هوية التشيع / الصفحات: ٢٠١ – ٢٢٠
٢ ـ
يقول إبراهيم بن موسى الغرناطي الشاطبي صاحب الموافقات في كتابه الإِعتصام: ثم أنّ بعض من نسب إلى الفرق ممن حرف ـ من الحرفة ـ التأويل في كتاب الله تعالى أجاز نكاح أكثر من أربع نسوة إما اقتداءاً في زعمه بالنبي حيث أحل له أكثر من ذلك ولم يلتفت إلى إجماع المسلمين أنّ ذلك خاص به، وإما تحريفاً لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب) الخ فأجاز الجمع بين تسع نسوة في ذلك فأتى ببدعة أجراها في هذه الاُمة(٢) وما ذكره الشاطبي هو عند السنة ولو كان عند الشيعة، لنص عليه أولاً، وثانياً لتغيرت لهجته، فإنّ لهجة هذا الرجل مع الشيعة أترك نعتها بعد أن تسمعها فاسمع قول: «قال: يحكى عن الشيعة أنّ النبي أسقط عن أهل بيته ومن دان بحبّهم: جميع الأعمال، وأنّهم غير مكلفين إلا بما تطوعوا به، وأنّ المحظورات مباحة لهم كالخنزير والزنا والخمر وسائر الفواحش، وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهنّ على المحتاجين رغبة في الأجر، وينكحون ما شاؤوا من الأخوات والبنات والاُمهات لا حرج عليهم ولا في تكثير النساء، ومن هؤلاء العبيدية الذين ملكوا مصر وافريقية ومما يحكى عنهم في ذلك أن يكون للمرأة ثلاثة أزواج وأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم» إنتهى وقد عقب عليه الناشر بالحاشية بقوله: إنما يريد بعض فرق الشيعة الباطنية المارقين عن الإِسلام(٣) إنّي أدعو القارئ ليضع يده على أنفه لئلا يشم هذه الجيف، وبعد ذلك اُعقب على قوله بما يلي:
(٣) الإِعتصام ٢/٤٤.
أولاً ـ:
إنّ العبيدين وغيرهم ليسوا من الشيعة الإِمامية وإن كنت أعتقد جازماً عدم صحة ما نسبه إليهم قياساً على ما نسبه لغيرهم وهو غير صحيح.
ثانيا ـ:
لسنا الذين نبيح نكاح المحارم وحكم من يقع على إحدى محارمه عندنا القتل فراجع أي كتاب من كتب فقه الشيعة باب الحدود، وإنما يقول الإِمام أبو حنيفة من عقد على اُمّه واُخته أو بنته، عالماً عامداً ودخل بها فلا يقام عليه الحد وإنما يعزر لأنّ العقد أورث شبهة(١).
إذاً فلسنا نحن الذين نتساهل في الإِعتداء على المحارم كما أننا لا نريد التهريج على أبي حنيفة بل رأيه هنا خطأً في تطبيق معنى الشبهة هنا على هذا العقد. لأنّ المحارم ليست محلاً للعقد.
ثالثاً ـ:
أنا أسأل الله تعالى أن يجعل حصيلة هذا القول في ميزان الشاطبي يوم يلقاه وسوف يسأله عن ذلك لأنّه تعالى يقول: (من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) ٧و٨ من سورة الزلزال، وأنا إنما أطلت الكلام في هذه المسألة وهي من البديهيات تقريباً حتى أوقفك على مدى أمانة بعض الناس، ولست أدري بماذا يتعلل هؤلاء وحولهم كتب الشيعة تملأ المكتبات فهل ذكروا لنا كتاباً واحداً يفتي بإباحة لحم الخنزير أو شرب الخمر إنّ الذي يقول بذلك غيرنا إذا أحببت فراجع تفسير قوله تعالى: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً إنّ في ذلك لآية لقوم يعقلون) النحل/٦٧ في تفاسير أهل السنة لترى رأي الإِمام أبي حنيفة حول النبيذ فرأيه معروف، ودعني أذكر لك فتوى واحدة من فتاواه توضح لك رأيه في هذا الموضوع يقول أبو زهرة في كتابه فلسفة العقوبة:
والسبب في تساهل أبي حنيفة في موضوع بعض المسكرات هو أنّه ثبت بالرواية عنده أنّ بضع الصحابة تناول بعض هذه الأشربة، فامتنع عن تحريمها حتى لا يتهم الصحابة بالمعصية وقال في ذلك: لو غرقوني في الفرات لأقول إنّها
٣ ـ
الرأي الثالث الذي يدل على أنّ الجمع بين أكثر من أربع عند غير الشيعة ما ذكره ابن قدامة في المغني معلقاً على قول المتن:
وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات أجمع أهل العلم على هذا ولا نعلم أحداً خالفه إلا شيئاً يحكى عن ابن القاسم بن ابراهيم أنّه أباح تسعاً لقوله تعالى: (فانكخوا ما طاب لكم) الخ والواو للجمع، ولأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم مات عن تسع، وهذا ليس بشيء لأنّه خرق وترك للسنة، فإنّ رسول الله قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشرة نسوة: أمسك أربعاً وفارق سائرهنَّ(٢) ومن ذلك يظهر أن لا قول للشيعة في المسألة فما أدري من أين جاء من ينسب هذا القول للشيعة بهذا القول.
لقد أصبح هذا الخلط من الشاطبي وغيره زاداً دسماً للمستشرقين الذين أخذوا يؤكدون على أنّ الشيعة والصوفية يسقطون الشريعة ويحلون المحارم عند وصول الحقيقة، الخ.(٣).
النموذج الثاني: الشّك بالنبوة
وإذا كانت بعض الإفتراءات على الشيعة قيلت ثم ماتت واندثرت، وبعضها قيلت ولكنّها لم تشتهر كما هو الحال في النموذج الأول الذي ذكرناه، فإنّ
(٣) الحضارة الإِسلامية لادم متز ٢/٣٠.
أ ـ
أول ما يقال في هذه الرواية أنّ الشعبي عندما كان يقارن بين اليهود
(٣) اعتقادات فرق المسلمين ص٥٩.
ب ـ
إنّ رجال سند هذه الرواية بين متهم مثل عبدالرحمن بن مالك بن مغول فقد قالت عنه كتب التراجم بأنّه ضعيف، وكذاب، ووضاع، ويقول عنه الدارقطني متروك، ويقول عنه أبو داوود كذاب وضاع، ويقول عنه النسائي ليس بثقة(٢).
وبين مجهول: كمحمد الباهلي ولم أجد لمحمد هذا أي ذكر في لسان الميزان وتاريخ بغداد وغيرهما.
ج ـ
سبق أن ذكرنا أنّ الشعبي يرمى بالتشيع وقد نص على تشيعه كل من ابن سعد والشهرستاني ولا يعقل أن يقول شيعي هذا القول.
د ـ
وعلى فرض صحة جميع هذه المقدمات فمن هم هؤلاء الغرابية وكم عددهم وأين مكانهم وهل لهم من وجود خارجي، أغلب الظن أنّهم من المقلع الذي نحت منه عبدالله بن سبأ خلقتهم نفس الأهداف التي خلقته.
هـ ـ
إنّ الذي يدعي نبوة شخص فلا بد أن يكون هذا النبي منصوباً من رب وهنا يقال هل أنّ هذا الرب الذي أرسل رسوله لنبيه كان يعلم أنّ هذا الرسول مغفَّل لا يفرق بين اُرسل إليه وغيره أم لا فإذا كان لا يعلم فهو لا
و ـ
أوليس القرآن الكريم يقول عن جبرئيل: (مطاع ثم أمين) التكوير/٢١. ويقول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب/٤٠. والشيعة مسلمون يقرؤون القرآن آناء الليل وأطراف النهار فكيف لا يفهمون ذلك، أللهم إلا أن يقال كما قيل: إنّهم يرون القرآن محرفاً، وقد فندنا هذا القول بما أوردناه من نصوص أنّ الثابت عند المسلمين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لا نبي بعدي والمسلمون سمعوا منه ذلك.
ز ـ
كل من له إلمام بالتاريخ يعلم مدى طاعة الإِمام عليٍّ عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلّم وجهاده بين يديه فكيف يجتمع ذلك مع علمه بأنّه أخذ منه الرسالة إلا أن يقال إنّه لا يعلم أنّ الرسالة هي له.
حـ ـ
إنّ مصدر التشريع الأول والأساس هو القرآن الكريم عند كل فرق المسلمين ومنهم الشيعة فإذا نزل القرآن على مغفل وبيد خائن فأي ثقة تبقى به بعد ذلك.
ط ـ
ألا تكفي آلاف المنائر والمساجد عند الشيعة والتي تصرخ ليل نهار أشهد أنّ محمداً رسول الله للتدليل على أنّ هذه القصة فرية مفتعلة كأخواتها.
ي ـ
إنّ كتب عقائد وفقه الشيعة تملأ الدنيا فهل يوجد في كتاب واحد منها ما يشير إلى هذه الفرية ونرضى بأن يكون حتى من المخرفين ممن نراهم عند فئة اُخرى. إننا نطالب بمصدر واحد اعتمد عليه هؤلاء في نقل ما نقلوه. وإذا كان العوام يتلقون أقوال رجال فكرهم بالقبول مهما كانت فما بال المثقفين يعيشون نفس العقلية وما فائدة العلم إذا لم يقوّم تفكير الإِنسان، وإلى كم يبقى المسلمون بجترّون ما اُدخل إلى أمعائهم يوماً مّا، ليت هؤلاء يصارحونا بأنّ لهم مصالح في بقاء هذه المهازل إذا لأراحوا الأجيال ولكانوا صادقين مع أنفسهم كما صنع مروان ابن الحكم في لحظة من لحظات استيقاظ ضميره وقد سئل عن موقف الإِمام عليٍّ عليه السلام
ك ـ
إنّ الله تعالى يقول (وما أرسلنا من قبلك الا رجالاً) وعليّ عند البعثة طفل ابن سبع سنين فالآية تنص على ان النبوة لا تكون الا لرجل.
وفي ختام هذا الفصل يحسن بنا الإِشارة إلى ما كتبه جهابذة الشيعة في كتب العقائد عن النبوة وشخص النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم في كتب العقائد وأنا اُلفت النظر إلى عقائد الصدوق وأوائل المقالات للمفيد، والشريف المرتضى في تنزيه الأنبياء وغيرهم وأكتفي بفقرتين:
الأولى:
يقول السيد محسن الأمين العاملي:
إنّ من شك في نبوة النبي وجعل له شريكاً في النبوة فهو خارج عن دين الإِسلام(٢).
الثانية:
يقول الرضا المظفر في عقائد الإِمامية.
نعتقد أنّ صاحب الرسالة الإِسلامية هو محمد بن عبدالله وهو خاتم النبيين وسيد المرسلين، وأفضلهم على الإِطلاق كما أنّه سيد البشر جميعاً لا يوازيه فاضل في فضل ولا يدانيه أحد في مكرمة، وأنّه لعلى خلق عظيم(٣).
(٣) عقائد الإِمامية ص٦٤.
النموذج الثالث: رمي التشيع بالشعوبية
والشعوبية لغة: جمع شغوبي نسبة للشعب، وقد تطلق ويراد بها النزعة العدائية للعرب، وهي بالإِطلاق الثاني مصدر صناعي، والشعوبي في إطلاق آخر هو الذي يسوِّي بين العربي وغيره ولا يفضل العربي وقد اشتق هذا الإِسم من الآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر واُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/١٣. وذلك لأنّ المسلمين من غير العرب دعوا إلى التسوية وكانت هذه الأية من شعاراتهم، ومن شعاراتهم الحديث النبوي الشريف لا فضل لعربي على عجمي كلكم لآدم وآدم من تراب، ثم توسع العرب فأطلقوا لفظ الشعوبي على من يحقر العرب وتوسعوا بعد ذلك فأطلقوه على الزنديق والملحد، معتبرين الزندقة والإِلحاد مظهراً ينم على كره العرب لأنّه كره لدينهم، ثم اُطلق بعد ذلك على الموالي.
أسباب نشوء الشعوبية:
تنقسم الأسباب إلى قسمين:
القسم الأول:
فعل والثاني رد فعل، وهذا الأخير أعني ردة الفعل: ملخصه أنّ العرب كانوا في الجاهلية ممزقين لا تجمعهم جامعة، وكانت الدولة لغيرهم، فجاء الإِسلام ووحدهم وأوطأهم عروش كسرى وقيصر فنظر العرب فجأة فإذا بهم اُمة عظيمة بيدها أكثر من سلاح تخافها الاُمم وينظر إليها الناس بإجلال باعتبارها المبشرة بالإِسلام والحاملة لتعاليمه، فنفخ ذلك فيهم روح الغرور وأخذوا يعاملون الشعوب التي افتتحوها معاملة فيها كثير من الغطرسة والصلف ولم يسووهم بهم، ومنعوا الموالي من الزواج بالعربية وسموا من يولد من زواج كهذا
قالوا نبيعكم بيعاً فقلت لهم * بيعوا الموالي واستحيوا من العرب(١)
وذكر ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد أن العرب كانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى، وكانوا لا يكنون المولى ولا يمشون معه في الصف ولا يواكلونه بل يقف على رؤوسهم فإذا أشركوه بالطعام خصصوا له مكاناً ليعرف أنّه مولى وكانت الأمة لا تخطب من أبيها وأخيها وإنما من مولاها وكانوا في الحرب يركبون الخيل ويتركون الموالي مشاة(٢).
ومن الحق أن يشار إلى أنّ فعل العرب هذا بالموالي هو ردة فعل لما كان يعامل به العرب من قبل الروم والفرس، وكان ما أشرنا إليه من معاملة للموالي هو على مستوى سائر الناس، أما ما كان على مستوى الحكام فكان لا يلتقي بحال من الأحوال مع الإِنسانية وخصوصاً ولاة الاُمويين كالحجاج الذي لم يرفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة، والذي وسم أيدي الموالي وردهم إلى القرى لما هاجروا للمدن(٣) كل ذلك دفع هؤلاء الموالي إلى تبني شعار الإِسلام والدعوة للمساواة فسموا أهل التسوية، ثم مرت ظروف أدت إلى رفع شأن الموالي خصوصاً أيام عمر بن عبدالعزيز وما بعده فتحفزوا لإِثبات وجودهم وتطور الأمر بعد ذلك أن بدأت ردود الفعل تشتد فتصل إلى احتقار العرب وشتمهم.
أما القسم الثاني:
الذي هو فعل فهو امتداد للعصور السالفة عندما كان العرب أيام الأكاسرة
الأول:
لحاجتها لتنظيم شؤون الدولة والإِستفادة من خبرات هذه الاُمم في التطبيق وما لهم من قدم وعراقة في ذلك وتشبهاً بهم في البذخ والترف.
والثاني:
للإِستعانة بهم في كسر شوكة العرب لأنّهم خافوا من العرب وخصوصاً عندما شاهدوا ميل العرب للعلويين، وقد لعب الفرس والترك دوراً شرساً في كسر شوكة العرب وتحقيق مآرب العباسيين في ذلك ولكنّهم بعد ذلك قضوا على الخلافة العباسية وحتى على مظهرها العربي، وأحالوا بغداد إلى مؤسسة انمحت فيها آثار العروبة في تفصيل ليس محله هنا.
مظاهر الشعوبية:
المجالات التي ظهرت فيها الشعوبية اهمها الأدب بقسميه الشعر والنثر، ابتداءاً من أيام الامويين حتى العصر العباسي، وظهرت في تاريخ مرويات تحط من شأن العرب وترفع من غيرهم، ومظاهر أخرى تجسدت في إحياء طقوس وعادات وعقائد كانت عند بعض تللك الأمم التي دخلت الإِسلام، وحتى السلوك الاجتماعي عند الحكام والمواطنين في الأكل واللباس وانماط السلوك الاجتماعي الاخرى ظهرت عليها سمات غير عربية وكان طبيعياً أن يكون هناك اقتباس لو اقتصر على ذلك ولكنه اقتباس يرافقه تحدي وفخر بهذا المظهر وحط من مظاهر العرب وانتقاص من انماط معيشتها وحياتها.
علامة الشعوبية بالتشيع:
وبعد هذه الجمل الموجزة عن الشعوبية نتساءل ما هي علاقة الشعوبية بالتشيع؟ وما هو منشأ رمي التشيع بالشعوبية الأمر الذي دفع مثل الدكتور أحمد أمين أن يقول: وأما التشيع فقد كان عش الشعوبية الذي يأوون إليه وستارهم الذي يتسترون به(١).
ان رمي التشيع بالشعوبية أمر يدعو للاستغراب فليس هناك أي علاقة بين الشعوبية والتشيع، وسنحاول استقصاء الامور التي تكون علامة أو منشأ للشعوبية لنرى أين مكان الشيعة من هذه الامور، وبالتالي ما هي قيمة هذه التهمة:
١ ـ الأصل غير العربي:
لم يكن الشيعة الرواد والذين يلونهم: من الموالي أو من أي عنصر غير العنصر العربي كما أسلفنا ذلك وذكرناه مفصلاً فيما سبق من هذا الكتاب فلا حاجة لاعادته.
٢ ـ مواقف الشيعة ازاء العروبة:
لقد وقف مؤلفوا ومفكروا الشيعة إزاء العروبة والعرب موقفاً جليلاً في تكريم العرب وتكريم الفكر العربي والإِشادة بإسهامه في خدمة الشريعة مبرهنين على أن الله تعالى كرم العرب بحملهم للرسالة وجعل لغة القرآن الكريم لغتهم، واعتبر أرضهم مهداً لا نطلاق الدعوة والذود عن حياضها وقد شرحنا موقفهم من اللغة وعروبة الخليفة وغير ذلك مفصلاً.
٣ ـ موقفهم من حضارة العرب:
لم يكن للشيعة موقف سلبي إزاء حضارة العرب بل العكس فالشيعة هم الرواد الأوائل في خدمة الحضارة العربية في مختلف أبعادها وإليك شريحة من
تعقيب
هذه مجموعة بسيطة أردت منها أن تكون مجرد مؤشر إلى سبق الشيعة في خدمة الفكر العربي والإِشادة به، وليرجع القارئ إلى المصادر لأجل المزيد من ذلك.
٤ ـ شعراء الشيعة:
مواقف شعراء الشيعة في الذود عن العرب والعروبة مشهورة ودفاعهم عن كل ماله صلة بوجود العرب ومجدهم، والوقوف بوجه خصوم العرب يشكل سفراً كبيراً لو جمع وساُورد لك نماذج: من مواقفهم في ذلك منهم:
أ ـ أبو الأسد نباتة بن عبدالله الحماني:
لقد سكت عن تعيين مذهبه كل من أبي الفرج في الأغاني، والعباسي في معاهد التنصيص، وابن قتيبة في الشعر والشعراء، ولكنه شيعي لعدة قرائن منها: أولاً ارتباطه بأهل البيت بشعره، وولادته في محلة حمانا بالكوفة مهد التشيع، وانقطاعه لأبي دلف القائد الشيعي، وإليك قصيدته في هجاء الشعوبية ضمن هجائه لعلي بن يحيى المنجم، وسنرى إلمامه القوي بالمصطلحات المحلية:
فما مضت سنة حتى رأيتكم * تمشون في القز والقوهي وفي اللين
وفي المشاريق ما زالت نساؤكم * يصحن تحت الدوالي بالوراشين
فصرن يرفلن في وشي العراق وفي * طرائف الخز من دكن وطاروني
نسين قطع الحلاني من معادنها * وحملهن كشوشاً في الشقابين
حتى إذا أيسروا قالوا وقد كذبوا * ونحن الشهاريج أولاد الدهاقين
لو سيل أوضعهم قدراً أو انذلهم * لقال من فخره أني ابن شوبين
وقال أقطعني كسرى وورثني * فمن يفاخرني أم من يناويني
فقل لهم وهُمُ أهل لتربية * شر الخليقة يا بخر العثانين
ما الناس إلا نزار في أرومتها * وهاشم سرحة الشم العرانين
والحي من سلفي قحطان انهم * يزرون بالنبط اللكن الملاعين
أما تراهم وقد حطوا براذعهم * عن أتنهم واستبدوا بالبراذين
وأخرجوا عن مشارات البقول إلى * دور الملوك وأبواب السلاطين
أنساب فخرهم إليك وإنما * أنساب أصلهم إلى عدنان
ويقول:
ونراه يتطلع إلى سيادة العرب وحكم العرب فلا خير في قوم يحكمهم أجنبي عنهم فيقول:
لا أدب عندهم ولا حسب * ولا عهود لهم ولا ذمم
بكل أرض وطئتها أمم * ترعى بعبد كأنها غنم(١)
د ـ الحارث الحمداني أبو فراس:
من ألسنة العربية الفصاح وممن أشاد بمجدهم وقد تألم لمنابرهم إذ يفترعها غيرهم: يقول في قصيدته الشافية:
أي المفاخر أضحت في منابركم * وغيركم آمر فيهن محتكم(٢)
هذه مجرد نماذج بسيطة من مواقف شعراء الشيعة ازاء العرب والعروبة وبوسع القارئ مراجعة دواوين شعراء الشيعة في مختلف العصور ليرى مدى عروبة الشيعة.
هـ ـ الشعوبيون البارزون ليسوا بشيعة:
أن أبرز من عرف بالشعوبية في مختلف الأبعاد الفكرية والإِجتماعية هم من غير الشيعة وسأذكر لك جملاً قصيرة من تراجمهم تنهض بالمطلوب.
أ ـ معمر بن المثنى أبو عبيدة:
من أبرز المؤلفين وممن عرف بأنه من أئمة الشعوبية وهو من موالي بني تيم بالبصرة وكان يهودي الأصل اسلم جده على يد بعض أولاد أبي بكر وهو الذي جدد كتاب مثالب العرب وزاد فيه: كان خارجياً يرى رأي الأباضية(١).
ب ـ الهيثم بن عدي بن زيد:
كانت امه أمةً وأبوه عربياً وكان من أبرز الشعوبيين وكان كذلك خارجياً في عقيدته وقد وضح ذلك في كل كتبه منها كتاب المثالب الكبير، وكتاب المثالب الصغير(٢).
ج ـ علان الشعوبي:
وهو علان بن الحسن الوراق كان من أبرز الشعوبيين وكان كما يقول الألوسي زنديقاً ثنوياً عمل كتاباً لطاهر بن الحسين بدأ فيه بمثالب بني هاشم، ثم بطون قريش، ثم سائر العرب(٣).
د ـ عبدالله بن مسلم بن قتيبة:
كان من أئمة أهل السنة ومبرزيهم كان من الشعوبيين كما نص على ذلك ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد، ولكن الدكتور محمد نبيه حجاب حاول تنزيهه عن الشعوبية لأنه كما يقول ورد له مدح للعرب، في حين ورد لابن المقفع أكثر من نص في مدح العرب ومع ذلك كان الدكتور محمد نبيه إذا مر بالنصوص التي لابن المقفع في مدح العرب يقول إنه عمل ذلك للتستر، والسبب في موقف محمد نبيه هذا: ان عبدالله بن مسلم من أهل السنة في حين لم يكن ابن المقفع
(٣) معجم الأدباء ١٢/١٩١.
هـ ـ عبدالله بن المقفع:
عده الباحثون من الشعوبيين ولكن الأستاذ محمد كرد علي في كتاببه أمراء البيان تصدى للدفاع عنه واعتبره ممن أسلم وحسن إسلامة في حين يذهب جماعة من قدامى المؤرخين كأبي الفرج الأصبهاني والمسعودي والجهشياري إلى أنه زنديق، أما الدكتور محمد نبيه حجاب فيرى أنه مجوسي الدين ثنوي العقيدة وانه لم يتخلًّ عن الطقوس المجوسية، ومع آراء المؤرخين القدامى فيه ومع رأي محمد نبيه نفسه في أنه مجوسي مع كل ذلك يقول نبيه حجاب إنه علوي السياسة وذلك استناداً إلى رأي رآه حنا فاخوري في كتابه تاريخ الأدب، وما أدري اين هي علويته مع ما ذكروه عنه(٢).
و ـ سهل بن هارون بن رهبون الفارسي:
كان من صنائع البرامكة ورئيس بيت الحكمة للمأمون ترجم له أكثر من واحد ومنهم ياقوت الحموي في معجم الأدباء وابن النديم في الفهرست وفريد وجدي في دائرة معارفه. وغيرهم، وعلى هؤلاء اعتمدد محمد نبيه حجاب في ترجمته ولم ينص احد من هؤلاء الذين ذكرنا انهم ترجموا له: على أنه من الشيعة، ولكن نبيه حجاب يقول: كان سهل علوي المذهب ميالاً إلى الإِعتزال كغيره من شيعة العراق في عصره وكان فارسي النزعة، في حين يذهب محمد كرد علي في كتابه أمراء البيان للدفاع عنه ويبرئه من الشعوبية(٣).
ز ـ بشار بن برد:
كان زنديقاً يكفر الناس كلها بما فيهم الهاشميين ويكفر الأمة كلها لأنها
(٣) دائرة معارف وجدي ٢٠/٥٠٥.
وله مدح لابراهيم بن عبدالله بن الحسن لما خرج على المنصور وذلك بأبياته التي يقول فيها:
من الفاطميين الدعاة إلى الهدى * جهاراً ومن يهديك مثل ابن فاطم
سراجاً لعين المستضيء وتارة * يكون ظلاماً للعدو المزاحم
فاستدل نبيه حجاب من هذه الأبيات على أنه من الشيعة، مع أنه مدح العباسيين بقصائد أكثر وأبيات أكثر حرارة وذلك كقوله:
لولا الخليفة أنا لا نخالفه * لقد دلفنا لأرواد بأرواد
ومدح غيرهم وغيرهم وذلك واضح في ديوانه ولكنه لم ينسب لمن مدحهم ولكن بمدحه لابراهيم صار شيعياً والغرض من ذلك أن يكون شيعياً وهو في نفس الوقت شعوبي حتى تنسب بعد ذلك الشعوبية للشيعة: فاستمع إلى ما يقول محمد نبيه حجاب: يقول في آخر ترجمته: هذا هو بشار الزنديق المارق الماجن المستهتر الزرادشتي العقيدة الشيعي المذهب الشعوبي المتعصب(١).
وتذكرني هذه العبقريات المتوثبة من نبيه حجاب بحكاية مثلها أذكرها لك وقد رواها عبدالحي الكتابي في كتابه التراتيب الإِدارية: قال:
كان عند أولاد تيم الدراي كتاب النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في قطعة أديم: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أنطى محمد رسول الله تميماً الداري أقطعه قريتين جبرون، وبيت عينون ببلد الخليل، فبقي ذلك في يده ويشاهد الناس كتابه إلى
ح ـ يزيد بن ضبة مولى ثقيف:
كان مع الاُمويين ويرمى بالمانوية والشعوبية وانقطع للوليد بن يزيد وعده أكثر من مؤلف من الشعوبيين(٢).
ط ـ حماد بن سابور:
ابن المبارك المعروف بحماد الراوية ديلمي الأصل بكري الولاء وهو من أكابر الشعوبية(٣).
ي ـ إسماعيل بن يسار:
كان منقطعاً لآل الزبير ثم مال لبني مروان وعده بعضهم انتهازياً وكان يعد من أبرز الشعوبيين وأشدهم تعصباً على العرب(٤).
ك ـ إسحاق بن حسان الحريمي:
لم يرد نص على أنّه من النحلة الفلانية أو غيرها وكان من كبار الشعوبيين
(٣) مظاهر الشعوبية ص١٥٣.
(٤) مظاهر الشعوبية ٢/١٥٩.
ل ـ إبراهيم بن حمشاذ المتوكلي:
وقد كان من ندماء المتوكل الخليفة العباسي (محي السنة) وكان ينادمه على الشراب حتى نسبه إليه، ولم يذكروا له عقيدة خاصة ولكن انتمائه إلى المتوكل قد يقوم قرينة على الإِتحاد في الميول وكان من كبار الشعوبية(٢).
م ـ الحسن بن هاني أبو نواس:
مولى الجراح بن الحكم اعتبره بعضهم مجرد متهتك، واعتبره البعض الآخر زنديقاً، واعتبره آخرون مانوياً ورموه بالشعوبية، واعتبره نبيه حجاب كافراً ملحداً لا دين له(٣).
ن ـ ابن الرومي علي بن العباس بم جريح:
يقول عنه نبيه حجاب: ولم يشر أحد من رواة الأدب ومؤرخيه إلى ما كان عنده من عصبية لقومه، ولكن أشعاره لا تخلو من هذه النزعة وان بدت في أبيات قليلة ومن هذه الأبيات قوله:
ومنها قوله:
أما البيت الوحيد الذي قطع فيه نبيه حجاب على شعوبية ابن الرومي فهو البيت الآتي:
(٣) مظاهر الشعوبية ص٢٨٦.