الرئيسية / الاسلام والحياة / شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

إلى أخلائهم وذوي مودتهم مثل هذا. في مثل هذه الحال، فردها وكتب إلي: هذا الكتاب فأقرأه، قال: فقرأته، وهو اعتذار عن الرد، وفي جملته: إننا أهل بيت لا نطلع على أحوالنا قابلة غريبة، وإنما عجائزنا يتولين هذا الامر من نسائنا، ولسن ممن يأخذن أجره، ولا يقبلن صلة. قال: فهذا هذا.
وأما المرتضى فإننا كنا قد وزعنا وقسطنا على الأملاك ببادوريا تقسيطا نصرفه في حفر فوهة النهر المعروف بنهر عيسى، فأصاب ملكا للشريف المرتضى بالناحية المعروفة بالداهرية من التقسيط عشرون درهما، ثمنها دينار واحد، قد كتب إلي منذ أيام في هذا المعنى هذا الكتاب، فأقرأه، فقرأته، وهو أكثر من مائة سطر، يتضمن من الخضوع والخشوع والاستمالة والهز والطلب والسؤال في إسقاط هذه الدراهم المذكورة عن أملاكه المشار إليها ما يطول شرحه.
قال فخر الملك: فأيهما ترى أولى بالتعظيم والتبجيل؟ هذا العالم المتكلم الفقيه الأوحد ونفسه هذه النفس، أم ذلك الذي لم يشهر إلا بالشعر خاصة، ونفسه تلك النفس! فقلت:
وفق الله تعالى سيدنا الوزير، فما زال موفقا، والله ما وضع سيدنا الوزير الامر إلا في موضعه، ولا أحله إلا في محله! وقمت فانصرفت.
* * * وتوفي الرضي رحمه الله في المحرم من سنة أربع وأربعمائة، وحضر الوزير فخر الملك، وجميع الأعيان والاشراف والقضاة جنازته، والصلاة عليه، ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ، ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر عليهما السلام، لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه، وصلى عليه فخر الملك أبو غالب، ومضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الشريف الكاظمي، فألزمه بالعود إلى داره.

(٤٠)

ومما رثاه به أخوه المرتضى الأبيات المشهورة التي من جملتها (1):
يا للرجال لفجعة جذمت يدي * ووددت لو ذهبت علي برأسي (2) ما زلت آبي وردها حتى أتت * فحسوتها في بعض ما أنا حاسي ومطلتها زمنا فلما صممت * لم يثنها مطلي وطول مكاسي لله عمرك من قصير طاهر * ولرب عمر طال بالأدناس!
* * * وحدثني فخار بن معد العلوي الموسوي رحمه الله، قال: رأى المفيد أبو عبد الله محمد بن النعمان الفقيه الامام في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ، ومعها ولداها: الحسن والحسين عليهما السلام، صغيرين، فسلمتهما إليه، وقالت له: علمهما الفقه. فانتبه متعجبا من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر، وحولها جواريها وبين يديها ابناها محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين، فقام إليها وسلم عليها (3)، فقالت له (3): أيها الشيخ، هذان ولداي، قد أحضرتهما لتعلمهما الفقه فبكى أبو عبد الله وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما الفقه (3)، وأنعم الله عليهما، وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا، وهو باق ما بقي الدهر (4).
(١) ب: ” التي من جملة مرثيته “، وما أثبته عن أ.
(٢) ديوانه ج ٢، لوحة ١٤٢ ” مصورة دار الكتب المصرية “.
(٣) ساقط من ب.
(٤) وانظر ترجمة الشريف الرضي أيضا في أخبار المحمدين من الشعراء ٨٨ – ٨٩، وإنباه الرواة ٣: ١١٤ – ١١٥، وتاريخ ابن الأثير ٧: ٢٨٠، وتاريخ بغداد ٢: ٢٤٦ – ٢٤٧، وتاريخ أبي الفدا ٢: ١٤٥، وتاريخ ابن كثير ١٢: ٣ – ٤، وابن خلكان ٢: ٢ – ٤، ودمية القصر ٧٣ – ٧٥، وروضات الجنان ٥٧٣ – ٥٧٩، وشذرات الذهب ٣: ١٨٢، وعيون التواريخ ” وفيات ٤٠٦ “، ولسان الميزان ٥: ١٤١، ومرآة الجنان ٣: ١٨ – ٢٠، والمنتظم لابن الجوزي ” وفيات ٤٠٦ “، والنجوم الزاهرة ٤: ٢٤٠، والوافي بالوفيات ٢: ٣٧٤ – ٣٧٩، ويتيمة الدهر ٣: ١١٦ – ١٣٥، وله أيضا ترجمة في مقدمة كتابه المجازات النبوية ” طبع بغداد ” منقولة عن كتاب ” تأسيس الشيعة الكرام لفنون الاسلام “، بتحقيق السيد حسن صدر بالدين.
(٤١)

القول في شرح خطبة نهج البلاغة قال الرضي رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم ” أما بعد حمد (1) الله الذي جعل الحمد ثمنا لنعمائه، ومعاذا من بلائه، ووسيلا إلى جنانه، وسببا لزيادة إحسانه. والصلاة على رسوله، نبي الرحمة، وإمام الأئمة، وسراج الأمة، المنتجب من طينة الكرم، وسلالة المجد الأقدم، ومغرس الفخار المعرق، وفرع العلاء المثمر المورق، وعلى أهل بيته مصابيح الظلم، وعصم الأمم، ومنار الدين الواضحة، ومثاقيل الفضل الراجحة. فصلى الله عليهم أجمعين، صلاة تكون إزاء لفضلهم، ومكافأة لعملهم، وكفاء لطيب أصلهم وفرعهم، ما أنار (2) فجر طالع، وخوى نجم ساطع (3) “.
* * * الشرح:
اعلم أني لا أتعرض في هذا الشرح للكلام فيما قد فرغ من أئمة العربية، ولا لتفسير ما هو ظاهر مكشوف، كما فعل القطب الراوندي، فإنه شرع أولا في تفسير قوله:
” أما بعد “، ثم قال: هذا هو فصل الخطاب، ثم ذكر ما معنى الفصل، وأطال فيه، وقسمه أقساما، يشرح ما قد فرع له منه، ثم شرح الشرح. وكذلك أخذ يفسر قوله:
” من بلائه “، وقوله: ” إلى جنانه “، وقوله: ” وسببا “، وقوله: ” المجد “، وقوله:
(1) أ: ” حمدا “.
(2 – 2) ب: ” ما أنار فجر ساطع، وخوى نجم طالع “. وكذا في مخطوطة النهج.
(٤٢)

شاهد أيضاً

شهيد وجرحى ومعتقلون جرّاء اعتداءات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة

2025-12-05  واصل المستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، في موازاة ما تقوم به ...