الإسلام الحقيقي.. الإسلام القرآني. الإسلام المحمدي، هو ذلك الإسلام الذي يدعو إتباعه إلى نقلة جديدة في الحياة، وهو الإسلام الذي لا يكون تحت طائلة أصحاب القوة ورؤساء الشرق والغرب، وفي إطار نفوذهم.
وثمة “إسلام” آخر هو “إسلام” يحمل من الإسلام أسمه ويأخذ منه مظاهره، بيد أنه يتجه بسهولة لخدمة أمريكا، والشرق والغرب. وهذا “إسلام” يتمثل في السلطات الظالمة التي تهيمن على بعض البلدان الإسلامية. فرموز هذه القوى تتكلم عن الإسلام، وإنما تعني به ما يكون بمثابة حانوت للكسب، ووسيلة للعيش وأُسلوب في الهيمنة والتسلّط.
وإلاّ إذا كان المراد من الإسلام، هو الإسلام القرآني، فهذا الأخير يرفض صراحة تسلّط أمريكا على مصير المسلمين، وهيمنتها على ثرواتهم النفطية.. كيف يكون الإنسان مسلما، ومنقاداً إلى أمريكا في الوقت ذاته؟ وكيف يكون مسلماً، ومن أهل الفساد واللذات المحرمة وباقي الابتلاءات الأخلاقية؟ وهل يكون المسلم مسلماً، ويكون في الوقت نفسه على رأس سلطة ظالمة، يحقق لأعداء الإسلام رغباتهم في ظلم المسلمين والضغط عليهم؟ ما يصح في وصف هؤلاء الأدعياء، هو تعبير “الإسلام الأمريكي” الذي أطلقه إمامنا الراحل مراراً في الإشارة إلى هؤلاء.
إنّ ما ينفذ إلى القلوب ويسري في جوانب المجتمعات البشرية، هو الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي لا يعرف التخاذل والاستسلام.
من هذا المنطق ترون الحكومات التابعة تدخل في مواجهة مع المسلمين في البلدان الإسلامية مثل بعض البلدان العربية والأفريقية . حين تنتشر المساجد في هذا البلاد وتنهض جماعة باسم الإسلام، تراها تضع المساجد تحت الحصار وتبطش بالمسلمين الناهضين وتطلق عليهم وصف الإرهابيين. ما معنى هذا؟ أليس معناه إن ما هو سائد من إسلام في تلك البلدان بعيد عن جوهر الإسلام وحقيقته، وإن الغيارى والمؤمنين وذوي الضمائر اليقظة،هم بشأن إعادة الإسلام الواقعي وترسيخ حاكميته، مما يؤدي إلى التصادم والمواجهة بين الطرفين؟
هي حقيقة ماثلة: أن الإسلام اليوم في حال تقدم، وهذه واحدة من معاجز الإسلام والقرآن. لأنهم بذلوا الكثير ضد الإسلام. لا سيّما في
السنوات العشرة الماضية، حيث انفقوا من الأموال وبذلوا من الدعاية المضادة، وشدّدوا العداء، ما لم يتحقق، ربما ضدَّ أي فكر أو عقيدة أخرى في المدة المماثلة 15.
كانت رسالة الثورة وكلمتها الأولى، هي الإعلان عن بداية عهد حاكمية القيم المعنوية. إلاّ أنَّ الذين فهموا هذه الكلمة الرسالة وصدّقوها، هم قلّة من الأفراد؛ فالعالم تحيط به الأمواج المادية من كل صوب، وتقبض عليها القوى التي ترتكز على المادة. الذي حصل في الوقت الحاضر، إنَّ الكثير لمسوا هذه الحقيقة وأدركوها.
إنَّ القيم المعنوية تتجه في العالم المعاصر، نحو الإحياء الجديد، وتم إحياء الكثير منها بالفعل وفي المقابل أبانت المادية عن عجزها في تمظهراتها المختلفة، سواء في طريقة التفكير الماركسية، أو فيما هو أخطر منها، مما هو ماثل في العالم الإستكباري حيث تتزاوج المادة مع المال مع القوة مع الدعاية،كما يتجلى على نحو أكثر تركيزاً في الحكومة الأمريكية.
الرسالة الثانية لثورتنا تمثلت في الكشف عن عجز القوى المادية في مواجهة القيم المعنوية وحركة الإرادة الإنسانية. وقلة في العالم هُم الذين لم يفهموا هذه الحقيقة، وهذه القلة لا تنظر إلى أوضاع العالم بدقة 16.
15-من حديث قائد في لقاء مجموعة من أبناء الشعب، 1/9/1368.
16-ديث قائد الثورة في لقاء الضيوف الأجانب المشاركين في الذكرى السنوية لانتصار الثورة. 17/11/1369.
هذا عصر استيقظ فيه العالم الإسلامي، وأخذ المسلمون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالعزة والرفعة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه المسلم يخجل في أية نقطة من نقاط العالم كان من انتمائه إلى الإسلام، ومردّ هذا الشعور يعود إلى هذه الثورة التي فجرها القائد الكبير الإمام الخميني، بتضحيات الشعب الإيراني العظيم وإيثاره المدهش، فأفضى انتصارها في هذه البقعة الحساسة من الدنيا، إلى ذهول العالم.
عشر سنوات والجمهورية الإسلامية تصمد بشهامة في وجه مختلف المؤامرات الاستكبارية، وهي تدافع عن قوة الإسلام واقتداره، وعن وجودها وثباتها، حتى استطاعت أن ترد كيد العدو إلى نحره.
لقد كانت الدول الاستكبارية تظن إنّها تستطيع أن تنال منّا، من خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبالحصار الاقتصادي والدعائي، وبإشاعة ضروب التهم ضدّنا في أرجاء العالم. وقد غفلوا عن حقيقة أنَّ الإسلام، يقظة المسلمين وصحوتهم، هي التي تهز مضاجع سلطتهم، وإن سهام اليقظة الإسلامية النافذة، تهز مع مضي كل يوم، عروش فراعنة العالم أكثر فأكثر 17.
نحن شهود في هذا العصر على يقظة الشعوب، وهذه حقيقة أخرى
17-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أبناء الشعب. 22/4/1368.
تبعث الأمل في القلوب وتأذن بعهد وضّاء. صحيح أنَّ هيمنة القوى الاستكبارية تزايدت أكثر فأكثر على شؤون الشعوب، بفضل تقدم وسائل التقنية الجديدة كالتلفاز والمذياع وأجهزة الدعاية والإعلام، وبحكم المال والقدرات الصناعية. بيد أنها سنّة الله التي مضت على أن تستيقظ الشعوب وتصحو.
إننا نرى أن الشعوب في حال يقظة متزايدة يوماً بعد آخر، وهذه اليقظة تفسّر على أساس الأمل وثقة هذه الشعوب بالمستقبل.
عنصر الأمل يعمل في يقظة الشعوب. وعلينا أن لا نشك في أنَّ أهم عامل بعث الأمل لدى الشعوب خلال السنوات العشرة الأخيرة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل حكومة شعبية في إطار مستقل عن الشرق والغرب، وتصاعد نهج المقاومة بوجه القوى الاستكبارية.
لقد بعث ذلك الانتصار وهذه المقاومة، الأمل لدى شعوب العالم، وبالأخص المسلمين. لقد استيقظ المسلمون في جميع أجواء الدنيا، وهذا من الصنع الإلهي، ومن قدرة الله 18.
افتقدت جميع الشعوب الإسلامية خلال النصف قرن الأخير، أملها بذاتها وطاقاتها تماماً، بل وفقدت الأمل حتى بطاقة الإسلام نفسه وإمكاناته، وذلك أثر سياسة التلقين المتواصل التي مارستها القوى المضادة للإسلام. وفي المقابل تجلى الأمل كرسالة في كل واقعة من
18-حديث قائد الثورة إلى العاملين في وزارتي التجارة والزراعة، 12/2/1368.
حوادث الثورة، وفي كل خطاب وإشارة من قبل إمام الثورة الراحل ، وكان الأمل ينبض في كل حركة تصدر من الشعب ونشاط يبذله على هذا الخط.
وقد التقط المسلمون رسالة الأمل هذه فعادت ثقتهم بذاتهم، وأصبحوا على بصيرة من الضعف الذاتي للاستكبار. وإذا قدّر للعالم أن يشهد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الشعوبَ الإسلامية في كل مكان، وهي تتحرك بنحو يُخبر عن ثقة بالذات وإيمان بها، في طريق العود إلى الهوية والثقافة الإسلامية الذاتية، فإنَّ سبب ذلك يعود بشكل دقيق إلى أبطال المبارزةُ الشجاعةُ لشعب إيران، تلكَ الحيلة الاستعمارية الاستكبارية التي أشاعوا من خلالها عدم قدرة شعوب الشرق، والشعوب الإسلامية، على دحر القوى الأوروبية وأمريكا، حيث أشارت الثورة وجهاد الشعب الإيراني إلى موقع القوة الواقعية وموطنها. فالقوة الواقعية هي التي تكون بالناس مع الإيمان.
وفي مقابل قوة شعبية مسلحة بالإيمان، لا تستطيع أية قدرة مادية مهما كانت كبيرة ومجهزة، أن تفرض إرادتها 19.
في كل مكان فيه شعب مبتلٍ بهذه القوى الدولية المسيطرة يكون لهذا الشعب علاقة مع هذه الثورة وميل إليها، لكونها تفصح عن مكنونات قلوب ذلك الشعب وتعبِّر عن تطلعاته. كثيرة هي الشعوب المملوءة غيظاً ورفضاً لحضور أمريكا، ونفوذ الاستكبار، وللقواعد
19-بيان قائد الثورة بمناسبة اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار العالمي. 13/8/1369.
العسكرية، والتدخلات الاقتصادية، ولإشاعة الثقافة الأجنبية في بلادها، بيد أنها تفتقر للجرأة في التعبير عن ذلك وتفتقد قدرة الحركة باتجاه الرفض والمقاومة. والأهم من ذلك إنها تفتقر القيادة التي تتحرك؛ فالاختناق شديد ويحوط بها الإرهاب والقمع من كل جانب.
والأنظمة الرجعية التي ترتبط بأميركا، هي غالباً من هذا القبيل، ومثل هذه الشعوب المقهورة حين تجد أمامها شعباً يُواجه النفوذ الأمريكي بقوة وبإرادة حرَّة من دون خوف، ويهتف ضدَّ ثقافة الغرب وتدخل الاستكبار، وضدَّ الحضور العسكري الاقتصادي والثقافي للأجانب، ويعمل على طريق هذه المواجهة ويثبت عليها، فإنها ترى قلوبها مضطرة للميل إلى هذا الشعب، وتكون على علاقة مع الثورة.
والمعطى العالم يكون بهذا المعنى. يعني أن يكون لشعبنا، ولثورتنا رسالة إلى بقية الشعوب. ومؤدىّ هذه الرسالة، إنَّ الشعب إذا أراد؛ وإذا التف حول قيادة واحدة، واجتمع من خلال محور واحد، فهو يستطيع أن ينجز ما لم يكن قابلاً للإنجاز قبل ذلك.
وثمة رسالة أخرى يحملها شعبنا وثورتنا للمسلمين جميعاً. ومؤدّى هذه الرسالة أنَّ بمقدور المسلمين إذا أرادوا أن يعيدوا الإسلام إلى المجتمع وإلى موقع الحاكمية، رغم ما بذلته وتبذله الأيادي المعادية للإسلام في سبيل استئصاله والقضاء عليه.
هاتان رسالتان لشعبنا وثورتنا. وعليكم أن لا تظنّوا أن الشعوب الأخرى لم تدرك هذه الرسالة ولم تستمع إليها. إن ما ترونه في الحج من وقوف الأفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، من العرب والأتراك