن سيرين انّ ابن مسعود كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأُوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة وفي الأُخريين فاتحة الكتاب « 1 » ومن كلمات ابن مسعود قال : إنّكم في ممرّ الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، من زرع خيراً يوشِكُ أن يحصُدَ رغبة ، ومن زرع شرًّا يوشك أن يحصدَ ندامة ، ولكل زارع مِثلُ ما زرع ، لا يُسبقُ بطيء بحظَّه ، ولا يُدرِكُ حريصٌ ما لم يُقدَّرْ له ، فمن أُعطي خيراً فاللَّه أعطاه ، ومن وُقي شرًّا ، فاللَّه وقاه ، المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .
وقال : جاهدوا المنافقين بأيديكم ، فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم ، فإن لم تستطيعوا إلَّا أن تكفهرّوا في وجوههم ، فافعلوا .
قال ابن كثير : ثمّ قدم أي ابن مسعود إلى المدينة فمرض بها فجاءه عثمان بن عفان عائداً ، فيروى أنّه قال له : ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي ، قال : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربّي ، قال : ألا آمر لك بطبيب ؟ فقال : الطبيب أمرضني ، قال : ألا آمر لك بعطائك ؟ وكان قد تركه سنتين فقال : لا حاجة لي فيه ، فقال : يكون لبناتك من بعدك ، فقال : أتخشى على بناتي الفقر ؟ إنّي أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ، وإنّي سمعت رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يقول : « من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً « « 2 » توفّي – سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : – ثلاث وثلاثين ، وكان أوصى إلى الزبير بن العوام فصلَّى عليه ، وقد قيل إنّ عمار بن ياسر صلَّى عليه ، ودُفن بالبقيع ليلًا .

شاهد أيضاً

تفسير غريب القرآن – فخر الدين الطريحي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسلما نعرج فيه ...