الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبية في الإسلام

الآداب الطبية في الإسلام

والخلاصة : أن أوروبا قد ظلت قروناً عديدة وكتب الشيخ الرئيس مرجعها الوحيد في الدراسة الطبية والفلسفية ( 1 ) . وكان ابن سينا يلقب في أوروبا بملك الأطباء ، وظل كتابه يدرس إلى سنة 1650 م في جامعة « لوون » في بلجيكا ، و « مونبليه » في فرنسا ( 2 ) . .
ويقول فيليب حتى عن كتاب « الملكي » لعلي بن العباس : « إنه الكتاب الوحيد الذي نقله الصليبيون إلى اللغة اللاتينية . وقد ظل كتاباً مدرسياً في الشرق والغرب إلى أن حل محله الكتاب الذي وضعه ابن سينا ، وهذا أشبه بموسوعة طبية » ( 3 ) .
ويذكر كوستاف لوبون : أن كتاب الملكي قد ترجم سنة 1127 وطبع في سنة 1523 م ( 4 ) .
كما أن كتاب الحاوي للرازي قد ترجم إلى اللاتينية ، وطبع مراراً « يستعمل ككتاب مدرسي في المعاهد الطبية الأوروبية ، إن علم الرازي وفضله على العلوم الطبية يرفعان من قدره ، ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء المفكرين الخلاقين في أوروبا الوسيطة . . » ( 5 ) .
وعلى كل حال . . فإن كتب الرازي قد بقيت مدة طويلة جزءاً من الكتب الدراسية حتى القرن السابع عشر . وكذلك كتب ابن سينا ، ويوجد بها فرمان
لمدرسة دار الفنون مؤرخ في سنة 1617 م ( 1 ) .
ولم يقتصر الأمر على كتاب الحاوي من مصنفات الرازي ؛ بل إن أكثر مصنفاته قد ترجمت إلى اللاتينية وطبعت مراراً ابتداءً من سنة 1509 م ( 2 ) .
أما گوستاف لوبون فقد أجمل ما تقدم بقوله : « لقد ترجمت كتب ابن سينا إلى مختلف لغات الدنيا ، وبقيت حوالي ستة قرون تعتبر أصول ومباني الطب ، كما أن مدارس الطب ، وخصوصاً دار الفنون في فرنسا وإيطاليا كانت تقتصر على تدريس كتبه ، ولم يمض خمسون سنة ، على خروج كتبه من الدراسة في فرنسا . .
ولا يقتصر عن ذلك اهتمام الأوروبيين بكتب الرازي ترجمة وتدريساً . وهناك كتب ابن رشد الطبية التي طبعت مراراً في أوروبا ، وكذلك كتاب علي بن عباس . .
وأكثر من ذلك ، فإن كل الجراحين الذين جاؤوا بعد القرن الرابع عشر للميلاد قد اعتمدوا – كما يقول هالر – على كتب الزهراوي الأندلسي « المعروف بالبقاسس » المتوفي سنة 1107 م ، صاحب كتاب : التصريف لمن عجز عن التأليف ، وقد اخترع هذا العالم بنفسه كثيراً من آلات الجراحة ، وبحث عن تفتيت الحصاة بشكل كامل ، مع أن هذا يعد « غلطاً » من الأعمال الجديدة ، وأول طبعة لكتابه باللاتينية كانت سنة 1497 م وآخرها سنة 1861 م ، الخ كلامه ( 3 ) .
وهناك أيضاً كتاب التيسير لابن زهر الأندلسي ، الذي عاش في القرن السادس للهجرة ، وقد استفاد منه الإفرنج في نهضتهم الحديثة ( 1 ) ويقول بروكلمان عن كتاب الزهراوي المنسوب إلى الزهراء ضاحية في قرطبة ، والمتوفي سنة 1023 : « والحق أن الأجيال التالية احتفلت احتفالاً خاصاً بالجزء المفرد للجراحة في هذا الكتاب بما يشتمل عليه من وصف مفصل للآلات الجراحية ، فنقل إلى اللاتينية في القرن الخامس عشر ، ونشر في طبعات عدة » ( 2 ) .
هذا . . وبمراجعة بسيطة إلى لوائح مؤلفات الأطباء المسلمين والفروع التي تطرقوا إليها يعرف إلى أي حد بلغ الطب عندهم في تشعباته وفروعه المختلفة . . ويكفي أن نذكر أن البعض يعتبر أنه بعد أن شرع المسلمون يعملون مستقلين ، برز عطاؤهم المبتكر بصورة خاصة في حقل التطبيب ، وفي الرياضيات والجغرافيا ( 3 ) .
وقد فاته أنهم قد برز عطاؤهم المبتكر في غير ذلك من العلوم أيضاً كالكيمياء وغيرها ، وقد يكون من بينها ما أبدعوا فيه أكثر من إبداعهم في هذه العلوم التي أشار إليها .
وأخيراً . . فإن گوستاف لوبون يقول : بما أن الكتب الطبية العربية قد ترجمت عموماً إلى اللغات الأوروبية ، فإنها لم تتعرض للضياع كثيراً ، كما كان الحال بالنسبة لسائر الكتب ( 4 ) .
ولكن الحقيقة هي : أن من يراجع كتب الموسوعات والتراجم يجد أسماء آلاف من الكتب الطبية فيها – وهم لم يذكروا إلا قسماً محدوداً منها – ولم يوجد لها في هذه الأيام عين ولا أثر ، فليراجع على سبيل المثال : كتاب : كشف الظنون ، وعيون الأنباء ، وتاريخ الحكماء ، والفهرست لابن النديم وغيرها ليجد أن معظم الكتب الطبية الإسلامية لا يعرف إلا أسماء عدد محدود منها .
بعض منجزات المسلمين الطبية :
إنه لا ريب في أن الطب كان يعتبر في شرق البلاد الإسلامية وغربها من أرفع العلوم شأناً ، وأسماها مقاماً ، كما أشار إليه البعض ( 1 ) .
كما أنه لا ريب في أن للمسلمين بحوثاً عميقة في الطب ، وحصلوا على نتائج كبيرة فيه ( 2 ) وقد طوروا علم الطب ، وفن الجراحة إلى أعلى الدرجات ( 3 ) .
وبقيت أوروبا تعتمد على تصانيفهم في الجراحة حتى الأزمنة المتأخرة ، وكذا استعمالهم البنج في الجراحة ، وغير ذلك كثير . . وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة إلى اليوم ( 4 ) .
كما أن الرازي هو أول من استعمل السبيرتو ، والفتيلة ذات الطرفين في معالجة الجراح ، كما انه أول من استعمل الماء البارد في الحمى الدائمة ( 5 ) .
قال محمد الخليلي عن الرازي : « هو أول من اكتشف زيت الزاج المسمى اليوم حامض الكبريتيك ، ويدعى في اللغة العربية الزاج الأخضر ، وكان قبلا يسمى زيت الرازي ، وقد استخرجه من كبريتات الحديد ، وطريقة استعماله لا تزال مستعملة كما هي ، وهو أول من استخرج الكحول « أي السبيرتو » ، واستحضرها من المواد النشوية والسكرية المختمرة : وهو أول من عرف الجدري وعزل المصابين به في مستشفاه ، وامر بعزلهم في البيوت . وهو أول من عرف الأمراض السارية ، وهو أول من اخترع الخلال المعروف عند أطباء العرب ، وهو أن يثقب الجلد ، ويمرر فيه خيط غليظ ليسيل الصديد من الدنبلة ، أو أي ورم آخر . . انتهى » ( 1 ) .
وعلى كل حال فإن في اكتشاف الرازي للسبيرتو ، وأسيد السولفوريك يكون قد أسدى خدمة جلى للطب ( 2 ) .
أما الفتائل ذات الطرفين ، والمشار إليها آنفاً ، فإنها كانت لا تزال مستعملة إلى أواسط النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري .
كما أن الرازي هو أول من شرح تشعبات الأعصاب في الرأس والرقبة بشكل واف وواضح ، وهو أول من أجرى عملية خياطة جرح المعدة بواسطة المصران المعوج في الغنم ، كما أنه أول من اكتشف الطب المفصلي ، واستعمل القطن ( 3 ) .
ويقول فيليب حتى : « . . وقد ألف الرازي أقدم كتاب طبي يميز فيه سريرياً بين الحصبة والجدري ، ولسنا نعلم : أن الإغريق أو غيرهم من
الشعوب توصل إلى هذه المعرفة قبل عهد الرازي » ( 1 ) .
ويضيف : « إن علم الرازي وفضله على العلوم الطبية يرفعان من قدره ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء المفكرين الخلاقين في أوروبا الوسيطة » ( 2 ) .
ولست أدري أين هؤلاء العظماء الخلاقون في أوروبا الوسيطة ؟ ! وهل كان في أوروبا آنذاك عظيم ؟ ! أو ليست أوروبا لا تزال تعتمد على علم الرازي وأمثاله من علماء المسلمين حتى الأمس القريب ؟ ! . .
أو ليس يقولون ؟ إن محمد بن أحمد الحتاتي الذي نشأ في القاهرة ، والمتوفي سنة 1052 ه‍ قد : « رحل إلى الروم ، ومكث بها مدة طويلة ، ولم يسعفه الدهر بما يروم ، فتنقل في المدارس حتى صار رئيس الأطباء في اسكى سرايا ثم رجع إلى القاهرة ؟ » ( 3 ) .
ويدعي فيليب حتى : أن من مبتكرات كتاب الملكي لعلي بن العباس « إشارة إلى وجود الحركة الدموية الشعرية ، وإلى أن الطفل عند الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه ، بل بفضل تقلصات عضلية الرحم » ( 4 ) .
وقد فاته أن الحقيقة هي : أن الإمام الصادق ( عليه السلام ) هو أول من نبه إلى حقيقة الدورة الدموية وشرحها وأوضحها بشكل واف وكامل ، كما أثبته محمد الخليلي في كتابه : « طب الإمام الصادق ( عليه السلام ) » ( 5 ) وقرر أنه قد سبق هارفي ،
الذي لا يزال الكثيرون يهللون ويكبرون ويهتفون باسمه على أنه هو مكتشف الدورة الدموية ، وقد سبق بها غيره . .
المنجزات الطبية لابن سينا :
وعن ابن سينا وقانونه في الطب ، نجدهم يقولون : « إن من حسنات هذا الكتاب : أنه يميز بين التهاب المنصف الصدري « الحيزوم » وبين ذات الجنب ، وينص كذلك على أن السحاء ينتقل بالعدوى ، وأن عدوى الأمراض تسري بواسطة الماء والتراب » ( 1 ) .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...