وأنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ:
قال الطبري ما ملخصه: إنه لما نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}(١) دعا علياً (عليه السلام) ؛ فأمره أن يصنع طعاماً، ويدعو له بني عبد المطلب ليكلمهم، ويبلغهم ما أُمِر به.
فصنع علي (عليه السلام) صاعاً من طعام، وجعل عليه رجل شاة، وملأ عساً من لبن، ثم دعاهم، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمام النبي (صلى الله عليه وآله): أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب؛ فأكلوا.
قال علي (عليه السلام): فأكل القوم، حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال: إسق القوم؛ فجئتهم بذلك العس؛ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله.
فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال:
١- الآية ٢١٤ من سورة الشعراء.
لقدْماً سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم الرسول (صلى الله عليه وآله).
فأمر (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام) في اليوم الثاني: أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة.
وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؟!
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي.
ثم قال: إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما قام علي (عليه السلام) فأجاب، أجلسه النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم أعاد الكلام، فأجابه علي، فأجلسه، ثم أعاد عليهم، فلم يجيبوا، وأجاب علي (عليه السلام)، فقال له (صلى الله عليه وآله) ذلك.
وحسب نص الإسكافي: أنه (صلى الله عليه وآله) قال: هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي.
وأنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك، فقد أمره عليك(١).
١- راجع هذه القضية في: تاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٦٣ ومختصر تاريخ أبي الفداء (ط دار الفكر ـ بيروت) ج٢ ص١٤ وشواهد التنزيل ج١ ص٣٧٢ و ٤٢١ و (بتحقيق المحمودي) ج١ ص٥٤٢ وكنز العمال (الطبعة الثانية) ج١٥ ص١٦ و ١١٧ و ١١٣ و ١٣٠ عن ابن إسحاق، وابن جرير وصححه، وأحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل، وتاريخ ابن عساكر، وترجمه الإمام علي (بتحقيق المحمودي) ج١ ص٨٧ و ٨٨ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٤٤ عن الإسكافي، وحياة محمد لهيكل (الطبعة الأولى) ص٢٨٦. ومسند أحمد ج١ ص١٥٩ وكفاية الطالب ص٢٠٥ عن الثعلبي، ومنهاج السنة ج٤ ص٨٠ عن البغوي، وابن أبي حاتم، والواحدي، والثعلبي، وابن جرير، وفرائد السمطين (بتحقيق المحمودي) ج١ ص٨٦ وإثبات الوصية للمسعودي ص١١٥ و ١١٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٦٠ و ٤٥٩. والغدير ج٢ ص٢٧٨ ـ ٢٨٤ عن بعض من ذكرنا، وعن: أنباء نجباء الأبناء ص٤٦ و ٤٧ وشرح الشفاء للخفاجي ج٣ ص٣٧. وراجع أيضاً: تفسير الخازن ص٣٩٠ وكتاب سليم بن قيس، وخصائص النسائي ص٨٦ الحديث ٦٣، وبحار الأنوار ج٣٨ والدر المنثور ج٥ ص٩٧ عن مصادر كنز العمال، لكنه حَّرف فيه، ومجمع الزوائد ج٨ ص٣٠٢ عن عدد من الحفاظ وأسقط بعضه أيضاً، وينابيع المودة ص١٠٥ وغاية المرام ص٣٢٠ وابن بطريق في العمدة، وتفسير الثعالبي، وتفسير الطبري ج١٩ ص٧٥ والبداية والنهاية ج٣ ص٤٠ = = وتفسير القرآن العظيم ج٣ ص٣٥٠ و ٣٥١ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص١٠٧ والتفسير الصافي ج٤ ص٥٣ والعثمانية للجاحظ ص٣٠٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٤ ص٤٢٧ وج٣٠ ص٨٠.
تعصب يؤدي لاختزال النص:
وقد ذكر الطبري هذا الحديث في تاريخه على النحو المتقدم.. لكنه اختزل النص في تفسيره جامع البيان: فإنه بعد أن ذكره حرفياً متناً وسنداً غيَّر فيه عبارة واحدة فقال: “فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، وكذا.. وكذا..”.
إلى أن قال: “ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا”.
فاستبدل كلمة: “ووصيي وخليفتي فيكم” بكلمة: “وكذا.. وكذا”(١).
كما أن ابن كثير الذي ينقل عادة نصوص الطبري من تاريخه وعدل في خصوص هذا المورد إلى تفسير الطبري، وأخذ هذا النص منه، واكتفى بكلمة كذا.. وكذا.. عن النص الحقيقي الصادر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فراجع(٢).
١- جامع البيان ج١٩ ص٧٥ وراجع: الغدير ج١ ص٢٠٦ وج٢ ص٢٨٧ والمناشدة والإحتجاج بحديث الغدير ص٨٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٦٦ و ٣٨٣ وج٢٠ ص١٢٢.
٢- تفسير القرآن العظيم ج٣ ص٣٥١ والبداية والنهاية ج٣ ص٤٠ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٣ ص٥٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٥٩.
جرى الخلف على خطى السلف:
وقد جرى الخلف على خطى السلف، ولكن بصورة أبشع وأشنع، فإن محمد حسين هيكل ذكر هذا الحديث أيضاً في كتابه حياة محمد (الطبعة الأولى) ص١٠٤ وفق نص الطبري في تاريخه.
لكنه في الطبعة الثانية لكتابه هذا نفسه، المطبوع سنة ١٣٥٤ هـ. ذكر هذا الحديث عينه في ص١٣٩، إلا أنه حذف كلمة: “وخليفتي فيكم” واقتصر على قوله: “ويكون أخي ووصيي”. وذلك لقاء خمس مئة جنيه مصري، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه(١) كما قيل.
سند حديث الإنذار:
وقد جرى ابن تيمية على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فزعم أن في سند رواية الطبري أبا مريم الكوفي، وهو مجمع على تركه. وقال أحمد: ليس بثقة. واتهمه ابن المديني بوضع الحديث(٢).
ونقول:
إن هذا الكلام مردود:
١- راجع: فلسفة التوحيد والولاية للشيخ محمد جواد مغنية ص١٧٩ و ١٣٢ وسيرة المصطفى ص١٣١ و ١٣٠.
٢- منهاج السنة ج٤ ص٨١ و ٨٢ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٣١ و ٣٦٢ والسيرة الحلبية ج١ ص٤٦١.
ألف: بالنسبة لأبي مريم نقول:
أولاً: إن من يراجع كتب الجرح والتعديل عند أهل السنة يرى أن أحداً من رجال الأسانيد الذي يروي عنهم البخاري ومسلم، وغيرهما من أصحاب الصحاح والمسانيد ـ لم يسلم من الجرح والقدح، باستثناء الشاذ النادر الذي قد لا يصل إلى واحد بالمئة..
فلو أخذنا بقاعدة ابن تيمية، وهي ترك رواية كل من ورد فيه قدح لم تسلم لنا رواية واحدة من ذلك، سوى المتواترات. وهي قليلة جداً، لا تؤسس لفقه، ولا لدين.. فكيف إذا كنا نرى ابن تيمية يطعن حتى في المتواترات نفسها..
ثانياً: بالنسبة لأبي مريم نقول:
قال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه، وتجاوز الحد في مدحه(١).
وقال عنه الذهبي: كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال(٢).
ثالثاً: قد صرحوا بسبب تضعيفهم لأبي مريم، وهو كونه شيعياً. وهي تهمة لا تضر، فقد روى أصحاب الصحاح ولا سيما البخاري ومسلم عن عشرات الشيعة، وقد أورد في المراجعات قائمة طويلة بأسماء عدد منهم،
١- لسان الميزان ج٤ ص٤٢ و ٤٣ والغدير ج٢ ص٢٨٠ والغارات للثقفي ج٢ ص٦٧٣ والكامل لابن عدي ج٥ ص٣٢٧ وتعجيل المنفعة ص٢٦٣
٢- ميزان الإعتدال ج٢ ص٦٣١ و ٦٤٠ ولسان الميزان ج٤ ص٤٢.
فراجع(١).
رابعاً: قد صحح حديث إنذار العشيرة المتقي الهندي(٢)، والإسكافي المعتزلي(٣)، والخفاجي في شرح الشفاء(٤).
ورواه أحمد بسندٍ جميع رجاله من رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، والأعمش، والمنهال، وعباد، وعلي (عليه السلام)(٥).
خامساً: لو سلمنا أن ثمة جرحاً في بعض رجال سند بعينه فنقول:
إن طرق هذا الحديث مستفيضة، يقوي بعضها بعضاً..
ب: بالنسبة للطعن في رواية ابن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد الله بن عبد القدوس، الذي ضعفه الدار قطني(٦).
١- راجع: المراجعات (ط سنة ١٤٢٦ هـ) من ص١٣٧ حتى ص٢٣٣.
٢- كنز العمال (ط الهند) ج١٥ ص١١٣.
٣- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٤٤ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص١٠٧ والعثمانية للجاحظ ص٣٠٣ ونظرة في كتاب البداية والنهاية ص٧٠.
٤- راجع: الغدير ج٢ ص٢٨٠.
٥- مسند أحمد ج١ ص١١١ وتفسير القرآن العظيم ج٣ ص٣٦٣ وراجع: الغدير ج٢ ص٢٨٠.
٦- ميزان الإعتدال ج٢ ص٤٥٧ وتهذيب التهذيب ج٥ ص٢٦٥.
وقال النسائي: ليس بثقة(١).
وقال ابن معين: ليس بشيء، رافضي خبيث(٢).
نقول:
قال الشيخ المظفر “رحمه الله”: “تضعيفهم معارض بما في تقريب ابن حجر: بأنه صدوق.
وفي تهذيب التهذيب: قال محمد بن عيسى، ثقة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف، مع أنه أيضاً من رجال سنن الترمذي..
ومدح هؤلاء مقدم، لعدم العبرة في قدح أحد المتخالفين في الدين في
١- كتاب الضعفاء والمتروكين ص١٩٩ وميزان الإعتدال ج٢ ص٤٥٧. وراجع: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص٢٠٥ وتهذيب الكمال ج١٥ ص٢٤٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١٢ ص٢١٩ وتهذيب التهذيب ج٥ ص٢٦٥.
٢- الكامل ج٤ ص١٩٧ وميزان الإعتدال ج٢ ص٤٥٧ وراجع: مجمع الزوائد ج١ ص١٢٠ وج٢ ص١٦١ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص٢٠٥ وتهذيب الكمال ج١٥ ص٢٤٣ وضعفاء العقيلي ج٢ ص٢٧٩ والجرح والتعديل للرازي ج٥ ص١٠٤ والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة ج١ ص٥٧٠ وتهذيب التهذيب ج٥ ص٢٦٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١٢ ص٢١٨ وج١٣ ص٢٥٧.
الآخر، ويقبل مدحه فيه. وهم قذفوه بذلك، لأنهم رموه بالتشيع، ولا نعرفه من رجالهم.
ولكن قد ذكر ابن عدي: أن عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت(١)، ولعل هذا هو سر تهمتهم له”(٢).
بنو عبد المطلب أقل من أربعين:
وادعى ابن تيمية: أن بني عبد المطلب لم يكونوا آنئذ أربعين رجلاً، كما نصت عليه الرواية، وهذا دليل آخر على سقوطها عن الإعتبار(٣).
ونقول:
أولاً: إذا كان لعبد المطلب عشرة أولاد، فإن لأولاده أولاداً، فلماذا لا يكون أولادهم ثلاثين رجلاً أيضاً، فقد كان لأبي طالب وحده أربعة، ولعل لغيره منهم أكثر من أربعة.. لا سيما وأن اصغر أولاد عبد المطلب هو أبو النبي (صلى الله عليه وآله)، الذي لو كان حياً آنئذ لكان عمره اكثر من ستين عاماً، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه كان عمره آنئذ ثلاثاً وأربعين سنة..
١- راجع: ميزان الإعتدال ج٢ ص٤٥٧ وتهذيب الكمال ج١٥ ص٢٤٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١٢ ص٢١٩ وتهذيب التهذيب ج٥ ص٢٦٥.
٢- دلائل الصدق ج٢ ص٢٣٤.
وراجع: ميزان الإعتدال ج٢ ص٤٥٧ وتهذيب الكمال ج١٥ ص٢٤٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١٢ ص٢١٩ وتهذيب التهذيب ج٥ ص٢٦٥.
٣- منهاج السنة ج٤ ص٨١ ـ ٨٤.
ثانياً: إن الظاهر هو: أن كلمة “عبد” زيادة من الرواة، أو أن في الرواية حذفاً، فقد صرحت بعض النصوص: بأنه (صلى الله عليه وآله) دعا بني عبد المطلب، ونفراً من بني المطلب(١)، كما أنه ثمة عدداً آخر من الروايات يقول: بأنه دعا بني هاشم(٢).
يأكل الجذعة ويشرب الفرق:
ومن الأمور التي توقف عندها ابن تيمية قول الرواية عن أولئك
١- الكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج٢ ص٦١.
٢- راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٥٩ عن ابن أبي حاتم، وكذا في البداية والنهاية ج٣ ص٤٠ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٣ ص٥٣ ومجمع الزوائد ج٧ ص٨٥ وج٨ ص٣٠٢ وفتح الباري ج٨ ص٣٨٥ وتحفة الأحوذي ج٦ ص٤٩٣ وشرح معاني الآثار ج٣ ص٢٨٤ وج٤ ص٣٨٧ والمعجم الكبير للطبراني ج٨ ص٢٢٥.
وراجع: تفسير القرآن للصنعاني ج٣ ص٧٧ وجامع البيان ج١٩ ص١٥٠ وتفسير ابن أبي حاتم ج٩ ص٢٨٢٦ والدر المنثور ج٥ ص٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٤٧ وروضة الواعظين ص٥٢ ومناقب الإمام أمير المؤمنين “عليه السلام” للكوفي ج١ ص٣٧٧ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٠٥ وحلية الأبرار ج١ ص٧٠ وبحار الأنوار ج١٨ ص١٨١ وج٣٥ ص١٤٤ وج٣٨ ص٢٢١ وتفسير القمي ج٢ ص١٢٤ ونور الثقلين ج٤ ص٦٦ وتفسير الميزان ج١٥ ص٣٣٤.
المجتمعين: إن الرجل منهم ليأكل الجذعة، ويشرب الفُرق(١) من اللبن.
وقال: إنه كذب، إذ ليس في بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً، ويشرب فرقاً(٢).
ونقول:
قال بعض العلماء في جوابه:
أولاً: إن عدم معروفيتهم بالأكل لا تدل على كونهم كذلك، فلعلهم كذلك في الواقع.
ثانياً: لو سلم، فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة النبي (صلى الله عليه وآله) في إطعامهم رجل الشاة، وعسَّ اللبن الواحد(٣).
ثالثاً: إن القضايا التاريخية إنما تثبت بمثل هذا النقل، فليكن وصف علي (عليه السلام) لهم بذلك من الدلائل على أنهم كانوا كذلك. فإن هناك الكثير من الأمور المبثوثة في النصوص، لم يتنبه المؤلفون والمصنفون لدلالتها التاريخية إلا في وقت متأخر، وقد يكون الكثير منها لا يزال على إبهامه وغموضه إلى يومنا هذا..
١- الفُرق: إناء يكتال به.
٢- منهاج السنة ج٤ ص٨١ ـ ٨٤.
٣- دلائل الصدق ج٢ ص٢٣٥.
إجابة علي (عليه السلام) لا تجعله ولياً:
وذكر ابن تيمية أيضاً: أن مجرد الإجابة للمعاونة، لا يوجب أن يكون المجيب وصياً ولا خليفة بعده (صلى الله عليه وآله)، فإن جميع المؤمنين اجابوا إلى الإسلام، وأعانوا، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله.
كما أنه لو أجابه الأربعون، أو جماعة منهم، فهل يمكن أن يكون الكل خليفة له؟!(١).
ونجيب:
أولاً: قال الشيخ المظفر: “إن قوله ـ أي قول النبي (صلى الله عليه وآله) ـ هذا ليس علة تامة للخلافة، ولم يدِّع ذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته. بل أمره الله بإنذار عشيرته، لأنهم أولى بالدفع عنه ونصره، فلم يجعل هذه المنزلة إلا لهم، وليعلم من أول الأمر أن هذه المنزلة لعلي (عليه السلام)، لأن الله ورسوله يعلمان: أنه لا يجيب النبي (صلى الله عليه وآله) ولا يؤازره غير علي (عليه السلام).
فكان ذلك من باب تثبيت إمامته بإقامة الحجة عليهم. ومع فرض تعدد المجيبين يعين الرسول الأحق بها منهم”(٢).
ويوضح هذا الأمر، ما ورد من أنه (صلى الله عليه وآله) قال: “إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله. وقد
١- منهاج السنة ج٤ ص٨١ ـ ٨٣.
٢- دلائل الصدق ج٢ ص٢٣٦.
جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي”.
إلى أن قال: “وقد ـ والله ـ أنبأني به، وسماه لي. ولكن أمرني أن أدعوكم، وأنصح لكم، وأعرض عليكم، لئلا تكون لكم الحجة فيما بعد..”(١).
فقد دل هذا النص: على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعرف أنهم سوف لا يجيبونه، باستثناء علي (عليه السلام).
ثانياً: إن ظاهر قوله (صلى الله عليه وآله): أيكم يؤازرني الخ.. أن الخطاب كان لواحد منهم على سبيل البدل، فالذي يجيب منهم أولاً يكون هو الوصي والولي. وتقارن إجابة اثنين أو أكثر بعيد الحصول..
ولو أجابه أكثر من واحد.. فإنه سوف يكل أمر التعيين إلى ما بعد ظهور المؤازرة، فمن كانت مؤازرته أتم وأعظم، وأوفق بمقاصد الشريعة، وظهر أنه الأقوى والأليق بالمقام، فإنه سيختاره دون غيره..
ثالثاً: ليس المطلوب هو المؤازرة له في الجملة ليقال: إن سائر المسلمين قد آزروه في الجملة. بل المراد المؤازرة التامة في كل موطن وموقف، مثل النوم على فراشه (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، وقلع باب خيبر، وقتل صناديد العرب، وما إلى ذلك.. ولم يحصل ذلك إلا من أمير المؤمنين (عليه السلام).
١- بحار الأنوار ج١٨ ص٢١٥ و ٢١٦ وسعد السعود ص١٠٦.