أبو العباس الضبي
المتوفى ٣٩٨
صنو النبي محمد * ووصيه يوم الغدير
وحليل فاطمة ووالد * شبر وأبو شبير (١)
* (ما يتبع الشعر) *
* (ثبير) *
بفتح المثلثة ثم الموحدة المكسورة من أعظم جبال مكة بينهما و بين عرفة، سمي باسم رجل من هذيل مات في ذلك الجبل. أخرج أبو نعيم في [ما نزل من القرآن في أمير المؤمنين] والنطنزي في [الخصايص العلوية] عن شعبة ابن الحكم عن ابن عباس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بمكة بيدي وبيد علي فصعد بنا إلى (ثبير) ثم صلى بنا أربع ركعات ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: أللهم إن موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك فأسئلك أن تشرح لي صدري وتيسر لي أمري وتحلل عقدة من لساني ليفقه قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري، قال ابن عباس: فسمعت مناديا ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت.
* (الشاعر) *
الكافي الأوحد أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبي – نسبة إلى ضبة – الوزير الملقب بالرئيس، أحد من ملك أزمة السياسة والأدب بعد الصاحب ابن عباد، وكان من ندمائه واختص بالزلفة منه والتأدب بآدابه، والحظوة بقرباه حتى عاد منار
إن جاء منكم جليل فاقطعوا أجلي * أو جاء منكم رئيس فاقطعوا رأسي
فالمترجم كانت تحط بفنائه الرحال، وتنال منه الآمال، وتفد إليه القوافي من كل حدب، ويسير شعره مع الركبان، وكان نعم الخليفة لسلفه الصاحب، والموئل الفذ لما كانت له من مراتب، وله في جامع إصبهان خانكات مرتفعة، وخانات عامرة متسعة، قد وقفت لأبناء السبيل، وبحذائه دار الكتب وحجرها وخزانتها وقد بناهن ونضد فيها من الكتب عيونا، وخلدها من العلوم فنونا، يشتمل فهرستها على ثلث مجلدات كبيرة كما في محاسن إصبهان ص ٨٥، وكتب التراجم (١) تطفح بالثناء عليه، ولشعراء عصره قصائد رنانة في مدحه ومنهم: أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي له قصيدة في إطراءه منها:
وأحسن من ذاك وجه الرئيس * وقد طلعت من سناه السعود
وكم حلة خطها قد غدت * على برد آل يزيد تزيد
٢ – أبو الحسن علي بن أحمد الجوهري الجرجاني [السابق ذكره] له قصائد في المترجم له منها: قصيدة في ميلاده وتحويل سنه ذكرها الثعالبي في (اليتيمة) ٤ ص ٣٨ منها:
يوم أتاه المشتري * بشهاب سعد ملتهب
بسلالة المجد الفصيح * وصفوة المجد الزرب
وإذا تنمر في الخطوب * فيا لنار في حطب
وإذا تبسم للندى * مطرت سحائبه الذهب
يا غرة الحسب الكريم * وأين مثلك في الحسب؟!
هذا صباح حليت * بسعوده عطل الحقب
ميلادك الميمون فيه * وهو ميلاد الأدب
عرج عليه بمجلس * ريان من ماء العنب
واضرب عليه سرادقا * للأنس ممتد الطنب
٣ – مهيار الديلمي [أحد شعراء الغدير الآتي ذكره] مدح المترجم بقصائد منها ميمية ٦٥ بيتا توجد في ديوانه ٣ ص ٣٤٤ أولها:
رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم * سواء ولكن ساهرون ونوم
ومنها بائية ٤٥ بيتا في ديوانه ج ١ ص ١٥ مطلعها:
ودالية ٦١ بيتا في ديوانه ج ١ ص ٢٣٠ أولها:
وبائية ٣٧ بيتا في ديوانه ج ١ ص ١٢ مستهلها:
وعينية ٤٠ بيتا في ديوانه ٢ ص ١٧٩ مطلعها:
وقد أخذ العهد يوم الرحيل * أمامي والعهد مستودع
ولامية ٥٢ بيتا في ديوانه ٣ ص ١٨ مستهلها:
وقصيدة ٦٩ بيتا توجد في ديوانه ٤ ص ٣٠ نظمها سنة ٣٩٢، أولها:
ولقد أكاد أضل لولا عنبر * في الترب من أرج الحبائب دلني
فتقوا به أنفاسهن لطائما (١) * وظعن وهي مع الثرى لم تظعن
يا منزلا لعبت به أيدي الصبا * لعب الشكوك وقد بدت بتيقني
إما تناشدني العهود فإنها * حفظت فكانت بئس ذخر المقتني
سكنتك بعدهم الوحوش تشبها * بهم وليتك آنفا لم تسكن
لعيونهن علامة سحرية * عندي فما بال الظباء تغشني؟!
ويقول فيها:
يا حظ قم فاهتف بناحية الغنى * في الري وارحم كد من لم يفطن
وأعن على إدراكها فبمثلها * فرقت بين موفق ومحين
لمن الخليط مشرق وضمانه * رزق لنا في غيره لم يؤذن
اشتقت يا سفن الفلاة فأبلغي * وطربت يا حادي الركاب فغنني
وأنهض فرحل يا غلام مذللا (٢) * تتوعر البيداء منه بمدمن
يرضى بشم العشب إما فاته * والسير يأكل منه أكل الممعن
مرح الزمام يكاد يصعب ظهره * فتصيح فاغرة الرحال به: لن
الرزق والانصاف قد فقدا فلذ * بالري واستخرجهما من معدن.
وإلى أبي العباس حافظ ملكها * سهل الأشد ولأن خبث الأخشن
٤ – أبو الفياض سعد بن أحمد الطبري له قصيدة في مدح أبي العباس منها:
كما تضرب الأمثال وهي كثيرة * بمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
ولكنني أملت عندك مطلبا * انكبه عمن ورائي من الورى
ألم تر أن ابن الأمير أجارني * ولم يرض من إدرائه لي سوى الذرى؟!
ولكنني أهدي على قدر طاقتي * وأحمل ديوانا بخط ابن مقلة
٦ – أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن علي بن الحريش الاصبهاني قال في المترجم من قصيدة كبيرة:
وعطفه صدغ يهتدي فوق خده * ويضربه روح الصبا فيضله
وطيب عناقي منه بدرا أضمه * ألي وأهوى لثمه فاجله
وقفنا معا واللوم يصفق رعده * ومنا سحاب الدمع يسجم وبله
ترق على ديباجتيه دموعه * كما غازل الورد المضرج طله
وينأى رقيب عن مقام وداعنا * وتبلغه أنفاسنا فتذله
يقلقني عتب الحبيب وعذره * ويقلقني جد الرقيب وهزله
وكيف أقي قلبي مواقع رميه؟! * ولست أرى من أين ينثال نبله
يولي وبالأحداق تفرش أرضه * ويفدى وبالأفواه ترشف رجله
وبعد ردح من تقلده الوزارة كما وصفناه اتهمته أم مجد الدولة بأنه سم أخاه فطلبت منه مائتي ألف دينار لينفقها في مأتم أخيه فأبى عليها ذلك فهرب عنها سنة ٣٩٢ إلى (بروجرد) وهي من أعمال بدر بن حسنويه (١) فبذل بعد ذلك مأتي ألف دينار ليعود إلى عمله فلم يقبل منه، ولم يبرح بها حتى مات سنة ٣٩٨ وقيل: إن أبا بكر ابن رافع أحد قواد فخر الدولة واطأ أحد غلمانه فسقاه سما، وأرسل ابنه تابوته إلى بغداد مع أحد حجابه وكتب إلى أبي بكر الخوارزمي يعرفه أنه وصى بدفنه في مشهد الحسين
لم سد باب الملك وهو مواكب؟! * وخلت مجالسه وهن محافل؟!
ما للجياد صوافنا (٢) وصوامتا * نكسا؟! وهن سوابق وصواهل
من قطر (٣) الشجعان عن صهواتها؟! * وهم بها تحت الرماح أجادل (٤)
٥ ما للسماء عليلة أنوارها؟! * لمن السماء من الكواكب ثاكل؟!
من لجلج الناعي يحدث إنه * أودي فقيل: أقائل؟! أم قاتل؟!
المجد في جدث ثوى؟ أم كوكب الدنيا * هوي؟! أم ركن ضبة مائل؟!
ما كنت فيه خائفا إن الردى * من عز جانبه إليه واصل
أدرى الحمام بمن – وأقسم ما درى – * تلتف كفات له وحبائل؟!
١٠ خطب أخل الدهر فيه بعقله * والدهر في بعض المواطن جاهل
يا غيث أرضي الأرض سقيا واحتبي * بالروض يشكره المحل الماحل
ينهل منهل المزادة (٦) موثقا * إن الثرى الظمآن منه ناهل
يسم الصخور كأن كل مجودة (٧) * لحظ العليق بها حصان
(٣) قطر: ألقى.
(٤) أجادل جمع أجدل وهو الصقر.
(٥) الكفات جمع كفة بضم الكاف وهي الحبالة.
(٦) المزادة: الراوية. يربد بها السحاب الممطر على التشبيه.
(٧) المجودة: الأرض جادها المطر.
حلفت لأفواه الربي أخلافها * أيمان صدق إنهن حوافل (٢) ١٥
وليت سيوف البرق قطع عروقها * فبكل فج شاريان سائل
أبلغ أبا العباس أنك فاحص * حتى تبل جوى ثراه فواغل (٣)
مني وأطباق الصعيد حجابه * عني فكيف تخاطب وتراسل؟!
سعدت جنادل ألحفتك على البلى * لا مثل ما شقيت عليك جنادل
أبكيك لي والمرملين بنوهم الأيتام * بعدك والنساء أرامل ٢٠
ولمستجير والخطوب تنوشه * مستطعم؟ الدهر فيه آكل
متلوم (٤) العزمات لا هو قاطن * في داره قفرا ولا هو راحل
أودى به التطواف ينشد ناصرا * فيضل أن يلقاه إلا خاذل
حتى إذا الاقبال منك دنا به * أنساه عندك عام بؤس قابل
ولمعشر طرق العلوم ذنوبهم * في الناس وهي لهم إليك وسائل ٢٥
كانوا عن الطلب الذليل بمعزل * ثقة وأنت بما كفاهم كافل
قطع الجدا بهم وقد قطع الردى * بك أن يظن تزاور وتواصل
وعصائب هي إن ركبت مواكب * تسع العيون وإن غضبت جحافل
تفري بأذرعها الكعوب كأنما * تحت الرماح على الرماح عوامل (٥)
لو كان في (ثعل) بموتك ثأرها * ما عاش من ثعل (٦) عليك مناضل ٣٠
نكروا حلومك والمنون تسوقها * حقا وأنت مدافع متثاقل
قعد البعيد وقام عنك متاركا * ما جاء يقنصك القريب الواصل
ولج الحمام إليك بابا ما شكا * غير الزحام عليك فيه داخل
(٣) الواغل: الداخل المتغلغل في الشئ.
(٤) المتلوم: المنتظر.
(٥) تفرى من الفرى: الشق. كعوب جمع كعب: العقدة. عوامل جمع عامل وهو صدر الرمح الذي يلي السنان.
(٦) ثعل: قبيلة مشهورة بالرمي.
٣٥ لم يغنك الكرم العتيد ولا حمى * عنك السماح ولا كفاك النائل
كنت الذي مر الزمان وحلوه * فيمن يصابر عيشه ويعاسل
فغدوت مالك في عدوك حيلة * تغني ولا لك من صديقك طائل
والموت أجور حاكم وكأنه * في الناس قسما بالسوية عادل
لا اغتر بعدك بالحياة مجرب * عرف الحقوق فلم يرقه الباطل
٤٠ يا ثاويا لم تقض حق مصابه * كبد محرقة وجفن هامل
أفديك لو أن الردى بك قابل * من مهجتي وذوي ها أنا باذل
ما بال أوقاتي بفقدك هجرت؟! * ولقد تكون لديك وهي أصائل
قد كنت ملتحفا بمدحك حلة * فخرا تجر لها علي ذلاذل (١)
ويقول فيها:
٤٥ ما أنكر الزوار بعدك وجهه * في البدر من شمس النهار مخايل
أجمل له يا سعد واحمل وزره (٢) * ما طال باع أو أطاعك كاهل
وأنا الذي يرضيك فيه باكيا * ويسره بك في الذي هو قائل
ولشاعرنا أبي العباس الضبي شعر رقيق ونظم جيد ومنه قوله:
وأسكرت العقول فليس ندري * أسحرا ما تسقى أم كؤوسا؟!
وله قوله وهو مما يتغنى به:
وأي محاسن لك قد سباني؟! * جمالك؟! أم كمالك؟! أم ودادك؟!
وأي ثلاثة أوفى سوادا؟! * أخالك؟! أم عذارك؟! أم فؤادك؟!
وقرة العينين نيل المنى * عندي ولا سام ولا حام
: تجنب النمام لا تجنه * فإنما النمام نمام
أخشى علينا العين من أعين * يبعثها بالسوء أقوام
وله قوله:
الشمس عند غروبها * تصفر من فرق الفراق
ومما كتب إلى الوزير الصاحب ابن عباد قوله:
نثرت على القرطاس درا مبددا * وآخر نظما قد فرعت به النجما
جواهر لو كانت جواهر نظمت * ولكنها الأعراض لا تقبل النظما
وله في الثريا:
سنبلة من لؤلؤ * أو باقة من نرجس
وقوله فيها:
حسبتها لامعة * سنبلة من در
وقوله في قصر الليل:
بدت لعيني وانجلت * عذراء من قرارها
وقوله في طول الليل:
كلما زدت رعيه * زادني من سواده
فتبينت إنه * تائه في رقاده
أو تفانت نجومه * فبدا في حداده
وخلف المترجم له على مجده وفضله ولده أبو القاسم سعد بن أحمد الضبي، تبع