الرئيسية / من / طرائف الحكم / الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

الثورة الإسلامية والغزو الثقافي

المتراكم، ويُشار إلى إشكال التعاطي الخاطيء في فهمه. وهذا ما يخشاه الأعداء.. فهم يدركون أن هذه العملية استعادة دور الدين وتنشيطه ستلحق أضراراً فادحة بنمط الحياة الفاسدة والهيمنة الطاغوتية التي تتصف بهما أمريكا اليوم، وأذنابها وأياديها. لذلك تراهم يخشون هذه العملية الصحوة الدينية والانبعاث الإسلامي وقد أدركوا أن مركز هذه الحالة هي إيران المسلمة.

 

إعلموا أنهم يوظفون اليوم جميع قوتهم لإلحاق الهزيمة بالجمهورية الإسلامية، وهم لا يوفرون أية وسيلة يمكن أن تثمر بهذا الاتجاه ولا يتوانون عن ارتكاب أي عمل. والمحور في هذه الحركة المعادية هي أمريكا. وهذا ما يتضح من الإطلالة على المشهد. إن الإنسان ليذهل من مثابرة أمريكا وجديتها وهي تبحث عن سُبل إلحاق الأذى بإيران.. ويشعر أحياناً بالفرح وهو يتأمل المشهد، ويرى عجز أمريكا في تحقيق مبتغاها 39.

 

لا تكمن المشكلة بالنسبة للإستكبار العالمي؛ وأسوء أشكاله المتمثلة بالحكم الأمريكي الظالم، في أنه فقد سوقه في إيران أو مصادر الثورة في هذا البلد وحسب. طبيعي لهذا العامل دوره لأنَّ المال والربح المادي هل هو كل شيء بالنسبة لأجهزة التراكم الرأسمالي. بيد أن هذا العامل لا يملأ الصورة برمتها، بل يمثل جزءاً من المسألة.

 

يدرك الجهاز الاستبكاري بما يتحلى به من رؤية مُستقبلية أن الحركة الإسلامية إذا شقت طريقها هذا الشكل وهي تتحلى بالثبات والإيمان

39-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء. 2/3/1369.

 

والاعتماد على إيمان الجماهير وعواطفها، فسيصعب استمرار السلطة الاستكبارية لأمريكا وأياديها؛ بل سيغدو ذلك مستحيلاً. هم يعون هذا المعنى، والحق معهم، ونحن لا نتخفى على ذلك.

 

بديهي ليس لنا أي دور مباشر أو غير مباشر قد خططنا له في انطلاق الحركة الإسلامية في العالم، ولم يكن لنا مثل هذا الدور من أول الأمر أيضاً؛ وإنما هو دور الإسلام ذاته. إن عملية ثبات الشعب الإيراني وتمسكه براية الإسلام المناضل.. إسلام الحياة.. الإسلام المحمدي الأصيل كما كان يعبِّر إمامنا العزيز وليس إسلام الإذعان أمام أعداء الله ولا إسلام الطاغوت أو الإسلام الأمريكي وعدم ضعفه في ذلك، أدّت تلقائياً إلى انبعاث الأمل في دنيا المسلمين.

 

انطلاقاً من هذه النقطة وقعت على عاتقنا مسؤولية مهمة؛ فما أشرت إليه هو وصف للوضع العالمي والحالة الحساسة التي يتسم بها العصر، وبمعرفة حساسية المرحلة تتضاعف مسؤولياتنا جميعاً، وبالأخص مسؤوليتكم أنتم الشباب 40.

 

لا يقتصر ما حدث على أن شعباً نهض ثائراً في بلدٍ من البلدان وأطاح بنظام تابع فاسد وأسس محله النظام الذي يريده وحسب، بل تجاوز المسألة هذه الحدود كثيراً. لا أُريد أن أزعم أن الشعب الإيراني كان يفكر بشكل واعٍ ودقيق بهذا الهدف الأسمى وبهذه المسؤولية المهمة الملقاة على عاتقه اليوم، منذ أول أيام المواجهة، بيد أن لاشيء الثابت

40-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء، 2/3/1369.

 

أن هذا الشعب تحرك في الساحة ولم يرض باستمرار النظام البهلوي الفاسد والتابع وما يفضي إليه بقاؤه من مشكلات تحل بالبلد.

 

وهذا هو الإسلام الذي جذبه إلى الساحة، وحُبُّ الدعوة الإسلامية الذي دفعه إلى الميدان لمواجهة نظام فاسد مضاد للإسلام، والقضاء عليه وعلى أتباعه في البلد وتشييد نظام إسلامي بدلاً منه كما فعل ذلك إمام هذا الشعب وقائده العظيم.

 

وعندما أدرك الشعب هذا المعنى بذلك الدم والأرواح ونهض للمواجهة. هذا هو القدر الثابت في قضية هذا الشعب مع النهضة ـ.

 

ولكن القضية اكتسبت بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية أبعاداً أوسع بكثير على المستوى العالمي. فقد أحسنت شعوب العالم فجأة والشعوب الإسلامية خاصة، إنها تشترك مع الشعب الإيراني ومع مليار من المسلمين في همٍ مشترك، يتمثل بابتعادها عن اصالتها وسقوطها ألعوبة بيد أوثان القوى الاستكبارية التي راحت تترك بصماتها على جميع شؤون حياة هذه الأمة وتعرض حياتها للدمار.

 

لقد توفرت الأمة الإسلامية العظيمة على هذا الوعي بشكل واسع بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وكان بروز هذا الوعي باعثاً في أن يكون العداء للإسلام وللجمهورية الإسلامية خاصة، جزءاً من البرنامج الأساسي للاستكبار العالمي آنئذٍ. أعني المعسكرين الشرقي والغربي الذي قرّر الحؤول دون إمتداد آثار هذا النظام الإسلامي ونفوذه إلى الشعوب، لأن مثل هذا التأثير يخلق لهم المشكلات، وبذلك انطلق العداء لهذا الكيان 41.

41-حديث قائد الثورة إلى أعضاء القوة الجوية بمناسبة يوم القوة الجوية. 19/11/1370.

 

لا يمكن لكم أن تعثروا على امتداد التأريخ على صاحب دعوة حق لم يدخل في مواجهة مع الشياطين والطواغيت؛ وإن الطواغيت والشياطين والمعاندين لم يدخلوا في عملية صراع مشوبة بالعداوة والبغضاء والحقد ضدّه. إن الاستكبار العالمي يسعى راهناً إلى أن يخنق أي صوت ينطلق ضدَّ نظام الهيمنة الحاكم على العالم ويقضي عليه في مهده.

 لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحة وأبلغها، ضدّ نظام-الهيمنة-الحاكم على العالم  ويقضي عليه في مهده.

 

لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحة وأبلغها، ضدّ نظام وحاكمي الاستكبار العالمي للقضاء على الظالم منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية. كذلك صار القضاء على صوت الإسلام هو في طليعة وأهم أولويات الأعداء والطغاة. إن ما بذل طوال عقد أو إحدى عشرة سنة من انتصار الثورة من فعاليات معادية فادتها أجهزة الاستكبار العالمي على المستوى الدعائي والثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي ضدَّ الدعوة الإسلامية، ولا سيّما مركز الإسلام الثوري إيران المسلمة لم يضاهيه أي نشاط آخر بذله الاستكبار العالمي والقائمون على النظام الدولي تلقاء أية ظاهرة من الظواهر الأُخر 42.

 

لاحظوا ما يفعله الآن أعداء الإنسانية؛ أي الجهاز الاستكباري

42-حديث قائد الثورة إلى ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي، 12/11/1368.

 

وعلى رأسه القوى الشيطانية أمريكا وجميع القوى الشيطانية الأخرى التي تتابعها، ضدَّ القيم الإنسانية.. لاحظوا كيف يجرّوا البشرية إلى الابتذال والسقوط، وكيف يسخروا بجميع التجلّيات المعنوية!

 

لقد أضحت الجمهورية الإسلامية اليوم مرمى لسهام العداوة والبغضاء لأنّها رفعت راية المعنوية وراحت تسير في طريق الإسلام وتسعى من أجل الإسلام والقيم الإسلامية. إنَّ الإنسان ليدهش أحياناً لكل هذا العداء للإسلام وللمعنوية، فلماذا كل هذا العداء؟

 

 

لقد أنفقوا أموالاً طائلة لكي يشوهوا الجمهورية الإسلامية في عيون الناس وأمام العالم بما يبثوه حيالها من أكاذيب وتهم وسموم دعائية.

لماذا يحتاجون للعمل ضدَّ الجمهورية الإسلامية بهذا القدر؟ لأنَّ نظام الجمهورية الإسلامية ينطوي على جاذبية عظمى للشعوب لو تُرك وحالة دون دعاية مضادّة.

 

لقد استبد الغضب بالجهاز الاستكباري وبالأخص أمريكا، لأنهم يرون الصحوة الإسلامية تعم العالم الإسلامي وتتسع يوماً بعد آخر.

 

كانت الأُمنية التي تخالجهم هو أن تخبو شعارات الجمهورية الإسلامية في العالم بمرور الوقت وتصير قديمة، بيد أن شيئاً من ذلك لم يحصل.

 

ما دامت هذه الثورة قرينة باسم الله، فهي في مواجهة الشياطين أبداً.. وما دامت تأخذ بجانب المستضعفين المظلومين فستبقى في صراع مع الطغاة والمستكبرين والجبارين على الدوام.. وما دمتم

 

 

تسعون من أجل القيم الإنسانية فلن يرضى عنكم ذلك الإنسان الذي يعادي هذه القيم.. لذلك عليكم أن تتهيئوا وتستعدوا نفسياً لكل ذلك.

 

إنّ بيد هذا الشعب اليوم راية عظيمة.. راية أيقظت الدنيا عندما اهتزت بأيديكم.. أنظروا إلى مآل الأوضاع الآن في فلسطين وشمال أفريقيا، وكيف يستعيد الإسلام حقه المضيّع في المجتمعات الإسلامية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم وما فعلتموه؛على حين كان الإسلام في حال هزيمة وفرار إزاء ثقافة الكفر والاستكبار.. بديهي الإسلام لا يفر أبداً، وإنما وهنَ المسلمون فأحسّوا بالضعف. في المواطن التي أضحى فيها لملايين المسلمين قسطاً من المشاركة في الحكم، لم يكن أحد يجرؤ على ذكر الإسلام قبل الثورة الإسلامية. وفي البلاد الإسلامية التي راح فيها أئمة الجمعة والجماعات يبادرون لتأسيس الصيغ التنظيمية، حيث راحت تزدهر المساجد وهي تتحوّل إلى مركز للحركة، لم تكن المساجد فيما سبق أكثر من أماكن لتجمع الشيبة وكبار السن والضعفاء. أما الآن فقد صارت موطناً للشباب ومصدراً للحركة والفاعلية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم ولقائدكم العظيم ذلك الرجل الإلهي الإمام الخميني . ولذلك ترون أعداء الإسلام غاضبين عليكم.

 

يقول سبحانه :﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ البقرة /120. فما دمتم متمسكين بالإسلام غير متخلين عنه، سيبقى أعداء الإسلام على معارضتهم لكم. والنقطة التي يثيرها العدو في هذا السياق تتلخص بما مفاده: ما دمت أعارض ذلك الشخص الشعب أو البلد أو الأمة فينبغي أن يزول من الوجود. لقد استطاعوا

 

 

أن يغرسوا هذه القناعة في الشعوب الضعيفة والذي يثبت الآن هو عكس القضية تماماً؛ أي أن كل من يعارض الإسلام ينبغي أن يزول، وقد شقَّ الإسلام طريقه في العالم، وسيفعل ذلك مجدداً 43.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...