واحدة وأنا ربكم فاتقون) * (1) ويقول: * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * (2) ويقول: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) * (3).
فأي نزاع وأية تفرقة هي أكبر من تقسيم الأمة الواحدة إلى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضا ويسخر بعضهم من بعض بل ويكفر بعضهم بعضا حتى يستحل بعضهم دم البعض الآخر، وهو ما وقع بالفعل على مر العصور، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك، هذا وقد حذرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أمتنا إذا تفرقت فقال سبحانه: * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات) * (4) * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) * (5) ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا، كل حزب بما لديهم فرحون) * (6).
وتجدر الإشارة هنا بأن معنى شيعا لا علاقة لها بالشيعة كما توهم بعض البسطاء عندما جاءني ينصحني على زعمه قائلا: يا أخي بالله عليك دعنا من الشيعة فإن الله يمقتهم وحذر رسوله أن يكون منهم! قلت وكيف ذلك؟ قال:
* (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ) * وحاولت إقناعه بأن شيعا معناها أحزابا ولا علاقة لها بالشيعة ولكنه ومع الأسف الشديد لم يقتنع لأن سيده إمام المجسد هكذا علمه وحذره من الشيعة فلم يعد يتقبل غير ذلك.
أعود إلى الموضوع فأقول بأني كنت في حيرة قبل استبصاري عندما أقرأ حديث ” اختلاف أمتي رحمة ” وأقارنه مع حديث:
(1) سورة المؤمنون آية 52.
(2) سورة آل عمران آية 103.
(3) سورة الأنفال آية 46.
(4) سورة آل عمران آية 105 (5) سورة الأنعام آية 159.
(6) سورة الروم آية 21 – 22.
(٢١)
” ستفترق أمتي إلى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ” (1).
وأتساءل كيف يكون اختلاف الأمة رحمة وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟؟
وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) لهذا الحديث زالت الحيرة وانحل اللغز وعرفت بعد ذلك بأن الأئمة من أهل البيت، هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وهم بحق ترجمان القرآن والسنة وحقيق بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول في حقهم:
” مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، لا تتقدموهم فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ” (2).
وكان حقيق بالإمام علي (عليه السلام) أن يقول:
” أنظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ” (3).
وقال (عليه السلام) في خطبة أخرى يعرف بها قدر أهل البيت (عليهم السلام):
” هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم
(١) سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج ٢ رقم الحديث ٣٩٩٣ مسند أحمد ج ٣ ص ١٢٠ والترمذي في كتاب الإيمان.
(2) الصواعق المحدقة لابن حجر ص 136 و ص 227 الجامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 132 مسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 و ج 4 ص 366 حلية الأولياء ج 4 ص 306 مستدرك الحاكم ج 3 ص 151 التلخيص الذهبي – المعجم الصغير للطبراني ج 2 ص 22.
(3) نهج البلاغة للإمام علي ج 2 ص 190.
(٢٢)
عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية. فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل ” (1).
نعم، صدق الإمام علي فيما بينه فهو باب مدينة العلم، فهناك فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية وبين من عقله عقل سماع ورواية.
والذين يسمعون ويروون كثيرون، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم فيتغير معنى الحديث وقد يؤدي إلى العكس الذي قصده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد يؤدي بعض الأحيان لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي (1).
أما الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جدا وقد يفني الإنسان عمره في طلب العلم ولا يحصل منه إلا على اليسير، وقد يتخصص في باب من أبواب العلم أو فن من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكل أبوابه، ولكن المعروف أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا ملمين وعارفين بشتى العلوم، وهذا ما أثبته الإمام علي كما يشهد المؤرخون وكذلك محمد الباقر وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يديه آلاف الشيوخ في شتى العلوم والمعارف من فلسفة وطب وكيميا وعلوم طبيعية وغيرها.
(1) نهج البلاغة للإمام علي ج 3 ص 439.
(2) مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من ” أن الله خلق آدم على صورته ” ولكن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أوضح الأمر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” إن الله خلق آدم على صورته ” أي أنك بسبك من يشبهه قد سببت آدم لأنه يشبهه.
(٢٣)
إقرأ المزيد ..
الإمام الخامنئي: عملية طوفان الأقصى كانت ضربة قاصمة للكيان الصهيوني