قامت وزارة الدفاع الروسية وشركات الأسلحة الكبرى في هذا البلد في العقود الثلاثة الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، من خلال تنظيم معارض أسلحة داخل روسيا أو المشاركة في معارض مماثلة في دول أجنبية، بدعايات مكثفة في مجال قدرات الأسلحة الروسية الحديثة، وبالطبع وجدوا أيضًا عملاء كبار؛ لكن الحرب في أوكرانيا كانت أفضل فرصة لإثبات هذه القدرات من قبل الدولة المصنعة لهذه الأسلحة في مجال العمل، وبأعلى قدرة متاحة.
لكن الأحداث التي وقعت في الشهر الأول من الحرب، اعتبرت خيبة أمل كبيرة للصناعة العسكرية الروسية. وعلى الرغم من أن الجيش الروسي نجح في تحقيق تقدم كبير في أراضي أوكرانيا والسيطرة على حوالي 20٪ من أراضي هذا البلد، إلا أن الأداء الفني للمعدات المصنوعة في هذا البلد كان مختلفًا عن التصورات السابقة.
في الأيام الأولى من الحرب، أصبح من الواضح أن القوات الجوية الروسية، على عكس الافتراضات والادعاءات المقدمة، غير قادرة على قمع الدفاع الجوي لأوكرانيا؛ والعديد من حالات تحطم المقاتلات الحديثة في هذا البلد، مثل مروحيات سوخوي 34 أو مروحية كاموف كا-50 وميل مي-28، كانت نتيجةً لهذا الضعف وعدم القدرة.
وبدافع الضرورة، زاد سلاح الجو الروسي من المسافة بينه وبين ساحة المعركة من أجل تجنب المزيد من الضرر، ولم يوفر سوى غطاء جوي ومنع عمليات القوات الجوية الأوكرانية.
وفي ظل غياب الدعم الجوي وعدم قصف خطوط الدفاع الأوكرانية، لقيت القوات المدرعة والمدفعية للجيش الروسي المصير نفسه؛ وأصبحت المعدات مثل دبابة تی- 90 إم أو مدافع هاوتزر “مستا-إس إم2″، والتي كان من المفترض أن تجذب العملاء الأجانب بذكائها، إضافة إلى انتصار الجيش الروسي، أصبحت أهدافًا سهلةً للوحدات المضادة للدروع أو المدفعية الموجهة بدقة التي تبرع بها الناتو إلى أوكرانيا.
فشلت أنظمة الدفاع مثل S300 و S400 و بوك M2 وما إلى ذلك، على الرغم من نجاحها النسبي في أراضي أوكرانيا، في الدفاع بفعالية ضد هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار الأوكرانية على القواعد الجوية والمراكز العسكرية الحساسة للجيش الروسي في البر الرئيسي أو شبه جزيرة القرم، ووقعت مآسٍ مثل مجزرة مروحيات روسية في مطار خيرسون، أو تدمير 11 طائرة مقاتلة في قاعدة ساكي الجوية، أو إلحاق أضرار بالقاذفات الاستراتيجية الروسية في قاعدتي إنجلز وريازان الجويتين.
الطائرة المسيرة المنقذة تدخل المعرکة
إذا كان أحد يدعي قبل بدء المعركة ومراقبة أحداث العام الماضي، أن طائرةً دون طيار، أو بعبارة أخرى ذخيرة متسكعة جوية، ستصبح أفضل سلاح للجيش الروسي في ساحة المعركة، فمن المحتمل أنه کان يتعرض للسخرية من قبل الرأي العام. لكن في ساحة المعركة، أصبح هذا الادعاء حقيقةً.
إذا اعتبرنا خريف العام الماضي والهجمات المضادة الأوكرانية الكبيرة في مقاطعتي خاركيف وخيرسون، أسوأ فترة زمنية للجيش الروسي في الحرب الأخيرة، فإن بداية الهجمات العديدة التي شنتها طائرات “لانسيت” الروسية الانتحارية 3 دون طيار كان في نفس التاريخ تقريبًا.
بعد أن أصبحت المعدات الثقيلة مثل سوخوي 35 أو ميل 28 أو المدفعية بعيدة المدى للجيش الروسي غير قادرة على التعامل مع المعدات الغربية الحديثة الموجودة تحت تصرف أوكرانيا، دخلت طائرة دون طيار ساحة المعركة.
مع جمود ساحة المعركة في الشتاء، حوّلت المعدات الموجودة بالقرب من خطوط التلامس على الجانبين، ساحة المعركة إلى جنة لذخيرة Lancet المتسكعة. وباتت طائرات الاستطلاع دون طيار بعيدة المدى بكاميرات ذات جودة أفضل من ذي قبل، تراقب باستمرار ساحة المعركة للجيش الروسي، ومن خلال رؤية انتشار المعدات العسكرية الأوكرانية، تم إرسال طائرات لانسيت 3 دون طيار باتجاهها.
لمدة 8 أشهر تقريبًا، شهدنا كل يوم تقريبًا استهداف معدات عسكرية غربية حديثة تحت تصرف الجيش الأوكراني؛ وكان التركيز الرئيسي لهجمات لانسيت على المدفعية والدفاع الجوي للجيش الأوكراني، والتي كانت تعتبر مشكلتين رئيسيتين لروسيا منذ بداية الحرب.
بناءً على الصور التي نشرتها وزارة الدفاع الروسية، حتى اليوم أصابت الذخائر المتسكعة الروسية حوالي 300 نوع من المعدات الأوكرانية، مثل أنظمة الدفاع ومدافع الهاوتزر ذاتية الدفع والدبابات وناقلات الأفراد والرادارات، ونصف هذه المعدات دمرت بالكامل والنصف الآخر تضرر على مستويات مختلفة.
من بين الأهداف التي دمرها لاندسات 3، يمكننا أن نذكر معدات مثل مدافع الهاوتزر الفرنسية، ومدافع “کراب” البولندية، و إم 109 و إم 777 الأمريكية. كما تلقت أنظمة الدفاع الشرقية التي تمتلكها أوكرانيا، مثل S300 و بوك، ضربات شديدة من طائرات انتحارية روسية دون طيار.
تم الكشف عن قيمة برنامج الطائرات دون طيار الإيراني في المعركة بين الناتو وروسيا
استندت مساعدات الأسلحة الغربية لأوكرانيا منذ بداية الحرب، إلى تصنيف تهديدات الجيش الروسي. حيث إنه في البداية ومن أجل كبح جماح الفرق المدرعة الضخمة للجيش الروسي، أرسل الغرب صواريخ مضادة للدروع مثل جافلن؛ ولمواجهة طائرات الهليكوبتر ومقاتلات الدعم الوثيق، بدأ في إرسال الآلاف من صواريخ أرض-جو مثل ستينغر و ستار ستريك.
عندما بدأ القتال في شرق أوكرانيا (الربيع الماضي)، من أجل مضاهاة نيران المدفعية الأوكرانية بمنافستها، وصلت مدافع الهاوتزر إم 777 و قيصر و PZH2000 إلى كييف. وخلال فترة الشتاء والهجمات الضخمة بصواريخ كروز على منشآت الطاقة الأوكرانية، تم إرسال أنظمة دفاعية مثل جيبارد وكروتال و NASAMS إلى أوكرانيا.
حتى أن الناتو وافق على إرسال نظام باتريوت لمواجهة صواريخ إسكندر الباليستية وصواريخ كينجال التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، حيث يمكن أن تكون جزءًا من الهجمات. ولكن بعد 8 أشهر، لم تجد كل التكنولوجيا والصناعة العسكرية في الغرب حلاً للتعامل مع الطائرات الانتحارية الروسية مثل غران 2 و لانسيت 3.
من المؤكد أن الذخيرة المتسکعة لانسيت 3 لديها أكبر عدد من تدمير المعدات الأوكرانية الخاصة بنموذج سلاح واحد في ترسانة الجيش الروسي؛ وقد أدى الضغط الشديد الذي يمارسه هذا السلاح على الجيش الأوكراني، إلى لجوء هذا البلد إلى الأساليب القديمة مثل تركيب الشباك المعدنية على معداته العسكرية، ما يقلل بالطبع من قدرة هذه المعدات على الحركة والقوة النارية.
قد تذكرنا هذه القضية بهجمات أنصار الله الهائلة بطائرات دون طيار على المنشآت العسكرية والنفطية السعودية في ذروة الحرب، عندما كان الدفاع الجوي السعودي غير قادر على مواجهة هذه الهجمات بشكل فعال.
يتضح الآن سبب تركيز إيران المكثف وريادتها في مجال الطائرات دون طيار في العقود القليلة الماضية؛ حيث إنه في المعركة الضخمة بين روسيا والناتو وعندما فشلت معظم المعدات الروسية الحديثة في ساحة المعركة، تسبب الجمع بين طائرات الاستطلاع والذخيرة المتسکعة الانتحارية للجيش الروسي، في إلحاق أضرار جسيمة بالمعدات الغربية الموجودة لدی أوكرانيا، والتي لم تجد حتى اليوم أي حل لصد هذه الهجمات.