أوائل المقالات في المذاهب والمختارات / الصفحات: ٤٠١ – ٤٢٠
(١٨٧) قوله (ومنه سميت العصم وهي وعول الجبال لامتناعها بها)
أقول: الوعول يعتصم بالجبال فهي معتصمة والجبال عاصمة لها، وعليه فلو أطلقت العصمة على الجبال لكان إطلاقا لها على معناها الحقيقي وهو (ما يعتصم به) وأما إطلاقها على الوعول المعتصمة فهو إطلاق لها على عكس معناها من باب القلب كما هو شايع في لغة العرب.
(١٨٨) قوله (وحبل الله هو دينه)
مقتضى الروايات المتواترة والإجماع المدعى في كلام كثير أن حبل الله هو الإمام المعصوم دون غيره، ويدل عليه العقل القطعي أيضا لأن الأمة بجميع فرقها مجمعة على قبول الدين والقرآن والرسول (ص) ومع ذلك مختلفون أشد الاختلاف في أن الدين ما هو، ثم إنهم بعد اتفاقهم على القرآن مختلفون في أن القرآن هل تفسيره ما يقوله هذه الفرقة أو غيرها فكل فرقة تفسر على طبق عقيدتها ويجعله سندا لها فمضافا إلى أن القرآن لم يرفع النزاع صار من أكبر أسباب النزاع والاختلاف، فلم يبق إلا تفسير حبل الله بالإمام المعصوم.
إن قلت: فكما إنهم اختلفوا في الدين وفي القرآن اختلفوا في الإمام و مسألة الإمامة أكثر وأشد من أي خلاف ونزاع وتفرقوا أي تفرقة.
قلت: الاختلاف في تعيين الإمام موجود كما ذكر، ولكن بعد تعيينه في شخص أو أشخاص يختلف حاله عن الدين والقرآن فإن الأمة بعد إجماعهم على إن الدين عند الله الاسلام وإن هذا الموجود بين الدفتين كتاب الله لم يرتفع
(١٨٩) قوله (فجميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والأئمة معصومون لأنهم متمسكون بطاعة الله (تعالى)
كلمة (من) في الملائكة يمكن كونها تبعيضية، ويمكن كونها لبيان الجنس، وعلى التقديرين يتقيد عموم كلمة المؤمنين بأن يكون من هذه الأصناف الثلاثة أعني الملائكة أو الأنبياء أو الأئمة المعصومون، فلا وجه لتوهم إرادته قده عصمة جميع المؤمنين.
(١٩٠) قوله (وإنما الخلاف في حكمها وكيف تجب، وأي وجه تقع وقد مضى ذكر ذلك في عصمة الأنبياء وعصمة نبينا (ص)).
البحث عن العصمة تارة عن المعنى اللغوي والعرفي وقد بحث عنه هنا، وأخرى عن المعنى المصطلح عليه عند الشيعة والمبحوث عنه في علم الكلام، و هذا قد أشار إليها في القول ٣٢ و ٣٣ و ٣٧، وقد يبحث عن أدلتها والعلة الموجبة لها وأشار إلى هذا في البحث عن عصمة الأئمة عليهم السلام في القول ٣٧، وأخرى عن حقيقتها وما يتقوم بها ولم يبحث عنها في هذا الكتاب أصلا إلا إشارة، ورابعة عن متعلق العصمة وإنها من الصغائر والكبائر أو الكبائر فقط؟
وإنها تعم السهو النسيان أو – يختص بالعصيان وقد بحث عنه في عصمة الأنبياء القول ٣٢ وعصمة نبينا (ص) القول ٣٣ وعصمة الأئمة القول ٣٧، وخامسة عن موصوف العصمة وقد بحث عنه في المباحث الثلاث المشار إليها وعند البحث عن (تكليف الملائكة) في القول ٤٧ حيث قال فيه (وأقول إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار وعلى هذا القول جمهور الإمامية) فيكون المعصومون منحصرة فيمن أشار إليهم في هذا القول ١٥٣ وهم الأنبياء والأئمة والملائكة.
(١٩١) قوله (وهذا الباب ينبغي أن يضاف إلى الكلام في الجليل إن شاء الله (تعالى))
إنما ذكر هذا من جهة أنه ذكر بعد اللطيف من الكلام لئلا يتوهم أنه منه، نعم الباب الذي قبله أيضا لم يكن من لطيف الكلام (وهو إن إبليس هل هو من الملائكة أم من الجن) ولكن لكونه بحثا عن حقايق عالم الوجود كان لعده من اللطيف وجه، بخلاف بقية المسائل الآتية فإنها من الجليل لا من اللطيف.
(١٩٢) قوله في القول ١٥٤ (وإنها فضل تشرف المتحلي به على العاطل منه)
أقول: هذا دليل مستقل لا يرتبط بما قبله، ولعله أقوى الأدلة، لأن الدليل الأول يمكن يناقش فيه بأن أمور الخلق تتوقف على وجود الكتابة في بساط السلطان والرئيس مطلقا، لا على كون الرئيس نفسه كاتبا.
وأما كون الكتابة في نفسها فضيلة فلا يدفعها قضاء الحاجة بكتابة الأعوان والكتاب، فإن هذا يزيد إشكالا على إشكال وهو كون أعوان السلطان أفضل وأكمل من السلطان لاستكمالهم بالكتابة دونه.
وقد نسب الله (تعالى) الكتابة إلى نفسه في موارد بقوله وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة الآية الأعراف ١٤٥ وغيرها ولكن ليس الكاتب من أوصافه (تعالى) قطعا.
(١٩٣) قوله (لجاز أن يحوجه في جميع ما كلفه الحكم فيه إلى سواه).
إن قلت: هذا الدليل قضية شرطية وقياس شرطي لا ملازمة بين مقدمه و تاليه، وبعبارة أخرى لا كلية لكبراه أعني قولنا (كلما جاز أن يحوجه الله (تعالى) في بعض أموره إلى رعيته جاز أن يحوجه في كل أموره) وذلك لاحتياج النبي (ص) إلى الجيش في الحرب وإلى أرباب الصنايع والحرف في مشاغلهم مثل البناء والنجار والحداد وغيرهم ومع ذلك لا يحتاج إليهم في الأحكام الشرعية، فلا ملازمة بين الاحتياج في البعض والاحتياج في الكل.
قلت: ليس مضمون الكبرى الملازمة بين عدم الاحتياج في بعض الأمور بقول مطلق مع عدم الاحتياج في جميع الأمور بقول مطلق، بل الملازمة بين
(١٩٤) قوله (ولا معنى لقول من قال إن الكتاب هو القرآن خاصة)
سواء قلنا بأن الكتاب يختص بالقرآن أو يراد به مطلق الكتب السماوية أو عممناه لكل كتاب فشموله للكتابة ممنوع، لأن الكتاب عرفا اسم ذات عبارة عن مجموعة من الأوراق التي كتب فيها علم، ولغة كل ورقة كتب فيها شئ ولو لم يكن علما كما في قوله (تعالى) قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلى كتاب كريم النمل ٢٩، فالكتاب بأي معنى فسر لا يكون إلا ورقة كتب فيها شئ سواء كان علما أو لا، فيكون اسم ذات لا اسم معنى، فلا يشمل ملكة الكتابة التي هي من الكيفيات النفسانية ولا عمل الكتابة التي هو من مقولة الفعل.
فقول المصنف قده (إذا اللفظ عام لا ينصرف عنه إلا بدليل الخ) من جهة الكبرى مسلمة وإنما البحث في الصغرى إذ ليس معنى الكتاب شاملا للفعل الخارجي ولا للملكة حتى تصل النوبة إلى تخصيصه أو تقييده بدليل أو بغير دليل.
مضافا إلى منع العموم في معناه لاحتمال كون الألف واللام للعهد لا للاستغراق أو الجنس، فيكون إرادة القرآن مقطوعا به، ويكون شموله لغيره وإرادة العموم منه متوقفا على ثبوت كون الألف واللام للاستغراق أو للجنس.
(١٩٥) قوله (لما كان لتخصيصه النفي معنى يعقل)
ما ذكره قده في هذا الدليل يتوقف على أمرين الأول حجية مفهوم الزمان كما إذا قيل ما رأيت زيدا فيما مضى فيكون مفهومه إثبات الرؤية فيما سيأتي أو في زمان الحال، وهذا محل خلاف بين الأصوليين.
الثاني أن لا يكون للتقييد بالزمان فائدة غير الانتفاء عند الانتفاء، وهنا ليس كذلك، فإن الذي يثبت به كون القرآن من عند الله لا من قبل نفسه (ص) و لا يتعلم من عالم هو حاله قبل الإتيان بالقرآن، فإنه إذ أثبت أنه قبل البعثة وقبل أن يأتي بالقرآن والشريعة لم يكن يقرء ولا يكتب ولا شئ مما يوجد في العلماء العاديين من قراء الكتب وكتابتها، يثبت أن ما أتى به من عند الله، إذ التعلم عند البشر يحتاج إلى القراءة والكتابة، فإذا انتفيا انتفى التعلم وكون العلم الموجود عنده من عند غير الله فيثبت كونه من عند الله (تعالى) وتعليمه ويصح ما ذكره (تعالى) بقوله (إذا لارتاب المبطلون) وأما القراءة والكتابة المتأخرة عن النبوة والقرآن فلا دخل لهما في ثبوت نبوته (ص) ونفيه إذ هي قد تثبت فإن أثبتنا القراءة والكتابة بعد النبوة فتكون بتعليم الله (تعالى) وإن انتفتا كان أيضا على حسب ما رآه الله من المصلحة ولا يثير شكا.
وهذا الفرق يوجب المصلحة في تقييد نفي القراءة والكتابة في الآية بكلمة (من قبله) من دون أن تكون فائدته إثبات المفهوم لها بل فائدته قوله (تعالى) (إذا لارتاب المبطلون) ولا يصح قياسه بالشعر فإن المنفي مطلق الشعر، والعلة عدم كونه لائقا بشأنه مطلقا فينتفي مطلقا.
(١٩٦) قوله (ثبت أنه كان يحسن الكتابة بعد أن نبأه الله (تعالى))
المتيقن من سيرة النبي (ص) إنه لم يكتب عملا أصلا إما لأنه لم يكن يحسن الكتابة أو لأنه لم يكتب مع إحسانه لها فلم يدع أحد من علماء الاسلام إنه كتب قرآنا بخطه أو شيئا آخر.
والمورد الوحيد الذي اتفق على نقله الخاصة والعامة قوله (ص) في آخر عمره حيث قال: (إيتوني بدواة وقلم (أو كتف) اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقال عمران الرجل ليهجر) وحمله على الكتابة تسبيبا كما عن الواعظ الچرندابي طرح لصريح الرواية مع أن الذي تقتضيه مناسبة المقام كتابته بقلم نفسه كما هو واضح وهذا يدل على صحة ما ذكره المفيد من أنه (ص) كان يحسن الكتابة ويبقى الكلام في أنه ما المصلحة في التزامه (ص) بعدم الكتابة مطلقا طول عمره.
وأما ما يوجد في متحف تركيا من الخط المنسوب إليه فمن مصنوعات خلفاء آل عثمان أو غيرهم يقينا.
(١٩٧) قوله في القول ١٥٥ (ومما يضاف إلى الكلام في اللطيف)
يريد به خصوص القول ١٥٥ و ١٥٧، وأما القول ١٥٦ فليس من اللطيف، وعليه فيصير عدد الكلام في اللطيف ١٣٧ مسألة.
(١٩٨) قوله في القول ١٥٦ (إن الاجتهاد والقياس لا يسوغان)
أقول: للمفيد قده اجتهادات كثيرة في الفقه وكذا لبقية الفقهاء، حتى
وقد أفرطوا في التمسك بكلمة (التعبد بالنص) حتى صار فقه عصرنا غالبا لا يشبه أصلا بفقه الفقهاء الماضين إلا في أصل الانتساب إلى الشيعة، و ابتعدوا عن طريقة الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر والشيخين والشهيدين والفاضلين وغيرهم مع أن (التعبد بالنص) نفسه خلاف التعبد بالنص إذ لا يوجد هذه الكلمة في نص وإنما توجد (التفقه في النص) في القرآن والحديث، وما أكثر من يجعل الأخذ بالترجمة اللفظية للآية أو الحديث من دون نظر إلى لوازم المعنى وملزوماته ومناسبة الحكم والموضوع وغيره من الأمور التي بها يختلف حال المتعبد بالنص عن المتفقه فيه فقها واجتهادا، و صاحبه مجتهدا ولكن هيهات وقد اشتهر عن الشيخ الطوسي في مبسوطه كثرة العمل بالقياس، ومن راجعه يرى أنه من قبيل ما ذكرنا من التفقه في مقابل الجمود باللفظ من دون تفقه، فالاجتهاد الأصولي الشيعي تفقه ثم تعبد، والاجتهاد الاخباري تعبد على تعبد، يعني عند الأصولي في مقام فهم الحكم لا تعبد أصلا بل ينظر إلى غاية ما يمكن أن يفهم وأعمقها وأدقها ثم يتعبد به، وأما الاجتهاد الاخباري فالتعبد بمعنى سد باب الفهم والمنع عن التدبر والتفقه.
والصحيح أن ابن الجنيد أيضا إنما نسب إلى القياس لأنه وصل من التفقه إلى مرتبة لم يكن أهل زمانه ومن قرب من زمانه أهلا لهذه التحقيقات الفقهية.