أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٢١ – ٤٠
٢ – وقال أحمد بن حنبل: (السنة تفسر الكتاب وتبينه، والسنة عندنا آثار رسول الله، والسنة تفسير القرآن وهي دلائل القرآن) (٢).
٣ – قال عبد الرحمن بن مهدي: (الرجل إلى الحديث أحوج منه إلى الأكل والشرب، لأن الحديث يفسر القرآن) (٣).
٤ – وقال ابن حزم… (لما بينا أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله، ووجدنا أن الله عز وجل يقوله فيه واصفا لرسوله: (وما ينطق عن الهوى ٣ إن هو إلا وحي يوحى ٤) (٤) أفصح لنا بذلك بأن الوحي ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن.
والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام، ولا متلو لكنه مقروء وهو الخبر الوارد عن رسول الله، وهو المبين عن الله عز وجل مراده) (٥).
٥ – قال الشيخ أبو زهرة: (السنة هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي نزل به جبريل على النبي، والقسم الثاني هو القرآن الكريم) (٦).
(٣) المصدر السابق.
(٤) سورة النجم، الآيتان ٣ – ٤.
(٥) الإحكام في أصول الأحكام ج ١ ص ٩٣.
(٦) الحديث والمحدثون ص ١١.
٧ – وقال محمد عجاج: كلما جاء من الرسول سوى القرآن من بيان الأحكام وتفصيل لما في الكتاب الكريم وتطبيق له هو الحديث النبوي أو السنة… وهي بوحي إلهي) (٣).
(فكيف يؤدي الاشتغال بالحديث إلى إهمال القرآن وتركه) (٤) (فهذا من أبده الكلام الباطل لوضوح أن حديث رسول الله وما نطق به ليس إلا حقا كما صرح هو به في روايات إذنه لعبد الله بن عمرو في كتابة الحديث) (٥).
٨ – (وليس الحديث الشريف إلا مفسرا للقرآن وشارحا لمراده) (٦).
٩ – وعقد الدارمي بابا نقل فيه عن ابن أبي كثير شيخ الأوزاعي قال فيه: (السنة قاضية على القرآن، وليس القرآن بقاض على السنة) (٧).
(٣) أصول الحديث: محمد عجاج الخطيب ص ٣٤.
(٤) المرجع السابق ص ٤٣.
(٥) المرجع السابق ص ٨٩.
(٦) مقدمة التيجاني لكتاب الكفاية للخطيب ص ١٥.
(٧) سنن الدارمي ج ١ ب ٤٩ ح ٥٩٤.
١٢ – قال الزركشي: (إعلم أن القرآن والحديث أبدا متعاضدان على استيفاء الحق وإخراجه من مدار الحكمة، حتى أن كل واحد منهما يخصص عموم الآخر ويبين إجماله) (٣).
١٣ – قيل لعمران بن الحصين: ما هذه الأحاديث التي تحدثونها وتركتم القرآن؟ لا تحدثوا لا تحدثوا إلا بالقرآن!!
فقال عمران في جوابه لذلك الآمر: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا والمغرب ثلاثا!!!
أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا والطواف بالصفا والمروة!!! ثم قال: (اتبعوا ما حدثناكم وخذوا عنا وإلا والله ضللتم) (٤).
١٤ – قال أيوب السجستاني: (إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: (دعنا من هذا وحدثنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل) (٥) (٦).
(٣) البرهان في علوم القرآن للزركشي ج ٢ ص ١٢٨.
(٤) الكفاية للخطيب ص ٤٨، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج ١ ص ١٠٩.
(٥) الكفاية ص ٤٩.
(٦) وقد نقلنا هذه المقتطفات عن كتاب تدوين السنة الشريفة من ص ٣٤٧ و ٣٥٣.
بعض تأكيدات الرسول على التلازم والتكامل بين كتاب الله وسنة رسوله
شعار حسبنا كتاب الله
لما أراد الرسول الأعظم أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية وهو على فراش الموت، تدخل عمر بن الخطاب، فقال للحاضرين: (إن المرض قد اشتد برسول الله، أو أن الرسول يهجر – أي لا يعي ما يقول – وعندكم القرآن (حسبنا كتاب الله) (١) وسندا لهذا الشعار حالوا بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته.
وبعد أن استولى أبو بكر على منصب الخلافة جمع الناس بعد وفاة نبيهم فقال: (إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله، وحرموا حرامه) (٢) والتزاما من الخليفة بما أمر المسلمين به قام بحرق الأحاديث التي سمعها من رسول الله بإذنه، وكتبها بخط يده (٣).
ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة، ناشد الناس أن يأتوه بسنة الرسول المكتوبة عندهم لأنه يريد أن يجمعها في كتاب، كما ناشدهم أن يأتوه بالكتب المحفوظة لديهم حتى ينظر فيها ويقومها، فلما أتوه بها أمر بحرقها، وحرقت فعلا (٤) ثم كتب إلى ولاته في كل البلاد الخاضعة لحكمه (أن من كان عنده شئ مكتوب من سنة الرسول فليمحه) (٥).
(٣) تذكرة الحفاظ للذهبي ج ١ ص ٥، وكنز العمال ج ١٠ ص ٢٨٥، والاعتصام بحبل الله المتين ج ١ ص ٣٠.
(٤) الطبقات لابن سعد ج ٥ ص ١٤٠.
(٥) كنز العمال ج ١ ص ٢٩١.
وحرصا من الخليفة على القرآن الكريم، منع الناس من رواية أحاديث رسول الله، وهدد من يرويها، وضرب الرواة، وحبس بعضهم، وملأ قلوب الرواة بالرعب والارهاب حتى لا يرووا سنة رسول الله) (٣).
وما فعل الخليفة ذلك إلا حرصا على القرآن وإعمالا لشعار (حسبنا كتاب الله) وشعار (بيننا وبينكم كتاب الله) كما سنوضح لاحقا!!!
حكم الرسول بهذين الشعارين
قال رسول الله: (يوشك الرجل متكئا في أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله) (٤) أنت تلاحظ أن الرسول قد استعمل حرفيا الكلام الذي قاله أبو بكر يوم منع المسلمين من أن يحدثوا شيئا عن رسوله، فارجع إلى ما قاله أبو بكر في الصفحة السابقة!!
(٣) المصدر نفسه.
(٤) مسند أحمد ج ٤ ص ١٣١، وأبو داود في سننه كتاب السنة باب ٥، ولزوم السنة ج ٤ ص ٢٠٠ ح ٤٦٠٤، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٦ باب ٣ ح ١٢، وسنن الدارمي ج ١ ص ١١٧ ح ٥٩٢، وسنن البيهقي ج ٣ ص ٣٣١، ودلائل النبوة ج ١ ص ٢٥، والمستدرك على الصحيحين ج ١ ص ١٨٠ و ١٠٩، والترمذي كتاب العلم ج ٢ ص ١١٠، ١١١ وقال هو حديث صحيح، والحديث والمحدثون ص ١١ و ٢٤.
قال ابن حزم: (صدق النبي هي مثل القرآن ولا فرق في وجوب طاعة كل ذلك علينا، وقد صدق الله (من يطع الرسول فقد أطاع الله) وهي أيضا مثل القرآن في أن كل ذلك وحي من الله) (٢).
الفصل الثاني
اهتمام الرسول الأعظم بسنته المطهرة وأمره بكتابتها وتدوينها
رأينا في المبحث السابق مكانة الرسول ومكانة سنته عند الله تعالى، وموقعهما في الشريعة الإلهية وفي دين الإسلام، وتكاملهما مع القرآن الكريم تكاملا يصل إلى درجة التلازم التام، فمن غير الممكن عقلا وشرعا تصور كتاب إلهي ينزل إلى بني البشر بدون رسول، أو تصور رسول يرسله الله من غير حجة أو كتاب.
وقد تبين لنا أن مهمة الرسول الأساسية منصبة بالدرجة الأولى والأخيرة على بيان ما أنزل الله، لأن المقاصد الشرعية الواردة في القرآن الكريم لا تفهم فهما قائما على الجزم واليقين بغير بيان من رسول الله المختص والمؤهل إلهيا لذلك.
وقد اقتضت حكمة الله أن يكون للرسول دور بارز في البيان، ففي القرآن الكريم أمور وفرائض وأحكام وأخبار ومصطلحات عامة، فكلمة الصلاة مثلا وهي عماد الدين قد تكررت في القرآن مئات المرات، ولكن القرآن لم يبين لنا بالتفصيل عدد الصلوات الخمس، ولا مقدار كل صلاة، ولا عدد ركعاتها ولا سجداتها، ولا الكيفية التفصيلية لأدائها، وكذلك .
فعندما يهتم الرسول بسنته المطهرة فإنه لا يهتم بأمر خاص به كثوبه مثلا بل يهتم بأوامر إلهية تلقاها بالوحي، وأمر بتبليغها إلى المكلفين ليعملوا بها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دين الله، وفصلا مهما من فصول الشريعة الإلهية، ومقطعا من مقاطع الرسالة الإلهية التي أمره الله بإيصالها للناس.
لقد حرص الرسول كل الحرص على تعميم سنته ونشرها بكل وسائل النشر المعروفة ومتابعة تنفيذها، والمحافظة عليها والالتزام بها، فالرسول هو الذي كان يؤم المسلمين في صلاتهم، ويأمرهم أن يصلوا كما كان يصلي، وقد حج الرسول واعتمر وأمر المسلمين أن يحجوا ويعتمروا كما كان يحج ويعتمر، وكان الرسول يرسل الجباة والعمال لجباية الزكاة والصدقات ثم يضعها حيث أمره الله أمام الجميع، وكان الرسول يقودهم في جبهات القتال، ويوزع الغنائم والأنفال وكان الرسول يمارس سلطاته كإمام وكقائد وكمرجع وكولي أمام الجميع، وشاهدوه وهو يبني دولة الإيمان، ويحدد مؤسساتها، وركز الرسول تركيزا خاصا على نظام الحكم، فعين خلفاءه الاثني عشر، ليضمن انتقالا سلميا للسلطة، واستقرارا لمؤسسة الرئاسة والمرجعية لأنها هي أساس النظام السياسي الإسلامي وأهل وأعد خليفته الأول، وأنهى إليه علمي النبوة والكتاب، وكلفه بأن ينهي علمي النبوة والكتاب إلى الخلفاء الشرعيين الأحد عشر الذين سماهم الرسول بأسمائهم، وتسعة منهم لم يولدوا بعد، لقد علم رسول الله المسلمين كيف يتعبدون، وكيف يتعاملون مع بعضهم، وحتى كيف يأكلون، وكيف يشربون وكيف يضاجعون نساءهم، بل وكيف يتبولون، وكيف يتغوطون، لقد أوجد .
الرسول الأعظم يأمر بتدوين سنته الطاهرة
كان الرسول الأعظم موقن بأنه بشر، وأنه ميت لا محالة، وأنه خاتم النبيين، وأن سنته بفروعها الثلاثة أحكام إلهية تلقاها من الله تعالى، وأن الناس في كل زمان بحاجة ماسة إلى هذه الأحكام، لأن القرآن والسنة هما الشريعة الإلهية التي ينبغي أن تسود وتحكم العالم البشري، لذلك كله حرص الرسول حرصا تاما على تعميم سنته ونشرها بكل وسائل النشر .
التدوين الخاص لسنة الرسول
لأن الله تعالى قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام وخليفة للرسول بعد موته، ولأن الله تعالى قد اختار أحد عشر إماما من أولاد الإمام علي وأحفاده ليتولوا أمر الإمامة والمرجعية بالتوالي من بعد وفاة الإمام علي، ولأن الإمام الشرعي هو القائم مقام النبي، وهو مرجع الأمة الأعلم والأفهم، فقد كلف رسول الله الإمام عليا ليكتب سنته الطاهرة، فالله علم رسوله القرآن والسنة، والرسول علم كل ذلك لعلي (١).
وقد وضح الإمام علي هذا التكليف لأصحابه بقوله لسليم بن قيس الهلالي: (كنت إذا سألت رسول الله أجابني، وإن فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت عليه آية في ليل ولا نهار ولا سماء ولا أرض، ولا دنيا ولا آخرة، ولا جنة ولا نار، ولا سهل ولا جبل، ولا ضياء ولا ظلمة، إلا أقرأنيها وأملاها علي وكتبتها بيدي، وعلمني تأويلها وتفسيرها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها، وكيف نزلت، وأين نزلت وفيمن أنزلت إلى يوم القيامة ودعا الله أن يعطيني فهما وحفظا، فما نسيت آية من كتاب الله ولا على من أنزلت إلا أملاها علي (٢).
وروى الإمام محمد بن علي الباقر عن آبائه: (أن رسول الله قد قال لعلي: أكتب ما أملي عليك، فقال علي: يا نبي الله أتخاف علي النسيان؟
الأئمة من ولده) (١).
(وما ترك الإمام علي شيئا من سنة الرسول إلا وقد كتبه) (٢) حتى أرش الخدش أملاه رسول الله وكتبه علي بيده) (٣).
(وأنجز الإمام علي مهمة تدوين السنة الطاهرة، وجمعت السنة في صحيفة طولها سبعون ذراعا) (٤) بخط علي وإملاء الرسول، قال الإمام أبو جعفر الباقر: (إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله) (٥).
(وقد سمى الأئمة من أهل البيت كتاب الإمام علي الذي أملاه رسول الله والذي يشتمل على الأحكام (بالجامعة) وهو يشمل كل حلال وحرام وكل شئ يحتاج إليه الناس حتى أرش الخدش) (٦).
ويبدو أن الإمام عليا قد كتب أيضا كتابين آخرين، أحدهما:
(٣) بصائر الدرجات ص ١٤٣ وص ١٤٥ وص ١٤٧.
(٤) بصائر الدرجات ص ١٤٥ وص ١٥٩.
(٥) بصائر الدرجات ص ١٤٤.
(٦) بصائر الدرجات ١٥١ – ١٥٢، وأصول الكافي ج ١ ص ٢٣٩، والوافي ج ٢ ص ١٣٥، ومعالم المدرستين ج ٢ ص ٣١٠.
ومن المعروف أن الأئمة الكرام الاثني عشر هم شيوخ آل محمد وأهل بيت النبوة، فكان كل واحد منهم في زمانه عميد أهل بيت النبوة وشيخ آل محمد، وكان الحكام والخاصة والعامة، يتعاملون مع كل واحد من الاثني عشر على هذا الأساس، ومع أن العباس هو عم النبي، إلا أنه لم يدع بأنه شيخ آل محمد ولا عميد أهل بيت النبوة، ولا تقدم على الإمام علي، إنما كان يطالب بالخلافة للإمام لا لنفسه، ومع أن بني العباس قد أصبحوا ملوكا في ما بعد وحكموا العالم الإسلامي، إلا أن أي واحد منهم لم يدع بأنه عميد أهل بيت النبوة أو شيخ آل محمد، بل كان الخليفة منهم يعترف بعمادة الإمام المعاصر له، وبعد أن انتقل الإمام علي إلى جوار ربه كانت العامة والخاصة يخاطبون كل واحد من الأئمة بالقول: (يا بن رسول الله) لقد أجمع الأئمة الاثنا عشر وأجمعت الخاصة من آل محمد وأهل بيت النبوة على أن الإمام عليا قد كتب بخط يده كل ما أملاه عليه رسول الله، كما وثقنا، وإجماع أهل بيت النبوة كاف كل الكفاية، لأن الله قد أذهب عنهم الرجس، وجعل الصلاة عليهم ركنا من أركان الصلاة المفروضة على العباد، وأعلن الرسول بأمر من ربه بأن أهل بيت النبوة هم
كتابة وتدوين سنة الرسول على مستوى الأمة
في الوقت نفسه الذي كلف فيه رسول الله الإمام عليا بكتابة وتدوين سنة الرسول، خصيصا للأئمة، والمراجع، ولأهل بيت النبوة بوصفهم أحد ثقلي الإسلام، حيث كان الرسول يملي سنته أولا بأول، والامام علي يكتبها بخط يده، بهذا الوقت بالذات أمر رسول الله كل قادر على الكتابة، وكل محتاج إليها أن يكتب من سنة الرسول ما يستطيع كتابته.
وأهل بيت النبوة مجمعون على أن رسول الله قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية، وأن المسلمين قد استجابوا بالفعل لأمر الرسول وكتب كل قادر على الكتابة مخطوطا أو أكثر منها، وقد شاعت هذه المخطوطات وانتشرت طوال عهد رسول الله، وإجماع أهل بيت النبوة حجة للمؤمنين.
ومن خواص ومزايا سنة الرسول أنها قد قاومت محاولات تدميرها وتغييبها فحتى الذين أنكروا إنكارا تاما أن يكون الرسول قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة تواترت عندهم الأخبار والروايات بأن رسول الله بالفعل قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين سنته، وأن كل قادر على الكتابة من المسلمين كانت عنده صحيفة أو أكثر تحتوي جوانبا من سنة الرسول، ومع أن الخليفة الأول كان من المعارضين لكتابة ورواية سنة الرسول إلا أنه احتفظ بصحيفة كتبها بخط يده.
طائفة من الأخبار والروايات التي تثبت أن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة سنته
ومع أن أنصار دولة الخلافة التاريخية قد أنكروا إنكارا تاما أمر الرسول للمسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية، وسخروا كل موارد الدولة وأعلامها لإثبات هذا الإنكار، إلا أن قوة السنة النبوية، وثبوت أمر الرسول بكتابتها وتدوينها اضطرهم اضطرارا لتسريب بعض الروايات والأخبار التي تؤكد بأن الرسول قد أمر المسلمين بكتابة وتدوين السنة النبوية.
الرواية الأولى:
قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبوه من أركان دولة الخلافة (كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله، أريد حفظه، فنهتني قريش!!
وقالوا: تكتب كل شئ سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ الرسول إلى فمه وقال: أكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق) (٢).
الرواية الثانية:
روى البخاري (أن رجلا من أهل اليمن سمع رسول الله، فقال:
أكتب لي يا رسول الله فقال الرسول: أكتبوا لأبي فلان) (١).
وروى أيضا (فقام أبو شاه – رجل من اليمن – فقال أكتبوا لي يا رسول الله فقال الرسول: اكتبوا لأبي شاه، قال الراوي قلت للأوزاعي ما قوله اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله) (٢).
الرواية الثالثة:
روى الترمذي: (أن رجلا من الأنصار كان يجلس إلى النبي فيسمع
الرواية الرابعة:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت يا رسول الله:
أكتب كل ما أسمع منك؟ قال الرسول: نعم، قال: قلت: في الرضا والغضب؟ قال الرسول: نعم، فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقا)، وفي رواية أخرى (إني أسمع منك أشياء أفأكتبها؟ قال الرسول نعم) (٢).
الرواية الخامسة:
قال عبد الله بن عمرو قال رسول الله: (قيدوا العلم، قلت وما تقييده؟ قال الكتابة) قال أنس: قيدوا العلم بالكتابة رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح وقال أنس: (شكا رجل إلى النبي سوء الحفظ فقال النبي استعن بيمينك، وروى أبو هريرة مثل ذلك) (٣).
الرواية السادسة:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (قلت يا رسول الله إنا نسمع منك أحاديثا لا نحفظها أفلا نكتبها؟ قال: بلى فاكتبوها) (٤).
الرواية السابعة:
إن الخليفة أبا بكر نفسه كتب بيده خمسمائة حديث أثناء حياة الرسول، وانتقل الرسول إلى جوار ربه وهذه الأحاديث مكتوبة عنده، وبعد
(٣) مجمع الزوائد ج ١ ص ١٥٠ باب كتابة العلم، وراجع تدوين القرآن للشيخ علي الكوراني ص ٣٧٨.
(٤) مسند أحمد ج ٢ ص ٢١٥.
الرواية الثامنة:
قال ابن سعد في طبقاته: إن أحاديث رسول الله قد كثرت على عهد عمر بن الخطاب فناشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها) (٢) وحرقت فعلا!! يبدو أن الخليفة قد أوهم الناس بأنه يريد جمع سنة الرسول في كتاب واحد، هذا هو السبب الذي دفع المسلمين لتسليم المكتوب عندهم من سنة الرسول للخليفة، وعندما اعتقد الخليفة أن سنة الرسول المكتوبة قد أصبحت في قبضة يده، أعلن الخليفة أن جمع السنة في كتاب واحد عمل غير مناسب، وعبر عن ذلك بقوله: (لا كتاب مع كتاب الله) وكان هذا التبرير كافيا لإحراق ما تجمع عنده من سنة الرسول المكتوبة!!
ومن الطبيعي أن الذين سلموا مخطوطاتهم للخليفة لا يمكنهم أن يطالبوا باستردادها بعد أن عرفوا مقاصد الخليفة، لأن الخليفة هو الدولة، ولا طاقة لفرد أو لمجموعة بالوقوف ضد رغبة وتوجه دولة قوية ومستقرة.
وما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن كل قادر على الكتابة قد كتب أثناء حياة الرسول شيئا من سنة الرسول، واحتفظ بها عملا بحث الرسول وتوجيهاته المستمرة لكتابة السنة.
الرواية التاسعة:
بعد أن تمكن الخليفة من جمع ما أمكنه جمعه من سنة الرسول،
الرواية العاشرة:
من أواخر الكلمات الخالدة التي قالها الرسول الأعظم قبيل وفاته بقليل، (قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا)، أو قال: (إئتوني بالكتف واللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، أو قال إئتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) (٢) وخلاصة هذه الواقعة أن الرسول وهو على فراش الموت أراد أن يكتب توجيهاته النهائية وأن يلخص الموقف للأمة، وأن يكتب وصيته كنبي، وكإمام للأمة، أو كمسلم على الأقل إلا أن زعامة بطون قريش برئاسة عمر بن الخطاب، تصدوا للنبي وحالوا بينه وبين ما أراد كتابته، وقالوا على مسمعه الشريف (النبي يهجر، ولا حاجة لنا بكتابه حسبنا كتاب الله، وأكثروا من اللغط والتنازع، فطلت النسوة من وراء الستر، فقلن ألا تسمعوا رسول الله يقول: (قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا؟!) فنهرهن عمر بن الخطاب وقال لهن إنكن صويحبات يوسف