الرئيسية / تقاريـــر / العلاقات السعودية الإيرانية.. نحو مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي

العلاقات السعودية الإيرانية.. نحو مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي

لم تتوقف السعودية وإيران عند التوقيع على بيان مشترك برعاية الصين في 10 مارس/آذار الماضي، فقد استمرت لقاءات المسؤولين على مستويي الوزراء والسفراء، مما يُعطي مصداقية وتعبيرا عن المصالح الحقيقية لطرفيه، وتعزيزا لفرصة التعاون الإقليمي وخفض التأثير الأجنبي. يتسق هذا المسار مع استمرار المباحثات لعامين شهدا تقدما في مناقشة القضايا والمجالات الحيوية، فما نشهده هذه الأيام يتطلب استشراف الفرص في المجالات الأمنية الدفاعية والسياسة الخارجية.

 

من ناحية أساسية، لا يمكن فصل الاتفاق عن مسارات التغيّر في العلاقات الإقليمية، باعتباره الخلفية السياسية لمجريات الأحداث الراهنة. فمنذ قمة “العلا” في بداية عام 2020، دخلت المملكة السعودية في ترتيب البيت الخليجي بطريقة رصينة ومتسارعة، ولاحقا، قدمت مراجعة لعلاقتها مع تركيا. كانت هذه الخطوات متزامنة مع تصاعد احتمالات الحرب في أوكرانيا، ولذلك اتجهت السعودية لاستباق انعكاسات الحرب على المنطقة وبناء موقف مُحايد يسمح لها بتجنب الأعباء المُحتملة.

من وجهة إيران، فقد ظلت لفترة طويلة تحت القصف الغربي والحصار، ولذلك لم يكن أمامها خيار سوى الانحياز لمجموعة الدول الشرقية، ولا سيما روسيا الاتحادية والصين، مع الرغبة في الانفتاح على المبادرات الإقليمية في سوريا أو اليمن.

من الممكن اعتبار أن الاتفاق جاء استجابة لحوارات تمت في عامي 2021 و2022 بتنسيق من جانب العراق وسلطنة عُمان، بما يشكل دائرة إقليمية للتقارب السياسي، تتمتع بالقابلية لأن تكون مركزاً مؤثراً في العلاقات الدولية. لا يمكن تجاهل مصالح الصين في تقريب مواقف البلدين، لكنه أيضاً ليس العامل الوحيد، فيمكن اعتباره مُكملاً للإرادة المشتركة لكلٍ من إيران والسعودية ورغبتهما في تجاوز المرحلة الماضية وأعبائها، لذلك يستمد الاتفاق قوته من التفاهم على المصالح الثنائية أو الجماعية الإقليمية.

وبجانب إقراره بالمصالح والاتفاقات السابقة، لا يشكل المحتوى مسألة خلافية بحد ذاته، فغالبا ما يرتبط وجود تحفظات أو غموض بتردد أطراف أي اتفاق تجاه بعض نقاط الخلاف، لكنه باستعراض بنود البيان المشترك، نجدها مباشرة وواضحة في النظر للقضايا المُعقدة. وتعززت هذه الصياغة بظهور مؤشرات على استقرار وتماسك الإرادة لتحسين العلاقات والارتقاء لمستوى الالتزام السياسي. فالكلام عن استئناف العلاقات الدبلوماسية واحترام السيادة وأشكال التعاون الأخرى يُعدّ تطويرًا لاتفاقيات سابقة، وهي بيئة تسمح بالتعاون الثنائي والإقليمي.

بينما كان تركيز غالبية المُعلقين على محتوى البيان المشترك، فإنه في اعتقادي لدى إيران والسعودية جاهزية لبناء الثقة وتحويل تكلفة التوتر لمصالح مشتركة أو صيغة جماعية قادرة على تجاوز أعباء الماضي واختيار سياسات قابلة للنمو والدوام، تقوم على أساس تماثل المسؤولية، بما يؤدي لاحقا لمناخ يعمل على خفض الاستجابة للتأثير الخارجي والذي كانت تكلفته عالية وباهظة.

تضعنا هذه التطورات أمام فرص للتعاون أو التكامل الإقليمي، وفي ذات الوقت تجاوز الخلافات التي سادت أربعة عقود، فهي من جهة تتجاوز مبدأ كارتر الذي شكل مصدراً أساسياً لأزمات كثيرة، ومن جهة أخرى يفتح المجال أمام تسويات وضع سوريا واليمن وترتيب الجهود للاستجابة للتحديات المشتركة.

ليس من المتوقع أن تقتصر هذه الخطوة على مجرد إعادة تطبيع العلاقات دبلوماسيا بين السعودية وإيران، وإنما تسعى لفتح المجال لشراكة أوسع في مجالات متعددة، دبلوماسية وأمنية واقتصادية. فهي قابلة لأن تكون فاتحة لتغير جيوستراتيجي لتجميع قدرات المنطقة. فمن جهة تعطي إشارات قوية لإمكانية الخروج من وَهم الصراع المذهبي وعدم اعتباره مشكلة سياسية، ومن جهة أخرى، فإن تلاقي قطبي الخليج على مصالح مشتركة من شأنه الإطاحة باحتمالات التصعيد أو التوتر والتفرغ لإعادة بناء السياسات والمصالح.

على طريق استكمال مسار صناعة الفرص، تكمن قيمة الاتفاق في رغبة طرفيه في تحويله لإجراءات من أجل تسوية المشكلات المحتملة. فإن اجتماع عُمان في 4 أبريل/نيسان الجاري الذي ضمّ -إلى جانب السعودية وإيران- كلا من سوريا والعراق، هو بذاته يعكس دلالة على القابلية للمضي في تسويات كثيرة، قد تشمل اليمن في مرحلة لاحقة. فما يمكن الإشارة إليه هنا، هو أن اجتماع ممثلي الدول الأربع هو بطبيعته يشمل دول الطوق الإقليمي لدول الخليج بضفتيه، كما يمثل عنصراً مهماً لبقية دول الإقليم.

وبالنظر لاستحواذ الدولتين على فائض مؤثر في تجارة الطاقة الدولية تمثل شريان حياة الصناعة لدول شرق آسيا، يكون العمل على رفع مستوى التنسيق السياسي وإزالة مُسببات التوتر، عاملاً مهماً في بناء مركز تأثير دولي، لا يقتصر دوره على تسيير تجارة الطاقة فقط، إنما يعمل على تحويل القدرات الاقتصادية لميزات سياسية، سوف تنعكس آثارها في تحديد المكانة الدولية والمُزاحمة في البحث عن دور في دعم تعددية النظام العالمي.

وبمشاركة العراق في المراحل التمهيدية، فمن المتوقع أن يكون دوره محورياً في التقاربات الإقليمية. ففي ظل التسويات الإقليمية، سوف نكون أمام تفاعلات مستقلة وبعيدة عن مداخل التأثير الدولي، وهنا، يمكن الإشارة لعاملين مهمين، وهما: استضافة السفارة العراقية في مدينة “مسقط”، ووجود العراق الشريك التجاري الأول لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك من بين الدول العربية. تدعم هذه الوضعية إمكانية وجود فواعل إقليمية تتمتع بالقدرة على توفير الضمانات اللازمة لبقاء العلاقات مستقرة، وخفض الحاجة لمساعدة أطراف بعيدة.

ورغم ما يبدو من التباعد مع الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والتقارب مع روسيا والصين من جهة أخرى، تتوافر لدى القوى الإقليمية مقومات بناء حيز تأثير في العلاقات والتجارة الدولية. فوجود راعٍ للاتفاق لا يعني الدخول في تحالفات والتضامن مع قضاياه، بل يمكن الاستفادة منه في التموضع الصحيح في بيئة دولية مضطربة.

يمكن شرح الفرصة في السعي لتكوين مجموعة أو كتلة إقليمية تحت شعار وهدف إنماء المكاسب المشتركة بديلاً عن التوتر، وذلك من خلال تكامل الحاجات الإقليمية، ولعل أهمها تعزيز وضع الحياد تجاه الصراعات الدولية، بشكل يساعد على تقويض آثار الحصار الأميركي على إيران، وتلبية احتياجات السعودية للمضي في سياسات التحديث والاستفادة المثلى من الموارد. ولعل الأهمية الأساسية لمثل هذه التوجهات، هي أنها تتواكب مع عملية انتقال مُحتملة في هيكل القوة الدولية، بما يجعلها أكثر قدرة على التموضع السياسي 

 

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...