نهج الحق وكشف الصدق / الصفحات: ٣٦١ – ٣٨٠
منها: مخالفة النبي صلى الله عليه وآله أمر الله تعالى في قوله: ” وأنذر عشيرتك الأقربين ” (٢)، فكيف لم ينذر فاطمة، وعليا، والعباس، والحسن، والحسين، بهذا الحكم، ولا يسمعه أحد من بني هاشم، ولا من أزواجه، ولا أحد من خلق الله تعالى؟.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: إن فاطمة، والعباس أتيا أبا بكر، يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك، وسهم خيبر (٣).
وفيه: أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله حين توفي رسول الله صلى الله عليه وآله أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن (٤).
ومنها: نسبة هؤلاء إلى الجهل، وقلة المعرفة بالأحكام، مع ملازمتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله، ونزول الوحي في مساكنهم، ويعلمون سره وجهره.
وروى الحافظ ابن مردويه، بإسناده إلى عائشة، وذكرت كلام فاطمة عليها السلام لأبي بكر، وقالت في آخره: ” وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، إني لا أرث أبي، يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا
(٣) التاج الجامع للأصول ج ٢ ص ٢٦٣، وقال: رواهما الخمسة.
(٤) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٥٣ والموطأ ج ٢ ص ٢٥٦ وفتوح البلدان ص ٤٢ ومعجم البلدان في كلمة فدك، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٠٣ كما في مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥٩٧.
ومنها: أن أبا بكر حلف: أن لا يغير ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله.
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: كان أبو بكر يقسم الخمس، نحو قسم النبي صلى الله عليه وآله، غير أنه لم يكن يعطي قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطيهم (٤).
وهذا تغيير. مع أنه حلف أن لا يغير، فلم لا غير مع فاطمة عليها السلام، ويقضي فيها بعض حقوق نبينا صلى الله عليه وآله؟.
وروى في الجمع بين الصحيحين، قال: كتب عبد الله بن عباس إلى نجدة بن عامر الحروري، في جواب كتابه: وكتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟ وأنا أقول: هو لنا، وأبى علينا قومك ذلك (٥).
ومنها: أن أبا بكر أغضب فاطمة (ع)، وأنها هجرته وصاحبه ستة
(٣): فاطر: ٨.
(٤) ورواه ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٤ ص ٨٦ والجصاص في أحكام القرآن ج ٣ ص ٦١ وغيرهما من أعلام القوم.
(٥) أحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٦٣ وتفسير الطبري ج ١ ص ١ و ٦.
وروى البخاري في صحيحه (٣): أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني “.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين هذين الحديثين.
وروى صاحب الجمع بين الصحاح الستة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
” فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها فقد أغضبني “.
وأنه قال: فاطمة سيدة نساء العالمين، أو سيدة نساء هذه الأمة، فقالت:
وأين مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون؟ فقال: مريم سيدة نساء عالمها وآسية سيدة نساء عالمها ” (٤).
وفي صحيح البخاري، عن عائشة: أن محمدا صلى الله عليه وآله قال: ” يا فاطمة،
(٣) ج ٥ ص ٣٦، والتاج الجامع للأصول ج ٣ ص ٢٥٣ وخصائص النسائي ص ٣٥ وكنز العمال ج ٦ ص ٢٢٠ وفيض القدير ج ٤ ص ٤٢١ وقال: استدل السهيلي به على فضيلتها على الشيخين.
(٤) كما في ذخائر العقبى ص ٤٣ وقال: أخرجه أبو عمر، والحافظ أبو القاسم الدمشقي، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٤٢ ومشكل الآثار ج ١ ص ٥ وزاد في آخره: ولا يبغضها إلا منافق.
وقال الله تعالى: ” إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ” (٤).
ثم يشهدون ويصححون: أن أبا بكر أغضبها وآذاها، وهجرته إلى أن ماتت.
فأما أن تكون هذه الأحاديث عندهم باطلة، فيلزم كذبهم في شهادتهم بصحتها.
أو يطعنون في القرآن العزيز، وهو كفر.
أو ينسبون أبا بكر إلى ما لا يحل ولا يجوز.
على أن عمر ذكر عن علي والعباس ذلك.
(٣) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة: ” إن الله يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك “، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٥٣ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٢، والإصابة ج ٤ ص ٣٧٨ وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٤١ وذخائر العقبى ص ٣٩ وميزان الاعتدال ج ٢ ص ٧٢ (ط مطبعة السعادة سنة ١٣٢٥) وكنز العمال ج ٦ ص ٢١٩ و ج ٧ ص ١١١
أقول: وذلك يكشف عن أنها صلوات الله عليها، لا ترضى إلا بما فيه مرضاة المولى سبحانه، ولا تغضب إلا لما يغضبه، حتى أنها لو رضيت أو غضبت لأمر مباح، فإن هناك جهة شرعية تدخله في الراجحات، أو تجعله من المكروهات، فلن تجد منها في أي من الرضا والغضب وجهة نفسية، أو صبغة شهوية.. وذلك معنى العصمة والطهارة، كما قال الله تعالى: ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا “.
(٤) الأحزاب: ٥٧.
أني لصادق، بار، راشد، تابع للحق، فوليتها، ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما ادفعها إلينا (١).
فلينظر العاقل إلى هذا الحديث الذي في كتبهم الصحيحة، كيف يجوز لأبي بكر أن يقول: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذا لعمر، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله مات، وقد جعلهما من جملة رعايا أسامة بن زيد (٢).
(المجادلة: ١٢) وصاحب الأذن الواعية (الحاقة: ٥)، ومن عنده علم الكتاب (الرعد:
٤٣) وهو الذي شهد الله له بالصدق بقوله: ” كونوا مع الصادقين ” التوبة: ١١٩ ورسوله صلى الله عليه وآله شهد له بالصدق بقوله: ” الصديقون ثلاثة (إلى أن قال) وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم “، وقال صلى الله عليه وآله: ” ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي ، طالب، فإنه أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب الدين، والمال يعسوب الظالمين (المنافقين) “. راجع: الإصابة ج ٤ ص ١٧١ وفي هامشها الاستيعاب ص ١٧٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٨٧ وكنز العمال ج ٦ ص ٣٩٤
فإذن هل يجوز لأهل البحث والتحقيق: أن يستمعوا لما قاله عمر بن الخطاب، لمحض الهوى، والصبغة الشهوية؟ أو أن اللازم لهم هو التوجه التام لما في الكتاب والسنة، والإعراض عما يخالفهما، وهذا مقام التحقيق بنور العقل، والعمل بما يقتضيه الفكر السليم.
(٢) أجمع أهل السير والأخبار: على أن أبا بكر وعمر كانا في جيش أسامة، وأرسلوا ذلك إرسال المسلمات، وهذا مما لا يختلف فيه أحد، فراجع ما شئت من الكتب المشتملة على هذا كطبقات ابن سعد، وتاريخ الطبري، وابن الأثير في الكامل ج ٢ ص ٢١٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٥٤، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٧ وفي حاشيتها سيرة زيني دحلان ج ٢ ص ٣٣٩
ثم تثاقلوا هنا، فلم يبرحوا، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلى الله عليه وآله: ” جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه ” الملل والنحل ج ١ ص ٢٣.
ثم عبر عمر عن ابنته، مع عظم شأنها، وشرف منزلتها، بقوله لأمير المؤمنين عليه السلام: ويطلب ميراث امرأته.
ثم إنه وصف اعتقاد علي والعباس في حقه، وحق أبي بكر، بأنهما كاذبان، آثمان، غادران، خائنان.
فإن اعتقاده فيهما حقا، وكان قولهما (يعني علي والعباس) صدقا، لزم تطرق الذم إلى أبي بكر وعمر، وأنهما لا يصلحان للخلافة.
(٣) الصف: ٦١
(٤) الفتح: ٢٩
(٥) النور: ٦٣.
وخرجت عائشة إلى قتال أمير المؤمنين (ع)، ومعلوم أنها عاصية بذلك (١).
أما أولا: فلأن الله قد نهاها عن الخروج، وأمرها بالاستقرار في
وأما ثالثا: فلأنها طلبته من غير من عليه الحق، لأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يحضر قتله، ولا أمر به، ولا واطأ عليه، وقد ذكر ذلك كثيرا.
وأما رابعا: فلأنها كانت تحرض على قتل عثمان، وتقول: ” اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا ” (٢)، فلما بلغها قتله فرحت بذلك، فلما قام أمير
(٢) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٢ ص ٧٧: ” قال كل من صنف في السير والأخبار:
إن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان، حتى أنها أخرجت ثوبا من ثياب رسول الله صلى الله عليه وآله، فنصبته في منزلها، وكانت تقول للداخلين إليها: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل، وقد أبلى سنته، وقالوا: إن عائشة أول من سمى عثمان نعثلا، وكانت تقول:
اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا، وفي لفظ ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج ١ ص ٥٢: اقتلوا نعثلا فقد فجر، وفي لفظ ابن الأثير في الكامل ج ٣ ص ١٠٥ والطبري في تاريخه: اقتلوا نعثلا فقد، فقال لها ابن أم كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير | ومنك الرياح، ومنك المطر |
وأنت أمرت بقتل الإمام | وقلت لنا: إنه قد كفر |
إلى آخر الأبيات، وقال الفيروزآبادي في القاموس ج ٤ ص ٦٠: النعثل: الشيخ الأحمق، وكان بالمدينة رجل لحياتي كان يشبه به عثمان. وقال ابن الأثير في نهاية اللغة ج ٥ ص ٧٩: كان أعداء عثمان يسمونه نعثلا، ومنه حديث عائشة: ” اقتلوا نعثلا، قتل الله نعثلا “، تعني عثمان.
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” ما بيني وبين منبري روضة من رياض الجنة ” (١).
وقد روى الطبري في تاريخه: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ” إذا غسلتموني وكفنتموني، فضعوني على سريري في بيت على شفيرة قبري ” (٢).
وقد روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين، عن عائشة قالت:
ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وآله ما غرت على خديجة، وما رأيتها قط، ولكن كان يكرر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يقطعها حصصا، ويبعثها إلى أصدقاء خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة؟ فيقول: إنها كانت لي، ولي منها ولد (٣).
(٣) صحيح البخاري ج ٥ ص ٤٨ وصحيح مسلم ج ٣ ص ١١٩.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن عمر خليفة أبيها شد عليها بذلك (٣).
ونقل الغزالي سوء صحبتها لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن أباها أبا بكر دخل يوما على النبي صلى الله عليه وآله، وقد وقع منها في حق النبي صلى الله عليه وآله أمر مكروه، فكلفه النبي صلى الله عليه وآله أن يسمع ما جرى، ويدخل بينهما، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: تتكلمين أو أتكلم؟ فقالت: بل تكلم ولا تقل إلا حقا (٤).
فلينظر العاقل إلى هذا الجواب، وهل كان عنده إلا الحق؟ وينظر في الفرق بين خديجة وعائشة.
وقد أنكر الجاحظ، من أهل السنة في كتاب ” الإنصاف ” غاية الانكار على من يساوي عائشة بخديجة، أو يفضلها عليها.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: أن ابن الزبير دخل على عائشة في مرضها، فقالت له: ” إني قاتلت فلانا “، وسمت المقاتل برجل قاتلته عليه، وقالت: ” لوددت أني كنت نسيا منسيا ” (٥).
(٣) ذكره البخاري في الصحيح، والخازن في تفسيره ج ٤ ص ٣٠٦
(٤) رواه الغزالي في إحياء العلوم، وقرره الفضل في المقام.
(٥) ورواه ابن الأثير في النهاية ج ٥ ص ٥٠ وأحمد في مسنده.
” لن أعود له وقد حلفت فلا تخبري بذلك أحدا “.
وهذا يدل على نقصها في الغاية.
وفيه: ” أن عائشة حدثت: أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته: والله لتنتهين عائشة، أو لأحجرن عليها ” (٣). ولم ينكر عليه أحد.
وهذا يدل على ارتكابها ما ليس بسائغ.
وفيه: عن ابن عباس قال: لو كنت أقربها أو أدخل عليها لأتيتها حتى تشافهني (٤).
وهذا يدل على استحقاقها الهجران.
وفيه: عن نافع، عن ابن عمر، قال: قام النبي صلى الله عليه وآله خطيبا، فأشار إلى مسكن عائشة، وقال: ها هنا الفتنة، ثلاثا، من حيث يطلع
رواه الثلاثة.
(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٧٦ والتاج الجامع للأصول ج ٤ ص ٢٦٧
(٣) رواه في كتاب الأدب ج ٨ ص ٢٥
(٤) ورواه أحمد في مسنده وأقر به الفضل في المقام، وأغمض عنه.
إيضاح خرافة الجبر
أفلا ينظر العاقل بعين الإنصاف، ويجتنب التقليد، واتباع الهوى، والاستناد إلى اتباع الدنيا، ويطلب الخلاص من الله تعالى، ويعلم أنه محاسب غدا على القليل والكثير، والفتيل والنقير، فكيف يترك اعتقاده؟
ويتوهم أنه يترك سدى؟ أو يعتقد بأن الله تعالى قدر هذه المعصية وقضاها، فلا يتمكن من دفعها، فيبرئ نفسه قولا لا فعلا، فإنه لا ينكر صدور الفعل من الإنسان إلا مكابر جاحد للحق، أو مريض العقل، بحيث لا يقدر على تحصيل شئ البتة.
ولو كان الأمر كما توهموه، لكان الله تعالى قد أرسل الرسل إلى نفسه، وأنزل الكتب على نفسه، فكل وعد ووعيد جاء به يكون متوجها إلى نفسه، لأنه إذا لم يكن فاعل سوى الله تعالى، فإلى من أرسل الأنبياء، وعلى من أنزل الكتب، ولمن تهدد ووعد وتوعد، ولمن أمر ونهى!.
ومن أعجب الأشياء وأغربها: أنهم يعجزون عن إدراك استناد أفعالهم إليهم، مع أنه معلوم للصبيان، والمجانين، والبهائم، ويقدرون على تصديق الأنبياء، والعلم بصحة نبوة كل مرسل، مع استناد الفساد، والضلال، والتلبيس، وتصديق الكذابين، وإظهار المعجزات على أيدي المبطلين إلى الله تعالى.
وكيف لا يكون كذلك، والحال عندهم ما تقدم، وأنه يجوز أن يجمع الله الأنبياء، والرسل، وعباده الصالحين في أسفل درك الجحيم، يعذبهم دائما، ويخلد الكفار والمنافقين، وإبليس وجنوده في الجنة والنعيم أبد الآبدين؟.
وقد كان لهم في ذم غير الله متسع، وفيمن عداه مقنع، وهلا حكى الله اعتذار الكفار في الآخرة: بأنك خلقت فينا الكفر، والعصيان، بل اعترفوا بصدور الذنب عنهم، وقالوا: ” ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ” (١)، ربنا أخرجنا منها، فإن عدنا فإنا ظالمون ” (٢)، ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال: رب ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت ” (٣)، ” أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ” (٤)، ” ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا، فأضلونا السبيلا ” (٥)، ” ربنا آتهم ضعفين من العذاب، والعنهم لعنا كبيرا ” (٦)، ” ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس، نجعلهما تحت أقدامنا، وما أضلنا إلا المجرمون ” (٧).
ثم إن الشيطان اعترف بأنه استغواهم، وشهد الله تعالى بذلك، فحكى عن الشيطان: ” إن الله وعدكم وعد الحق، ووعدتكم فأخلفتكم، وما كان لي عليكم من سلطان، إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني
(٣) المؤمنون: ٩٩ – ١٠٠
(٤) الزمر: ٥٦
(٥) الأحزاب: ٦٧ و ٦٨
(٦) الأحزاب: ٦٧ و ٦٨
(٧) فصلت: ٢٩.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة، بين الإنس والجن، والبهائم، والهوام، فيما يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها يعطف الوحش على ولدها، فأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة (٤).
وفيه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: إن الله يقوم يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني قال: يا رب، كيف أعودك، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن فلانا مرض فلم تعده؟ أم علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم، استطعمتك فلم تطعمني، قال: يا رب، كيف أطعمك، وأنت رب العالمين؟ قال: إنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم، استسقيتك فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين؟
قال: استسقاك عبدي فلان، فلم تسقه. أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي؟ (٥).
(٣) التاج الجامع للأصول ج ٥ ص ١٥٧ وقال: رواه الشيخان.
(٤) وفي البخاري، كتاب الأدب ج ٨ ص ٩ وفي التاج الجامع للأصول ج ٥ ص ١٥٦
(٥) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٨١.
أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ، فإذا راحلته عنده، عليها زاده وشرابه، فالله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من هذا براحلته وزاده ” (١).
وقد صرح الله تعالى في كتابه، في عدة مواضع، برحمته وإحسانه، وتفضله، وكيف يتحقق ذلك ممن يخلق الكفر في العبد ويعذبه عليه، ويخلق الطاعة في العبد، ويعاقبه أيضا عليها.
فهذه حال أصولهم الدينية، التي يدينون الله تعالى بها، فيجب على العاقل: أن ينظر في نفسه: هل يجوز المصير إلى شئ منها؟ وهل يجوز له القول ببعضها؟.
المسألة السادسة
في المعاد
إن الحشر في المعاد هو لهذا البدن المشهود
هذا أصل عظيم، وإثباته من أركان الدين، وجاحده كافر بالإجماع، ومن لا يثبت المعاد البدني، ولا الثواب، والعقاب، وأحوال الآخرة فإنه كافر إجماعا.
ولا خلاف بين أهل الملل في إمكانه، لأن الله تعالى قادر على كل مقدور، ولا شك في أن إيجاد الجسم بعد عدمه ممكن، وقد نص الله تعالى عليه في قوله: ” أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم؟ بلى وهو الخلاق العليم ” (١)، وقال تعالى: ” من يحيي العظام وهي رميم، قل: يحييها الذي أنشأها أول مرة، وهو بكل خلق عليم ” (٢).
والقرآن مملوء من ذكر المعاد، وإن اختلفوا في كيفية الإعادة والاعدام، وتفاصيل ذلك ذكرناها في كتبنا الكلامية، لكن البحث ها هنا عن شئ واحد، وهو أن القول بإثبات المعاد البدني، الذي هو أصل الدين وركنه، إنما يتم على مذهب الإمامية.
استحقاق الثواب والعقاب
ومنعت الأشاعرة من استحقاق الثواب على الطاعة، والعقاب على المعصية (٣)، وخالفوا في ذلك نص القرآن، وهو قوله تعالى: ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ” (٣)، وقال تعالى:
” اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ” (٤): ” اليوم تجزون ما كنتم تعملون ” (٥)، ” هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ” (٦)، والقرآن مملوء من ذلك.
وخالفوا أيضا المعقول، وهو قبح التكليف المشتمل على المشقة من غير عوض، لأن الله تعالى غني عن ذلك، ولولا العقاب لزم الاغراء بالقبيح، لأن لنا ميلا إليه، فلولا الزجر بالعقاب لزم الاغراء به، والاغراء بالقبيح قبيح.
ولأنه لطف، إذ مع العلم يرتدع المكلف من فعل المعصية، وقد ثبت وجوب اللطف.
(٣) الزلزال: ٧ و ٨
(٤) غافر: ١٧
(٥) الجاثية: ٢٨
(٦) الرحمن: ٦٠.
وما وجه اعتذاره عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وغيره من الأنبياء المتقدمين، في اعتقاده أنهم غير معصومين؟، وأنه يجوز عليهم الخطأ والغلط، والسهو، والمعصية؟.
وأن النبي صلى الله عليه وآله وقع منه في صلاته، حيث قال: تلك الغرانيق العلا، منها الشفاعة ترتجى؟!
وأنه بال قائما!!
وأنه قال: إن إبراهيم كذب ثلاث مرات، فإن ارتضى لنفسه ذلك، كفاه خزيا وعارا، والحمد لله أولا، وآخرا، وظاهرا، وباطنا.
المسألة السابعة
فيما يتعلق بأصول الفقه
وفيه فصول:
الأول: في التكليف
وفيه مباحث:
الأول: في الحكم.
مذهب الإمامية فيه هو الوجوب، أو الندب، أو الإباحة، أو الكراهة، أو التحريم المستند إلى صفة يقع الفعل عليها توجب أحدها.
وقالت الأشاعرة: ” حكم الله تعالى خطابه المتعلق بأفعال المكلفين، بالاقتضاء، أو التخيير (١).
فلزم التناقض، والقول بالمحال.
أما التناقض، فلأن الحكم حادث لتعلقه بالمكلف الحادث.
ولأنه يصدق، حلت المرأة والجارية بعد أن لم تكن، وحرمت بعد أن لم تكن.
ولأنه معلل بأفعال المكلف، كالطلاق والبيع وغيرهما.