الرئيسية / من / قصص وعبر / الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 6

الفاطمة المعصومة (سلام الله عليها) – محمد علي المعلم 6

من حروب الفتوحات إذ تركت حقدا دفينا تتوارثه الأجيال، حتى إذا أمكنتهم الفرصة للانتقام شنوا حروبا لا هوادة فيها على الدين والأخلاق وبأساليب مختلفة.
على أن هؤلاء القائمين على هذه الفتوحات لم يكونوا إلا ذوي أطماع في الدنيا وتهالك عليها، ولم يكن لهم نصيب من الإسلام.
والذي يؤيد ذلك: ما رواه ابن كثير في تفسيره – عند قوله تعالى: * (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار) * (1) – بسنده عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس، قالت:
بينما نحن بمكة قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الليل فنادى: هل بلغت، اللهم هل بلغت، ثلاثا، فقام عمر بن الخطاب فقال: نعم، ثم أصبح، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤنه، ثم يقولون قرأنا وعلمنا، فمن هذا الذي هو خير منا، فهل في أولئك من خير؟ (وفي رواية أخرى) فما في أولئك من خير، قالوا: يا رسول الله فمن أولئك؟ قال: أولئك منكم، وهم وقود النار (2).
أقول: كان هذا المبدأ أحد الركائز التي فتحت الباب على مصراعيه للدخول في دين الله، ولكن سياسة القائمين على الأمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي التي أوصدت الباب، وأحكمت إغلاقه، حيث رأت غير هذا.


(١) سورة آل عمران الآية ١٠.
(٢) تفسر القرآن العظيم ج 1 ص 357.

وأول من أحدث الطبقية بين المسلمين وأوجد الفوارق وأحيى النعرات الجاهلية بينهم فميز العرب على غيرهم، والقرشيين على سائر القبائل، والمهاجرين على الأنصار، والأحرار على الموالي، وفرق بين المسلمين هو عمر بن الخطاب (1).
وقد كانت هذه النزعة إحدى الفلتات التي كانت تظهر عليه في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما آل الأمر إليه اتخذها سياسة أجراها على الناس.
روى الكليني بسنده عن حنان، قال: سمعت أبي يروي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كان سلمان جالسا مع نفر من قريش في المسجد، فأقبلوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى بلغوا سلمان، فقال له عمر ابن الخطاب: أخبرني من أنت؟ ومن أبوك؟ وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز وجل بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا نسبي، وهذا حسبي، قال: فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلمان (رضي الله عنه) يكلمهم، فقال له سلمان: يا رسول الله ما لقيت من هؤلاء، جلست معهم فأخذوا ينتسبون، ويرفعون في أنسابهم حتى إذا بلغوا إلي قال عمر بن الخطاب: من أنت؟ وما أصلك؟ وما حسبك؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فما قلت له يا سلمان؟ قال: قلت له: أنا سلمان بن عبد الله، كنت ضالا فهداني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنت عائلا فأغناني الله

(1) الإمام الحسين (عليه السلام) ص 232 – 233.

عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكنت مملوكا فأعتقني الله عز ذكره بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذا نسبي، وهذا حسبي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله، قال الله عز وجل: * (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * (1) ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لسلمان:
ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز وجل، وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل (2).
وكانت هذه السياسة منه طامة كبرى حرفت مسار الإسلام عن طريقه المستقيم، ولو أعطينا التأمل حقه في هذا الأمر لرأينا أن ما أحدثه عمر من التمايز والتفاضل بين المسلمين على أساس من اعتبارات محضة، لا واقع لها أو بإزائها، قد أوجد ثغرة كبيرة، وأحدثت ردة فعل عنيفة راح ضحيتها كثير من المبادئ المشرقة، بل إن ذلك أوجد الخلاف والشقاق بين المسلمين أنفسهم، وما تمرد المتمردين على أمير المؤمنين (عليه السلام) إلا نتيجة طبيعية لهذه السياسة التي أسسها عمر بن الخطاب، وذلك لأن عليا (عليه السلام) أراد أن يرجع بالناس إلى سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فأباها أكثرهم، وكان الخلاف والشقاق إذ اعترضوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) لمساواته بينهم وبين عبيدهم، وهم يرون أن لهم شأنا، ذلك الشأن الذي غرسه عمر في أنفسهم، ووافق هوى في


(1) سورة الحجرات الآية 13.
(2) الروضة من الكافي – الحديث 203 ص 181 – 182.

(٣٥)

شاهد أيضاً

الألياف الغذائية.. فوائد متعددة لصحة الإنسان

أكدت الجمعية الألمانية للتغذية على الأهمية الكبيرة للألياف الغذائية للصحة العامة، مشيرةً إلى أن هذه ...