الوقت- أعلن نائب الأمين العام لمنظمة شنغهاي للتعاون، غريغوري لوغفينوف، صباح اليوم الثلاثاء، عن وجود خريطة طريق للانتقال إلى التسويات في العملات الوطنية في إطار منظمة شانغهاي للتعاون.
وقال غريغوري لوغفينوف: “العمل جارٍ بجدية وبشكل دقيق. العملية ليست سهلة على الإطلاق، لأن الدولار كعملة احتياطية عالمية متداخلة بشكل كبير في نظم العملات الوطنية”.
وأضاف لوغفينوف في حديثه على قناة “بيلاروس 1” أنه لا يزال يتعين القيام بالعديد من الإجراءات والمسارات للتخلي تمامًا عن الدولار.
وأشار لوغفينوف إلى أنه لا توجد حاليًا خطط لإدخال عملة موحدة لمنظمة شانغهاي للتعاون، قائلا: “هذا السؤال ليس مطروحًا حاليًا، وليس هناك هدف محدد بهذا الصدد. سننظر في المستقبل”.
التجارة المقومة بالعملات الأخرى
يُنظر إلى التجارة المتزايدة المقومة بغير الدولار الأميركي على أنها حماية ضد العقوبات. وأشار غروزديف إلى أن “تركيا وروسيا يمكنهما حماية شركاتهما والاستقلال عن تصرفات دول ثالثة باستخدام العملات الوطنية في التجارة الثنائية“.
وتراجعت الليرة التركية وأصبحت أسوأ عملة أداء في العالم في عام 2018، حيث خسرت 44 في المئة من قيمتها، ويرجع ذلك جزئياً إلى مشاكل في علاقتها بالولايات المتحدة، وهناك أيضاً وضع مماثل مع الروبل الروسي.
الهند، والتي تتعرض هي الأخرى لرسوم أميركية، استخدمت الروبية مقابل النفط الذي تشتريه من إيران، ثالث أكبر مورد لها، قبل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف استثناءات استيراد النفط الإيراني بعد تشديد العقوبات الأميركية على طهران، حيث شمل القرار الهند أيضاً، في حين منعت العقوبات الأميركية استخدام الدولار لتسوية مثل هذه الصفقات.
وتشتري إيران أيضاً كمية كبيرة من المنتجات الزراعية من الهند. مرة أخرى من المتوقع أن تختتم هذه التجارة بالروبية الهندية. ويتطلع البلدان بشكل متزايد إلى استخدام البنوك الأصغر حالياً لإجراء مثل هذه التجارة، وفي المثال الإيراني الهندي، تم تحديد بنك UCO وبنك IDBI لتوجيه الدفع، حيث إن الاثنين ليس لديهما انكشاف على النظام المالي الأميركي. ومن المتوقع أن يتطور إنشاء هذه البنوك ونموها، بل قد يصبح اتجاهاً، حيث يحاول المحللون إيجاد سبل للخروج من هيمنة الدولار الأميركي في التجارة واستعداد واشنطن لاستخدام العملة كسلاح تجاري.
الصين هي الأخرى كانت ولا تزال من دعاة تخفيف الاعتماد على الدولار الأميركي، وهي تدفع بنشاط من أجل الاستخدام العالمي لليوان كعملة بديلة.
ما هي منظمة شنغهاي للتعاون؟
منظمة شنغهاي للتعاون هي منظمة دولية تأسست في مدينة شنغهاي الصينية في 15 يونيو/حزيران عام 2001. وتضم حالياً ثماني دول أعضاء هي الصين والهند وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وأربع دول بصفة مراقب ترغب بأن تصبح كاملة العضوية وهي: أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا.
كما تقيم المنظمة علاقات مع ست دول أخرى بصفتهم “شركاء الحوار” وهي: أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا.
في عام 2021 تم اتخاذ القرار لبدء عملية ضم إيران إلى المنظمة كدولة كاملة العضوية ويتوقع أن يصدر قرار الموافقة على ذلك خلال القمة الحالية.
وتقدمت مصر وقطر والمملكة العربية السعودية بطلبات للحصول على صفة “شركاء الحوار“.
منذ إنشائها في عام 2001 ركزت المنظمة جهودها بشكل أساسي على قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب الإقليمي، و الحركات الانفصالية القومية والتطرف الديني. كما أن التنمية الإقليمية باتت ايضاً من بين أولوياتها.
وتتمتع المنظمة بصفة المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2005. وفي أبريل 2010 ، وقعت أمانتا الأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون إعلانًا مشتركًا حول التعاون.
كما أقامت الأمانة العامة للمنظمة شراكات مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة السياحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة، إضافة إلى تعاونها المستمر مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.
وتحافظ إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة، وكذلك مركز الأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى على اتصالات منتظمة مع مسؤولي منظمة شنغهاي للتعاون.
تركز أنشطة التعاون على التطورات الأمنية في المنطقة والقضايا الرئيسية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والوقاية من التطرف المسلح. في عام 2017 أقامت إدارة الشؤون السياسية وبناء السلام مكتب اتصال لها مع المنظمة في بكين.
حجر الأساس
وشكلت الصين وروسيا وأربع دول في آسيا الوسطى كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق وهي كازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001 للحد من التطرف الإسلامي في المنطقة وتعزيز أمن الحدود بين هذه الدول.
انضمت الهند وباكستان في عام 2017 في المرحلة الأولى من توسع المنظمة، بينما من المقرر أن تصبح إيران كاملة العضوية خلال القمة الحالية.
لم تعقد القمة وجها لوجه عامي 2020 و2021 بسبب جائحة كورونا
ويُنظر إلى المنظمة على نطاق واسع على أنها مسعى صيني-روسي مشترك في مواجهة النفوذ والتحالفات الغربية مثل حلف شمال الأطلسي، الناتو.
ويرى بعض المراقبين أن دور المنظمة ظل محدودا حتى الآن، إذ إن تأثيرها كواحدة من أكبر التكتلات الدولية الإقليمية غير ملحوظ في الكثير من الملفات، رغم تمتع أعضائها بإمكانات اقتصادية وبشرية هائلة.
فالدول الأعضاء في المنظمة تمثل ما يقرب من 44 في المئة من سكان العالم، وتمتد من المحيط المتجمد الشمالي والمحيط الهندي في الشرق إلى المحيط الهادئ وبحر البلطيق في الطرف الآخر وأكثر من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ويعتقد مراقبون أن الكتلة لديها أيضاً إمكانات اقتصادية كبيرة مع انضمام المزيد من الدول كأعضاء إليها أو إقامة شركات معها.
لكن لا يخفى على أحد أن المنظمة تهيمن عليها الصين وروسيا. وتعتبر موسكو آسيا الوسطى مجال نفوذها التقليدي عبر قرون، لكن الدور الاقتصادي لبكين في هذه المنطقة يتوسع بشكل مطرد ما أكسبها نفوذاً سياسياً كبيراً أيضاً على حساب النفوذ الروسي.
تكامل على الصعيد الاقتصادي
إن دول هذه المنظمة تسعى للتكامل فيما بينها على الصعيد الاقتصادي، لكي تخرق الحصار المفروض عليها أميركياً، ولا سيما إيران وروسيا والصين، لجذب الاستثمارات الآسيوية وتوريد منتجات الطاقة. ووفقاً لبيانات “تقرير تنمية التجارة لمنظمة شنغهاي للتعاون لـ20 عاماً”، زادت القيمة التجارية الإجمالية للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون من 667.09 مليار دولار أمريكي عام 2001 إلى 6.06 تريليونات دولار أمريكي عام 2020، وزادت حصتها من إجمالي التجارة العالمية من 5.4% عام 2020 إلى 17.5% عام 2021. وبلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون نحو 23.3 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتعمل الصين على تعزيز تنمية التجارة مع الدول الأعضاء الأخرى في منظمة شنغهاي للتعاون. وأصبحت أكبر شريك تجاري لأوزبكستان وباكستان، وثاني أكبر شريك تجاري لروسيا والهند، وثالث أكبر شريك تجاري لكازاخستان وطاجيكستان، ورابع أكبر شريك تجاري لقيرغيزستان.
تمسكاً بـ”روح شنغهاي” المتمثلة في “الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتشاور، واحترام التنوع الحضاري والسعي لتحقيق التنمية المشتركة”، حيث خلقت منظمة شنغهاي ظروف تعاون متعددة الأطراف، وأصبحت أكثر اجتذاباً للبلدان الأخرى.
ويزيد عدد الدول المستعدّة للانضمام إلى أنشطة المنظمة عاماً تلو الآخر، ومنها تركيا والسعودية والإمارات وقطر وسوريا ومصر وغيرها. وعام 2021، تم منح مصر وقطر والسعودية صفة شركاء الحوار.
وفي وقت يشهد العالم الآثار السلبية للوباء، وتراجع العولمة وعوامل معقّدة أخرى، يبرز دور منظمة شنغهاي في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليميين وتعزيز التنمية والازدهار المشتركين، باعتبار التعاون الفعال يجعل العالم أكثر استقراراً وازدهاراً، وهي الطريقة المتاحة والأكثر واقعية لمعالجة القضايا العامة في عصرنا.
قلق أمريكي حول مستقبل الدولار
واشنطن من جهتها تنظر بقلق إلى ما يحدث من حولها لزعزعة هيمنة الدولار، لكنها ماضية في رفع الفائدة للمرة التاسعة على التوالي على الأقل لكبح التضخم (أسعار المستهلك)، غير آبهة بحجم الضرر الذي يحدثه ذلك على الكثير من الاقتصادات الناشئة.
وإذا تراجع الطلب العالمي على الدولار فستضعف قيمته، ويرتفع التضخم، ولن يتمكن الفيدرالي الأميركي من رفع سعر الفائدة إلى ما لا نهاية، ولن يكون بإمكانه طباعة كميات أكبر من الورقة الخضراء وإلا فسيضعف ذلك اقتصاد البلاد ويرفع التضخم، بل قد يؤدي إلى ركود أو حتى أزمة اقتصادية مثلما حدث في الكساد العظيم عام 1929.
فالدين الأميركي بلغ نهاية العام الماضي 31.4 تريليون دولار، أي ما يعادل 125% من الناتج المحلي الإجمالي، وإذا فقدت الورقة الخضراء جاذبيتها عالمياً، ووجدت الاقتصادات الكبرى بدائل للدولار، فسيؤدي ذلك إلى بيع كثيف للسندات الأميركية، من شأنه أن يوصلها إلى مرحلة العجز عن السداد.
هذا هو السيناريو الأسوأ الذي تخشاه الولايات المتحدة، وخاصة بعد فك ارتباط الدولار بالذهب في 1971، إذ لم يعد للاقتصاد الأميركي ما يعادله من قيمة صلبة.
فقوة الدولار مبنية على أساس “معنوي” مرتبط بقوة البلاد العسكرية والاقتصادية ونفوذها السياسي، و”ثقة” الدول والشركات والأفراد بمتانة الاقتصاد الأميركي يدفعهم للثقة بالدولار، وجعله عملة تحوط من الأزمات.
وعبر هذه القوة والنفوذ، أقنعت واشنطن دول الخليج بتسعير نفطها بالدولار في 1971، ما عزز ثقة العالم بالعملة الأميركية، وجعلها عملة تداول واحتياط.
يعتبر الدولار الأمريكي هو العملة المعتمدة في معظم الحركات التجارية العالمية منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يعطي الاقتصاد الأمريكي ميزة، لأنه يطبع الأوراق النقدية المستخدمة في التجارة الدولية، حسب المحللين، ما يشكل فائدة وميزة للولايات المتحدة على حساب العملات المحلية في دول العالم، التي تكون مضطرة لشراء الدولار لتسديد تجارتها الخارجية.
لكن في اللحظة التي يفقد فيها العالم “الثقة” بقوة الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية ونفوذها السياسي، ويتجه إلى عملات بديلة للتبادل التجاري والاحتياط، فسيفقد الدولار بريقه، وسيلقى مصير الجنيه الإسترليني نفسه وعملات أخرى هيمنت على التداولات العالمية في فترات زمنية معينة، قبل أن يأفل نجمها.