أئمة أهل البيت (ع) في كتب أهل السنّة / الصفحات: ١٤١ – ١٦٠
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «فاطمة بضعة منّي فمنْ أغضبها أغضبني»(١).
ـ ولد (عليه السلام) بالمدينة المنورة، ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، (١٥/ رمضان / ٣ هـ)(٢).
ـ كنيته أبو محمّد لا غير(٣).
ـ ألقابه كثيرة منها: التقي، الطيب، الزكي، السيد، السبط، الولي(٤).
ـ كان شبيهاً بالنبي (صلى الله عليه وآله)، سمّاه النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن، وعقّ عنه يوم سابعه، وحلق شعره، وأمر أن يتصدق بزنة شعره فضة، وهو خامس أهل الكساء(٥) »(٦).
كان عمر الحسن (عليه السلام) سبع سنين وأشهراً حين رحل الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وقيل: ثماني سنين، وقام بالأمر بعد أبيه (عليه السلام) وله سبع وثلاثون سنة(٧). وأقام في خلافته بعد أن بايعه أهل الكوفة ستة أشهر وأياماً، فسار إليه معاوية وانتهى الأمر بالصلح والهدنة(٨)، وشروط الصلح، وأسباب الهدنة تحتاج إلى بحث
(١) صحيح البخاري، باب المهاجرين: ٤/٢١٠، دار الفكر.
(٢) انظر «الإرشاد» للمفيد: ٢/٦، مؤسسة آل البيت، و «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: ١٤٤، دار الكتاب العربي.
(٣) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي: ٢/٩، مؤسسة أم القرى، و «الارشاد»: ٢/٥، مؤسسة آل البيت.
(٤) انظر مثلاً «مطالب السؤول» لمحمّد بن طلحة الشافعي: ٢/٩، مؤسسة أم القرى.
(٥) هكذا في المتن المطبوع، والصحيح هو رابع أهل الكساء، والحسين (عليه السلام) خامسهم.
(٦) تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١١٤، دار الكتاب العربي.
(٧) انظر «إعلام الورى» للطبرسي: ٢/٤٠١، مؤسسة آل البيت.
(٨) انظر «تاريخ الخلفاء» للسيوطي: ١٤٧، دار الكتاب العربي.
موسّع؛ مَنْ شاء الاطلاع، فليراجع كتاب «صلح الإمام الحسن» لآل ياسين.
ـ استشهد (عليه السلام) في شهر صفر سنة خمسين من الهجرة، مسموماً، سقته زوجته جعدة بنت الأشعث بأمر من معاوية بن أبي سفيان(١).
ـ دفن (عليه السلام) في مقبرة البقيع عند جدته فاطمة بنت أسد(٢)، وقبره ومن معه من قبور أئمة الهدى، هناك مهدّمة، قامت بهدمها الفرقة الوهابية.
وأما الإمام الحسين (عليه السلام)، فهو الإمام الثالث من أئمة أهـل البيت (عليهم السلام)، أبوه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمّه فاطمة الزهراء، سلام الله عليها، فأكرم به وأنعم.
نسبٌ كأنّ عليه من شمس الضحى نـوراً ومـن فلـق الصـباح عموداًـ ولد (عليه السلام) في الثالث من شهر شعبان المعظم وقيل في الخامس منه، سنة أربع من الهجرة(٣). وجاءت به أمّه فاطمة عليها السلام إلى جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستبشر به، وسمّاه حُسيناً وعقّ عنه كبشاً، وهو وأخوه بشهادة الرسول صلّى الله عليه وعليهما، سيدا شباب أهل الجنّة، وبالاتفاق الذي لا مرية فيه، سبطا نبي الرحمة(٤).
ـ كنيته أبو عبد الله، وأما ألقابه، فكثيرة: الرشيد، والطيب، والوفي، والسيد، والزكي، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والسبط(٥).
(١) إعلام الورى للطبرسي: ١/٤٠٣، مؤسسة آل البيت.
(٢) المصدر نفسه: ١/٤٠٣.
(٣) انظر «إعلام الورى» للطبرسي: ١/٤٢٠، مؤسسة آل البيت.
(٤) الإرشاد للمفيد: ٢/٢٧، مؤسسة آل البيت.
(٥) انظر «مطالب السؤول» ٢/٥١، مؤسسة أمّ القرى.
ـ رفض بيعة يزيد بن معاوية وضحّى بنفسه الشريفة في سبيل إيقاظ شعور الأمة وإبقاء راية الإسلام خفاقة عالية.
ـ عاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، كان مع الرسول (صلى الله عليه وآله) سبع سنين، ومع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدة إمامته الشرعية للأمة الإسلامية عشر سنين وأشهراً(١).
ـ استشهد (عليه السلام) في يوم عاشوراء من شهر محرم الحرام سنة إحدى وستين من الهجرة (١٠ / محرم / ٦١ هـ)(٢).
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: «ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله. وقيل: إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلاّ وجد تحته دم عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره»(٣).
ـ قبره في كربلاء المقدسة معروف مشهور يُزار يؤمّه الآلاف من
(١) انظر «إعلام الورى» للطبرسي: ١/٤٢٠، مؤسسة آل البيت.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) تاريخ الخلفاء: ١٦٠، ترجمة يزيد بن معاوية، دار الكتاب العربي.
المسلمين من مختلف مناطق العالم الإسلامي.
فضائل الحسنين في القرآن الكريم
حيث أنّ غرض الكتاب لم يكن منصبـّاً على ذكر فضائل أهل البيت أو استقصائها لذا سنقتصر على نماذج مختصرة مما ورد في حقهما من الآيات القرآنية ونترك التفصيل لمظانّه:
الفضيلة الأولى:
قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(١).
وهذهِ هي الآية الموسومة بآية التطهير، وتقدّم البحث عنها في الفصل الأول بما يناسب المقام، وعرفنا أنهّا شاملة للحسن والحسين، عليهما السلام فلا نعيد ولا نكرر الكلام.
الفضيلة الثانية:
قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}(٢).
وهذه هي الآية الموسومة بآية المباهلة، وهي مثل أختها المتقدمة، سبرنا أغوارها، وأنهينا الكلام عن غاياتها، ومقاصدها في الفصل الأول بما يتناسب والمقام، وعرفنا هناك أنّ النبي محمّداً (صلى الله عليه وآله) خرج إلى مباهلة نصارى نجران بمعيـّة علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم السلام)، فهم صفوة الأمة وخلاصتها
(١) الأحزاب: ٣٣.
(٢) آل عمران: ٦١.
ومدار رحاها، وأشرنا هناك إلى أنّ الحسنين بنص القرآن كانا ولدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فراجع.
الفضيلة الثالثة:
قوله تعالى: {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(١).
وهذه هي الآية الموسومة بآية المودة، وهي دالّة على وجوب محبة آل البيت (عليهم السلام)، وتقدّم ذكرها والكلام عنها في الفصل الأول، وعرفنا شمولها للحسن والحسين عليهما السلام فلا نعيد.
فهذهِ ثلاث آيات باهرات في فضل الحسنين عليهما السلام كلها تقدّم ذكرها، وبها غنًى وكفاية لمعرفة مقامهما وشرفهما عند الله سبحانه وتعالى، ولكن لا بأس أنْ نتبرك هنا بذكر آية رابعة، مشتملة على معانٍ عديدة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام)؛ نوردها بعنوان الفضيلة الرابعة:
الفضيلة الرابعة:
قوله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان: { إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء ولا شُكُورًا}(٢)، الآيات.
جاءت الأخبار بأنّ هذهِ الآيات المباركة نزلت في علي، وفاطمة، والحسن
(١) الشورى: ٢٣.
(٢) سورة الإنسان: ٥ ـ ٩.
والحسين (عليهم السلام) في قصة طويلة مجملها ما أورده الزمخشري في تفسيره عن ابن عباس قال: «إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر عليٌ وفاطمة وفضة جارية لهما إن برآ مما بهما أنْ يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء فاستقرض عليّ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء، وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا أخذ علي رضي الله عنه بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرائيل وقال: خذها يا محمّد، هنّأك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة»(١).
وقد أخرج الخبر مفصلاً الثعلبي في تفسيره «الكشف والبيان»(٢).
ومختصراً ابن الأثير الجزري في «أُسد الغابة»(٣).
(١) تفسير الكشاف: ٤/٦٧٠.
(٢) الكشف والبيان: ١٠/٩٨ ـ ١٠١، تفسير سورة الإنسان.
(٣) أُسد الغابة: ٧/٢٥٦، ترجمة فضة النوبية.
كما أخرج الخبر من طرق كثيرة الحاكم الحسكاني في «شواهد التنزيل» عن ثلاثة من الصحابة وهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) وابن عباس وزيد بن أرقم(١)، وقال بعد ذلك: «قلتُ: اعترض بعض النواصب على هذهِ القصة بأنْ قال: اتفق أهل التفسير على أنّ هذه السورة مكيّة، وهذه القصة كانت بالمدينة ـ إنْ كانت ـ فكيف كانت سبب نزول السورة، وبان بهذا أنّها مخترعة!!
قلتُ: كيف يسوّغ له دعوى الإجماع مع قول الأكثر أنها مدنية!!» ثم شرع في إثبات كون هذه السورة مدنية(٢).
وأخرج القصة مفصلة سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص»، مصححاً لها رادّاً على جدّه أبي الفرج ابن الجوزي، مبيناً في أكثر من موضع، أنّ جدّه يرتضي هذه القصة أيضاً، فإليك قارئي الكريم، تمام ما قاله سبط ابن الجوزي:
«ذكر إيثارهم بالطعام:
قال علماء التأويل فيهم نزل قوله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} الآيات.
أنبأنا أبو المجد محمد بن أبي المكارم القزويني بدمشق سنة اثنتين وعشرين وستمائة قال أنبأنا أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد العطاري أنبأنا الحسين بن مسعود البغوي أنبأنا أحمد بن إبراهيم الخوارزمي أنبأنا أبو
(١) انظر «شواهد التنزيل»: ٢/٢٩٨ ـ ٣١٠، وستجد هناك القصة مفصلة تارة، ومختصرة أخرى وبطرق متكاثرة. والحسكاني كما قال الذهبي: «شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث» انظر: «تذكرة الحفاظ»: ٣/ ١٢٠٠، مكتبة الحرم المكي.
(٢) شواهد التنزيل: ٢/٣١٠ ـ ٣١٥.
موعده جنّة عـلـيين | حـرمها الله على الضنين |
وللبخيل موقف مهين | تهوى به النار إلى سجين |
فقالت فاطمة (ع):
أطـعمه ولا أبـالي الساعه | أرجو إذا أشبعت ذا مجاعه |
أن ألحق الأخيار والجماعه | وأسـكن الخلد ولي شفاعه |
قال فأعطوه الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح، ولما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة من الشعير وصنعت منه خمسة أقراص وصلّى علي (ع) المغرب وجاء إلى المنزل فجاء يتيم فوقف على الباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعموني مما رزقكم الله أطعمكم الله من موائد الجنّة؟ فقال علي (ع):
فـاطم بـنت السـيـد الكريم | بـنت نبـي ليس بالذميم |
قـد جـاءنـا الله بـذا اليتيم | قد حرم الخلد على اللئيم |
يحمل في الحشر إلى الجحيم | شـرابه الصديد والحميم |
ومـن يـجود اليوم في النعيم | شـرابه الرحيق والتسنيم |
فقالت فاطمة (ع):
إنّي أطعمه ولا أبالي | وأوثر الله على عيالي |
فرفعوا الطعام وناولوه إيّاه، ثم أصبحوا وأمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأول فلما كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة باقي الشعير ووضعته
فجاء علي (ع) بعد المغرب فجاء أسير فوقف على الباب وقال السلام عليكم يا أهل بيت محمّد أسير محتاج تأسرونا ولا تطعمونا أطعمونا من فضل ما رزقكم الله فسمعه علي (عليه السلام) فقال:
فاطمة يا بنت النبي أحمد | بـنـت نـبــي سـيد مـسوّد |
منّي على أسيرنا المقيـّد | مـن يـطعم اليوم يجده في الغد |
عند العلي الماجد الممجد | من يزرع الخيرات سوف يحصد |
فقالت فاطمة (ع):
لم يبق عندي اليوم غير صاع | قد مجلت كفي مع الذراع |
ابـنـاي والله مـن الجـياع | أبوهما للخير ذو اصطناع |
ثم رفعوا الطعام وأعطوه للأسير، فلما كان اليوم الرابع دخل علي (ع) على النبي (ص) يحمل ابنيه كالفرخين فلمّا رآهما رسول الله (ص) قال وأين ابنتي؟ قال في محرابها فقام رسول الله (ص) فدخل عليها ولقد لصق بطنها بظهرها وغارت عيناها من شدة الجوع فقال النبي (ص) واغوثاه بالله آل محمّد يموتون جوعاً فهبط جبرئيل وهو يقرأ {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} الآية، فإن قيل فقد أخرج هذا الحديث جدّك في الموضوعات.
وقال: أخبرنا به ابن ناصر عن محمّد بن أبي نصر الحميدي عن الحسن بن عبد الرحمان عن أبي القاسم السقطي عن عثمان بن أحمد الدقاق عن عبد الله بن ثابت عن أبي الهذيل عن عبد الله السّمرقندي عن عبد الله بن كثير عن الأصبغ بن نباتة قال مرض الحسن والحسين وذكره ثم قال جدك قد نزّه الله ذينك الفصيحين عن هذا الشعر الركيك. ونزّههما عن منع الطفلين عن
أكل الطعام، وفي إسناده الأصبغ بن نباتة: متروك الحديث، والجواب أمّا قوله قد نزّه الله ذينك الفصيحين عن هذا الشعر الركيك فهذا على عادة العرب في الرجز والخبب كقول القائل: (والله لو لا الله ما اهتدينا) ونحو ذلك وقد تمثل به النبي (ص) وأمّا قوله عن الأصبغ بن نباتة فنحن ما رويناه عن الأصبغ ولا له ذكر في إسناد حديثنا، وإنما أخذوا على الأصبغ زيادة زادوها في الحديث وهي أن رسول الله (ص) قال في آخره اللهم أنزل على آل محمّد كما أنزلت على مريم بنت عمران فإذا (جفنة) تفور مملوة ثريداً مكللة بالجواهر وذكر الفاظاً من هذا الجنس.
والعجب من قول جدي وإنكاره وقد قال في كتاب (المنتخب) يا علماء الشرع أعلمتم لم آثرا وتركا الطفلين عليهما أثر الجوع أتراهما خفي عنهما سر: ابدأ بمن تعول، ما ذاك إلاّ لأنهما عَلِما قوة صبر الطفلين وأنهما: غصنان من شجرة أظل عند ربي، وبعض جملة: فاطمة بضعة مني، وفرخ البط سابح.
فصل:
وقد اشتملت سورة {هل أتى} من فضائل أهل البيت على معاني، منها قوله { يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} لِمَ ذكر الكافور وهو لا يشرب؟ فالجواب من وجوه أحدها: أنه أراد بياض الكافور في حسنه وطيب ريحه وبرده كقوله حتى إذا جعله ناراً أي كنار، والثاني: إنّ الكافور اسم لعين في الجنّة، والثالث: إنّه لما غلبت عليهم حرارة الخوف في الدنيا مزج لهم الكافور في الجنّة، ومنها أنّ الهاء في قوله { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} تعود على الله تعالى وقيل على حب الثواب؛ وقيل على حب الطعام لفاقتهم إليه ومنها قوله
{لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا} المراد بالزمهرير القمر قال الشاعر:
وليلة ظلامها قد اعتكر | قطعتها والزمهرير ما ظهر |
ومنها قوله: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا} فإن قيل فالمنظوم أحسن فالجواب إن المراد به الانتشار في الخدمة لما تعبوا في الدنيا أقام الحق لهم خدّاماً في الآخرة، ومنها إنّ الله تعالى ذكر في هذه السورة جميع ما يتعلق بنعيم الجنة ولذّاتها كالأشجار والأنهار والولدان والطعام والقصور وجميع ما يتعلق بهذا الباب إلا الحور حتى عجب العلماء من شرح هذه الأمور واستطرفوا عدم ذكرهن في هذا النعيم المذكور فقيل لهم ما ذاك إلا غيرة على زهراء الأنس من ذكر الضراير أو لأن الحور مملوكات والمملوكات لا يذكرن مع الحراير.
وسمعت جدي ينشد في مجالس وعظه ببغداد في سنة ست وتسعين وخمسمائة بيتين ذكرهما في كتاب (تبصرة المبتدي) وهما:
أهـوى عـلياً وإيـماني محبته | كـم مـشـرك دمـه من سيفه وكفا |
إن كنت ويحك لم تسمع فضائله | فاسمع مناقبه من (هل أتى) وكفى»(١) |
انتهى كلام سبط ابن الجوزي.
هذا وفضائل أهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم عديدة جداً وقد ألّف الحاكم الحسكاني كتاباً في جزئين أسماه «شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم» فمن شاء الاستزادة، فليراجع.
(١) تذكره الخواص: ٢٨١ ـ ٢٨٤، مؤسسة أهل البيت.
فضائل الحسنين في السنة النبوية الشريفة
وهي على قسمين:
الأول: الفضائل المشتركة:
الثاني: الفضائل الخاصة لكل واحد منهما.
أما الأول: فهو بدوره مشتمل على فضائل عامة تشمل غير الحسنين من أهل البيت (عليهم السلام) وفضائل خاصة بهما عليهما السلام، وسنجعل لهذا القسم باباً واحداً بعنوان الفضائل المشتركة.
أما الثاني: وهي الفضائل الخاصة بكل واحد منهما فستكون على قسمين الأول يتعلق بفضائل الإمام الحسن الخاصة والثاني يتعلق بفضائل الإمام الحسين الخاصة، فيكون التقسيم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الفضائل المشتركة.
الثاني: فضائل الإمام الحسن الخاصة.
الثالث: فضائل الإمام الحسين الخاصة.
وسيراً على نهجنا في الكتاب فإن الغرض ليس سرد الفضائل واستيفاءها بل هو ذكر جملة موجزة من ذلك، والله المستعان.
القسم الأول
الفضائل المشتركة
الفضيلة الأولى:
حديث الثقلين، وهو قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي. ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض».
وقد تقدّم الكلام عن هذا الحديث ودلالاته ومضامينه في الفصل الأول وعرفنا أنه شامل للحسن والحسين عليهما السلام فلا نعيد.
الفضيلة الثانية:
حديث الاثني عشر خليفة، وهو قول النبي محمّد (صلى الله عليه وآله): «إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة… كلهم من قريش».
وتقدّم الكلام عنه أيضاً.
الفضيلة الثالثة:
حديث السفينة وهو قول النبي (صلى الله عليه وآله): «مَثَل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» تقدّم أيضاً.
الفضيلة الرابعة:
في كونهم أماناً لأهل الأرض، وهو قول النبي (صلى الله عليه وآله): «النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض».
تقدّم.
الفضيلة الخامسة:
قول الرسول (صلى الله عليه وآله) لعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام): «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».
تقدّم.
الفضيلة السادسة:
في وجوب الصلاة على أهل البيت (عليهم السلام)، وهو قول النبي لأصحابه مُعلّماً إياهم كيفية الصلاة عليه: «قولوا: اللهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد».
وقد تقدّم الكلام عنه، وننوه هنا إلى أنّ مسلماً في «صحيحه» أخرج الحديث تحت باب: «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد التشهد»(١).
(١) انظر «صحيح مسلم» كتاب الصلاة، باب ١٧: ١/٣٠٥، دار الفكر.
فالصلاة على الآل إنما هي واجبة على كل مسلم في الصلاة اليومية، فأي فضيلة هذه، وأي مقام سامٍ يضعهم الله فيه!!؟.
الفضيلة السابعة:
قوله وهو آخذ بيد الحسنين: «من أحـبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة».
تقدّم.
الفضيلة الثامنة:
قول النبي (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلاّ أدخله الله النّار».
وهذا تقدم أيضاً.
فهذه ثماني فضائل شاملة للحسن والحسين عليهما السلام، تقدّمت في الفصل الأول، ونضيف هنا بعضاً آخر من فضائلهما عليهما السلام:
الفضيلة التاسعة:
في أنّ النبي راضٍ عنهما:
أخرج الطبراني في «الأوسط» بسنده إلى ربعي بن حراش، عن علي (عليه السلام): «أنه دخل على النبي صلّى الله عليه وسلم وقد بسط شملة فجلس عليها هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين ثم أخذ النبي صلّى الله عليه وسلم بمجامعه فعقد عليهم ثم قال: اللهم ارض عنهم كما أنا راضٍ عنهم»(١).
وأورده الهيثمي في «المجمع» وقال: «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبيد بن طفيل وهو ثقة»(٢).
فالنبي، إذن راضٍ عن علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ومنه يُعلم
(١) المعجم الأوسط: ٥/٣٤٨، دار الحرمين.
(٢) مجمع الزوائد: ٩/١٦٩، دار الكتب العلمية.
حال مخالفيهم ومعاديهم ومبغضيهم، فتأمّل.
الفضيلة العاشرة:
في أنّهما سيدا شباب أهل الجنّة:
أخرج أحمد في «مسنده» بسنده إلى أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة»(١).
وأخرجه الترمذي في «سننه»(٢)، والنسائي في «الخصائص»(٣)، والحاكم في «المستدرك»(٤)، وغيرهم.
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح»(٥)، ووافقه الألباني في «الصحيحة» بقوله: «وهو كما قال»(٦).
وقال الحاكم معلقاً على أحد الطرق: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي(٧)، ووافقهما الألباني أيضاً(٨).
والحديث بهذا الطريق، أعني من طريق أبي سعيد الخدري، قال بصحته أو حُسنه، جمع آخر من العلماء، منهم الهيثمي في «مجمع الزوائد»(٩)،
(١) مسند أحمد: ٣/٣، ٦٢، ٦٤، ٨٢، دار صادر.
(٢) سنن الترمذي: ٥/٣٢١، دار الفكر.
(٣) تهذيب خصائص الإمام علي للنسائي بتحقيق الحويني الأثري: ١٠٤ ـ ١٠٥، دار الكتب العلمية.
(٤) المستدرك على الصحيحين: ٣/ (١٥٤، ١٦٦ ـ ١٦٧)، دار المعرفة.
(٥) سنن الترمذي: ٥/٣٢١، دار الفكر.
(٦) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٣، حديث رقم (٧٩٦). مكتبة المعارف.
(٧) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص الذهبي»: ٣/١٥٤، دار المعرفة.
(٨) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٤، حديث (٧٩٦). مكتبة المعارف.
(٩) مجمع الزوائد: ٩/٢٠١، دار الكتب العلمية.
ومصطفى بن العدوي في «الصحيح المسند من فضائل الصحابة»(١). والحويني الأثري في تحقيقه على «خصائص أمير المؤمنين»(٢)، وكذا الداني بن منير آل زهوي(٣)، وحمزة أحمد الزين محقق كتاب «مسند أحمد»(٤).
وأخرج أحمد بسنده إلى حذيفة قال: «سألتني أمّي منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلتُ منذ كذا وكذا، قال: فنالت مني وسبتني، قال: فقلتُ لها دعيني فإني آتي النبي صلّى الله عليه وسلم فأصلّي معه المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصلّيتُ معه المغرب، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انفتل فتبعته، فعرض له عارض فناجاه، ثم ذهب فاتبعته فسمع صوتي فقال «من هذا» فقلتُ: حذيفة، قال: «مالكَ؟» فحدّثته بالأمر، فقال: «غفر الله لك ولأمّك» ثم قال: «أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟» قال: قلتُ بلى، قال: «فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذهِ الليلة، فاستأذن ربّه أنْ يُسلّم علي ويبشّرني أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة»(٥).
(١) الصحيح المسند من فضائل الصحابة: ٢٥٧، دار ابن عفان.
(٢) تهذيب خصائص الإمام علي بتحقيق الحويني الأثري: ٩٩ حديث (١٢٤). دار الكتب العلمية.
(٣) خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بتحقيق آل زهوي: ١٠٧، حديث رقم (١٤٠)، المكتبة العصرية.
(٤) مسند أحمد بتحقيق حمزة أحمد الزين: ١/١٠١، ١٩٥، ٢٠٤، ٢٥٩، أحاديث رقم (١٠٩٤١) (١١٥٣٧) (١١٥٦١) (١١٧١٦)، دار الحديث، القاهرة.
(٥) مسند أحمد: ٥/٣٩١، دار صادر.
وأخرجه الترمذي في «سننه» وحسّنه(١)، وعقّب عليه الألباني قائلاً: «وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال «الصحيح» غير ميسرة ـ وهو ابن حبيب ـ وهو ثقة»(٢).
وأخرج الحديث بألفاظ مختلفة من طريق حذيفة من غير زيادة «وأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» جمع منهم: أحمد في «مسنده»(٣)، وابن حبان في «صحيحه»(٤)، والحاكم في «المستدرك»(٥)، وغيرهم.
والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذهبي(٦)، وصحّحه الألباني بطريق أحمد الثاني أيضاً بقوله: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم(٧).
وصحّح كلا طريقي أحمد محقق كتاب «المسند»، حمزة أحمد الزين(٨).
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خير منهما» أخرجه الحاكم وقال: «هذا حديث صحيح بهذهِ الزيادة ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي(٩).
هذا، والحديث رواه جمع آخر من الصحابة أيضاً منهم: علي بن أبي
(١) سنن الترمذي: ٥/٣٢٦، دار الفكر.
(٢) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٦، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
(٣) مسند أحمد: ٥/٣٩٢، دار صادر.
(٤) صحيح ابن حبان: ١٥/٤١٣، مؤسسة الرسالة.
(٥) المستدرك على الصحيحين: ٣/٣٨١، دار المعرفة.
(٦) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص الذهبي»: ٣/٣٨١، دار المعرفة.
(٧) سلسلة الأحاديث الصحيحة: ٢/٤٢٦، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.
(٨) مسند أحمد: ١٦/٥٩١ ـ ٥٩٢، حديث (٢٣٢٢٢) و(٢٣٢٢٣)، دار الحديث، القاهرة.
(٩) المستدرك على الصحيحين وبهامشه «تلخيص الذهبي»: ٣/١٦٧، دار المعرفة.
وأحمد في «مسنده»(١).
وعن سعد بن أبي وقاص، قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحسن والحسين يلعبان على بطنه، فقلتُ يا رسول الله أتحـبّهما، فقال: ومالي لا أُحـبّهما وهما ريحانتاي».
أخرجه البزّار في «مسنده»(٢).
وأورده الهيثمي في «المجمع» وقال: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»(٣). وعن أبي أيوب الأنصاري قال: دخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يديه وفي حجره، فقلتُ يا رسول الله، أتحبـّهما، قال وكيف لا أحبـّهما وهما ريحانتاي من الدنيا أشمّهما».
أخرجه الطبراني في «الكبير»(٤)، وما تقدّم يشهد لصحته.
الفضيلة الثانية عشرة:
في محبـّة النبي لهما:
أخرج أحمد بسنده إلى عطاء أن رجلاً أخبره «أنّه رأى النبي صلّى الله عليه وسلم، يضمّ إليه حسناً وحسيناً يقول: اللهم إنّي أُحِـبُّهما فأحِـبَّهُما»(٥).
وأورده الهيثمي في «المجمع وقال: «رواه أحمد ورجاله رجال
(١) مسند أحمد: ٢/٨٥، ٩٣، ١١٤، ١٥٣، دار صادر.
(٢) مسند البزّار: ٣/٢٨٧، نشر مؤسسة علوم القرآن.
(٣) مجمع الزوائد: ٩/١٨١، دار الكتب العلمية.
(٤) المعجم الكبير: ٤/١٥٦، دار إحياء التراث العربي.
(٥) مسند أحمد: ٥/٣٦٩، دار صادر.