الثورة الإسلامية والغزو الثقافي
آيه الله العظمى الإمام الخامنئي دام ظله
مركز الإمام الخميني الثقافي
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران
الغزو الثقافي في العهد البهلوي البائد وقبله
نقرأ في التأريخ ـ وليس كلّ ما في التأريخ صحيحاً على وجه تام ـ إنَّ المدارس كانت موجودة في القرنين الرابع والخامس، وكان هناك من يتعلم في هذه المدارس. طبيعي أنَّ الأنظمة الديكتاتورية مثل النظام الغزنوي والسلجوقي وأشباههما، لم تكن تدع فرصة للناس كي تتنفس، وإذا كانوا قد أسسوا المدرسة النظامية على سبيل المثال، فإن ذلك لا يعني أن باب الدراسة وتحصيل المعارف كان مفتوحاً للجميع دون استثناء.
وفي كل الأحوال، لا يعنينا أن نحكم على ما جرى في تلك العصور، ولكن لكم أن تعودوا إلى التأريخ التأريخ عنصر ينبغي أن نتعلمه، فإذا أردنا أن نتلمس موقعنا في الوقت الحاضر، ونعرف أين نحن الآن، علينا أن نحيط بالتاريخ، نعرفه ونعيه، الإحاطة بالتأريخ، بإدراكه ومعرفته ووعيه، أمر مهم الذي تلا الغزو المغولي، لتدركوا جيداً، أنَّ الفرصة لم تكن مؤاتية للإنسان المستعد لتحصيل العلم في هذا البلد، بقدر ما هي مؤاتية الآن. كانت العصور التي مرّت عصور جهل وعدم اكتراث بالمعارف والعلوم؛ كانت تلك عصر الملوك المستبدين، السافكين للدماء، الذين تركوا الشعب وأهملوه من دون أن يهتموا به. قدر ذرّة 1.
- خطاب السيد القائد في لقائه لمجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369.
- نحن بلد عاش تخلفاً مريعاً عن مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم وما شهده العالم من تطوّر. وقد نزل بهذا البلد من قبل السلاطين خلال القرنين الماضيين ظلماً فادحاً فقد تركونا نتخلف عن القافلة، ولم يدعوا العلم والثقافة والمعارف تنفذ إلى البلد بشكل سليم.
فناصر الدين شاه القاجاري على سبيل المثال، كان يبغض اسم القانون ويتنفر منه، وكان يكره للإنسان أن يغادر إلى الخارج ثم يعود، وينفر من تدفق المعارف والمعلومات من الخارج. وكل ما حصل إنهم بادروا لأيام قلائل لممارسة بعض الأعمال بدوافع طارئة، بيد أنهم تراجعوا عنها حينما قدّروا بأنها يمكن أن تعود عليها بالضرر، وبذلك أبقونا بمنأى عن المعارف والعلوم.
وحين آل الأمر إلى أسرة بهلوي، ازداد الحال سوءاً، إذ جرّت هذه الأسرة الشعب إلى الشهوات، وسلطت عليه تلك التيارات الفاسدة من الثقافة الغربية، وعملت على إشاعتها بدلاً من الضروب المفيدة في تلك الثقافة.
حينما ذهبنا إلى أوروبا وأخذنا منهم العلم، عدنا إلى بلدنا بمواصفات جديدة حيث أضحت شخصيتنا شخصية شهوية.. بلا وجدان وضمير.. فاقدة للإرادة، تاركة للدين. فما هي يا ترى المنافع التي تعود على الناس من هذا العلم؟ ومن الحالات الأُخرى إن بعضهم ذهب إلى أوروبا وأفاد من علومها فعلاً، ولكنهم عندما عادوا لم ينفعوا بلدهم بشيء، بل بقيت البلاد على حالها. هذه أيضاً من سيئات ذلك
العهد. وهي من سيئات السلاطين الذين مسكوا زمام البلد لقرنين على الأقل، ولم يكونوا يفهمون شيئاً، سوى مصالحهم الذاتية الخاصة.
لقد وقف الشعب في مكانه دون أن يتقدم في العلوم، مع جميع ما يتحلى به من ذكاء وخلفية في العلم والثقافة، بدءاً من عهد فتح علي شاه ومحمد علي شاه وناصر الدين شاه وانتهاءاً بالمجرمين الكبيرين رضا خان وولده محمد رضا، حتى سبقه الآخرون في مضمار التقدم سواء كانوا من منافسيه وأعدائه أو من الشعوب الأخرى التي قطعت شوط التقدم مرقاة بعد أخرى 2.
إذا اطلعتم على تأريخ أواخر العهد القاجاري لرأيتم كثرة المسيحيين الذين جاؤوا من أوروبا إلى إيران بهدف التنصير. وقد كان مثلهم كمثل اللص المبتدئ، فلم يوفقوا، لأنهم لم يحسنوا اختيار المنطقة التي يمكن للمسيحية أن تروج فيها.
طبيعي لا نستطيع أن نقول أن أصحاب الرساميل والشركات العالمية والناهبين الدوليين، كانوا يعتقدون حقاً بالسيّد المسيح؛ فمن أين لهم أن يعرفوا السيّد المسيح؟ بل كان أول سعيهم حينما يحطون في محيط اجتماعي يظهر المجتمع فيه عقله بثقافته الوطنية ويدافع عن حيثيته، أن يستأصلوا تلك الثقافة. تماماً كما تفعل عدة من الجنود حينما تهجم على قلعة محصنة، فهي تتعرض أولاً لقواعد القلعة،
2- حديث السيد القائد في لقائه مع مسؤولي محافظة جهار محال وبختياري، في شهر كرد، 16/7/1371.
فتنهار الجدران بعد ذلك تلقائياً. فهم يفعلون كلّ ما يقود إلى إضعاف جدران القلعة، ويمكن أن يبادروا إلى تنويم أهل القلعة استغفالهم .
ومما يذكره سعدي أن عدداً من اللصوص أرادوا أن يغيروا على جماعة، وقد كانوا نياماً. فان أول من هجم عليهم من الأعداء شخص من الجماعة مندس بين الصفوف حتى إذا ما كتف أيديهم وشدّ أعينهم، جاء العدو الخارجي لانتهاب أموالهم 3.
الذي أعتقده أن العصر القاجاري هو أحلك العصور التي مرّت على تأريخ إيران. لقد توجهت باللعنة مراراً إلى ملوك القاجار. فقد عاصرت إيران في عهدهم مدّ التقدم العلمي، وكان ذلك العصر عصر استثمار العلوم والثقافة والإفادة منهما، بيد أنهم لم ينهضوا بما كان عليهم أن ينهضوا به، ولم يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه، فوقعت إيران في مثل مأزقها الراهن!
شخصياً لا أؤمن بأولئك ولا أحمل لهم من التقدير قيد ذرّة بَيْدَ إني أقول أنهم كانوا ضعفاء راكدين يسعون للذة وملأ البطون، ولا همّ لهم سوى ملاذهم والنساء وما يرتبط بمعيشتهم الخاصة، كانوا أهل دنيا، ولم يكونوا يتوفرون على وعي وإدراك كافيين للقضايا بحيث يميّزوا بين النافع والضار بين ما هو شرّ وما هو خير.
فقد كان همّ ناصر الدين شاه مثلاً هو أن يحكم ويرتع في اللذة، وكان حكمه ولذته يصرفاه عن حال الشعب وما يعانيه. طبيعي أن
3- حديث السيد القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجامعي.
الضعف والإهمال هما من أكبر الذنوب التي يمكن أن يتصف بها قائد مسؤول عن البلد.
وحين آل الأمر على أُسرة بهلوي، فقد ارتكبوا من الفعال ما هو أسوأ بكثير مما ارتكب في العهد القاجاري. فأسرة بهلوي ضربت على قواعد الثقافة الذاتية الخاصة للشعب وزلزلت اركانها، وأنشبت أظافر التخريب فيها، حتى حلت الثقافة المستوردة بدلاً من الثقافة الخاصة، ونفذت في أغلب مرافق حياتنا وشؤونها 4.
كان شعبنا ملتزماً على طوال قرون الحضارة الإسلامية، برعاية الآداب في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل. وهذا لا يعني عدم وقوع حالات من الخطأ والمعصية فالخطأ موجود في كلّ العصور وفي مختلف المجالات، وسيبقى أفراد البشر عرضه للخطأ أبداً. ولكن ثمَّ فرق بين الخطأ، وبين أن يتحوّل الخطأ إلى عرف عام في المجتمع وعلى صعيد الشعب.
لقد كانت مجالس الإشراف وبلاطات الملوك والأمراء ومن يقع على شاكلتهم، هي وحدها التي تشهد مجالس اللذة والطرب والفحشاء، حيث تمضي الليالي الحمراء حتى الصباح بهذه الخطايا.
لقد سعى الأوروبيون الذين لا تغلق باراتهم طوال الليل والنهار أن يدفعوا مجتمعنا صوب هذه العادات المشؤومة الفاسدة. حينما تعودون إلى تاريخ أوروبا، تجدونه متكظاً دوماً وبجميع عهوده وسنيه وأشواط تمدنه بالفساد. وقد أرادوا أن يدفعوا بهذا النهج إلى البلد، ففعلوا كلّ ما بمقدورهم أن يفعلوه 5.
4- حديث السيد القائد في لقائه مع شعراء وأُدباء وفناني تبريز، 5/5/1372.
5- حديث القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجمعي ورؤساء مناطق التربية والتعليم. 21/5/1371.
بدأ الهجوم الثقافي على شعبنا بشكل محدّد الملامح منذ عصر رضا خان. طبيعي أن مقدمات هذا العمل كانت توافرت قبل ذلك، حيث فعل المثقفون التابعون المتغربون الكثير على هذا الصعيد.
لا أدري إذا كان جيل الثورة، قد أطلع جيداً على تأريخ بلدنا خلال الفترة ما قبل 150 200 سنة أم لا؟ كل الذي أخشاه أن لا يكون الشاب الثوري على إطلاع بالعهد الذي قلبنا صفحته، وما كانت عليه إيران في ذلك الوقت، ونحن نعيش يوميات الحركة العظيمة الراهنة. على الشعب الإيراني أن يقرأ الحقبة التاريخية ما قبل 150ـ200 سنة الأخيرة في الفترة الممتدة إلى أواسط العهد القاجاري وحروب إيران وروسيا وما تلاها، ليتبينوا طبيعة الحوادث التي مرّت على البلد.
واحدة من هذه الوقائع تمثل بإيجاد التيار الثقافي التابع. نحن لا نستطيع أن نقول أنه لم يوجد لدينا مثقفون طوال تأريخ إيران، بلى، كانت في جميع الأزمنة والإعصار ثلة من المثقفين تستبق عصرها في التفكير وتتحرك على هذا الهدي. ولكن حينما أراد الغرب أن يتحكم بإيران عن طريق العلم والتكنولوجيا ويرسخ وجوده عن هذا السبيل، نفذ عن طريق التيار الثقافي، وأخذه من عناصر عملية أمثال ميرزا ملكم خان وتقي زادة، رأس جسر لنفوذه.
لقد ولد التيار الثقافي في إيران مريضاً، وأضحى تابعاً مرتبطاً بالخارج منذ العصر القاجاري فما بعد. والذي يؤسى له، أنَّ عدداً من المثقفين السليمين المخلصين، ضاعوا بين هؤلاء. هذا التيار كان تابعاً
منذ البداية، فبعض رموزه كان مرتبطاً بروسيا أمثال ميرزا فتح علي آخوند زادة، وبعضهم كان تابعاً لأوروبا كميرزا ملكم خان وأمثاله.
كانت هذه المقدمات موجودة من قبل في إيران، ولكن لم تكن لها آثار واضحة. إلى أن حصل التحوّل على عهد رضا خان، فالرمز المهم الذي تحرك خطوة كبيرة على صعيد خدمة الثقافة الغربية،أو في الحقيقة خدمة سلطة الغرب والاستعمار الانكليزي، هو رضا خان.
لكم أن تلاحظوا الآن مقدار الفضيحة التي تنطوي عليها ممارسة ملك قام باستبدال الزي الوطني لشعبه مرَّة واحدة دفعةً! إذا ذهبتم إلى أقصى نقاط الدنيا، كالهند مثلاً تجدون أن الشعوب لها زيَّها الوطني وهي تفتخر به، ولا تشعر بالخجل أو العار منه. ولكن هؤلاء غيّروا الزي الوطني ومنعوه مرة واحدة، لماذا؟ زعموا أن الإنسان لا يكون عالماً مع هذا الزي! في حين نجد أن أبرز العلماء الإيرانيين، الذي لا زالت آثاره تدرس في أوروبا، عاش بهذه الثقافة وأمضى حياته بهذا الزي.