الرئيسية / زاد الاخرة / الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1

الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – ج 1 / الصفحات: ٢٠١ – ٢٢٠

صعصعة حيث دعاهم الى الله وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم: إن نحن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك. قال (صلى الله عليه وآله): الأمر لله يضعه حيث يشاء.٨ ـ ان البيعة نوع من العقود والعهود وهذا يعني انها تصنف في باب المعاملات فيجب ان نعود قليلاً الى الادلة الواردة في باب المعاملات، فإن الفقهاء يصنفون الادلة هناك الى قسمين أدلة صحة وأدلة لزوم. ويعنون بأدلة الصحة هي الأدلة التي تتعرض الى ماهية المعاملة وحقيقتها وأنها صحيحة أم لا، والثانية تتعرض الى المعاملة الصحيحة وانها لازمة ولا يجوز فسخها. وبتعبير آخر الفرق بينهما موضوعاً ومحمولاً.

أما موضوعاً فموضوع ادلة الصحة هي الماهية المعاملية، بفرض وجودها عند متعارف العقلاء، وموضوع ادلة اللزوم هو المعاملة الصحيحة عند الشرع. أما محمولاً ففي ادلة الصحة المحمول هو صحة المعاملة واثبات وجودها الاعتباري في اعتبار الشارع أما ادلة اللزوم فمحمولها هو لزوم المعاملة وعدم جواز فسخها، والتفريق بين هذين الصنفين من الادلة مهم جداً حيث لا يمكن التمسك بـ “المؤمنون عند شروطهم”، اذا شك في صحة ماهية معاملية، فهي ليست من أدلة الصحة. بل من ادلة اللزوم التي يؤخذ في موضوعها ماهية معاملية أولية صحيحة ويتعرض لوصف يطرأ عليها وهو وصف اللزوم.

وبناء عليه يطرح التساؤل بأن ادلة البيعة اين يمكن تصنيفها في أدلة الصحة أم في أدلة اللزوم؟ بمقتضى التعاريف اللغوية وانها بمعنى العهد فانها تصنف في الثانية وهذا يعني أن هذه الادلة لا تتعرض لمورد البيعة وان المبايعة لهذا الوالي صحيحة أم لا؟ بل يجب أن يثبت في مرتبة سابقة ومن أدلة اخرى أنّ التولية لهذا الشخص ممكنة وواجبة، ثم تكون البيعة نوع توثيق وتوكيد لذلك الأمر الثابت

٢٠١
سابقاً، فعنوان البيعة كعنوان العقد والشروط تعرض على ماهيات اولية مفروغ عن صحتها.والخلاصة ان البيعة انشاء الالتزام بمفاد ثابت صحته فى رتبة سابقة.

 

نقض ودفع:

وهنا قد يورد نقض او تساؤل ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) لم يهاجر إلا بعد أن أخذ البيعة من اهل المدينة، وأن امير المؤمنين (عليه السلام) لم يرض أن يستلم السلطة إلا بعد البيعة، وهذان التصرفان يدلان على وجود خصوصية في البيعة.

والجواب عن ذلك: أن الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) قبل اخذ البيعة قام بالدعوة الى نفسه وبيان حقيقة رسالته فحصل انجذاب افراد المجتمع اليه ومن ثَمّ أخذ منهم البيعة، وهكذا يقال في امير المؤمنين (عليه السلام) فبعد ايمان العامة بالامام علي وأنه الشخصية التي تنقذهم من التفكك والانهيار الذي صادف الدولة الاسلامية حصلت المبايعة.

فالغرض من المبايعة هو التغليظ والتوكيد وحصول الاطمئنان للرسول الاكرم حيث أنه ينتقل الى مرحلة المواجهة مع المجتمع المكي، فيجب ان يطمئن الى التزام جماعته وتعهدهم بذلك الالتزام.

وهكذا يقال في ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) وولاية الحسن (عليه السلام) وبيعة أهل الكوفة وحواليها للحسين (عليه السلام) بتوسط نائبه مسلم بن عقيل، وهكذا يمكن تصوير اخذ البيعة للحجة المنتظر(عجل الله تعالى فرجه) فالبيعة في كل هذا ضرب من التوثيق والتغليظ فى المتابعة.

ـ واما ما ورد في مبايعة المسلمين للرسول الاكرم فى الحديبية فسببه ان المسلمين لم يريدوا ايقاع الصلح مع المشركين خلافاً لرأي الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) الذي كان يرى فيه انتصاراً للمسلمين واذلالاً للكافرين حيث اعترفوا

٢٠٢
للمسلمين بكيان ودولة، فيكون أكبر انتصار سياسي للمسليمن لكن غالبية مَن كان مع الرسول لم يتفطن لذلك، وازدادت الشقة بينهم، وبعد تمامية الصلح وقبل رجوعه للمدينة أراد الرسول أن يجدد المسلمون التزامهم وتعهدهم بمناصرته التي هي في الأساس واجبة عليهم بحكم وجوب الطاعة.وما ذكر من الروايات الاخرى تؤكد كلها هذا المطلب.

ـ واما خطب الامام (عليه السلام) ففي بعضها يقيم الامام الحجة على مبنى الخصم وهو اعتبار البيعة شرط في تولي الحاكم وان كانت على خلاف ماهية البيعة وخلاف ما يعتقد به (عليه السلام).

ـ واما قوله للذين تخلفوا عن بيعته: ايها الناس انكم بايعتموني على ما بويع عليه من كان قبلي وأن الخيار للناس قبل ان يبايعوا فاذا بايعوا فلا خيار لهم، وهذه بيعة عامة مَن رغب عنها رغب عن دين الاسلام واتبع غير سبيل اهله.

فبالاضافة الى ذلك الجواب فإن هذا المقطع من خطبته مقتطع من صدره المذكور في كتاب سليم حيث يبتدأها: ان كانت الإمامة خيرة من الله ورسوله فليس لهم ان يختاروا وان كانت الخيرة للناس فقد بايعني الناس بالشورى..

 

رابعاً:

الاستدلال بآيات كثيرة وردت في الكتاب العزيز يخاطب الحق تعالى الناس عموماً بوجوب الجهاد واقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء واقامة الحدود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(١). وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا

 

١- آل عمران ٣: ٢٠٠. 

٢٠٣
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٢٠٤ – ص ٢١٨) 

٢٠٤
الجهاز. فهذه الايات على فرض تمامية دلالتها لا تنافي وجود جهاز خاص يقوم بتنفيذ هذه الأمور.٣ ـ إن أي فعل له جهات ثلاثة أحدها ماهية الفعل وكيفية ادائه وشرائطه. والثانية الذي يقوم بالفعل، والثالث الذي يقع عليه الفعل (القابل).

والأدلة التي تذكر في بيان أداء وظيفة أو فعل ما، تكون في صدد بيان احدى هذه الجهات ولا يمكن الاستفادة منها في بيان الجهة الاخرى فقوله (عليه السلام): نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر، لبيان الجهة الاولى ولا يمكن الاستفادة منها لمعرفة شرائط المتعاقدين، وما ذكر من الايات في صدد بيان الجهة الاولى وهي ما هي الأمور التي يجب تنفيذها في المجتمع الاسلامي. أما مَن هو الذي يقوم بهذا العمل فإن الآيات غير متعرضة له. فهذه وظائف خاصة واجبة على عامة المجتمع بنحو الوجوب الكفائي وهو لا ينافي كونه واجباً عينياً على الزعيم والمدير والرئيس وهو نظير تجهيز الميت إذ أنه واجب كفائي على عامة المسلمينولاينافيه كونه واجباًعينياً على الولي او الوصي، وهذا النحو من الوجوب مشترك بين نظرية النص والشورى.

٤ ـ ورد في ذيل آية سورة الحديد: {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}، فالآية الكريمة فيها دلالة واضحة أن الأمر في الواقع بيد الرسل والمبلغين عن الله وأن وظيفة الناس هي المناصرة والطاعة وليميز الله الخبيث من الطيب.

٥ ـ إن المستدل استدل بظاهر هذه الايات وأن هذه الاوامر عامة للناس لكن غفل عن آيات اخرى كان المخاطب فيها الرسول (صلى الله عليه وآله) وحده {جَاهِدِ الْكُفَّارَ ـ فَاحْكُم بَيْنَهُم بالعَدْلِ}.

وهذا يعني انه لا يمكن الاغفال عن هذه الايات، ووضعها بجانب تلك الايات

٢٠٥
حتى يظهر لنا ما هو الواجب على الامة، وما هو الواجب على المرسلين، ولا يمكن النظر اليها بنحو منفصل عن بقية الآيات التي تثبت الولاية ووظائف الولاة، وادلة الولاية لا تكون معارضة لهذه الآيات بل تكون قرينة على تعيين مفادها. 

خامساً: آيات الاستخلاف

{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُم مَايَشَاءُ..}(١){وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الارْضِ.. }(٢){أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ}(٣). {إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ}(٤). {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ..}(٥).

وتقريب الاستدلال بها بأن بني البشر قد وُلوا عمارة الارض من قبل الله جل وعلا ومن بين الأمور التي تقتضيها الخلافة هو تولي احدهم وتأميره واعطاء الولاية له.

وهذا الفهم للآية يقابله فهم آخر طبقاً لنظرية النص أن هذه الآيات هي اذن عام بالاستفادة من خيرات الارض وإعمارها فى قبال بقية الكائنات التي ليست لها هذه القابلية ولم يفوض لهم تكويناً ذلك. اما الولاية الخاصة والتأمير فهو أمر آخر لا

 

١- الانعام ٦: ١٣٣.٢- الانعام ٦: ١٦٥.

٣- النحل ٢٧: ٦٢.

٤- الاحزاب ٣٣: ٧٢.

٥- فاطر ٣٥: ٣٩.

 

٢٠٦
يستفاد من هذه الخلافة العامة.وههنا ملاحظات حول هذه الطائفة:

١ ـ ان غاية تقريب هذه الطائفة لا يفوق ما ذكر من الآيات والوجوه السابقة من تكليف الامة بالوظائف العامة فيرد عليها ما أوردناه هناك والوظيفة التي تظهرها هذه الآيات هي أن وظيفتهم اعمار الارض والاستفادة من مواردها الطبيعية في قبال الافساد والاهمال.

٢ ـ يصرح كثير من المفسرين ان هناك نوعين من الاستخلاف احدهما عام يشمل جميع البشر والاخر خاص وهو الذي يتعرض فيه للولاية وهو خاص بمن يصطفيه الله تعالى (البقرة: ٣٠ ـ ٣٥)، وخص من اصطفاه بخصوصيات منع منها الاخرين كالعلم اللدني واسجاد الملائكة له. وكذلك راجع سورة ص اية ٢٦ والنور آية ٢٥.

والآيات المذكورة في هذا الوجه هو في الاستخلاف العام وهو غير ناظر للولاية.

٣ ـ ان آيات الخلافة العامة مدلولها هو تفويض اعمار الارض للبشر تكويناً، اما تشريعاً فانه لم يفرضها لمطلق البشر بل لمن توفرت فيه شرائط من قبيل التوحيد والعمل بأحكام الله وطاعته، وأن الله لا يريد صرف ومجرد الاعمار البشري المادي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}(١). وهذا وجه التعبير بالفيئ على ما استولى عليه الرسول (صلى الله عليه وآله) من أموال يهود خيبر ونواحيها، وكل مال للكفار لم

 

١- التوبة ٣٨. 

٢٠٧
يوجف عليه بخيل ولا ركاب بمعنى المال الراجع فلم يعتبر للكفار صلاحية التملك، واعتبر لخليفة الله نبيه (صلى الله عليه وآله) ولاية الاموال العامة في الارض. 

سادساً: آية الامانة

قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(١).

يوجد للآية تقريبان:

الاول: ان يكون المراد من الامانة هنا هو خصوص الحكم بين الناس بقرينة التفريع {وَإِذَا حَكَمْتُم} بمعنى ان الحكم بين الناس امانة، وأن من يملك تدبير هذا الحكم هو الناس حيث أنهم المخاطبون بذلك، فاذا وُلي بعضهم على بعض يجب أن يحكموا بين الناس بالعدل.

الثاني: ان الامانة وهي الحكم بين الناس بالاصالة، وعند وجود المعصوم فان الولاية تكون له بموجب النص، وعند عدمه فإنها تعود للامة.

وقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}(٢).

وقد فسرت الامانة تارة بالتكاليف وأخرى بالأحكام وعلى كليهما ينفع في المقام، اذ تفيد شمولها للتكاليف الولائية وأنشطة الدولة التي هي نوع من التكاليف الكفائية في المجتمع المدني، فالامانة بيد الأمة اما بالاصالة مطلقة أي في عرض النص أو انها في طول النص.

والجواب عن هذا كله:

 

 

١- النساء ٤: ٥٨.٢- الاحزاب: ٧٢.

 

٢٠٨
لو لاحظنا آية سورة النساء لوجدنا انها ابتدأت بضمير المخاطب {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ} وفي ذيلها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} وقد تغير الاسلوب إلى الخطاب بالصفة، وهذا يقرّب ما ورد من الروايات أن المخاطب في الأولى هم ولاة الأمر، فالإمامة هي أمانة الحكم إلا أن المخاطب بها هم ولاة الأمر.وفي الثانية خطاب الى عامة الناس لطاعة أولي الأمر. وقد ورد في ذيلها رواية عن الباقر (عليه السلام): “إن احدى الآيتين لنا والاخرى لكم” وقد ذهب بعض الكتّاب إلى تفسير الرواية ان الآية الاولى هي للناس والثانية للأئمة. وهذا عجيب إذ أن الخطاب في الثانية بـ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهو خطاب عام، والآية الاولى وان كان الخطاب فيها عاماً إلا انه لا يعقل توجيهه لكل الناس لأنه ليس وظيفتهم حكم كل الناس، وواضح أن المخاطب فيها هم الحكّام.

وعلى فرض التنزل وان المخاطب في الآية الاولى هم عامة الناس فهي أصرح على نظرية النص حيث يكونون مطالبين بأن يولّوا عمليا ويمكنوا من هو أهل لذلك وهم الواجب طاعتهم.

أما بقية الآيات فهي بصدد بيان الأمانة العامة ومطلق التكاليف الفردية منها والاجتماعية، وليست في صدد التعرض الى ولاية الامر بالخصوص.

وبعبارة أخرى أن ذيل الآية من لزوم طاعة أولي الأمر المقرونة طاعتهم بطاعة الله وطاعة رسوله ـ مما يدلل على أنها متفرعة منهما لا من تنصيب الناس ـ شاهد على أن الأمانة والحكم بين الناس ليس من صلاحية الناس وتنصيبهم لان اللازم على الناس المتابعة والانقياد، ومن بيده النصب لا يكون تابعاً منقاداً، فالأمانة عهد الله الذي لا يناله الظالمين كما في سورة البقرة لا العهد من الناس.

 

٢٠٩

سابعاً: آيات تدل على نفي مسؤولية الرسول عن الامة.

{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}(١)، {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيل}(٢). {وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَاأَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل}(٣)، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ}(٤)، {فَإِن أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلَنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ}(٥)، وغيرها من الآيات ق ٤٥، النحل ١٢٥، الغاشية ٢١، يونس ٩٩.

وتقريب الاستدلال أن هذه الايات تحصر مهمة الرسول في التبليغ وهداية الناس ونفي مسؤوليته عن تولي زمام الامة وانه ليس مسؤولاً عنهم اذا اختاروا طريقاً آخر، فهي تدل على انه ليس من مهام الرسول الولاية في الاصل.

والجواب عن هذا الاستدلال انه يجب ملاحظة شأن نزول هذه الآيات وملاحظة ما يحيط بها من آيات تكون قرينة على بيان معناها، حيث ان الايات بصدد الإشارة الى مطلب مهم بعيد عما يشهدون بها عليه، وهو أن الايمان الذي هو مدار النجاة في الآخرة لا يمكن للرسول أن يُلجأ أو يُقسِر عليه {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) يتألم لما يرى من صدود المنافقين وهو الذي أرسل رحمة للعالمين، وما يتحلى به من رأفة وشفقة عليهم {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ}.

 

 

١- النساء ٤: ٨٠.٢- الانعام ٦: ٦٦.

٣- الانعام ٦: ١٠٧.

٤- الفرقان ٢٥: ٤٣.

٥- الشورى ٤٢: ٤٨.

 

٢١٠
مضافاً الى ان الرسول كان رحمة للناس وكان يظهر شفقته وحزنه حتى على المنافقين، وان الحفاظة والوكالة المنفية هي في مورد الايمان والدين لا في مورد ادارة المجتمع ونحوه، كما ان هذا التفسير لا ينسجم مع الايات الصريحة بأن على الرسول اقامة العدل سواء في مجال الاقتصاد والاموال أو في الحقوق والمنازعات السياسية أو الفردية، والحكم بين الناس والقضاء شعبة ركنية من شعب الدولة. والآيات التي تأمر النبي بالجهاد {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} فإنها صريحة في وجوب اقامة الحكم الاسلامي وحمل الناس على العيش في ضمن قوانين الدولة الاسلامية والتسليم الخارجي لهم، أما من جهة القلب والايمان الباطني فإن هذا أمر غير قابل للإكراه فيه، وفي هذا المجال نرى تلك الآيات التي تنفي مسؤولية الرسول (صلى الله عليه وآله) عنهم، أما الجانب الاول فإن الآيات صريحة في وجوب اقامة الحكم على الرسول (صلى الله عليه وآله) وجعل كلمة الله هي العليا. 

ثامناً:

{إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} استدل البعض بهذه الآية الشريفة على ان الحكم عن طريق الشورى، وأنه يكون في طول النص حيث أن الآية ذكرت انه أنزل التوراة ليحصل بها الحكم وهو غير الهداية بل يشمل التشريع والقضاء، وهو للنبي أولاً ثم يأتي دور الربانيين وهي صيغة مبالغة، ورباني المنسوب الى الرب وهم المطيعون لله عزوجل طاعة خالصة غير مشوبة بمعصية غير المغضوب عليهم ولا الضالين وهم أوصياء كل نبي، ثم يأتي ثالثاً دور الاحبار وهم العلماء الذين عليهم مسؤولية استلام سدة

٢١١
الحكم وان هذه السنة الالهية في تولي الحكم جارية في جميع الاديان.وهذا الحكم العام يستفاد من مجموعة من القرائن:

أ ـ قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} فالمخاطب بها المسلمون وهذا يدل على جريان هذه السنة الإلهية فيهم أيضاً.

ب ـ ان القرآن ليس كتاب تاريخ أو قصص بل هو كتاب اعتبار وتشريع، فكل ما يذكره إنما يأتي به الله عزوجل من أجل العبرة، والتشريعات تكون ثابتة ما لم ينص على خلاف ذلك. فهذه السنة العامة التي ذكرها القران في بني اسرائيل غير مختصة بهم بدليل عدم ذكر القران لهذا الاختصاص، بل ان ذكرها للدلالة على ارادتها من المخاطبين.

ج ـ الايات الواردة بعد ذلك في بيان حكم أهل الانجيل إذ يعيد الحق سبحانه نفس المفاد حيث تنص على وجوب الحكم بما جاء في الانجيل {وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُوْلئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} ومن ثم تستمر الآيات في بيان وجوب أن يحكم الرسول (صلى الله عليه وآله) بما أنزل الله.

والخلاصة: ان الآيات تبين سنة إلهية جارية في جميع العهود والأزمان وأنه اذا انزل كتاباً سماوياً فمراده من ذلك هو أن يكون دستوراً إلهياً على الأمة أن يتخذوه في تصرفاتهم على كافة الأصعدة الفردية والاجتماعية والقضائية والتشريعية والولائية. وتظهر الآية تسلسل ترتب الحاكمية فهي للنبي ثم لوصيه ثم للأمة والاحبار اي العلماء الذين هم جزء من الأمة، مع اشتراط توفر العلم والكفاءة والأمانة وهى امور لا ريب فيها.

وفي هذا الاستدلال تأمل بـ:

١ ـ إن الآية لا تنافى نظرية النص بل تدل عليها، وذلك: لأن ايكال سدة الحكم للأحبار هل هو بالاصالة عرضا مع الربانيين ام بالنيابة عنهم؟ والآية تصلح

٢١٢
للانطباق على كلا المعنين.٢ ـ أن الترتيب في الذكر الوارد في الآية ليس اعتباطياً بل هو للدلالة على نيابة المتأخر عن المتقدم بمقتضى ولاية المتقدم ذكراً على المتأخر لأن المتأخر من رعية المتقدم، فتكون ولاية المتأخر متفرعة عن المتقدم، وحيث ان العلماء مستقى علمهم من المعصومين فتوليهم للحكم يكون بالنيابة عن المعصوم، والدليل على تسنمهم سدة الفتيا هو آية النفر(١) فاسناد سدة الفتيا للفقهاء هو من عصر الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) غايته أنه في طول المعصوم عن الرسول، حيث أن أصل العلوم كلها هي للرسول (صلى الله عليه وآله) وهو الذي يُطْلِع المعصوم عليها، وإن كان تشريع فتياهم أي الفقهاء هو من قبل الله عزوجل لكنها عن المعصوم (عليه السلام) عن الرسول (صلى الله عليه وآله).

ان قلت: ظاهر الاية ان ولاية الاحبار ليست نيابة وذلك لأن الله عزوجل اسند الحكم اليهم فالتخويل هو من قبل الله.

قلت: إن لهذا نظائر كما في طاعة الله وطاعة الرسول، وولاية الله ولاية الرسول، فان المزاوجة بين الولايتين لا يدل على انهما فى عرض واحد بل انها جعلت للمعصوم بتخويل من الله عزوجل استخلافا. ومن نظائرها ما ذكر في موارد الخمس والزكاة وأصنافها فان الولاية على الأموال هي للرسول والمعصوم لا للاصناف، فالفقراء ليست لهم الولاية على اموال الزكاة.

ان قلت: هل تتصور ـ بناء على نظرية النص ـ ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) على المعصومين بعد وفاته (صلى الله عليه وآله).

قلت: إن ولاية الرسول (صلى الله عليه وآله) باقية على مَن بعده حتى بعد وفاته وذلك لان الرسول الاكرم هو الطريق لوصول العلوم اليهم (عليهم السلام) ويذكر مضافاً الى نفوذ

 

١- راجع في تفصيل ذلك كتابنا دعوى السفارة في عصر الغيبة. 

٢١٣
أحكامه (صلى الله عليه وآله) في كل المجالات على من بعده الى يوم القيامة كمثال على ذلك ما جرى بين الحسين (عليه السلام) وابن عباس عندما سأله الاخير عن خروجه مع علمه بما فعلوه بأبيه وأخيه، فأجابه (عليه السلام): إنه قد رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في المنام وأخبره بالخروج الى العراق، حيث أن رؤيا المعصومين صادقة فهذه تمثل استمرار ولايته عليهم وبقاء تلك الطولية بينهم.٣ ـ قوله تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} فإن هذه العبارة في الآية ليست متعلقة بالأحبار بل متعلقة بالنبيين والربانيين وذلك:

ـ ان مادة الحفظ واردة في القرآن غالبا بمعنى الايكال العهدي الخاص الشبيه بالتكويني من الله عزوجل الى الملائكة المسمون (بالحفظة)، ولفظة (استحفظوا) لم ترد الا في هذا المورد وهذا يدل على أن المراد منه هو العهد الخاص، ويقابل الاستحفاظ لفظ (التحميل) حيث ورد وصفاً لعلماء بني إسرائيل في سورة الجمعة {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} فالتعبير بالحمل هو بمعنى ا لتكليف وهو غير الاستحفاظ والثاني ورد في علمائهم لا الأول.

ـ ورد عن الصادق (عليه السلام) في ذيل الآية: “الربانيون هم الأئمة دون الأنبياء الذي يربّون الناس بعلمهم، والأحبار هم العلماء دون الربانيين”. قال: “ثم أخبر عنهم فقال: بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ولم يقل بما حملوا منه ـ تفسير الصافي ٢: ٣٨.

وهذا أيضاً يدل على أن المراد من الاستحفاظ هو عهد خاص من الله عزوجل.

ـ وقد يتساءل عن السر في تأخير (بما استحفظوا) وايرادها بعد الاحبار وكان الانسب ذكرها بعد الربانيين.

والجواب عن ذلك:

أ ـ مثل هذا التعبير وارد في مواضع اخرى في القران مثلا في سورة

٢١٤
النساء (٧٢ ـ ٧٣): {وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَعَهُمْ شَهِيداً وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَم تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً}. فجملة (كأن لم تكن بينكم وبينه مودة) متعلقة بالآية السابقة عندما يقول المنافقون إذا هُزم المسلمون الحمد لله الذي لم نكن معهم فوجود الفاصل لا ينفي الارتباط بين الجملتين.ب ـ ان هذا التعليل بين ان المحورية والمركزية في الحكم للنبي والربانيين وذلك لأن لهم العهد الخاص من قبل الله عزوجل، ويكون موضع الاحبار هو النيابة عنهم، وبمنزلة الايدي والاعوان ولا يكونون مستقلين بالحكم والأمر بل يصدر الأمر عنهم، نعم يكون لهم نوع من الاستقلالية في ما لم يُنط بهم كما في ولاية الإمام (عليه السلام) لمالك الاشتر فقد زوده بالخطوط العامة للحكم وعليه التصرف ضمن تلك الحدود ولا يرجع في كل صغيرة للإمام، وهذا مقام لا يعطى لكل أحد بل لمن يمتلك الكفاءة العلمية والأمانة ولذا عبر عنهم بالأحبار، فعدم الاستقلال بالولاية يرجع الى عدم توفر التعليل فيهم حيث ان منحصر فى النبيين والربانيين.

٤ ـ واخيراً يرد على المستدل بهذه الآية الكريمة للجمع بين الشورى والنص وانه مع انتفاء النص تصل النوبة للشورى، ان ذلك يتنافى مع ما هو مقرر في العقيدة الشيعية من أن الارض لا تخلو من حجة ظاهرة أو باطنة وان الولاية مع وجود المنصوص عليه تكون فعلية وليست اقتضائية ولا تقديرية، وهذا يعني ان موضوع النص لا ينتفي اصلاً حتى يمكن أن نفرض الشورى عند انتفاء النص، ولا يمكن اعتبار عدم تسلم الامام لسدة الحكم لجور الامة وضلالها لا يعني انتفاء النص فهو كما في تصريح الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين امامان إن قاما وان قعدا.

وكذلك غيبة المعصوم لا تعني انتفاء النص لأنه موجود ومؤثر بتسديده للامة

٢١٥
وهدايته لها من ستار الغيب كما يظهر من الروايات الكثيرة في هذا المجال.منها: قوله (عليه السلام): اني لازلت راع لكم ولست بغافل عما يدور حولكم. فضرورة المذهب السائدة ان الفقهاء هم نواب الامام وشرعيتهم من شرعية الامام، لا أن لهم ذلك بالاصالة مع اختلافهم في مساحة تلك النيابة سعة وضيقاً، وهذه النيابة للفقهاء بالنصب العام لا الخاص لجماعة واشخاص بخصوصهم، نعم أوكل أمر تعيين هذا المصداق النائب للأمة، فهو نوع من التخويل سواء كان هذا الانتخاب بنحو مفرد أو لمجموعة واجدة لشرائط النيابة، وهذا نظير صلاحية القاضي فإنها استنابة عنه (عليه السلام) إلا أنه جعل تعين المصداق بيد المتخاصمين.

وهذا المعنى ليس ايكالاً للأمة باختيار القائد بمعنى ان الامة تختار من ينوب عنها، بل هو تفويض للامة في تعيين المصداق من بين هؤلاء العلماء. فما يذكره بعض المتأخرين من ان للفقهاء الولاية بالاصالة في عصر الغيبة مخالف لضرورة من ضروريات المذهب.

 

تاسعاً: سيرة الأئمة (عليهم السلام)

وقد ذكرت وجوه اخرى للدلالة على الشورى بعضها قد مضى في تضاعيف الاستدلال بالآيات السابقة.

١ ـ الاستدلال بالسيرة: ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) والامام (عليه السلام) جرت سيرتم وعملهم على عدم استلام سدة الحكم إلا بعد حصول البيعة ورجوع الناس اليهم وإن الامام نقل عنه انه يكون وزيراً ومرشداً أفضل من أن يكون اميراً. وأن حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) هي حكومة معنوية أقرب منها أن تكون حكومة سياسية. ولذا قيل ان الموروث من الرسول (صلى الله عليه وآله) ليس بذاك الحجم الذي يمكن أن يؤسس به دستور لدولة سواء في الجانب القضائي او التشريعي او التنفيذي.

 

٢١٦
ـ ان الائمة (عليهم السلام) كانوا يبتعدون عن السلطة ولا يسعون لاقامة الحكم بل على العكس كانوا يدفعون من يأتي ليبايعهم. فالامام علي (عليه السلام) عندما اتاه الناس لمبايعته صدهم وامتنع اول الأمر وهذا يعني ان الامر بيد الامة فان انتخبتهم فقد اصابت طريق الرشاد والصلاح. كما ان أبامسلم الخراساني قد عرض الحكم على الامام الصادق (عليه السلام) وقد رفض ذلك، والامام الرضا قد عرض عليه المأمون الحكم وقد رفض فهذا يعني انهم لم يكن يرون أنفسهم منصوبين من قبل الله.٢ ـ ان السياسة وتدبير الامور ليست جزءاً من الدين والشريعة، بل هي امور عامة ترجع الى تقدير الناس وحسن رويتهم فالحكومة تستمد مشروعيتها من الامة والمجمتع.

٣ ـ ان المعصومين مبشرون ومبلغون وهداة، والنص على امامتهم يعني وجوب الرجوع اليهم في معرفة أحكام الدين أصولاً وفروعاً، وان الحكومة ليست تكليفاً الهياً وليس من مراتبه ومقاماته الحكومة واوضح مثال على ذلك انبياء بني اسرائيل اذ لم يكونوا يديرون شؤون الناس.

٤ ـ ان الكتاب الكريم لم يحتوي الا على جزء قليل من أحكام الدولة.

٥ ـ ان مفهوم النبوة والامامة يعتمد على العلم الخاص وليس فيه دلالة او ايماء الى الحكم والولاية.

 

والجواب عن هذه الوجوه:

 

أولاً: قد ذكرنا سابقاً الجواب عن السيرة ونكرره هنا:

ـ ان الآيات التي تأمر النبي بإقامة القسط والعدل والقضاء والجهاد والنشاط العسكري والدفاع عن المجتمع الاسلامي كثيرة وهذه خطابات لا تصلح إلا للحاكم والوالي، واما البيعة فقد ذكرنا نكتها وأنه لا يكفي مجرد التكليف من دون حصول

٢١٧
الوثوق والاطمئنان وقد ذكرنا ان البيعة ليست تفويضاً او توكيلاً بل هي اظهار الالتزام وأخذ العهد والتغليظ.ـ وهكذا فى سيرة الامام علي (عليه السلام) فإنه في كثير من كلماته يشير الى احقيته بالخلافة والحكومة، وأن مماطلته في استلام الخلافة بعد مقتل عثمان لحكمة تتضح لمن له أقل تتبع في التاريخ، حيث أنه أراد قطع العذر لمن يشق عصا المسلمين والطاعة عليه وحتى لا يكون هناك مجالاً لمن أراد أن ينكث البيعة.

ـ وقد يشكل بما روي عن الامام الحسين (عليه السلام) من أنه في ليلة العاشر من المحرم قال لأصحابه: وإني قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً.

وجوابه: أن الامام الحسين واجب النصرة لأنه مظلوم فضلاً عن كونه إماماً مفترض الطاعة، فنصرته لم تجب بالبيعة فقط بل بدونها نصرته واجبة. وقد ذكروا وجوها لهذه المقالة منها انه أراد امتحان أصحابه ليعلم الثابت منهم عن غيره.

ومنها: أنه يكون إذن خاص منه (عليه السلام) حيث علم أن سوف يستشهد.

ومنها: ان اصحابه ليسوا كلهم على درجة واحدة من الثبات، فلذا تنقل بعض الروايات انه قد ذهب بعض منهم ـ ولكن يسير جداً ـ فهؤلاء لم يلزمهم بالبقاء.

ومنها: ان الاستشهاد معه (عليه السلام) مرتبة لا ينالها إلا من اُتي نصيباً وافراً من المعرفة الحقيقية بمقامهم (عليهم السلام) ولذا كان هذا التحليل هو لذوي النفوس الضعيفة التي ليس من مقامها الاستشهاد معه (عليه السلام). وهؤلاء كانوا يظنون ان بقاءهم معه (عليه السلام) مرتبط ببيعتهم له فعاملهم الامام (عليه السلام) على اعتقادهم.

ـ اما بالنسبة للامام الصادق (عليه السلام) فلقد عرض عليه ابومسلم الخراساني البيعة ولكن الإمام رفض ذلك وسره واضح لأن ابامسلم لم يرد تحكيم وتولية الامام، وانما اراد التستر والاستفادة من شخصية الامام (عليه السلام) لأنه يعلم أن التغيير غير ممكن إلا إذا كانت

٢١٨
كتاب الإمامة الإلهية (بحوث الشيخ محمد السند) – (ج ١) للسّيّد مُحمّد علي بحر العلوم (ص ٢١٩ – ص ٢٣٧) 

٢١٩
الحركة المسيحية واليهودية لم تألوا جهداً على ضرب الإسلام فكرياً وعقائديا بعد أن عجزت عن الاطاحة به عسكرياً، فقامت ببث التشكيك في معارف القران والجبر والتفويض وتجسيم الله عزوجل ومعاجز النبي (صلى الله عليه وآله) و…ج ـ ان إقامة الحكم ورئاسة الامة وظيفة مشتركة بين القائد والأمة فاذا لم تتمثل الامة للواجب الملقى على عاقتها من رجوعها الى الامام المعصوم فإنه لا يجب على الامام اجبارهم على ذلك. وقد تخاذلت الامة عن القيام بواجبها فاتجه الامام الى الوظيفة الاخرى.

ـ ان الائمة لم يغفلوا الجانب السياسي البتة، وكانوا لا يفوّتون الفرصة من حين لآخر لاثبات أحقيتهم بالخلافة. فالامام الكاظم (عليه السلام) عندما حج هارون الرشيد وزار المدينة وجعل الاخير يسلم على الرسول: السلام عليك يابن العم. قال (عليه السلام) في السلام: السلام عليك ياجداه. للاشارة الى ان المشروعية اذا كانت بالاقربية فإنا اقرب اليه منكم. وغيره من مئات الوقائع التي رصدها التاريخ لهم (عليهم السلام) مع سلاطين بني أمية وبني العباس.

ـ ان الائمة (عليهم السلام) كانوا يمارسون نوعاً من الحكومة الخفية ويأمرون وينهون شيعتهم ومن هذه المواقف:

أ ـ نهي الكاظم (عليه السلام) لصفوان عن ايجار جماله ـ والتي كانت له أكبر مؤسسات النقل في العالم الاسلامي آنذاك ـ للدولة الحاكمة انذاك.

ب ـ جباية الاموال في ذلك الزمان من الأمور المختصة بالدولة، ومع ذلك فانهم (عليهم السلام) كانت تجبى إليهم الأخماس والزكوات، واتفاق الفقهاء على أنه مع حضور الامام لا تبرأ ذمة شخص إلا بتسليمها للامام (عليه السلام). لما كان علي بن يقطين يدفع زكاته للامام الكاظم (عليه السلام) مع كونه وزيراً للسلطان العباسي، حتى ان جواسيس بني العباس خاطب يوما هارون بما مضمونه هل للمسلمين خليفتان تجبى لكل

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...