ألف سؤال وإشكال (المجلد الأول) / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
علمائهم.
٢ ـ ما قولكم في من ارتكب هذا التحريف في كتاب النووي، وما هو واجب المحكمة تجاهه، وحكم قاضيكم فيه؟!
٣- هل تسقط عدالة الفقيه أو الراوي إذا استعمل التحريف والتزوير؟!
المســألة: ٢٨
مخالفة الوهابيين لجميع المسلمين في التوسل والإستشفاع!
فقد أجمع المسلمون قولاً وعملاً على مشروعية التوسل والإستشفاع بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجوزوا ذلك بالأئمة من أهل بيته (عليهم السلام)، وكذلك الإستشفاء والتبرك بآثاره (صلى الله عليه وآله وسلم) وآثار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء الصالحين.
بينما حرم الوهابيون كل ذلك وعدُّوه شركاً بالله تعالى، بحجة أنه توسل بالأموات الذين لاينفعون ولايضرون، بينما أجازوا التوسل بمشايخهم الأحياء لأنهم ينفعون!! فالتوسل بالميت عندهم شرك حتى لو كان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
والتوسل بالحي عنده إيمان وعبادة، حتى لو كان بشخص كافر!
فلو قال شخص:اللهم إني أتوسل إليك بنبيك (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كفر!
ولو قال:اللهم أتوسل إليك بالشيخ جعموص، أو بالمستر فوكس، فهو مؤمن!!
كل ذلك لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بزعمهم عاجز لايقدر على نفع من توسل واستغاث به إلى الله تعالى، بينما فوكس وجعموص قادران على النفع فالتوسل بهما حلال وإيمان!
وقد استدل إمامهم ابن تيمية على رأيه بأن عمر بن الخطاب قد توسل بالعباس عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفسر ذلك بأن عمر مثله يعتقد أن التوسل بالميت حرام وشرك، والتوسل بالحي حلال حتى بالكافر!
مع أن العقل والشرع يقولان: إن حكم التوسل واحد، فإن كان بالميت شركاً بالله
تعالى لأنه دعاء غير الله تعالى، فهو بالحي شركٌ أيضاً! فلو جاز بالحي لجاز بالميت، ومحال أن يكون بعض الشرك إيماناً لايخرج عن الإسلام، وبعضه حرام مخرج عن الإسلام!
قال ابن باز في جواب سؤال عن الإستغاثة بالحي فيما يقدر عليه: (أما الحي فلا بأس أن يتعاون معه، لأن له عملاً فيما يجوز شرعاً من الأسباب الحسية كما قال تعالى: (فََاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ). (سورة القصص: ١٥)، في قصة موسى، فإن موسى حيٌّ وهو المستغاث به، فاستغاثه الإسرائيلي على الذي من عدوه وهو القبطي، وهكذا الإنسان مع إخوانه ومع أقاربه، يتعاونون في مزارعهم، وفي إصلاح بيوتهم، وفي إصلاح سياراتهم، وفي أشياء أخرى من حاجاتهم، يتعاونون بالأسباب الحسية المقدورة، فلا بأس… فالتعاون مع الأحياء شئجائز بشروطه المعروفة، وسؤال الأموات، والإستغاثة بالأموات، والنذر لهم أمر ممنوع، ومعلوم عند أهل العلم أنه شرك أكبر)! (موقع فتاوي ابن باز:http://search.ibnbaz.org/Result١.asp?c=٠)
الأسئلة
١ ـ ما رأيكم بالمسلم الذي يعمل بفتوى مذهبه، فينوي من بلده حج بيت الله تعالى وزيارة قبر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والتوسل به إلى الله تعالى، ويعتقد أن ذلك من أفضل القربات إلى ربه، هل هو بفتواكم مشركٌ يجب منعه من دخول الحرمين حتى يسلم على أيديكم، أو
يقتل؟!
٢ ـ ما دام التوسل بالحي عندكم جائزاً، فأنتم تقرون مبدأ التوسل، ولا مانع عندكم من أصل التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أنه بزعمكم ميت لاينفع!
فلو اعتقد المسلم بأن النبي حي يرزق عند ربه وهو يسمع وينفع بإذن ربه، فالتوسل له حلال، فلماذا تحرمونه عليه وتحكمون عليه بأنه مشرك كافر؟!!
المســألة: ٢٩
مخالفتهم للأحاديث الصحيحة في مشروعية التوسل
روى السنيون بسند صحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه عَلَّمَ المسلمين أن يتوسلوا به إلى الله تعالى، وقد توسلوا به في حياته فاستجاب الله لهم.
روى الترمذي:٥/٢٢٩رقم٣٦٤٩: (حدثنا محمود بن غيلان أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي (ص) فقال:أدع الله أن يعافيني. قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك. قال: فادعه. قال فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يامحمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه فيَّ. هذا حديث حسن صحيح غريب لانعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي).
(ورواه ابن ماجة في:١/٤٤١، وقال:قال أبو اسحاق
هذا حديث صحيح. ورواه أحمد في مسنده: ٤/١٣٨، بروايتين. ورواه الحاكم في المستدرك:١/٣١٣، وقال:هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه! ورواه في:١/٥١٩، بسندين آخرين، وقال بعدهما:هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه في:١/ ٥٢٦، وقال:تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم، مع زيادات في المتن والإسناد والقول…وقال أيضاً:هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد. ورواه الطبراني في كتاب الدعاء ص٣٢٠، وما بعدها بعدة طرق، وكذا في المعجم الكبير:٩/٣١، والصغير:١/١٨٣، وصححه. ورواه في مجمع الزوائد:٢/ ٢٧٩، وقال:قلت:روى الترمذي وابن ماجه طرفاً من آخره خالياً عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه:والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه التي روى بها. ورواه في كنز العمال:٢/١٨١، و٦/٥٢١ (ت، هـ، ك، عن عثمان بن حنيف. حم. ت. حسن صحيح غريب. هك. وابن السني، عن عثمان بن حنيف) ورواه ابن خزيمة في صحيحه:٢ / ٢٢٥).
وفي السنن الكبرى للنسائي:٦/١٦٨: (عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمى أتي النبي (ص) فقال:يا رسول الله إني رجل أعمى، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدَعُك، قال:أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً. قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي إلى فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع في نبيي وشفعني في نفسي). انتهى. ثم رواه النسائي بروايتين أيضاً.
الأسئلة
١ ـ بأي وجه شرعي تردون الأحاديث الصحيحة على موازينكم، وتتمسكون في
مقابلها باستحسانكم وشبهاتكم؟!
٢ ـ لماذا تصرون على مقولتكم الباطلة بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ميت لاينفع، وتردون الأحاديث الصحيحة في حياته عند ربه ونفعه لنا حياً وميتاً (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
٣- تعترضون على المسلمين قائلين: لماذا تتوسلون بالمخلوق، ولاتدعون الله تعالى مباشرة؟! هلاً وجهتم اعتراضكم الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لماذا علَّم هذا الأعمى أن يتوسل به الى الله تعالى، ولم يعلمه أن يدعو ربه مباشرة؟!
ولمذا لاتعترضون على الله تعالى لأنه أمرنا أن نبتغي اليه الوسيلة فقال في آخر سورة أنزلها على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (سورة المائدة: ٣٥).؟!
المســألة: ٣٠
الصحابة علموا الناس التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته
فقد روى الطبراني بسند صحيح أن الصحابي الجليل عثمان بن حنيف طبَّق حديث التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، مما يدل على أن التوسل به (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مخصوصاً بحياته! قال الصديق المغربي في رسالته (إرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي) ص١١:
(وبعد، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالى صاحب غرض وهوى، إذا رأى حديثاً أو أثراً لايوافق هواه فإنه يسعى في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش، ليوهم قراءه أنه مصيب مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش، وبأسلوبه هذا ضلَّلَ كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه على صواب والواقع خلاف ذلك.
ومن المخدوعين به من يدعى حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة على تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوى شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه! فأردت أن أرد الحق إلى نصابه، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي:
روى الطبراني في المعجم الكبير:٩/١٧، من طريق ابن وهب، عن شبيب، عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي المدني، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف (رضي الله عنه):أن رجلاً كان يختلف
إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف:إئت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل:اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد (ص) نبي الرحمة. يامحمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي. وتذكر حاجتك، ورح إليه حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال:ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال:ما كانت لك من حاجة فأتنا.
ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له:جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إليَّ حتى كلمتَه فيَّ. فقال عثمان بن حنيف:والله ما كلمتُه، ولكن شهدتُ رسول الله (ص) وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (ص) أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شقَّ علي. فقال له النبي (ص): إئت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات! قال عثمان بن حنيف:فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضُرٌّ قَـطْ.
صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله:لاشك في صحة الحديث المرفوع، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها على
التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لابأس بحديثه، بشرطين:أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد. والحديث رواه عن شبيب بن وهب وولداه إسماعيل وأحمد، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب في شبيب، وابنه اسماعيل لايعرف، وأحمد وإن روى القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد، ثم اختلف فيها على أحمد. ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني:وعون هذا وإن كان ضعيفاً فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي. انتهى.
وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:
أولاً: هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان، حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد، ثنا أبي عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر الخطمي، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فذكر القصة بتمامها. ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة، وهذا إسناد صحيح البخاري، ومعنى ذلك أنها صحيحة، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري،
فليتأمل. وإن الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب:١/٤٧٦ بإقراره للطبراني، والهيثمي في مجمع الزوائد: ٢/ ٢٧٩، أيضاً، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير: ١/٣٠٧، الروض الداني. وغيرهم.
ثانياً: أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد، ووثقه أبو حاتم الرازي، وكتب عنه هو وأبو زرعة، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي بن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد، من رجال البخاري أيضاً، روى عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد. ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط. قال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن زيد، وهو صالح الحديث لا بأس به. وقال ابن عدي:ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة. وقال ابن المديني:ثقة كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه كتاب صحيح.
هذا ما يتعلق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد، بل صرح ابن المديني بأن كتابه صحيح. وابن عدي إنما تكلم على نسخة الزهري عن شبيب فقط، ولم يقصد جميع رواياته!
فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة! يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري! وإنما رواه عن روح بن القاسم!
ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فيها حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم لون آخر من التدليس! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة، والبخاري يفعل هذا أيضاً، فكثيراً ما يذكر الحديث مختصراً أو يوجد عند غيره تاماً. والذي ذكر القصة في رواية البيهقي إمام فذ، يقول عنه أبو زرعة الدمشقي:قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلاً.
وتقديمه رواية عون الضعيف على من زاد القصة، لون ثالث من التدليس والغش! فإن الحاكم روى حديث الضرير من طريق عون مختصراً، ثم قال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد، والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون، هذا كلام الحاكم، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة على من لم يحفظ! والألباني رأى كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عناداً وخيانة.
ثالثاً: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الألباني وغشه، أن القصة صحيحة جداً، رغم محاولاته وتدليساته، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي (ص) بعد انتقاله، لأن الصحابي راوي الحديث فهم ذلك، وفهم الراوي له قيمته العلمية، وله وزنه في مجال الإستنباط.
وإنما قلنا إن القصة من فهم الصحابي على سبيل التنزل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من إرشاده الرجل إلى التوسل كان تنفيذاً لما سمعه من النبي (ص) كما ثبت في حديث الضرير. قال ابن أبي خيثمة في تاريخه:حدثنا مسلم بن ابراهيم، ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف (رضي الله عنه): أن رجلاً أعمى أتى النبي (ص) فقال:إني أصبت في بصري فادع الله لي قال: إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل:اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أستشفع بك إلى ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري. وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح.
والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي (ص) في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه.
وقد أعلَّ ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية. بينت بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه ولو كان في الصحيح! مثال ذلك: روى البخاري في صحيحه حديث (كان الله ولم يكن شئ غيره) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن، لكنه خالف رأيه في اعتقاده قدم العالم، فعمد إلى رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ (كان الله ولم يكن شئ قبله) فرجحها على الرواية المذكورة، بدعوى أنها توافق الحديث الآخر (أنت الأول فليس قبلك شئ).
قال الحافظ ابن حجر:مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية على الأولى لا العكس، والجمع مقدم عل الترجيح بالإتفاق.
قلت: تعصبه لرأيه أعماه عن فهم الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض…
مثالٌ ثانٍ: حديث أمر رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد. وابن تيمية لانحرافه عن علي كما هو معلوم، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين على وضعه!! وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة يعسر تتبعها). انتهى كلام الحافظ المغربي، وهو كلام متين..
الأسئلة
١ ـ بماذا استحليتم رد الحديث الشريف الصحيح الذي علَّم فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المسلمين التوسل به في حياته، وطبقه الصحابة بعد وفاته؟!
٢ ـ ما رأيكم في إشكالات الصديق المغربي على إمامكم الألباني؟
٣ ـ ما قولكم في استغاثة عبد الله بن عمر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما أصابه خَدَرٌ في بدنه، فقال (يا محمداه)! هل تحكمون بشركه أو بجهله؟
قال القاضي عياض في الشفا: ٢/٢٣: (وروي أن عبد الله بن عمر خدرت رجله فقيل له أذكر أحب الناس إليك يزل عنك فصاح يا محمداه فانتشرت).
وقال المناوي في فيض القدير:١/٥١٢: (كما شرعت الصلاة عليه عند خدر الرجل لخبر ابن السني: إن رجلاً خدرت رجله عند ابن عباس فقال له: أذكر أحب الناس إليك….. قال الهيتمي: إسناد الطبراني في الكبير حسن. ا هـ.
وبه بطل قول من زعم ضعفه فضلاً عن وضعه، بل أقول: المتن صحيح، فقد رواه ابن خزيمة في صحيحه باللفظ المذكور عن أبي رافع المزبور، وهو ممن التزم تخريج الصحيح، ولم يطلع عليه المصنف أو لم يستحضره، وبه شنعوا على ابن الجوزي. انتهى.
وقد رواه البخاري في الأدب المفرد ص٢٠٧،
والحربي في غريب الحديث:٢/٦٧٣، وابن الأثير في النهاية:٢/١٣، والنووي في الأذكار ص٣٠٥، والصالحي في سبل الهدى والرشاد:١١/٤٣١..الخ. فما قولكم فيه؟!
المســألة: ٣١
عائشة علمت المسلمين أن يتوسلوا بقبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!
عقد الدارمي في سننه:١/٤٣ باباً تحت عنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه (ص) بعد موته)، وروى فيه هذا الحديث: (حدثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة فقالت: أنظروا قبر النبي (ص) فاجعلوا منه كوىً إلى السماء، حتى لايكون بينه وبين السماء سقف، قال ففعلوا فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق).
وقد تحير ابن تيمية وأتباعه كالألباني في رواية عائشة في التوسل لأنها صريحة وهي على موازين علماء الجرح والتعديل صحيحة! وبحثا عن منفذ لتضعيفها، فتعقبهم النقاد من أتباع المذاهب المختلفة وكشفوا ما ارتكبوه في تضعيف حديث عائشة اتباعاً للهوى!
قال الصديق المغربي في كتابه: (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ص٢٣: (قال الدارمي في سننه… ونقل روايته ثم قال:
ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم، ووثقه يحيى بن معين. ذكر الألباني تضعيفه في كتابه (التوسل أنواعه وأحكامه ط.ثانية ص١٢٨) واحتج بحجج باطلة على عادته في تمويهاته، حيث نقل كلام ابن حجر في التقربب الذي يوافق هواه ولم ينقل من هنالك أنه من رجال مسلم في صحيحه، فلننتبه إلى هذا التدليس وهذه الخيانة التي تعود عليها هذا الرجل، الذي يصف أعداءه بكتمان الحق وما يخالف آراءهم، كما في مقدمته الجديدة لآداب زفافه والتي حلاها بما دل على اختلاطه من هجرٌ وخناً، ثم أردف ذلك بنقل ترجمة سعيد بن زيد من الميزان للذهبي، زيادة في الكتم والتعمية، وقد خان فلم يذكر ما ذكر الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب:٤/٢٩ من نقل أقوال موثقيه، زيادةً على أنه من رجال مسلم في الصحيح…. وضعفه أيضاً باختلاط أبي النعمان، وهو تضعيف غير صحيح لأن اختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته، قال الدارقطني: تغير بآخره وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر وهو ثقة. وقول ابن حبان وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد اختلاطه رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً!).
الأسئلة
١ ـ خالفتم أمكم عائشة فيما صح عنها في البخاري من نفيها المؤكد رؤية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لربه سبحانه، ورجحتم على قولها قول عكرمة البربري!
ثم خالفتموها في التوسل بالنبي بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورحجتم عليها قول إمامكم ابن تيمية! فأي قيمة تبقى عندكم لكلام أمكم، التي تدَّعون تقديرها وإطاعتها؟!
٢ ـ حكمت عائشة بكفر من يزعم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه، فشمل حكمها إمامكم ابن تيمية! وشملكم لأنكم قبلتم منه وقلدتموه فيه! فتكون أمكم قد كفرتكم!
وكفَّر إمامكم ابن تيمية كل من يتوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته، وحكمه يشمل أمكم عائشة!لأنها أمرت المسلمين بالتوسل بالميت وهو شرك أكبر؟!
فأي أبناء بارِّين بأمكم أنتم وقد بلغ من بركم بها أنكم تكفرونها؟
وأي أم محبة لكم هي، قد بلغ من حبها لكم أنها تكفركم؟!
المســألة: ٣٢
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الأحياء عند ربه وهو ينفع حياً وميتاً
من الإشكالات عليهم أن المسلم الذي يدافع عن بيته وماله فيقتل فهو حيٌّ عند ربه يرزق بنص القرآن، بقوله تعالى: (وََلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ). (سورة آل عمران: ١٦٩) فكيف تجعلون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو أفضل الخلق ميتاً لايسمع ولاينفع من يتوسل به إلى ربه، لأنه لا يستطيع أن يدعو له؟!
وأصل مشكلة هؤلاء المشايخ أنهم ينقصون من مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يفهمون شخصيته الربانية المقدسة، لغلظة أذهانهم وغلبة التفكير المادي عليهم!
فهم يتصورون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مات فقد انقطع عن الدنيا، فكأنهم غربيون لايؤمنون بعالم الغيب والروح، وحياة الشهداء عند ربهم، ولايستوعبون أن الأنبياء (عليهم السلام) أحياءٌ عند ربهم بحياة أعلى من حياة الشهداء.
والعجيب فيهم أنهم يغمضون أعينهم عن الأحاديث الشريفة الصحيحة الصريحة في حياة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن سلامنا يبلغه، وأنه يرد الجواب على من سلَّم عليه، وأن صلاتنا عليه تبلغه، وأعمالنا تعرض عليه!
وينسون أن الله تعالى أمرنا بآية صريحة في كتابه أن نأتي إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونستغفر الله عنده ونطلب منه أن يستغفر لنا، فقال: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (سورة النساء: ٦٤)
وهو أمرٌ عام لكل عصر، ومطلقٌ لحياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعد وفاته، وتخصيصه بحياته تحكُّمٌ بلا دليل.
قال الحافظ الصديق المغربي في الرد المحكم المتين ص٤٤: (فهذه الآية عامة تشمل حالة الحياة وحالة الوفاة وتخصيصها بأحدهما يحتاج إلى دليل وهو مفقود هنا.
فإن قيل: من أين أتى العموم حتى يكون تخصيصها بحالة الحياة دعوى تحتاج إلى دليل؟ قلنا: من وقوع الفعل في سياق الشرط. والقاعدة المقررة في الأصول أن الفعل إذا وقع في سياق الشرط كان عاماً، لأن الفعل في معنى النكرة لتضمنه مصدراً منكراً، والنكرة الواقعة في سياق النفي أو الشرط تكون للعموم وضعاً). انتهى.
ولايتسع المجال لاستقصاء الأدلة من الآيات والأحاديث وفتاوى فقهاء المذاهب، على حياة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ربه، وسماعه سلامنا وصلاتنا عليه وتوسلنا به، واستغفاره ودعائه لنا، فنكتفي ببعضها:
منها: ما رواه في مجمع الزوائد:٩/٢٤ قال: (باب ما يحصل لأمته (ص) من استغفاره بعد وفاته): عن عبدالله بن مسعود، عن النبي (ص) قال: إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام. قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:حياتي خير لكم تحدثون وتحدث لكم، ووفاتى خير لكم تُعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم). رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. انتهى. كما صححه عدد كبير من علماء
السنة، وقد عدَّدَ من صححه الحافظ السقاف في الإغاثة ص١١.
ومنها: أنه لوكان نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) لايسمع توسل المتوسلين إلى الله تعالى به كما يزعمون، فإن من اللغو والعبث أن يخاطبه المسلمون في صلاتهم فيقولون: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)؟!
وقد تحير أتباع ابن تيمية الحراني بهذا الإشكال، لأنهم مع جميع المسلمين يقولون في صلواتهم: (السلام عليك أيها النبي)!
وقد ارتكب الألباني محاولة مفضوحة للهروب من هذا الإشكال فوجد رواية ضعيفة عن ابن مسعود أعرض عنها المسلمون تقول أن بعض المصلين قال: (السلام على النبي ورحمة الله وبركاته) فتشبث بها وحاول أن يغير صيغة السلام في صلاة المسلمين، من الخطاب إلى الغيبة!
وقد رد عليه الحافظ الصديق المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع ص١٣) وكذا في رسالته (إرغام المبتدع الغبي في جواز التوسل بالنبي) فقال في الأخيرة ص١٩: (تواتر عن النبي (ص) تعليم التشهد في الصلاة، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه على المنبر النبوى أبو بكر وعمر وابن الزبير ومعاوية، واستقر عليه الإجماع كما يقول ابن حزم وابن تيمية!
والألباني لابتداعه خالف هذا كله وتمسك بقول ابن مسعود (فلما مات قلنا السلام على النبي)، ومخالفة التواتر والاجماع هي