الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

لماذا يصعب تصديق كل ذلك؟ لأن حاكمية الاستكبار العالمي، وهيمنة السلطة الشيطانية، نظمت بطريقة بحيث يكون فيها الدين وعالم المعنى، وبالأخص الإسلام، خارج الساحة تماماً.

 

بيد أنَّ المعجزة الإلهية تحققت، ودخل الإسلام الميدان وقلب المعادلة بطرد أعدائه من الساحة.

 

لم يبق اليوم من القطبين السياسيين والاقتصاديين الشرقي والغرب، سوى قطب واحد، فقد تلاشى القطب الشرقي تقريباً، ولم يعد هناك وجود للمعسكر الشرقي. حصل ذلك من دون أن يكون ثم من يصدّق الأمر.

 

أما أنا فأعتقد شخصياً أن نمو الإسلام واتساع نفوذه وامتداده، سيكون أسرع من هذه بكثير، وأن البشرية ستشهد في وقت ليس بعيد، اضمحلال حاكمية الغرب وتلاشي ثقافة الهيمنة، وزوال المنظومة المعادية للقيم التي تحكم البشر، وفي النتيجة سيتلاشى ما يعرف اليوم باسم المعسكر الغربي الذي جفا العالم بظلمه، ويستدل عليه الستار ويختفي.

 

ومن بركات الإسلام أن البشرية ستشهد في المستقبل القريب، تراجع الحكومة الصهيونية الغاصبة، وبلوغ الشعب الفلسطيني المظلوم لحقوقه. هذه هي طبيعة حركة الزمان، وهذا هو الاتجاه الذي تختزن الحقائق في عالم اليوم. وينبغي للمسلم المؤمن الذي ينطوي على الاعتقاد أن يستعد، وأن يدرك بأن هذا العصر، هو عصر تقدم الإسلام، وأن الإسلام سيحكم منطقة التفكير البشري، كما سيحكم وقائع الحياة إن شاء الله 24.

24-حديث قائد الثورة إلى ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي، 12/11/1368.

 

نحن أعني الشعب الإيراني نعمل اليوم باسم الإسلام، ونجاهد من أجله، وهذا تعبير عن المعجزة التي وقعت في عصرنا، حين اكتسب قوام شعب من الشعوب شكل النظام الاجتماعي القائم على أساس الدين والمفاهيم والقيم الإلهية. لم يمكن تصوّر هذا الإنجاز في نطاق الحسابات المادية، والشيء الواقعي أن الشعوب الإسلامية مجذوبة إلى هذه الحركة حقاً.

 

هذه ليست مبالغة، بل هي تعبير عن واقع، يفرض وجوده برغم كافة ضروب الدعاية المضادة للجمهورية الإسلامية. نحنُ نلحظ أنَّ الشعوب الإسلامية تحمل عن الثورة الإسلامية، وعن الجمهورية الإسلامية، انطباعاً حسناً، وتتحرك في المسار الذي عليه الثورة والجمهورية. وفي الحقيقة من النادر أن نجد شعباً من الشعوب الإسلامي لم يقع تحت تأثير هذه النهضة.

 

وهذا الشوق.. والحب والتطلع يبقى في الشعوب ما دمنا لم نتخلّ عن إيماننا الكامل بدين الله غير المشروط قيد أنملة. وكذلك ينبغي لنا أن نتمسك بالثبات نفسه في مجال تعاملنا مع القضايا العالمية، وفي إطار تنظيم السياسة الخارجية، وإدارة البلد داخلياً. علينا أن نسعى لإبراز سرّ سعادة المجتمع الماثل بالاتفاق حول الإيمان بالله كمحور لحياتنا، ولنظامنا الاجتماعي، بحيث يبرز هذا المعنى ويكبر لحظة بعد لحظة.

 

كما علينا أن نسوق الشعب صوب التربية الإسلامية على نحو أوسع وأعمق.. نربّي الشباب في المجتمع بكيفية إسلامية، كما تقع على

 

 

جامعاتنا مسؤولية تربية الشباب المسلم، والمتخصص المسلم، والعالم المسلم وليس العالم فقط من دون توفره على الهوية الإسلامية وعلى هذا المنوال ينبغي أن ننهض بالمسؤولية في المدارس الابتدائية، بحيث يكون للقيم الإسلامية الدور المطلق في المجتمع، ويتضاءل تأثير القيم الأخرى ووجودها.

 

يجب أن يتجه السعي والتخطيط في هذا الاتجاه، كما ينبغي أن تتحرك مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في هذا المسار.

 

لقد عرفتنا شعوب العالم، على أننا شعب ونظام يتحركان بعنوان الدفاع عن الإسلام والتضحية له والبذل في سبيله، لذلك لا مناص من أن نعمل بطريقة تحقق هذا المعنى الذي عرفتنا به شعوب العالم ونثبته 25.

 

أضحت الكثير من بلدان العالم اليوم تتخذ من كلامكم ومعتقداتكم ونهجكم وشعاراتكم مناراً لها، بل وحتى من العادات والتقاليد الثورية للشعب الإيراني. فكثيرة هي الشعوب التي ترفع الشعارات نفسها، وتعمل بالتقاليد الثورية ذاتها.

 

لقد شاهدت شخصياً قبل عدة سنوات في إحدى البلدان البعيدة التي تفصلها عن بلدنا مسافة شاسعة، أنَّ الفتيات ويبدو أنهنَّ من الجامعيات يرتدين حجاباً مشابهاً لما ترتديه النساء الثوريات في إيران.

25-حديث قائد الثورة في لقائه أعضاء الحكومة، 1/6/1369.

 

لماذا حصل هذا؟ إننا لم نرسل أحداً إلى ذلك البلد ليدعوا فتياته أن يرتدين حجابهن عن شاكلة اللباس السائد هنا. هذه الظاهرة تعبير عن الامتداد الطبيعي لرسالة الثورة. ورسالة الثورة تعني هذه الكلمات والشعارات؛ وهذه العقائد والأهداف التي تنتشر اليوم في الكثير من بلدان العالم،وبالأخص الإسلامية منها، وتطرح هناك فتجذب إليها الجماهير المتحمّسة، ولاسيّما الشباب.

 

وهذا هو ما يخاف منه الاستكبار.

 

أُريد أن استنتج نقطتين من هذا الكلام القصير، هما:

 

أولاً: ما دامت علاقة الارتباط المعنوي بين شعبنا وثورتنا مع الشعوب الأخرى، هي علاقة خطيرة بنظر الاستكبار، فهو يسعى لقطعها.

 

ولكن كيف تقطع هذه العلاقة والصلة؟ يمكن تحقيق ذلك من خلال عدّة أشكال. منها أن تمارس الضغوط ضدّ تلك الشعوب من قبل الأنظمة التابعة وجلاوزتها، وهذه طريقة لا يحالفها التوفيق. لأنه كلما ازدادت الضغوط، كلما ازدادت علاقة ذلك الشعب بالثورة الإسلامية، وبالنظام الإسلامي أكثر.

 

الطريق الآخر تمثل بأن تلجأ وسائل الدعاية العالمية، للحديث بطريقة توحي أنَّ علاقة الشعوب تضاءلت مع إيران، وهذا ما تفعله هذه الأجهزة منذ أول انتصار الثورة حتى الآن. هم يفعلون ذلك عن طريق رمينا بالرجعية والأصولية، ومن خلال حديثهم المتواصل عن أرقام التعذيب والإعدام في البلد.

 

ففي كل مرة ينال أحد تجار المخدرات من أعداء الشباب

 

 

والإنسانية جزاءه، ترى وسائل الدعاية الاستبكارية تتحدث عن موت أحد المعارضين السياسيين للدولة!

 

وبدورها تبادر المنظمة التي يطلق عليها “منظمة العفو الدولية” وهي منظمة مرتبطة بمحافل القوى الدولية إلى أن تصدر بين الفينة والأخرى قوائم تحشد فيها أرقام مصطنعة يبثها أعداؤنا، تتحدث من خلالها عن أرقام الإعدامات والتعذيب، وأشكال القتل والاعتقال في إيران.

 

هم يبادرون إلى مثل هذه الأفاعيل، لكي تتضاءل علاقة الشعوب في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، بالشعب الإيراني وحكومته الإسلامية، حين تسمع لهذا الكلام والمواد الدعائية.

 

وهذا طريق آخر مارسوه منذ أوائل الثورة حتى الآن.

 

وهذا طريق آخر من الاثنين السالفين، يتمثل بمنعنا من التفكير بإيجاد علاقة مع الشعوب الأخرى، بحيث تنقطع العلاقة من قبلنا، نحن الشعب الإيراني. وسيلتهم في ذلك، إنه يدأبون على تلقيننا بالقول: ما شأنكم بالشعوب الأخرى؛ عليكم بأنفسكم، اعتنوا ببناء أنفسكم وحل مشكلاتكم. هذا الأسلوب أخطر من الذي سبقه، ويمكن أن يجد له آذاناً صاغية بين بعض أفراد الشعب بحيث يؤثر على البسطاء السذّج؛ وهم يغفلون عن أن مشكلات شعب ثوري، تحل بأعمال مختلفة وصيغ متنوعة، من بينها هذه الحماية العالمية.

 

الكثير من مشكلاتنا، جاءت إلى بلدنا من خلال الأعداء؛ وإلاّ ليس من الصحيح الاعتقاد إننا ننطوي تلقائياً على المشكلات. لقد أوجد الأعداء المشكلات وفرضوها علينا بالحصار الاقتصادي، بالضغوطات، بفرض الحرب، وبالكثير مما يشابه هذه الفعال.

 

 

إنَّ الكثير من ضروب المؤامرات الاقتصادية حاكها الأعداء لنا خارج الحدود، ولم تنبثق من قبل الأعداء الموجودين في الداخل.

 

إذا شاء الشعب الإيراني أن يحل مشكلاته، فلا يكفي أن يتقوقع على نفسه في الداخل، ويدور من حولها، وهو يظن أنَّ هذا هو السبيل لتجاوز العقد والمعضلات الواحدة تلو الأخرى. وإنما عليه أن يبطل مؤامرات العدو في الخارج وعلى الجبهة العالمية أيضاً، من خلال مواجهته.

 

وأفضل وسيلة على هذا السبيل هي كسب الرأي العام للشعوب.

 

لذلك لا ينبغي لنا أن نقطع العلاقة من طرفنا مع الشعوب. طبيعي أن العدو سيمارس الدعاة في هذا الاتجاه.

 

مؤدى النقطة الأولى إذن، إنَّ علاقتنا والارتباط المعنوي لشعبنا وثورتنا مع بقية شعوب العالم، هو أمر مفيد، بل لازم وضروري، وإن العدو يسعى لقطع هذه العلاقة وضربها.

 

ثانياً: النقطة الأخرى التي أود أن أُبينها أن الشعب الإيراني إذا شاء أن يبقى محبوباً على الدوام، تقبله الشعوب الأخرى وترغب بالعلاقة معه، فعليه أن يحافظ في الداخل على شخصيته الثورية، ونهجه الثوري، ومعالم صورته الثورية، ذلك إنَّ الذي كبّركم في عيون الشعوب، هو أولاً وقبل كل شيء وحدتكم، فعليكم إذن أن تحافظوا على هذه الوحدة، لأنها تنطوي على قيمة كبيرة جداً. إن وحدة شعب من الشعوب، هي أسوة لبقية الشعوب.

 

أما العنصر الثاني الذي جذب إليكم الشعوب، فهو شجاعتكم، وعدم خوفكم من الأعداء، ولقد أثبتم تمسككم بهذه الخصلة في

 

 

الحرب، وفي وقائع الثورة، وفي مواطن أخرى. وعليكم أن تحافظوا على هذه الشجاعة، كما تحليتم بها حتى الآن، بحمد الله.

 

ثم هناك خصلة ثالثة تتمثل بهذه الصلة الحميمة بين الشعب والمسؤولين؛ هذه الوحدة بين الاثنين. فهذه لوحة تجذب إليها العالم، إذ قلما يقع في العالم، أن يتحلى رؤساء البلد ومسؤولية بهذا القدر من الحب بين أبناء شعبهم.

 

بيد أن هذه المحبوبية كائنة في بلدنا الثوري، ونحن نشاهدها ونلمسها 26.

26-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من أبناء الشعب من عدد من المدن الإيرانية. 3/8/1368.

 

الثورة الإسلامية بداية عصر الدين والمعنى، وعصر الإمام الخميني

 

وقعت نهضة العلماء، ونهضة الدين في إيران سنة 1341هـ 1963 ولم يهتم العالم لانطلاقه هذه النهضة بادئ الحال، إلى أن راحت تنمو في حجمها ومعناها وتزداد في سعتها وتأثيرها وقوتها، يوماً بعد آخر خلافاً لما كان يتوقعه المحللون والمراقبون حتى انتهت فجأة إلى انفجار وقع في بقعة من بقاع العالم إيران . وعندما شعر الماسكون بمقاليد القوة العالمية إنهم أخطأوا في تقويم هذه الظاهرة، فحاولوا أن يتداركوا ما فاتهم، بيد أن الوقت كان قد فات.

 

عندما حدثت الواقعة لم يهتم بها أحد في العالم، بل لم تجد واقعة 15خرداد برغم ما رافقها من قتل ومداخلات، الصدى الكافي الذي ينبغي أن يكون لها في أرجاء العالم.

 

بدا وكأنها لم تبعث أملاً عريضاً في أحد؛ كما لم تبعث الخوف الكبير.

 

كانت في الظاهر وكأنها شعلة توهجت ثم انطفأت، تماماً كما يحثل في نار تلتهب بمجموعة أوراق تم تنطفأ بعد لحظات. وهكذا خيّل

 

 

للجميع أنَّ كل شيء قد انتهى، غافلين عن أن النار تتلظى تحت هذه الشعلة حيث أخذ أوراها يتقد بوقود لا ينتهي، من دون أن ينتبه لذلك أحد.

 

لقد استمرت شعلة النار وهي تلهب تحت الرماد إلى أن حدثت واقعة 22ـ بهمن انتصار شباط 1979 حيث انبثقت فجأة حكومة الجمهورية الإسلامية التي شيدت على قواعد الدين المعنى، بحيث أنهم كلما ضربوا النهضة وظلموها، زاد ذلك من نفوذها المعنوي في العالم، وفي انجذاب قلوب المسلمين إليها أكثر.

 

أخذت النيران تتوهّج في أرجاء الدنيا، وربما لم يدر بعضهم من أين مُنبثق هذه الشعلة المتوهجة.

 

انظروا إلى عواطف المسلمين وحماسهم اللاهب الذي عمَّ دنياهم كما سمعتم في الأخبار بدءاً من أفريقيا، ومنطقة الشمال الأفريقي التي تتحدث باللغة الفرنسية الذي يؤسف له أنَّ الأوروبيين وظفوا نفوذهم كثيراً في هذه المنطقة على المستوى الثقافي وفرضوا ثقافتهم عليها انتهاءً إلى شرق العالم في الهند وكشمير وتركستان الشرقية.

 

ومعنى ذلك أنَّ المسار الذي كان يريد أن يبلغ الذروة قد انقطع، وأصبحنا راهناً وأنا وأنتم في لحظة هذا القطع. ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ﴾ يونس / 14.

 

أنا وأنتم نستطيع من خلال العمل والإرادة والحزم، أن نترسم معالم هذا الطريق إذا تحركنا بشكل صحيح لنؤمن للمسار بقاءه ونضمن

 

 

له سلامته ودوامه. وعندئذٍ سيتبدل وجه العالم، بحيث يستطيع البعد المعنوي أن يستوفي حقه المرتهن بيد القوى العالمية، ويستعيده 27.

 

لقد انبثق عصر جديد في هذا العالم يفترق عن الذي كان سائداً، على أثر انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، وكحصيلة للجهاد الطويل الذي خاضه شعبنا خلف راية قائده العظيم، من أجل الحفاظ على الثورة والإسلام.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...