الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ١٠١ – ١٢٠
يحتكر الطعام على عهد رسول الله “صلى الله عليه وآله”(١).
وعن المامقاني: نقل الطبري: أنه كان عثمانياً متصلباً، تلكأ عن علي(٢)، ولم يشهد شيئاً من حروبه(٣).
إذن.. فمن الطبيعي أن يروي الزبير بن بكار، ومصعب بن عبد الله(٤) ـ وهما لا شك في كونهما زبيريي الهوى ـ: أنه لم يولد في جوف الكعبة سواه،
١- وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٧ ص٤٢٨ و (ط دار الإسلامية) ج١٢ ص٣١٦ والكافي ج٥ ص١٦٥ ومن لا يحضره الفقيه ج٣ ص٢٦٦ والإستبصار ج٣ ص١١٥ وتهذيب الأحكام ج٧ ص١٦٠ ومستدرك الوسائل ج١٣ ص٢٧٦ ودعائم الإسلام ج٢ ص٣٥ والتوحيد للصدوق ص٣٨٩ ونور البراهين للجزائري ج٢ ص٣٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج١٨ ص٧١.
٢- قاموس الرجال ج٣ ص٣٨٧ عن تنقيح المقال.
٣- قاموس الرجال ج٣ ص٣٨٧.
٤- راجع: الإصابة ج١ ص٣٤٩ ومستدرك الحاكم ج٣ ص٤٨٣ وتهذيب التهذيب ج٢ ص٣٨٤ وسير أعلام النبلاء ج٣ ص٤٦.
وذلك على خلاف جميع الأخبار المتواترة، ومخالفة لكل من نص على أنه لم يولد فيها سوى أمير المؤمنين “عليه السلام” لا قبله ولا بعده؟!
لماذا ولد علي (عليه السلام) في الكعبة؟!:
وهناك سؤال يقول:
كيف نفسر اختصاص أمير المؤمنين “عليه السلام”، بكرامة الولادة في الكعبة، دون رسول الله “صلى الله عليه وآله”؟!
ونقول في جوابه ما يلي:
إننا قبل كل شيء، نحب التذكير بأن بين النبوة والإمامة، والنبي والإمام، فرقاً، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر، ومن يتيقن ويشك، ومن يحب ويبغض..
فأما بالنسبة للنبوة والنبي “صلى الله عليه وآله”، فإن أدنى شك أو شبهة بها، وكذلك أدنى ريب في الرسول “صلى الله عليه وآله” يوجب الكفر والخروج من الدين، كما أن بغض الرسول “صلى الله عليه وآله” بأي مرتبة كان، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً، ويلحقه بالكفر، وتترتب عليه أحكامه في مرحلة الظاهر، فيحكم عليه بالنجاسة، وبأنه لا يرث من المسلم، وبأن زوجته تبين منه، وتعتد، وبغير ذلك..
وأما الإمامة والإمام “عليه السلام”، فإن الحكمة، والرحمة الإلهية، وحب الله تعالى للناس، ورفقه بهم، قد اقتضى: أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة، أو شك فيها، أو في الإمام “عليه السلام”، أو قصر في حبه.. ولكن بشرطين..
أحدهما: أن يكون ذلك الإنكار، أو الشك، أو التقصير ناشئاً عن شبهة، إذ مع اليقين بثبوت النص وفي دلالته، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله “صلى الله عليه وآله”، راداً على الله سبحانه، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً..
الثاني: أن لا يكون معلناً ببغض الإمام، ناصباً العداء له، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً..
النبي (صلى الله عليه وآله) لا يقتل أحداً؛ لماذا؟
وبعدما تقدم نقول:
لا ريب في أن قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات، وأن في الجهاد قتلاً ويتماً، ومصائب ومصاعب، ولم يكن يمكن لرسول الله “صلى الله عليه وآله” أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك، وقتل فراعنته وصناديده.. لأن ذلك يوجب أن ينصب الحقد عليه، وأن تمتلئ نفوس ذوي القتلى ومحبيهم، ومن يرون أنفسهم في موقع المهزوم، بغضاً له، وحنقاً عليه..
وهذا يؤدي إلى حرمان هؤلاء من فرصة الفوز بالتشرف بالإسلام، وسيؤثر ذلك على تمكّن بنيهم، وسائر ذويهم ومحبيهم من ذلك أيضاً.. فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول “صلى الله عليه وآله”، الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ألا وهو أمير المؤمنين “عليه السلام”..
واقتضت هذه الرحمة أيضاً رفع بعض الأحكام الظاهرية ـ دون الواقعية ـ المرتبطة بحبه وبغضه، وبأمر إمامته “عليه السلام”، تسهيلاً من
الله على الناس، ورفقاً بهم ـ رفعها ـ عن منكر إمامته “عليه السلام”، وعن المقصر في حبه، ولكن بالشرطين المتقدمين وهما: وجود الشبهة وعدم نصب العداء له، لأنه مع عدم الشبهة يكون من قبيل تعمد تكذيب الرسول “صلى الله عليه وآله”، ومع نصب العداء يتحقق التمرد والرد على الله سبحانه، كما قلنا..
معالجة قضايا الروح والنفس:
ثم إن معالجة قضايا الحب والبغض، والرضا والغضب، والإنفعالات النفسية، تحتاج إلى اتصال بالروح، وبالوجدان، وإلى إيقاظ الضمير، وإثارة العاطفة، بالإضافة إلى زيادة البصيرة في الدين، وترسيخ اليقين بحقائقه..
وهذا بالذات هو ما يتراءى لنا في مفردات السياسة الإلهية، في معالجة الأحقاد التي علم الله سبحانه أنها سوف تنشأ، وقد نشأت بالفعل، كنتيجة لجهاد الإمام علي “عليه السلام”، في سبيل هذا الدين..
ونحن نعتقد: أن قضية ولادة الإمام علي “عليه السلام” في جوف الكعبة، واحدة من مفردات هذه السياسة الربانية، الحكيمة، والرائعة..
ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة صنع الله:
ويمكن توضيح ذلك بأن نقول:
إن ولادته “عليه السلام”، في الكعبة المشرفة، أمر صنعه الله تعالى له، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة، وسبباً من أسباب هدايتها.. وهي ليست أمراً صنعه الإمام علي “عليه السلام” لنفسه، ولا هي مما سعى
إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو اتهامهم بالسعي لتأييد مفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته “عليه السلام” حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة الشريفة..
وقد جرى هذا الصنع الإلهي له “عليه السلام” حيث كان لايزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه تعالى له، وعنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الإهتداء إلى نور ولايته أيسر، ويكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذين سوف تترك لمسات ذباب سيفه “ذي الفقار” آثارها في أعناق المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم صلة أو رابطة من أي نوع..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
ثم إن هذا الرصيد الوجداني، قد هيأه الله لهم ليختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضل علي “عليه السلام” وإمامته، ثم جاء الواقع العملي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ووقوفهم على ما حباه الله به من ألطاف إلهية، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله، ومن عباده المخلصين.
وذلك سيجعلهم يدركون: أنه “عليه السلام”، لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له “عليه السلام”، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، والضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
ولادة علي (عليه السلام) في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي “عليه السلام”، في الكعبة المشرفة، لطف إلهي، بالأمة بأسرها، حتى بأولئك الذين وترهم الإسلام، وهو سبيل هداية لهم ولها، وسبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان، عن الإمعان في الطغيان، والعدوان، وعن الإنسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي “عليه السلام” وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته “عليه السلام”، في الكعبة سبباً أو منشأً لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد
حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله “صلى الله عليه وآله”، فإن معجزته الظاهرة التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وإلى صفاته، وإلى النبوة، وتدلهم على النبي، وتؤكد صدقه، وتلزم الناس كلهم بالإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى التسليم باليوم الآخر ـ إن هذه المعجزة ـ هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة، سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فإن الله تعالى لم يصنع لرسوله “صلى الله عليه وآله”، ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه، لا بد لهم من الخضوع والبخوع له، وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى، في سياسية الهداية الإلهية
إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس، وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة. فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه، إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه، لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو إضعافه.
علي (عليه السلام) في كنف الرسول (صلى الله عليه وآله):
ورد في رواية يزيد بن قعنب: أن فاطمة بنت أسد ولدت علياً “عليه السلام” ولرسول الله”صلى الله عليه وآله” ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله “صلى الله عليه وآله” حباً شديداً. وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي.
وكان “صلى الله عليه وآله” يلي أكثر تربيته، وكان يطهّر علياً “عليه السلام” في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويجعله على صدره، ويقول: هذا أخي، ووليي، وناصري، وصفيي، وذخري، وكهفي، وصهري، ووصيي، وزوج كريمتي، وأميني على وصيتي، وخليفتي.
وكان يحمله دائماً، ويطوف به جبال مكة، وشعابها، وأوديتها(١).
١- بحار الأنوار ج٣٥ ص٩ و ١٠وكشف اليقين ص١٩ـ ٢١ وبشارة المصطفى ص٧ و ٨ وكشف الغمة ج١ ص١٢٦و ١٢٧و (ط دار الأضواء) ص٦١ وكتاب الأربعين ص٦١ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢١٩ وخصائص الوحي المبين ص٢٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٧٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٥٧.
وقال المعتزلي: “عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين “عليه السلام”: سمعت زيداً ـ أبي ـ يقول: كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” يمضغ اللحمة والثمرة حتى تلين، ويجعلهما في فم علي “عليه السلام”، وهو صغير في حجره”(١).
وفي خطبته “عليه السلام” المسماة بالقاصعة يقول عن رسول الله “صلى الله عليه وآله”: “وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل..”.
إلى أن قال: “ولقد كنت أتبعه اتِّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالإقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري”.
ونقول:
لاحظ ما يلي:
لماذا في غار حراء؟!:
وقد ذكر “عليه السلام” أنه كان مع النبي “صلى الله عليه وآله” حين
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٣ و ٣٢٤ وشرح أصول الكافي ج٢ ص٢٩٨ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٢.
يكون في حراء فيراه ولا يراه غيره، لم يكن “عليه السلام” مجرد متفرج على رسول الله “صلى الله عليه وآله”، بل كان يشاركه في تعبده وتخشعه.
والذي نراه: أن تعبده “صلى الله عليه وآله” هو وعلي “عليه السلام” بحراء لم يكن عفوياً، بل كان له سبب هام جداً، وهو أن الأصنام قد وضعت حول الكعبة وفيها وعليها، فلم يكن يتعبد عندها أو فيها كراهة أن يتخيل أحد أنه إنما يسجد للأصنام، أو يخضع لها، أو أنه يُكِنُّ لها في نفسه شيئاً من الإحترام الذي يزعمونه.
ويلاحظ: أن بني هاشم وعلى رأسهم عبد المطلب وأبو طالب لا يُذْكَرُون في جملة المترددين على الكعبة، أو في جملة الذين يجلسون عندها، أو في جملة من كان يعظم تلك الأصنام، ربما لأنهم كانوا أيضاً على دين الحنيفية، ويريدون أن ينأوا بأنفسهم عن أن يتوهم في حقهم أي تقديس لتلك الأصنام.
لو ولدت الزهراء (عليها السلام) قبل البعثة!!:
وقال “عليه السلام”: “ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام، غير رسول الله “صلى الله عليه وآله” وخديجة، وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة”(١).
١- نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة القاصعة رقم ١٩٢ ج٢ ص١٥٧ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٨٠ والطرائف لابن طاووس ص٤١٤ ـ ٤١٥ وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص٢٢٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٢٣ وحلية الأبرار ج٢ ص٣٠ وبحـار الأنـوار ج١٤ ص٤٧٥ وج١٥ = = ص٣٦١ وج٣٨ ص٣٢٠ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٤٣٦ والأنوار البهية ص٣٥ وجامع أحاديث الشيعة ج١ ص٦٨ والغدير ج٣ ص٢٤٠ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٣٣١ وسنن النبي “صلى الله عليه وآله” للسيد الطباطبائي ص٤٠٣ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص٥٣١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص١٩٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٣٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص٥٣٢.
ويدل هذا الكلام على: أن فاطمة الزهراء “عليها السلام” قد ولدت بعد البعثة، إذ لو كانت قد ولدت قبل البعثة بخمس سنين ـ كما يزعمون ـ لم يصح قوله “عليه السلام”: لم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله “صلى الله عليه وآله” وخديجة وأنا ثالثهما.
كما أن قوله “عليه السلام”: إنه سمع رنة الشيطان حين البعثة يدل على عدم صحة قولهم: إن الوحي نزل على النبي “صلى الله عليه وآله” وهو في حراء، وكان وحده، فرجع إلى خديجة يرجف.
العلاقة بين النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي (عليه السلام):
وعن الفضل بن عباس: سألت أبي عن ولد رسول الله “صلى الله عليه وآله” الذكور: أيهم كان رسول الله “صلى الله عليه وآله” له أشد حباً؟!
فقال: علي بن أبي طالب “عليه السلام”.
فقلت له: سألتك عن بنيه؟!
فقال: إنه كان أحب إليه من بنيه جميعاً وأرأف. ما رأيناه زايله يوماً من الدهر، منذ كان طفلاً، إلا أن يكون في سفر لخديجة. وما رأينا أباً أبر بابن منه لعلي “عليه السلام”، ولا أبناً أطوع لأب من علي له(١).
وروى جبير بن مطعم، قال: قال أبي مطعم بن عدي لنا، ونحن صبيان بمكة: ألا ترون حب هذا الغلام ـ يعني علياً “عليه السلام” ـ لمحمد “صلى الله عليه وآله”، واتَّباعه له دون أبيه؟! واللات والعزى، لوددت أنه أبني بفتيان بني نوفل جميعاً(٢).
إن جبير بن مطعم يود أن علياً “عليه السلام” ولده، حتى لو خسر جميع فتيان بني نوفل.
ولادة علي (عليه السلام) قبل زواج خديجة:
اتضح مما سبق: أن النبي “صلى الله عليه وآله” حين ولادة علي “عليه
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠٠ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٥ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص٤٦.
٢- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٠١ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣٢٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٥.
السلام” كان لا يزال في بيت أبي طالب، وقد طلب من فاطمة بنت أسد أن تجعل مهده بقرب فراشه، فكان هو “صلى الله عليه وآله” يتولى أكثر تربيته..
وهذا يعني: أنه “صلى الله عليه وآله” لم يكن قد تزوج بخديجة، إذ لو كان قد تزوجها لكان فراشه في بيته، لا في بيت أبي طالب.. ولكان من غير الطبيعي أن يتولى هو أكثر تربية علي “عليه السلام”.
وهذا يعطي: أن الرواية الصحيحة في تاريخ زواج النبي “صلى الله عليه وآله” بخديجة هي تلك التي تقول: إنه قد تزوجها وهو في سن الخامسة أو الثالثة والثلاثين، أي بعد ولادة علي “عليه السلام” بخمس أو ثلاث سنوات، فراجع(١).
خصني بالنظر وخصصته بالعلم:
قال ابن شهراشوب: “وسمعت مذاكرة: أنه لما ولد علي “عليه السلام” لم يفتح عينيه ثلاثة أيام، فجاء النبي “صلى الله عليه وآله”، ففتح عينيه، ونظر إلى النبي “صلى الله عليه وآله”، فقال صلوات الله عليه: خصني بالنظر، وخصصته بالعلم”(٢). أي أنه “عليه السلام” لا يريد أن يفتح عينيه إلا على مصدر الخير والبركات.. كما أنه “صلى الله عليه وآله” حباه بالخير كله حين
١- راجع: كتابنا: الصحيح من سيرة النبي “صلى الله عليه وآله” (الطبعة الرابعة) ج٢ ص١١٤ و (الطبعة الخامسة) ج٢ ص١٩٩.
٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص١٤٦.
خصه بالعلم.
ولعل ذلك قد حصل في الأيام التالية للولادة بأن يكون “صلى الله عليه وآله” قد غاب عنه، فلم يفتح عينيه في وجه أحد إلا في وجه رسول الله “صلى الله عليه وآله”.
النبي (صلى الله عليه وآله) يخبر بالغيب عن علي (عليه السلام):
ثم إن ما ورد على لسان النبي “صلى الله عليه وآله” من أن علياً “عليه السلام” وصيه وزوج ابنته، وناصره، وخليفته يؤكد ما قلناه أكثر من مرة، من أنه “صلى الله عليه وآله” كان نبياً منذ صغره، إذ لا سبيل إلى معرفة هذه الأمور إلا بالوحي الإلهي.. لا سيما وأن النبي “صلى الله عليه وآله” لم يكن قد تزوج بعد، وإن كان قد تزوج بالفعل، فإن الزهراء “عليها السلام” لم تكن قد ولدت أصلاً بالإتفاق..
علي (عليه السلام) يشير إلى معنى العصمة:
وفي قول أمير المؤمنين “عليه السلام” في خطبته القاصعة: “وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل” إشارة إلى عصمته “عليه السلام” منذ صغره.. وهذا يؤكد كمال عقله، وتحليه بالكمالات التي تفرض سلامة الفكر، والقول، والعمل. ويدل أيضاً على أن طفولته لم تكن طفولة طيش، وهوى، بل هي محض الاتزان، والحكمة، والوعي، والإلتزام..
النبي (صلى الله عليه وآله) تولى تغذية علي (عليه السلام):
قال برهان الدين الحلبي: “فلم يزل علي “عليه السلام” مع رسول الله
“صلى الله عليه وآله”..”.
وفي خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي “صلى الله عليه وآله” تولى تسميته بعلي، وتغذيته أياماً من ريقه المبارك، يمص لسانه، فعن فاطمة بنت أسد، أم علي “رضي الله تعالى عنها” قالت: “لما ولدته سماه علياً، وبصق في فيه. ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام.
فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة، فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمداً “صلى الله عليه وآله”، فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله”(١).
وفي نص آخر عن فاطمة بنت أسد: كنت مريضة فكان محمد “صلى الله عليه وآله” يمص علياً “عليه السلام” لسانه في فيه، فيرضع بإذن الله(٢).
أحب الناس إلى النبي (صلى الله عليه وآله):
روي عن عائشة وابن العاص: أنهما سألا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟!
فقال: أبو بكر.
١- السيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج١ ص٢٦٨ و (ط دار المعرفة سنة ١٤٠٠هـ) ج١ ص٤٣٢ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية)، والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص٥٣٢.
٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٦٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٨ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٣١٨ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٣٧٨ والأنوار العلوية ص٣٨.
قالا: ثم من؟!
قال: عمر.
فقال فتى من الأنصار: يا رسول الله، فما بال علي؟!
فقال له النبي “صلى الله عليه وآله”: ما ظننت أن أحداً يُسْأَل عن نفسه(١).
مع أن عائشة تروي عن رسول الله “صلى الله عليه وآله” أنه قال: إن أحب الناس إليه “صلى الله عليه وآله” فاطمة “عليها السلام” من النساء، وعلي “عليه السلام” من الرجال(٢).
١- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج٢ ص٢٧٢ وعن: السيوطي في كتاب اللآلي المصنوعة (ط١) ج١ ص١٩٨ بطرق ثلاثة أو أربعة وروى بعضها أيضاً تحت الرقم: (٣٦١) من باب فضائل علي “عليه السلام” من كنز العمال (ط٢) ج١٥ ص١٢٥.
٢- راجع المصادر التالية: المسترشد للطبري ص٤٤٩ و ٤٥٠ وشرح الأخبار ج١ ص١٤٠ و ٤٢٩ وج٣ ص٥٥ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص١١١ والفضائل ص١٦٩ والطرائف ص١٥٧ وذخائر العقبى ص٣٥ ص٦٢ وبحار الأنوار ج٣٢ ص٢٧٢ وج٣٧ ص٧٨ وج٣٨ ص٣١٣ وج٤٣ ص٣٨ و ٥٣ وج٣ ص١٥٧ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص١٤٥ و ١٤٦ و ١٥١ و ٢٣٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٢ ص٣٠٢ والغدير ج١٠ ص٨٦ ومكاتيب الرسول ج٣ ص٦٧٢ وسنن الترمذي ج٥ ص٣٦٢ والمستدرك للحاكم ج٣ ص١٥٧ ونظم درر السمطين ص١٠٢ وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص١٠٩ وتاريخ بغداد ج١١ ص٤٢٨ وكنز العمال ج١٣ ص١٤٥ = = وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٦١ و ٢٦٣ و ٢٦٤ وتهذيب الكمال ج٥ ص١٢٦ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص١٢٥ و ١٣١ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله “عليهم السلام” للبري ص١٧ وإعلام الورى ج١ ص٢٩٥ والمناقب للخوارزمي ص٧٩ وكشف الغمة ج١ ص٩٤ وج٢ ص٩٠ وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي “عليه السلام” ج١ ص٥٣ وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج٢ ص٣٩ و ٥٥ و ١٥١ و ٣٢٠ واللمعة البيضاء للتبريزي ص١٧٩ والنصائح الكافية لمحمد بن عقيل ص٥٠.