مقدمة المؤلف
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام
على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين
الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين
وبعد، فقد طرح المخالفون لمذهب أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) عدداً من إشكالاتهم وشبهاتهم على مذهب الحق وأتباعه، وأكثروا تكرارها في خطبهم وكتبهم، وملؤوا منها الأسواق، وعبؤوا بها مواقعهم في شبكات النت، ووزعوا كتيباتها وأشرطتها على الحجاج والزوار، في بلاد الحرمين، وغيرها من بلاد المسلمين، والمهجر!
وقد أجاب عنها فقهاء الشيعة وعلماؤهم من القدماء والمعاصرين، فجزاهم الله خير الجزاء لدفاعهم عن ظلامة أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) ومذهبهم الحق.
وهذه أسئلة وإشكالات علمية كتبناها لتكون جواباً على ما يثيرونه علينا، وتنبيهاً إلى أن الأولى لهم أن يعالجوا المشكلات والتناقضات التي امتلأت بها مصادرهم، وقامت عليها مؤلفاتهم وأبحاثهم في عقائدهم وفقههم وتفسيرهم، فإن إصلاح
الدار أوجب من انتقاد الجار!
وقد اعتمدنا فيها على مصادرهم الأساسية في الحديث والتفسير والفقه والعقائد، وأقوال كبار أئمتهم من القدماء والمتأخرين.
واعتمدنا في ترتيب أبوابها على كتب: الوهابية والتوحيد، وتدوين القرآن، والعقائد الإسلامية، وآيات الغدير، وغيرها.
أما المنهج الذي اخترناه فهو تحرير المسألة بعبارة مليئة بليغة، موثقة من المصادر، ثم توجيه الأسئلة حولها أو الإشكالات، وبذلك يسهل الأمر على القارئ، والباحث.
علي الكوراني العاملي
شوال المكرم ١٤٢٣
الفصل الأول
تخبطهم في توحيد الله تعالى وصفاته المقدسة
المســألة: ١
زعمهم أن الله تعالى يرى بالعين!
قال أهل البيت (عليهم السلام) إن الله تعالى يعرف بالعقل ويرى بالقلب، ويستحيل أن تراه العيون، لأنها لاترى إلا الشئ المادي الذي يخضع لقوانين الزمان والمكان، والله تعالى لاتدركه الأبصار بل ولا الأوهام: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). (سورة الشورى: ١١)
في الإحتجاج:٢/١٩٠: من حديث الإمام الرضا (عليه السلام) قال: (يا أباالصلت إن الله تبارك وتعالى لايوصف بمكان، ولايدرك بالأبصار والأوهام). ونحوه في الكافي:١/١٤٣ عن الإمام الصادق (عليه السلام).
وروى الآخرون كالبخاري أن الله تعالى يرى في الآخرة، وقال بعض الحنابلة إن الله يرى في الدنيا أيضاً!
وأول ما ظهرت أحاديث الرؤية بالعين والتشبيه من كعب الأحبار في زمن عمر، وقد كذبه أمير المؤمنين (عليه السلام) في مجلس عمر، وكذبه أهل البيت (عليهم السلام) كما كذبت عائشة حديثهم الذي زعموا فيه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه، وكذبه ابن عباس وابن مسعود، وجمهور الصحابة.
روى المجلسي في البحار:٣٦/١٩٤: (عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر، إذ قال (عمر): يا كعب أحافظ أنت للتوراة؟ قال كعب: إني لأحفظ منها كثيراً. فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومِمَّ خلق الماء الذي جعل عليه عرشه؟
فقال عمر:يا كعب هل عندك من هذا علم؟
فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين، نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالى كان قديماً قبل خلق العرش وكان على صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!
قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) حاضراً، فَعَظَّمَ عَلِيٌّ رَبَّهُ وقام على قدميه ونفض ثيابه! فأقسم عليه عمر لمَـَّا عاد إلى مجلسه، ففعله. قال عمر: غُصْ عليها يا غواص ما تقول يا أبا الحسن، فما علمتك إلا مفرجاً للغم. فالتفت علي (عليه السلام) إلى كعب فقال: (غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه!)
يا كعب ويحك! إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعزّ الله وجل أن يقال له مكان يومى إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما عَلَّمَ من البيان يقول الله عز وجل (خَلَقَ الأِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له (كان) مما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً على ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كَوَّنَ ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم
خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبعٍ أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماءً مرتعداً، ولا يزال مرتعداً إلى يوم القيامة، ثم خلق عرشه من نوره وجعله على الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخرى، وكان العرش على الماء من دونه حجب الضباب وذلك قوله: (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ).
يا كعب ويحك! إن من كانت البحار تفلته على قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه!
فضحك عمر بن الخطاب وقال:هذا هو الأمر، وهكذا يكون العلم، لا كعلمك يا كعب. لاعشت إلى زمان لا أرى فيه أبا حسن). انتهى.
الأسئلة
١ ـ كيف تقولون إن عمر تبنى هذه المقولة رغم وضوح قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (سورة الشورى:١١) وموقف أهل البيت (عليهم السلام) والصحابة؟
٢ ـ ألا ترون أن أحاديث التجسيم لم تكن معروفة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا في عهد أبي بكر، ولم تُرْوَ إلا في زمن عمر عن كعب الأحبار ومحبيه، ثم تبناها رواة بني أمية ونشروها بين المسلمين، وأدخلوها في صحاحهم؟!
٣ ـ كيف تجعلون ذات الله تعالى خاضعة لقوانين الزمان والمكان، مع أنه سبحانه
وتعالى كان قبل المكان والزمان ثم خلقهما؟!
٤ ـ ما معنى لزوم رد المتشابه من القرآن الى المحكم، ولماذا لاتردون آيات الصفات المتشابهة الى الآيات المحكمة؟!
المســألة: ٢
اعترف أئمتهم بأن توحيدهم مأخوذ من اليهود!
قال ابن تيمية في كتابه (العقل في فهم القرآن) ص٨٨، ما لفظه:
(ومن المعلوم لمن له عناية بالقرآن أن جمهور اليهود لاتقول إن عزير (كذا) ابن الله وإنما قاله طائفة منهم، كما قد نقل أنه قال فنحاص بن عازورا، أو هو وغيره. وبالجملة، إن قائلي ذلك من اليهود قليل، ولكن الخبر عن الجنس كما قال:الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم.
فالله سبحانه بين هذا الكفر الذي قاله بعضهم وعابه به.
فلو كان ما في التوراة من الصفات التي تقول النفاة إنها تشبيه وتجسيم فإن فيها من ذلك ما تنكره النفاة وتسميه تشبيهاً وتجسيماً بل فيها إثبات الجهة، وتكلم الله بالصوت، وخلق آدم على صورته وأمثال هذه الأمور، فإن كان هذا مما كذبته اليهود وبدلته، كان إنكار النبي (ص) لذلك، وبيان ذلك أولى من ذكر ما هو دون ذلك! فكيف والمنصوص عنه موافقٌ للمنصوص في التوراة! فإنك تجد عامة ماجاء به الكتاب والأحاديث في الصفات موافقاً مطابقاً لما ذكر في التوراة!! وقد قلنا قبل ذلك إن هذا كله مما يمتنع في العادة توافق المخبرين به من غير مواطأة وموسى لم يواطئ محمداً، ومحمد لم يتعلم من أهل الكتاب، فدل ذلك على صدق الرسولين العظيمين وصدق الكتابين الكريمين).انتهى!!
وقال ابن عبد الوهاب في كتاب المسمى (التوحيد) عن حديث الحاخام:
(فيه مسائل: الأولى: تفسير قوله: والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة.
الثانية: أن هذه العلوم وأمثالها باقية عند اليهود الذين في زمنه (ص) لم ينكروها ولم يتأولوها.
الثالثة: أن الحبر لما ذكر ذلك للنبي (ص) صدقه، ونزل القرآن بتقرير ذلك!
الرابعة: وقوع الضحك الكثير من رسول الله (ص) عنده، لما ذكر الحبر هذا العلم العظيم.
الخامسة: التصريح بذكر اليدين، وأن السموات في اليد اليمنى والأرضين في الأخرى.
السادسة: التصريح بتسميتها الشمال.
السابعة: ذكر الجبارين والمتكبرين عند ذلك.
الثامنة: قوله كخردلة في كف أحدهم.
التاسعة: عظمة الكرسي بنسبته إلى السماوات.
العاشرة: عظمة العرش بنسبته إلى الكرسي.
الحادية عشرة: أن العرش غير الكرسي والماء.
الثانية عشرة: كم بين كل سماء إلى سماء.
الثالثة عشرة: كم بين السماء السابعة والكرسي.
الرابعة عشرة: كم بين الكرسي والماء.
الخامسة عشرة: أن العرش فوق الماء.
السادسة عشرة: أن الله فوق العرش.
السابعة عشرة: كم بين السماء والأرض.
الثامنة عشرة: كثف كل سماء خمسمائة سنة.
التاسعة عشرة: أن البحر الذي فوق
السماوات بين أسفله وأعلاه مسيرة خمسمائة سنة). انتهى!!
الأسئلة
١ ـ كيف تقبلون من ابن تيمية ادعاءه بأن كل ما في التوراة من صفات الله تعالى صحيحة إلا قولهم عزير ابن الله! وهو مخالف لنص القرآن والسنة وإجماع المسلمين بأن اليهود حرفوا توراتهم، والنصارى حرفوا إنجيلهم، وانه لا يوثق بما فيها إلا ما أخبرنا به الله تعالى أو رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
قال الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). (سورة المائدة ـ١٣)
وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّيْنَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ). (سورة البقرة:٦١)
والذين يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء (عليهم السلام) لايستبعد عليهم أن يحرفوا ما أنزل الله تعالى، فكيف نثق بما في أيديهم؟!
بل وصل بهم الأمر الى أن حاولوا تحريف آيات القرآن وإقناع المسلمين بتحريفها! قال الله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (سورة آل عمران: ٧٨) وقال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). (سورة البقرة: ٧٥)
ثم إن اليهود والنصارى أنفسهم اعترفوا بضياع النسخة الأصلية من التوراة والإنجيل، وبأنه وقع التغيير في نسخها وترجماتها!
فكيف صار ابن تيمية ملكياً أكثر منهم أنفسهم؟!
٢ ـ بناء على ما قاله إمامكم ابن عبد الوهاب في المسألة الثانية والثالثة، من أن (هذه العلوم وأمثالها) أي علوم التجسيم! كانت محفوظة عند اليهود فأعطاها حاخامهم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ونزل بها القرآن! فهل كان القرآن المكي كان خالياً من التوحيد حتى أخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اليهود في المدينة؟!!
٣ ـ هل تقبلون هذه المسافات التي ذكرها إمامكم ابن عبد الوهاب بين الأرض ومكان وجود الله تعالى؟!
المســألة: ٣
اتهموا نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن الحاخام علمه التوحيد!
مما استندوا اليه في قولهم بالتجسيم، حديث الحاخام الذي رووه عن عبد الله بن عمر، ومفاده أن حاخاماً جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له إن الله تعالى جسدٌ وله يدٌ وأصابع! فصدقه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وضحك له!
ففي صحيح البخاري:٦/٣٣: (عن عبد الله بن عمر قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (ص) فقال: يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول أنا الملك! فضحك النبي (ص) حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر)!
وفي مسند أحمد:١/ ٤٥٧: (عن عبد الله بن مسعود قال جاء حبر إلى رسول الله (ص) فقال: يامحمد أو يا رسول الله إن الله عز وجل يوم القيامة يحمل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع، يهزهن فيقول أنا الملك! فضحك رسول الله (ص) حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر).
ورواه أيضاً في موارد أخرى مثل:٨ / ١٧٤، و٢٠٢، وفي:٦/٣٣: (فقال:يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على إصبع….)، أي نجد في التوراة!